الرقابة الإلكترونية في الدّول الإمبريالية / الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) – الجمعة 30/8/2024 م …

ألقت السلطات الفرنسية، مساء السبت 24 آب/أغسطس 2024، القبض على بافيل فاليريفيتش دوروف مؤسس تطبيق “تليغرام” الذي يحمل الجنسيات الروسية والفرنسية والإماراتية، رجل الأعمال الروسي بافيل دوروف، في مطار باريس لو بورجيه، على خلفية مزاعم بانتهاكات مختلفة منسوبة لتطبيق المراسلة المشفرة، ولرفضه التعاون مع السلطات الأمنية الفرنسية، وصدرت مذكرة الإعتقال قبل وقت قصير من هبوط الطائرة الخاصة لبافيل فاليريفيتش دوروف بمزاعم تتعلق بانتهاكات مختلفة منسوبة لتطبيق “تليغرام” المشفر الذي أسسه صاحبه سنة 2013 والذي أصبح واحدًا من أشهر التطبيقات على مستوى العالم، ويحظى بأكثر من 900 مليون متابع، ورفضت السلطات الفرنسية طلب السفارة الروسية في باريس شرح أسباب هذا الاحتجاز وطلب حماية حقوق المُعْتَقَل والسماح بزيارة ممثل عن القنصلية، وانتقَدَ إيلون ماسك اعتقال رجل الأعمال الروسي، لأن ماسك مُستهدف إذا لم يتعاون مع الإستخبارات الأوروبية، كما يفعل مع الإستخبارات الأمريكية، وبعد خمسة أيام من الإعتقال تم الإفراج عن مؤسس تليغرام يوم الخميس 19 آب/أغسطس 2024، بكفالة، مع حَظْرِ السّفر بانتظار محاكمته المحتملة في قضية تتعلّق بإشراف شركة تليغرام على محتوى منصّتها الخاصة بالمراسلة، والذي وصفته السّلطات الفرنسية ب”قضايا تتعلّق بنشر محتوى متطرّف في تطبيق الرسائل النصية”، وهي خطوة جديدة لاستمرار انهيار حرية التعبير في فرنسا وفي أوروبا التي تُحقق كذلك ضد إيلون ماسك وشبكة التواصل الاجتماعي X/Twitter “لانتهاك قانون الخدمات الرقمية”، وبالتالي فإن اعتقال بافيل دوروف في باريس هو أداة للضغط على إيلون ماسك…




تمتلك الإحتكارات التكنولوجية الكبيرة شبكات التواصل المُسمّى “اجتماعي” ومن مصلحتها اجتذاب أكبر عدد ممكن من المُستخدمين لكي ترتفع أسعار إعلاناتها وترتفع قيمتها في أسواق الأسهم، وتريد سلطات الدّول الكبرى السيطرة على الحجم الهائل من البيانات والمُعطيات ومراقبة محتوى رسائل المستخدمين، مما يخلق تضاربًا (جُزْئِيًّا) في المصالح، وجسّدت المعركة بين الملياردير الأمريكي إيلون ماسك والمفوضية الأوروبية هذا التّضارب، ففي 12 تموز/يوليو 2024، نشر الإتحاد الأوروبي النتائج الأولية لتحقيقاته التي اعتبرت إن  شركة X/Twitter تخالف القانون لأن التطبيق الجديد لتوليد الصور لم يكن خاضعًا للرقابة، لكن لا تستطيع المفوضية الأوروبية حظر منصة X/Twitter التي يستخدمها حوالي 45 مليون مواطن في أوروبا، كما فعلت مع TikTok، لأن إيلون ماسك يحظى بدعم وزارة الحرب الأمريكية التي تستخدم تطبيقات منصة تويتر/إكس في مجال الاتصالات العسكرية لحلف شمال الأطلسي وفي أوكرانيا وعدد من الجبهات الأخرى، وقد تنتهي معركة الاتحاد الأوروبي مع الاحتكارات التكنولوجية الكبيرة بغرامة تُشكل نسبة مائوية من دخل هذه المنصات باسم “مكافحة التضليل”، ويتمثل جوهر المسألة في خصخصة الرقابة السياسية.

