دراسة نقدية متنوعة لرواية مدينة القديس أوغسطين للروائي الدكتور فيصل الأحمر / الأستاذ بلحمدي رابح

الأستاذ بلحمدي رابح ( الجزائر ) – السبت 31/8/2024 م …




# **1. دراسة سيميائية تفكيكية للعنوان والصورة:**

# **أ. العنوان: “مدينة القديس أوغسطين”**

– **التحليل السيميائي (SemioticAnalysis)**:

– **العنوان** يحمل دلالات تاريخية وثقافية عميقة مرتبطة بالقديس أوغسطين (Saint Augustine) والذي يعتبر أحد أهم الشخصيات في تاريخ المسيحية. ارتباط العنوان بالقديس أوغسطين يعكس صلة الرواية بالتراث الديني والفلسفي المسيحي في الجزائر، حيث ولد القديس أوغسطين في تاغاست (حاليًا سوق أهراس).

**تفكيك (Deconstruction)**: العنوان يمكن أن يُفكك لفهم أبعاده العميقة، حيث يحمل في طياته تناقضات محتملة بين القداسة والتاريخ الاستعماري الذي عاشته الجزائر. القديس هنا قد لا يكون فقط رمزًا دينيًا، بل أيضًا رمزًا للتاريخ المتشابك بين القداسة والاستعمار، بين الروحي والدنيوي.

# **ب. الصورة: مدينة قبالة البحر**

– **التحليل السيميائي**:

– **المدينة المطلة على البحر** ترمز إلى مكان مفتوح على آفاق مختلفة، وهي تشبه مدينة عنابة (بونة سابقًا)، مما يعطيها بعدًا تاريخيًا وحضاريًا مرتبطًا بالتبادل الثقافي والتجاري عبر البحر الأبيض المتوسط.

– **تفكيك**: الصورة تعكس حالة من الجمال والهدوء الظاهري، ولكنها قد تحمل في داخلها أبعادًا تاريخية وسياسية أكثر تعقيدًا، حيث أن المدينة قد تكون شاهدة على صراعات وأحداث تاريخية عميقة، مما يفتح المجال لفهم مزدوج للصورة كرمز للجمال والسلام وأيضًا للصراع والاضطراب.

# **2. الدراسة النقدية البنيوية والأسلوبية:**

#### **أ. النقد البنيوي (Structuralism)**

– **البنية النصية**: تعتمد الرواية على لغة شاعرية وأسلوب متدفق، حيث يتم دمج الحوار الداخلي للشخصيات مع الوصف الخارجي للبيئة. هذه البنية تعكس صراعًا داخليًا للشخصيات ومحاولة لفهم الواقع من خلال الخيال والماضي.

تكشف رواية “مدينة القديس أوغسطين” للروائي فيصل الأحمر حالة من الضياع والارتباك التي يعيشها البطل، حيث يتخبط بين الواقع والخيال، بين الذكريات والهلوسات. يبدو أن البطل في لحظة من التأمل الذاتي العميق، حيث يحاول التواصل مع صورة امرأة يحبها، رغم أنه ليس متأكدًا من هويته أو مكان وجوده.

اللغة المستخدمة في النص شاعرية وغامضة، مما يضفي على الرواية طابعًا فلسفيًا وتأمليًا. الحوار بين البطل وصورة المرأة التي يتخيلها يعكس حالة من الحنين والشوق، ولكن أيضًا نوعًا من اليأس أو العجز عن استعادة ما كان. النص مليء بالتساؤلات التي تبقى بلا إجابة، مما يعكس تعقيد المشاعر الإنسانية وصعوبة التمييز بين ما هو حقيقي وما هو متخيل.

الرواية تبدو وكأنها تطرح أسئلة حول طبيعة الحب والخيال، وكيف يمكن للذاكرة أن تصبح سجنًا للعقل، حيث يعيد الشخص نفسه إلى مواقف وأشخاص من الماضي في محاولة لاستعادة شيء فقده.

في النص حوار داخلي أو مونولوج ذاتي يعكس حالة من التأمل العميق، حيث يمزج بين الحلم والواقع، وبين الذكريات والمشاعر الحية. هناك تناقضات تظهر في الحوار، مثل الانتقال بين الجدية والسخرية، وبين التقدير والاستهزاء، مما يعكس تعقيد العلاقة بين الشخصيتين وعمق التفاعلات العاطفية بينهما.

