الضفة الغربية… جبهة إسناد أم جزء من المعركة؟ / يوسف هزيمة
يوسف هزيمة* ( لبنان ) – الثلاثاء 3/9/2024 م …
لم تتأخر المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، في مساندة غزة، بعد عملية «السيوف الحديدية» الصهيونية الإجرامية على غزة، فسارعت، كما نظيرتها في جنوب لبنان، إلى فتح جبهة إسناد دعماً لغزة، وإنْ كانت الجبهة في الأساس غير مقفلة، وهي التي أبقاها الاحتلال مشرعة منذ اتقافية أوسلو وتسليمه المزعوم للسلطة إلى الفلسطينيين.
بدأت فصائل المقاومة بُعيْد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم بعمليات متنوعة، مستهدفة قوات الاحتلال «الإسرائيلي»، فاشتعلت الجبهات في جنوب لبنان والضفة الغربية، وصولاً إلى اليمن والعراق… وإنْ كانت الجبهة في الجنوب اللبناني تصاعدت حدّتها بشكل مضطرد بعد أسابيع من اشتعالها، حتى وصلت في الشهور الثلاثة الفائتة إلى ما يشبه الحرب، بحيث أنها لم تعد مجرد ضربات مقابل ضربات بل خرجت نهائياً من دائرة المناوشات أو الاشتباكات المحدودة على جانبي الحدود، وتحوّلت إلى معارك، كانت اليد الطولى فيها لسلاح الجو من طائرات حربية ومُسيّرات، وكذا الصواريخ، وتخطت كلها رقعتها الجغرافية المناطق الحدودية، إلى الجنوب برمّته، بل طالت البقاع الغربي ووسطه وشماله، ووصلت في بعض عملياتها الأمنية الجوية الإرهابية إلى ضاحية بيروت الجنوبية.
هذا لبنانياً، أما على صعيد الكيان الصهيوني فقد طالت المقاومة عمقه، بسلاحها الصاروخي، والجوي، حيث المُسيّرات، الانتحاري منها وغير الانتحاري، أرعبت الصهاينة، مستوطنين وجيشاً وقادة سياسيين، وخير شاهد ما حدث في عملية يوم الأربعين فجر الخامس والعشرين من تموز/ يوليو الفائت. وبِذلك كله تحوّلت الجبهة في جنوب لبنان من جبهة إسناد إلى مشاركة فعلية في المعركة، الأمر الذي أشار إليه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في أحد خطاباته.
بالعودة إلى ما يجري في الضفة الغربية منذ حوالى أسبوع، حيث تشنّ قوات الاحتلال عملية عسكرية تمثلت بقصف مركّز للطائرات الحربية، وكذا المُسيّرات استهدفت قادة المقاومة، ولا سيما من سرايا القدس وكتائب القسام، ولم توفر قَطّ المدنيين، وهي التي توغّلت في مناطق ومخيمات جنين وطولكرم وطوباس… في عملية عدّها الخبراء العسكريون أنها الأولى بهذه الحدة، منذ ما يقارب العشرين سنة، غير عابئة أو مكترثة لوجود السلطة الوطنية الفلسطينية التي من المفترض أن تدير تلك المناطق، وفق اتفاقيتَي أوسلو 1993 وطابا 1995، حيث قسّمت الأخيرة (اتفاقية طابا) مناطق الضفة إلى (أ) و (ب) و (ج)، وأعطت المناطق (أ) سيطرة كاملة للسلطة الوطنية الفلسطينية بما فيها الأمنية. فإذا بالإسرائيلي تصرّف في الأيام الأخيرة، وكأنّ الضفة تحت سيطرته الكاملة. والحق يُقال أنه يتصرف على الأرض منذ أكثر من عشرين سنة على هذا النحو، وهو الذي لم يلتزم بأيّ من بنود اتفاقيتَي أوسلو وطابا. ولعلّ الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أول من أدرك ذلك حتى انتهى به الأمر شهيداً بسمّهم الصهيوني.
وحتى لا نطيل ونسهب ونسترسل ونستطرد، فإنّ ما يجري في الضفة الغربية منذ حوالى أسبوع، من عملية عسكرية «إسرائيلية»، تستهدف المقاومة، أمام صمت وعجز وقصور وتقصير السلطة الفلسطينية، هو نفسه ما بدأته «إسرائيل» في غزة. وهو وإنْ ظهر بصورة مصغّرة، إلا أنه أخطر، لأنّ جزءاً من الشعب الفلسطيني في الضفة، يبدو للأسف صامتاً أو حيادياً، حتى لا نقول متواطئاً، وخير دليل هو موقف السلطة الفلسطينية.
إذن بعد أكثر من عشرة أشهر على مساندة المقاومة في الضفة لغزة، تدحرجت الأمور، ووصلت إلى ما وصلت اليه، ولم يعد ما يجري مجرد اشتباكات تحدث بين الفينة والفينة، وها نحن اليوم أمام مشهد من الاشتباكات الضارية، التي تخوضها فصائل المقاومة مع العدو، الذي يسعى بكلّ ما أوتي من قوة عسكرية، ومن دعم سياسي غربي أطلسي، إلى توسيع حربه، تارة مع المقاومة اللبنانية وتارة مع المقاومة في الضفة وطوراً مع محور المقاومة ككلّ، وهو إنْ دلّ على أمر، فإنما يدلّ على انّ الإسرائيلي، الذي لم يستطع تحقيق نصر على مقاومة غزة، اللهم سوى على الحجر والبشر، وخاصة الأطفال والنساء. وحيث انه استنفذ أهدافه تلك في غزة، لجأ إلى ما لجأ اليه في الضفة، التي ليس أمامها إلا المقاومة. وهي، ايّ الضفة، إنْ تأخرت في تصعيد عملياتها على حدّ رأى بعضهم، فليس أمامها اليوم إلا المقاومة، وهي التي عوّدتنا تاريخياً على التضحية والبطولة، وقدّمت الشهداء تلو الشهداء، ناهيك عن الأسرى الذين فاق عددهم خلال الشهور الـ 11 المنصرمة ثمانية آلاف أسير…
* كاتب وباحث سياسي لبناني