احتجت الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي لما منعت الصين تطبيقات “غوغل” و “يوتوب” أو لما حَظَرَت روسيا مواقع ميتا – فيسبوك، بذريعة حفظ الأمن القومي، لكن الدّول “الغربية” تفعل نفس الشيء، حيث حَظَرَت الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي ودول أوروبا الشمالية ونيوزيلندا وبريطانيا وتايوان – وغيرها من الدّول التي تتبجّح بالديمقراطية – تطبيق TikTok لنفس الأسباب، وهو إجْراء مُخالف لقواعد “السّوق الحُرّة” وحرية تداول ونشر وتبادل المعلومات، غير إن وسائل الإعلام “الغربية” تتفق على توجيه أصابع الاتهام إلى دول مثل الصين وروسيا، وغض الطرف – إن لم تُمارس التّأييد المُطلق – عن الحظر والرقابة والتضييقات التي تفرضها الولايات المتحدة وأوروبا، كما تدعم الحروب العدوانية وقلب أنظمة الحكم التي لا تخدم مصالح الإمبريالية الخ.

يُصْدر الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التقارير عن قمع الحريات في الصين أو إيران أو روسيا ولكن أظْهر الدّعم المطلق للعدوان الصهيوني وقمع أي حركة احتجاج، زَيْفَ ادّعاء الديمقراطية، وتُشكل رقابة محتوى الإعلام وإغلاق الشبكات والحسابات إرهابًا للمواطنين والإعلاميين الذي يعتادون على ممارسة الرقابة الذّاتية خوفًا من مواجهة تهمة “الإرهاب” أو نشر الأخبار الزائفة وما إلى ذلك، مما يُؤَدِّي إلى استحالة التعبير الحر ونشر الآراء المتنوعة، وتهدف سلطات الإتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة السيطرة على قاعدة البيانات الضخمة لمُسْتَخْدِمِي شبكات الإتصال ووضعها تحت تصرف قوات الشرطة لإثراء ملفات الرقابة والتجسس وفهرسة كل مواطن أوروبي حسب آرائه الاجتماعية والسياسية.

يبدو إن أسباب نجاح تطبيق منصة “تليغرام” هو رَفْضُ مؤسسها ومُديرها بافيل فاليريفيتش دوروف التعاون مع الشرطة، ولذلك فإن اعتقاله يهدف إجباره على التوصل إلى “اتفاق تعاون”، أي تحويل تليغرام” إلى ملحق للمخابرات “الغربية”،

أطلقت المخابرات الأمريكية حملة تشويه على التطبيقات المَحْمِيّة بالتشفير الكامل التي تُحافظ على سِرِّيّة معلومات المُستخدم، مثل تطبيق “تيك توك” بذريعة خطرها على الأمن القومي الأمريكي، ثم شنت حملة مماثلة على تيلغرام بذريعة دعم الإرهاب، وسبق أن اعتقلت كندا سنة 2018 المدير المالي لشركة هوي، لكن واعتقلت اليونان ألكسندر فينيك سنة 2022 أثناء إجازته في البلاد – وهو تاجر روسي للعملات المشفرة بين سنتَيْ 2011 و 2017  – وسلمته حكومة اليونان (عضو حلف شمال الأطلسي والإتحاد الأوروبي ) إلى الولايات المتحدة التي تتهمه بغسيل الأموال، ولم تتم إدانة أي مالك لشبكة اجتماعية لعدم لعب الدور الرقابي الذي يتوافق مع دَوْر الشرطة والقضاء، قبل اعتقال بافيل دوروف من قِبَل فرنسا، مما يُشير إلى تزايد القمع السياسي وانتهاك حرية الرأي والتعبير، وإلى الضغط الذي تمارسه القوى الرأسمالية الكبرى لشرعنة وتقنين وتعميم القمع السياسي والرقابة الاجتماعية وإنهاء حق الناس في الخصوصية، ولا يقتصر الأمر على حرية التعبير، بل تهدف القوى الإمبريالية السيطرة على المنصات الرقمية التي يستخدمها مليارات البشر حول العالم، وأصبح أصحاب منصات الإتصالات المشفرة يواجهون عقوبة السجن لمدة تتراوح بين 10 و20 عامًا إذا لم يتعاونوا مع الولايات المتحدة وينقلوا المعلومات اللازمة، ويتم اتهامهم بالاحتيال وغسل الأموال والاتجار بالمخدرات والإعتداء الجنسي على الأطفال…

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

13 − ثلاثة عشر =