يستعرض الخطاب الموجه للقاريء جوانب فلسفية وتفكرية، مثل الأسئلة حول البداية، والذكريات مقابل الأحلام، والحب والخوف، وهي موضوعات تلامس جوانب إنسانية عميقة. هناك تكرار متعمد لبعض الأفكار والكلمات (مثل “نصف” و”الطيب”) مما يعزز الشعور بالدوامة الفكرية التي يعيشها المتحدث.

العلاقة بين الشخصيتين الرئيسيتين تبدو غامضة ومليئة بالتوتر والتناقضات، حيث يظهر الحب والاعتماد على الآخر بشكل واضح، لكنه مشوب بالأسئلة والشكوك التي تترك القارئ يتساءل عن طبيعة هذه العلاقة وكيف تطورت إلى هذا الحد.

الأسلوب الأدبي للنص يعتمد دائما على التدفق الحر للأفكار والمشاعر، مما يجعله نصًا حيويًا ومفتوحًا للتفسير، يمكن للقارئ أن يجد فيه تأملات شخصية تتعلق بتجاربه الخاصة أو رؤيته للعالم.

التأملات الفلسفية والسياسية حول السلطة والمجتمع، ويبدو أنه جزء من حوار بين شخصيتين، إحداهما تعبر عن رؤية نقدية للوضع القائم، سواء في البلاد أو في العالم بشكل عام. تتطرق الفقرات إلى مفهوم “الوقت” كعدو للسلطة، حيث يُشار إلى أن التوعية وكشف الحقائق هما السبيل لمواجهة الظلم والكذب.

النص يستعرض أيضًا تداخل السياسة مع الحياة الشخصية، حيث تظهر العلاقة بين الشخصيتين في حوار ذي طابع عاطفي وحميمي، مما يعكس تداخلًا بين العالم الخارجي بكل مشاكله والسياسة، والعالم الداخلي بكل مشاعره وتعقيداته. استخدام القديس أوغستين كمصدر للحكمة يضفي على النص بعدًا فلسفيًا ويعكس تأثير القيم الروحية في الحياة اليومية.

الجملة الأخيرة التي تنتهي بمدح الشريك ووصفه بـ”أجمل جوار في الرصيف الكوني” تضفي لمسة شاعرية على النص، حيث تتجلى مشاعر الحب والتقدير في خضم الحوار حول القضايا الكبرى.

يتأكد لدينا أن النص يعكس أسلوبًا أدبيًا يجمع بين العمق الفكري والعاطفة، مما يجعله نصًا مفتوحًا لتفسيرات متعددة، سواء كانت سياسية، اجتماعية، أو شخصية.

الحوار أيضا يعكس عمقًا فلسفيًا وعاطفيًا حيث يتم المزج بين مواضيع الحراك الشعبي، والسياسة، والحب، والإغراء. يتحدث النص عن كيفية تداخل هذه المواضيع بشكل طبيعي، إذ يرى المتحدث أن الحراك الشعبي والسياسة يمثلان طاقة حيوية إيجابية، مثل الحب والجنس، حيث أن السياسة تسعى لتحسين الحياة، تمامًا كما يسعى الحب لتحسين التجربة الإنسانية.

أما حول الاشتعال، فيبدو أن هناك استحضارًا للجنون كموضوع مشوق، مما يدل على أن الشخصية المقابلة تعشق التجارب الحياتية بكافة أشكالها، وتعتبر النار والاحتراق رمزين للشغف والحيوية التي تشتعل بين الطرفين.

النص يعبر عن علاقة معقدة حيث المشاعر والأفكار متشابكة ومتداخلة، مما يعكس واقعًا يتجاوز المألوف. الجنون هنا ليس سلبياً بل هو جزء من النظرة الفلسفية للحياة، التي ترى الجمال والعمق حتى في الفوضى والاشتباك العاطفي.

يبدي السرد حوار أدبي مليء بالتأملات الفلسفية والشخصية، مما يجعله مفتوحًا لتفسيرات مختلفة حسب وجهة نظر القارئ و

الحوار هنا يظهر تأملات داخلية عميقة للشخصية، حيث يتشابك الفكر العاطفي مع الفلسفي. الحوارات تعكس حالة من التداخل بين الواقع والخيال، وبين الوضوح والغموض. الكلمات المنطوقة تظهر نوعاً من الاستسلام لعمق المشاعر والتفكير المتواصل في الشخص الآخر، والذي يظهر كأنما يعيش في عالم مختلف، لكنه متصل بشكل عميق بهذا الشخص.

