ماهر الجازي … عندما تزغرد رصاصات الكرامة / د. حسن أحمد حسن




د. حسن أحمد حسن ( سورية ) – الأربعاء 11/9/2024 م …

بوركت يمينك أيها الماهر القاهر أعداء الله والإنسانية… بورك حسبك ونسبك وأصلك ودماء النخوة والشهامة والإباء التي تجري في عروقك يا ماهر الجازي يا ابن عشيرة الحويطات العربية المسكونة حتى نقي العظام شهامة وعنفواناً ورجولة وإباء وعزة نفس وكرامة… بوركت أيها الشهيد الذي امتطى صهوة جواد التحدي واليقين متأبطاَ طيف ملك الموت وهو يواجه الغطرسة الصهيونية فأردى ثلاثة جنود إسرائيليين صرعى بثوانٍ قليلة… بوركت همتك الشماء وشموخ رجولتك وأنت تترجل بكل ثقة ويقين من شاحنتك، وتتجه واثق الخطوة إلى جنود مدججين بالسلاح ،وفي مقر عملهم بأعلى درجات الجهوزية والاستعداد، وحولهم العشرات من القتلة المارقين على كل شرعة وقانون…
بوركت سبابتك وهي تضغط على زناد مسدسك بعزم وإصرار ورجولة وإباء لتطلق ثلاث رصاصات إلى رؤوس ثلاثة جنود سرعان ما تحولوا إلى جثث هامدة وسط ذهول الجميع… بوركت تلك الإرادة الفولاذية التي استهزأت بالموت، واختارت الخلود عبر الشهادة بعد أداء الواجب المقدس على الوجه الأكمل…
بوركت الرصاصات الثلاث التي مزقت سكون الصمت فتجاوزت الأثر المباشر بقتل ثلاثة قتلة من الجنود الصهاينة إلى أبعد من ذلك بكثير…رصاصاتك الثلاث أردت عالما من الخوف والتردد، ورفعت معنويات الشعب الأردني الأبي العزيز، موطن النشامى وعرين الرجولة المتمردة الحقة… رصاصاتك الثلاث تلبية ٌ مباشرةٌ لاستغاثة الطفولة المقهورة في غزة، وارتقاءٌ سامٍ إلى مستوى المسؤولية التي تفرضها روابط الدم والأخوة في الله والإنسانية… رصاصاتك الثلاث سيمفونيةُ عزٍ وأسطورة ُشجاعةٍ ورجولةٍ وتضحيةٍ وفداء… رصاصاتك الثلاث بيرقُ عزةٍ وشموخٍ، ونصرةٌ واجبةُ الأداء لتلبية النداء من غزة والضفة اللتين يحاول نتنياهو وحكومته العنصرية النازية محوهما من الخارطة الفلسطينية، وشطب اسم فلسطين من الوجود وهيهات لهم ذلك هيهات… رصاصاتك الثلاث أهزوجةٌ عشائريةُ عربيةُ أصيلةٌ تجميع بين ثناياها كل معاني الشرف والأصالة والوفاء والنقاء… رصاصاتك الثلاث لعنةٌ دائمة ٌتلاحق زنادقة العصر وجلاوزته ممن استمرؤوا عَجْنَ فطيرهم الخبيث بدماء عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والرضع والعجزة والمرضى والشيوخ وعلى امتداد قرابة عام كامل أمام بصر العالم وسمعه، وكأن هذا العالم مصاب بداء الصمم وعمى البصر والبصيرة… رصاصاتك الثلاث شقشقةٌ لفجرٍ جديد وأنغامٌ قدسيةٌ بدأت تراتيل أنغامها تنتشر وتتمدد منتشية في أوساط بقية الأحرار الشرفاء من أمثالك، وَلَكَمْ هي لذيذةٌ تلك الحلوى التي وزعها رفاقك ومحبوك ومن يشاركونك دماء الحمية والغيرية والإيثار… مباركةٌ رصاصاتك الثلاث، ومباركةٌ تلك المظاهرات التي أعادت للأردن الغالي ألقه الذي يستحقه، …. رصاصاتك الثلاث لن تكون يتيمة قط، بل هي الحاضنة والرحم الطاهرة المباركة القادرة على الإنجاب المتواصل لقوافل ممن يعشقون هذا النهج المقاوم الذي يستعذب الموت في سبيل أداء الواجب المقدس.
جسدك الطاهر ارتقى مع روحك السمحة السامية، فمن تسمو روحه يتحول جسده إلى منصة لانطلاقة هذه الروح وعودتها إلى بارئها مطهرة من كل إثم، ومن يشده جسده إلى متاع الدنيا وفتنتها يهرب من الموت ويخشاه، فيطارده إلى أن يميته مرات ومرات قبل أن تغادره الروح، وشتان شتان بين هذا وذاك، فالروح هي تلك الماهية الشفافة التي لا يُدْرِكُ كنهها، لكن يستدل عليها بآثارها، وهي الرافعة التي تحمل الجسد بكل ما فيه، وبها تنطلق الإمكانيات الذاتية وتتبلور، وبسكونها تهمد الأجساد، وتذوي مظاهر الحياة مهما كانت قوية ومتمتعة ببنية سليمة ولياقة وقدرات خارقة، وكما أن الروح ملازمة للشخصية الفردية، فكذلك هو الأمر بالنسبة للأمة، ولعل روح الأمة والشعب هي العامل الحاسم في المفاصل التاريخية الوجودية للجميع، ولذلك عندما يتم إلحاق الهزيمة بالروح الجماعية تحقق الحروب أهدافها، وتبقى محركات المواجهات صاخبة طالما هذه الروح محافظة على وجودها وحضورها في حياة الأفراد والدول والشعوب، وهذا أكثر ما يزعج أصحاب نظرية القوة وامتلاك أدوات البطش والفتك والإبادة، إذ يتلقون الصفعة إثر الأخرى، وهم يرون بأم العين إرادة الصمود والمقاومة والمواجهة تزداد وتعلو وتتجذر أكثر فأكثر، وبما يتناسب طرداً مع التوحش والهمجية وحرب الإبادة التي تستهدف كل من لا يذعن للمشيئة الصهيو أمريكية، وما تشهده غزة وبقية الأراضي الفلسطينية منذ ما قبل 1948 إلى اليوم إلا الشاهد الأبلغ على صحة هذا التوصيف، وهو ما تبلور بشكل أكثر وضوحاً مع انطلاق الموجة الأولى من ملحمة طوفان الأقصى التي قلبت المعادلات وغيرت كثيراً في توجهات الرأي العام الإقليمي والعالمي، وأعادت ضبط بوصلته بالانطلاق من الواقع، لا من السرديات القائمة على البربوغاندا والتضليل وتسويق الأكاذيب عبر إمبراطوريات إعلامية أُسْقِطَ في أيدي مشغليها، وهم يرون روحاً مقاومة لا يمكن أن تكسر، ولا إن تلين مهما ارتكب أعداء الحق والإنسانية والسلام الحق من جرائم ومجازر وحشية لم تشهد لها البشرية مثيلاً على امتدا تاريخها الطويل..
لتطمئن روحك الطاهرة سيدي الشهيد، ولتنم عيناك الواثقتان في الفردوس الأعلى مع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا…دماؤك الطاهرة ستنبت في معبر الكرامة حقولاً من النرجس وشقائق النعمان، وستزهر هذه الدماء وتثمر، فبكم يا شهداء الحق والصدق والإنسانية تشرق ألف شمس صباح كل صباح…

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

اثنان × واحد =