ذكر الرومي وجلال الدين الرومي يضيف بعداً روحانياً وتأملياً، حيث أن هذه الاستشهادات تعزز فكرة الاستيقاظ الداخلي والوعي المتجدد. الحوار يبدو وكأنه تأمل في العلاقة بين ما هو محسوس وما هو روحي، وكيف يمكن أن تلتقي هاتان الحالتان في لحظات معينة من الحياة.

أما عن السؤال الأخير بشأن قصة الشعر، فهو يمثل نوعاً من التحول أو التغير في الشخصية الأخرى، شيء قد يبدو غير ملحوظ ولكنه يحمل دلالة على تغيير داخلي أو رغبة في التغيير. الرد بالإيماءة دون الكلام يعزز من الغموض والعمق الذي يحيط بهذه الشخصية، وربما يشير إلى أن التغيير أعمق مما يبدو على السطح.

في هذا النص، يمكن ملاحظة تداخل مشاعر الحب والتقدير مع عناصر منطقية وعقلانية مثل الرياضيات والفيزياء. يظهر النص تأملًا في طبيعة الحب من خلال مقارنة الحبيبة بالرياضيات التي تعتبر عادلة ونظيفة، وتستلزم اهتمامًا عميقًا وتحديًا. بينما يتم التسامح مع الفيزياء على الرغم من كونها صلبة ومتصلبة مثل عقول الأجيال السابقة. النص يوازن بين الشغف والمشاعر، وبين المنطق والنقد، مما يعكس نظرية الحب التي تجمع بين العقل والقلب.

النص يتناول أيضًا العلاقة بين الشخصين على أنها مزيج من جنون الحب ومنطق الفكر، حيث يعترف الشخص بجماليات الحب ولكنه يعتبر بعض التعابير مبتذلة، مما يدل على تقديره للصدق والبساطة في التعبير عن المشاعر.

في هذه الرؤية النقدية، يمكن القول إن الحب هنا يُعالج بواقعية ورؤية فلسفية، حيث يتم تمييزه عن المشاعر السطحية من خلال الاعتراف بقيمة التفكير النقدي والتأمل في العلاقة، مما يضفي على النص عمقًا وحميمية خاصة.

يمزج السارد بين أفكار ومشاعر متعددة تتنقل بين الحب والتفكير النقدي والذكريات الشخصية. هناك تأملات في الحب والعلاقة بين الشخصين، ويتم استخدام الرياضيات والفيزياء كمجازات لتعكس هذه العلاقة. يبدو أن النص يتناول شخصية أهداب التي تثير مشاعر مختلطة في نفس الطيب، حيث يتذكر مواقفها المختلفة وسلوكها في الحياة اليومية، ويبدو أنه يعيش نوعًا من الهوس أو الافتتان بها.

كما يستخدم لغة شاعرية واصفة، ويمزج بين الواقع والخيال، وبين التفكير العقلاني والمشاعر العاطفية، مما يعطيه طابعًا خاصًا مليئًا بالتناقضات الإنسانية. تبدو أهداب كشخصية معقدة وجذابة في آن واحد، حيث تعكس جمالًا خارجيًا وعمقًا داخليًا يجعل الطيب مشغولًا بها على الدوام، حتى في لحظات التأمل والانقطاع عن العالم الخارجي.

يتطرق أيضًا إلى مواضيع فلسفية وتاريخية من خلال ذكر ابن تيمية والقديس أغسطينوس، ويبدو أن هناك نقدًا للفكر المتطرف أو الصلب، ويعكس رغبة في فهم الحب من منظور فلسفي عميق.

في المجمل، النص يقدم سردًا داخليًا غنيًا بالتفاصيل والتأملات، مما يجعله مثيرًا للاهتمام ومعقدًا في الوقت نفسه.

السارد يروي قصة ذات طابع غامض ومعقد، تجمع بين الحب، النضال، الذكريات، والخوف. يظهر النص شخصية الطيب الذي يعاني من مشاعر مختلطة وأفكار مضطربة حول حبه لأهداب.

في البداية يبدو الطيب غارقًا في ذكريات الحراك الشعبي الجزائري، مستعرضًا شجاعة جيل الشباب والنخبة الشريفة التي قادت التغيير. يتذكر كيف أن أهداب، بصوتها ولهجتها الشاوية، كانت تجسد العاصمة وتندمج فيها، لتصبح رمزًا لهذه المدينة المتحولة.

ثم ينتقل النص إلى وصف تجربة الطيب الشخصية مع أهداب في المدينة، حيث يعود بذاكرته إلى الأيام التي قضاها في البحث عن حبه. يتذكر اللحظات الحميمة التي رغب فيها في تقبيلها، وكيف كانت تلك اللحظات مليئة بالشوق والتوتر. تأخذ الأغنية الفرنسية التي تذكرها الطيب دورًا في إحياء هذه الذكريات، مما يعكس ارتباطه العميق بأهداب.

ثم يأخذ منحىً أكثر غموضًا عندما يظهر أمام الطيب صورة رجل مألوف، ربما والده، ويتحدث هذا الشخص مع رفيق غامض عن أمر ما يشغلهم ويثير في الطيب حيرة وقلق. هذه الصور والأصوات الغامضة، التي تأتي على هيئة خشخشة في دماغه، تضعه في حالة من الشبه غيبوبة، حيث يختلط الواقع بالخيال.

هي حالة المضطربة، يعود الطيب إلى ذكرياته مع أهداب، وهي تتحدث وتغني بالإنجليزية، مما يعمق شعوره بالارتباك ويزيد من حالته الغامضة. يبدأ يشعر بالغيرة من شخص غير واضح الملامح يظهر بجوار أهداب، ويثير ذلك في داخله رغبة في الانتقام، مما يعكس مدى اضطرابه النفسي.

في النهاية يعيد الطيب استرجاع ذكرياته مع أهداب في العاصمة، وتجاربهم المشتركة مثل تناول الزفيطي، ولكن الخشخشة في دماغه تستمر في محو كل صورة غير صورة أهداب، وكأنها الشبح الوحيد الذي يبقى حاضرًا في حياته.

الجزء الثاني من النص يأخذ منحى فلسفيًا وروحيًا، حيث يمتزج الحب بالجوانب الصوفية والفكرية. يظهر هنا الطيب وقد تأثر بعمق بأفكار الرومي ومحي الدين بن عربي، وهو يسعى لفهم معنى الحب وتأثيره الساحر على النفس والروح.

يبدأ النص بإشارة إلى **السيدة ماكبث**، التي قد ترمز إلى قوة التحفيز والاندفاع، وربما الحيلة في الحب. ثم ينتقل الطيب إلى التأمل في كتابة قصة تبدو مملة، لكنها تحمل في طياتها عمقًا وتأملًا يشبه تفكير متعاطي الكوكايين في الستينات، وهي فترة مليئة بالتمرد والتحرر الفكري والثقافي، مما يعكس توقه للعيش في تلك الفترة الغنية بالابتكار والتغيير.

عندما يتحدث الطيب عن القبلة، نجد أنه يصفها كفعل تجدد مستمر، حيث تكون الشفاه كأنها تولد من جديد مع كل قبلة، وهذا الوصف يجسد الحب كقوة خلاقة ومستمرة في العطاء.

ثم ينقلنا النص إلى اقتباس من الرومي، حيث يبرز الطيب أفكاره عن الحب كقوة تحول كل شيء، من المرة إلى الحلو، ومن الألم إلى الشفاء، ومن السجن إلى روضة. يعبر هذا الوصف عن نظرة الطيب المتفائلة والعميقة للحب، تلك النظرة التي ترى في الحب علاجًا لكل الآلام والهموم.

عندما يتحدث عن الأحلام، يظهر الطيب متأملًا في طبيعة الأحلام وعلاقتها بالواقع والدين. يستفسر ما إذا كان الإنسان يمكن أن يحلم بنفسه وهو يتبع ديانة أخرى، ليجيب عن نفسه بأن العاشق، بفعل حبه العميق والممتزج بالفكر الصوفي، يمكنه أن يتجاوز الحدود الدينية والفكرية.

وفي ختام النص، يؤكد الطيب حبه لأهداب بشكل مطلق، معتبرًا إياها ديانته اليوم وفي المستقبل، مما يعكس تعلقه الروحي العميق بها. القبلة الأخيرة في النص تحمل نفس الطابع الروحي والغريب، حيث تولد الشفاه من جديد بنفس الحلاوة والجدة، مما يشير إلى استمرارية الحب وتجدد المشاعر في كل لحظة.

هذا الجزء يعكس تعمق الطيب في أفكاره الروحية والفلسفية، ويبرز تأثير الحب عليه كقوة تحويلية وروحية تجعله يتجاوز حدود الواقع والدين، ليعيش في عالم من الأحلام والتأملات العميقة.

في هذا الجزء من النص، نرى تحولاً في الأسلوب من التأمل الفلسفي والروحي حول مفهوم الحب إلى استكشاف مستقبل تقني بارد يتم التحكم فيه بواسطة الذكاء الاصطناعي. يبدأ النص بمناقشة الحب من منظور جلال الدين الرومي، حيث تتطرق أهداب إلى مفهوم الحب في مدينتها وتقارنه بما قاله الرومي، ليعبر الطيب عن عشقه وحبه الذي يتجدد باستمرار كما لو أن شفتاه تولدان من جديد مع كل قبلة.

ثم ينتقل المشهد إلى وصف مشاعر الطيب وأحلامه الغريبة ولكن الحلوة في أيامه الأخيرة، حيث يُستدعى لموعد مع الإدارة، ويبدو أن أهداب تعلم أن الطيب ينتظرها في مكان ما. هنا تظهر لنا صورة لمجتمع مستقبلي يتم فيه التحكم بالحياة بشكل صارم لتحقيق السلامة الإنسانية بحلول عام 2109، حيث يُحظر رفع الصوت ومخالفة الأوامر، وكل شيء تحت سيطرة الإدارة.

تتداخل في النص عناصر الخيال العلمي مع ما يمكن تسميته بـ”الصدمة الزمنية”، حيث تُعرض أهداب على عالم تكنولوجي متقدم تحكمه آلات ذكية. تتفاعل أهداب مع هذا الواقع بشكل آلي، وهي تستمع للإعلانات والتحذيرات المتكررة، وتلتقي بالمديرة التي تشرح لها كيف وصل المجتمع إلى هذا الحال بعد “الفتنة الكبرى” والحرب البيئية.

يبدو أن النص يشير إلى فترة من التاريخ البشري تدهورت فيها الأخلاق والمبادئ، مما أدى إلى دمار بيئي شامل، ونتيجة لذلك، لجأ الإنسان إلى التكنولوجيا لإعادة تنظيم حياته ومنع التكرار. تحاول المديرة إقناع أهداب بقبول مهمة ما تم ترشيحها لها بواسطة “البرامج العلمية”، ولكن في النهاية نجد أن أهداب تشعر بغصة عميقة عندما تدرك أن قبول هذه المهمة هو شرط للقاء حبيبها الطيب.

النص يعكس صراعًا داخليًا لدى أهداب بين الرغبة في الحب والارتباط وبين الواقع الجديد الذي فرضته التكنولوجيا والقواعد الصارمة. هذه الرحلة الفكرية والوجدانية في النص تربط بين الماضي والمستقبل، وبين الحب الصوفي والعالم الذي تسيطر عليه الآلات.

يبدو أن النص يأخذنا في رحلة بين الحلم والواقع، حيث نجد أهداب تتفاعل مع مشاهد مستقبلية ثم تعود إلى عالمها الخاص، حيث تظل تتأمل في المعاني الفلسفية للحياة والزمان.

في البداية، تشير ابتسامة أهداب إلى أنها تتقبل الواقع أو ربما تتكيف معه بطريقة ما. وعندما تلتفت لترى اللوحة خلف المديرة، تكتشف جملة قديمة مألوفة لها من القديس أوغسطين، التي تعيد إلى ذهنها ذكريات جميلة مع الطيب، حيث كان يردد هذه الجملة للتعبير عن تقديره لكل لحظة عاشها بجانبها.

ثم ننتقل إلى عرض أهداب للقوانين التي تحكم الآليين وحضارتهم في سنة 2109، مما يعكس نظرة مستقبلية تحمل تحذيراً من هيمنة التكنولوجيا على الإنسان.

في النهاية، تستيقظ أهداب من هذا الحلم، لتجد نفسها في بيتها، مسترخية تستمع إلى موسيقى الطوارق التي تمنحها شعوراً بالراحة والسلام. تناولها للطحالب البحرية مع البطاطس المشوية يعكس ربما بحثها عن البساطة والعودة إلى الطبيعة بعد تجربة العالم المستقبلي المعقد. وأخيراً، عندما تطلب برامج تاريخية، يمكن أن نرى في ذلك رغبتها في العودة إلى الجذور واستكشاف الماضي، ربما كوسيلة لفهم حاضرها ومستقبلها.

النص أيضا يعكس مزيجاً من التأملات الفلسفية والوجدانية، حيث تجمع أهداب بين الحكمة القديمة والتجارب الحديثة لتجد السلام الداخلي في عالمها الخاص.

في هذا الجزء من النص، نجد الطيب مستيقظاً في عام 2109، وهو يعاني من صدمة الزمن الجديد الذي وجد نفسه فيه. يُرَحّب به في “عائلة الفرصة الجديدة”، ويُقدَّم له العالم المستقبلي ببرطوكولات وقوانين صارمة. هذا العالم لا يشبه بأي حال من الأحوال العالم الذي تركه خلفه ثم ينتقل السرد بشكل بطيء ومعقد :

**الاستيقاظ في زمن جديد:**

الطيب يستيقظ ليجد نفسه في زمن بعيد ومستقبل غريب عليه تماماً. يُرحب به بروتوكولياً من قبل “عائلة الفرصة الجديدة”، ويُخطر بأن عليه اجتياز مرحلة “الصدمة الزمنية” ليتمكن من التكيف مع البيئة الجديدة.

**الوجود الرقابي:**

يُلاحظ الطيب أن هناك أصواتًا داخلية توجهه وتعلمه بما يجب فعله، ولكن هذه الأصوات ليست بشرية تماماً. هي جزء من النظام الرقابي الذي يتحكم في كل شيء في هذا العالم الجديد. يشعر الطيب بالقلق والارتباك من كثرة البروتوكولات التي تحكم حياته في هذا الزمن.

**الحنين إلى الماضي والحب:**

رغم كل ما يمر به الطيب، فإن حنينه لحبيبته أهداب لا يتلاشى. بل إنه يتعمق أكثر كلما حاول التكيف مع هذا الزمن الجديد. الطيب يجد نفسه محاصراً في عالم لا يقدر الحب كما يعرفه، ولا يفهم نبض القلب الذي يحمله تجاه أهداب.

– **الثنائيات الضدية**: النص يتلاعب بثنائيات مثل الواقع والخيال، القداسة والفساد، الحاضر والماضي. هذه الثنائيات تكشف عن عمق الصراع الداخلي والخارجي الذي تعيشه الشخصيات والمدينة.

# **ب. النقد الأسلوبي (Stylistics)**

– **الأسلوب**: يتميز الأسلوب بالانتقال بين الحوارات الداخلية العميقة والوصف الخارجي الحسي، مما يعكس تمازجًا بين التأمل الشخصي والفعل الخارجي. الأسلوب الشاعري والرمزي يضفي على النص طابعًا فلسفيًا وتأمليًا.

– **استخدام الرموز**: الرواية مليئة بالرموز مثل “الخشخشة”، التي قد ترمز إلى اضطراب داخلي أو قلق متجدد، و”أهداب” التي قد تكون رمزًا للذاكرة والحنين.

# **3. الدراسة الأنثروبولوجيةوالتفكيكية:**

# **أ. الأنثروبولوجيا:**

– **ماضي ومستقبل البشرية**: الرواية تستكشف العلاقة بين الماضي والحاضر والمستقبل من خلال ذاكرة الشخصيات وتجاربهم. الطابع الأنثروبولوجي يظهر في تصوير التغيرات الاجتماعية والثقافية التي مرت بها المدينة وأهلها عبر الزمن.

– **التحليل الاجتماعي**: النص يعكس التفاوت الاجتماعي والسياسي الذي تعيشه الشخصيات، مما يفتح المجال لدراسة كيفية تأثير التاريخ والجغرافيا والسياسة على الهوية الفردية والجماعية.

# **ب. التفكيكية:**

– **تفكيك النص**: النص يمكن أن يُفكك لفهم التناقضات الداخلية فيه، مثل تناقض الحب والكره، الواقع والخيال. التفكيك هنا يكشف عن أن النص ليس فقط سردًا خطيًا، بل هو مجال لتأملات فلسفية ومعان متعددة يمكن أن تكون متناقضة أحيانًا.

# **4. الدراسة التاريخية والاجتماعية والأيديولوجية والنفسية:**

# **أ. التاريخية:**

– **ارتباط الرواية بالتاريخ الجزائري**: الرواية تعكس تأثيرات الحقبة الاستعمارية الفرنسية وتأثيرها على الهوية الثقافية والاجتماعية في الجزائر. المكانة التاريخية للقديس أوغسطين تشير إلى ارتباط النص بتأملات حول الإرث الثقافي والديني.

# **ب. الاجتماعية:**

– **التحليل الاجتماعي**: الشخصيات في الرواية تعكس فئات اجتماعية مختلفة، مما يعكس التفاوت الطبقي والتوترات الاجتماعية الناتجة عن الظلم السياسي والاقتصادي.

# **ج. الأيديولوجية:**

– **الأيديولوجيا**: الرواية قد تحتوي على نقد أيديولوجي للنظام السياسي والاجتماعي في الجزائر، وتعكس أفكارًا حول السلطة والفساد والمقاومة.

# **د. النفسية:**

– **التحليل النفسي**: النص يتعمق في النفس البشرية من خلال الحوارات الداخلية للشخصيات وصراعاتهم. الأزمات النفسية التي تعيشها الشخصيات تعكس تأثيرات الماضي والصدمات النفسية المرتبطة به.

# **5. دراسة نقدية لأدب الخيال ومكانة الرواية فيه:**

– **أدب الخيال**: الرواية تعتمد على عناصر الخيال في بناء عالمها السردي، حيث يمتزج الواقع بالخيال بشكل يعكس تأثير الفلسفة والتأملات الشخصية. هذه الرواية قد تُصنف ضمن أدب الخيال التأملي الذي يمزج بين الفلسفة والخيال والواقع.

– **مكانة الرواية**: الرواية تأخذ مكانة خاصة في الأدب الجزائري، حيث تعكس تجربة فريدة في المزج بين الواقع والتأمل الفلسفي، مما يضعها في إطار أدب الخيال المليء بالمعاني العميقة والمتعددة الأبعاد.

# **6. دراسة لشخصية المؤلف ومستقبله الروائي:**

– **شخصية المؤلف**: فيصل الأحمر يظهر في روايته ككاتب ذو عمق فكري وفلسفي، يتعامل مع مواضيع معقدة مرتبطة بالتاريخ والهوية والوجود. فلسفته تعتمد على التأمل والنقد العميقين للواقع من خلال لغة شاعرة ومعبرة.

– **مستقبل المؤلف**: إذا استمر المؤلف في تطوير أسلوبه الروائي والتأمل الفلسفي، فإنه قد يحتل مكانة مرموقة في الأدب الجزائري والعربي، ككاتب يجمع بين الفلسفة والأدب في نصوصه، مع عمق فكري يجذب القراء والنقاد على حد سواء.

## ملحق للدراسة

بالطبع، سأقوم بإضافة دراسة للشخصيات والسرد والحبكات لتكون الدراسة شاملة. سنقوم بتحليل العناصر الثلاثة كما يلي:

# 1. **دراسة الشخصيات (CharacterStudy)**

# أ. **تحليل الشخصيات الأساسية (Main CharactersAnalysis)**

– **الطيب**:

– **الملامح العامة**: الطيب هو الشخصية المحورية في الرواية، يعاني من فقدان الهوية والتشتت النفسي، مما يجعله يمثل رمزًا للإنسان الباحث عن ذاته وسط ظروف محيطة ضاغطة. اسمه يحمل دلالة إيجابية، مما يعكس تناقضًا بين هويته الاسمية وحالته النفسية.

– **البنية النفسية**: يعكس الطيب حالة من الانفصام بين الذات والواقع، حيث يعيش في ذكرياته ويستعيد تفاصيل علاقته بأهداب، مما يعكس رغبته في التمسك بالماضي للهروب من الحاضر المجهول.

– **الدور في الحبكة**: يمثل الطيب العنصر الرئيسي في الحبكة، حيث تدور الأحداث حول بحثه عن معنى لحياته واستعادة هويته المفقودة.

– **أهداب**:

– **الملامح العامة**: أهداب هي الحبيبة المثالية في مخيلة الطيب، وهي شخصية متخيلة تملك صفات تجمع بين الواقع والخيال. اسمها يدل على الخفة والرقة، مما يجعلها رمزًا للأمل والجمال في حياة الطيب.

– **البنية النفسية**: أهداب تعبر عن رغبات الطيب المدفونة، فهي تظهر وتختفي في ذاكرته لتعكس حالته النفسية المتقلبة. وجودها المتقطع يعكس الحنين والخيبة معًا.

**الدور في الحبكة**: تلعب أهداب دور المحفز العاطفي في الرواية، إذ تدفع الطيب لمواجهة واقعه والتفاعل مع الأحداث المحيطة به.

# ب. **تحليل الشخصيات الثانوية (SupportingCharactersAnalysis)**

– **الشخصيات المجتمعية**: تظهر الشخصيات الثانوية كممثلين لأدوار مجتمعية محددة، مثل الفئة الحاكمة والناس في الشارع، وهي تعكس حالة الفوضى والتضارب الاجتماعي والسياسي الذي تعيشه البلاد.

# 2. **دراسة السرد (Narrative Analysis)**

# أ. **تقنيات السرد (Narrative Techniques)**

– **السرد الداخلي (Internal Narration)**: يستخدم السرد الداخلي بكثافة لتصوير الأفكار والمشاعر العميقة للشخصيات، خاصة الطيب. هذا النوع من السرد يتيح للقارئ الوصول إلى العالم الداخلي للشخصية، مما يعمق فهمه للصراعات النفسية التي تواجهها.

– **الزمن الغير خطي (Non-linear Time)**: تتبع الرواية أسلوب السرد غير الخطي، حيث تتداخل الذكريات والمواقف الحالية، مما يخلق حالة من التوتر وعدم اليقين. هذا الأسلوب يعكس حالة التشظي والاضطراب النفسي للطيب.

# ب. **الأسلوب (Style)**

– **اللغة الرمزية (SymbolicLanguage)**: تعتمد الرواية على استخدام الرموز بشكل مكثف، مثل “الخشة” التي تشير إلى التحولات الداخلية والقلق، و”النفق المظلم” الذي يرمز إلى الضياع والبحث عن النور.

– **الحوار (Dialogue)**: تلعب الحوارات دورًا هامًا في إبراز التناقضات الفكرية والوجدانية لدى الشخصيات. حوارات الطيب مع أهداب تمثل انعكاسًا لصراعه الداخلي ورغبته في الفهم والتصالح مع ذاته.

# 3. **دراسة الحبكات (Plot Analysis)**

# أ. **الحبكة الرئيسية (Main Plot)**

– **فقدان الهوية واستعادتها (IdentityLoss and Recovery)**: تمثل الحبكة الرئيسية رحلة الطيب في محاولة استعادة هويته المفقودة، وهي حبكة نفسية ترتكز على الصراع الداخلي والبحث عن الذات في عالم مضطرب.

# ب. **الحبكات الفرعية (Subplots)**

– **الحبكة العاطفية (Emotional Plot)**: تتضمن الحبكة الفرعية علاقة الطيب مع أهداب، وهي علاقة تجمع بين الحب والفقد، وتعكس مشاعر الحنين والأسى التي تسيطر عليه.

– **الحبكة الاجتماعية والسياسية (Social and Political Plot)**: تدور الحبكة الفرعية حول الحراك الشعبي والسياسي في البلاد، والذي ينعكس في الحوار والنقاشات بين الشخصيات حول المستقبل والمصير. هذه الحبكة تعكس التوترات الاجتماعية والسياسية في الجزائر والعالم.

# **تأثيرات السرد والحبكة على الشخصية**

– **الطيب**: تطور السرد والحبكة يساعد في كشف أبعاد شخصية الطيب، حيث يتنقل بين حالات من الانفصال النفسي والتأمل العميق. يظهر تطور الشخصية من خلال مواجهته لواقعه ومعالجته للصراعات الداخلية.

– **أهداب**: رغم أنها شخصية غير حقيقية، إلا أن تطور السرد والحبكة يجعل من أهداب شخصية مؤثرة في رحلة الطيب، حيث تمثل كل مراحله النفسية والتحولات العاطفية التي يمر بها.

بهذا تكون الدراسة شاملة تشمل جوانب متعددة من تحليل الشخصيات، تقنيات السرد، والحبكات، مما يوفر فهمًا أعمق للرواية من منظور نقدي شامل.

*ملاحظة عملية السرد في الرواية الخيالية تكون الاطالة فيها ثقيلة على القاريء ،العالم غير واقعي والاشخاص متنوعين والتنقل في الزمن والدخول ثم الخروج من الغيبوبة يجعل السرد بطيء ومعقد ،وثقيل شيئا ما على القاريء لكن مثل هذا الخطاب له قراؤه وهم متتبعي إنتاج المؤلف وعوام القراء ذوي النفس الطويل للوصول إلى الغاية من مشروع الرواية .

 

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

اثنا عشر + ثمانية =