بلا ضربة قاضية التعادل بين ترامب وهاريس..الفوز المؤجل / م. ميشيل كلاغاصي
م. ميشيل كلاغاصي ( سورية ) – الجمعة 13/9/2024 م …
بالتأكيد كانت المناظرة بين المرشحين دونالد ترامب وكامالا هاريس مختلفة عن كافة المناظرات التي شهدتها “حلبات” الإنتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية, خصوصاً مع الأجواء التي سبقت المنازلة والتي حددت طرفي النزال بين ملاكم مخضرم ورئيسٍ سابق, وما بين ملاكم مغمور بلا إنجازات وألقاب سابقة, فرضت عليه الأقدار أن يكون الملاكم البديل عن الرئيس الحالي جو بايدن “شيخ” السياسيين المعمرين في أمريكا.
توقع أنصار ترامب فوز بطلهم بالضربة القاضية, فالخصم إمرأة عديمة الخبرة السياسية, وهزيلة الحجم والنفوذ والإنجازات, ولا يمكن الرهان على عضلاتها, في حين أنها ومناصريها كان لديهم رأي ورهان اّخر, فالكاريزما التي تمتلكها, والتي تزينها ابتسامتها الساحرة, تشي بإتقادٍها الذهني وقدراتها الكامنة, إبتسامةٌ كانت كافية لإنتزاع “إعجاب” وإطراء الرئيس فلاديمير بوتين, بالإضافة إلى ما أظهرته خلال حملتها الانتخابية لتأكيد نديتها لترامب, وبأنها لا تقل عنه سوءاً, بخصوص استمرار دعم نظام كييف, والكيان الإسرائيلي بلا حدود.
ومع ذلك, ورغم منصبها كنائب للرئيس, لم تكن سياسيةً مميزة قبل قرار بايدن التنحي والعزوف عن الترشح, ولم تكن تشعر بعضلاتها, ولم تستعرضها يوماً, ولم تخض أيا نزال جدي, ولم تكن تحظى بشعبية واضحة, ولم تتخط حدود كونها مدعيةً عامة مدعومة من هيلاري كلينتون.
شكلت المناظرة مناسبة لإقتراب اللاعبين ووقوفهما داخل الحلبة وجهاً لوجه, ولتبادل نظرات التحدي الباهتة, وسط سرعة تدفق الدماء نحو دماغ ترامب وهو الذي لم يخوض منازلة منذ أربع سنوات, كذلك هاريس كانت خائفة وتتهيىء لإستحضار قدراتٍ خارقة تمنع سقوطها بالضربة القاضية أمام ترامب, لحظات تطلبت شجاعةً من نوعٍ خاص, وانتهت بمصافحة غير متوقعة فاجئت الكثيرين.
وفيما كان الملاكمان يتبادلان الضربات الحذرة, كانت قلوب قادة حملاتهما الانتخابية وأسياد الماكينات الإعلامية من الـ “سي إن إن” إلى الـ “وول ستريت جورنال”, ومديري شبكة ABC, ترنو إلى عدادات التبرعات اليهودية بالدرجة الأولى, ويقفون ويصفقون لسماعهم هاريس وهي تعد بمواصلة دعم “إسرائيل”, فيرد ترامب بذات النغمة واللكمة فيقف أنصاره ويصفقون, يا له من تعادل مطمئن لمن يتولون تحريك الدمى خلف الستار.
لم تخلو المنازلة من ضربات تائهة وأخرى طائشة, وبدت هاريس للحظات وكأنها تعبت من الكلام وخانها لسانها, كذلك ترامب لم يجد الفرصة لإستخدام عضلاته القوية, يبدو أن السنوات الأربع الماضية, التي أمضاها في المحاكم وفي الدفاع عن نفسه, أفقدته ثقته بنفسه, وبدا وكأنه يحتاج عقله أكثر من عضلاته, ولم يكن ليفوت فرصة التظاهر بالجدية وبالنظرات الحادة المخيفة لرأب الصدع الذي يعتريه.
انتهت جولات المناظرة – المنازلة, وركض الملاكمان كلٌ نحو جمهوره ومدربه رافعاً يديه على أنه هو الفائز, وفي زاويتها همس مدربيها في إذنها قائلين برافو كامالا أنت الفائزة, وعلى الزاوية الأخرى كان ترامب يصيح أنا الفائز, أرايتم أدائي في أهم منازلة في حياتي, لكن لجنة التحكيم وبعد احتساب النتائج خرجت ولسان حالها يقول تم تأجيل الفوز لحين تسجيل نقاطٍ إضافية, وبالنسبة لجولة اليوم نعلن التعادل.
انتهت مناظرة اليوم, ولم يسجل أياً من اللاعبين تفوقاً حتى على نفسه, فهاريس لم تقدم شيئاً جديداً واكتفت بسيل من الإتهامات وبوصف ترامب بالمجرم ولم تفوت فرصة الإشارة إلى فضيحة الرشوة والممثلة الإباحية ستورمي دانيلز, فيما حافظ ترامب على أسلوبه بتعظيم نفسه , وبإطلاقه الألقاب على خصومه, وبتقييم هاريس بأنها ستكون أكثر سوءاً من بايدن الذي يعتبره “أسوأ رئيس في التاريخ”.
ويمكن وصف الأجواء العامة للمنازلة بأنها كانت هادئة نسبياً, على الرغم من توجيه هاريس الإتهام لترامب بحظر الإجهاض في جميع الولايات الأمريكية, ومع ذلك استخدم ترامب كلمةً واحدة للرد “هذا كذب”, وبشكل عام لم تخرج المناظرة عن السيطرة, على الرغم من شعور ترامب بأن شبكة الـ ABC مستضيقة الحدث, تقف إلى جانب هاريس ضده.
لا يمكن القول أن كلا الملاكمين قد أخرجا اليوم كل ما في جعبتيهما, لكن التعادل يبدو منصفاً ومقنعاً لكليهما, ويمكن التأكيد على أن ترامب لم يفز وكذلك هاريس, ولم تنه المباراة بالضربة القاضية أو شبه قاضية, وبالكاد نالا بضعة نقاط سخيفة, وسط رضاهما عن أدائهما, الذي كان أقرب لحفلة لصق الطوابع على أوراق إعتمادهما قبل تقديمها في شباكٍ مظلم يصعب فيه معرفة من هم مستلميها, إذ يبقى المتحكمون بالعالم والدولة العميقة هم الفائزون الحقيقيون, وسيبقى كذلك الرئيس الأمريكي دمية متحركة بغض النظر عن كونه ذكراً أم أنثى, أسوداً أم أبيضاً, مسلماً أم مسيحياً أو يهودياً أو حتى ملحداً.
وعلى الرغم من الحملات الإنتخابية والشعارات والعناوين الرنانة والوعود السياسية والإقتصادية والإجتماعية ..إلخ, لا يمكن الرهان على ما يقوله الرئيس الأمريكي, بل على حقيقة مهمته وتكليفه خلال أربع سنواتٍ قادمة, فدع عنك ما قاله كل من ترامب حول إنهاء الحرب الأوكرانية في غضون 24 ساعة, كذلك الادعاء السخيف حول “فلسطينية” كامالا هاريس, لمجرد دعوتها خلال المناظرة إلى “وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن”, وتجاهل مواقفها وإعترافها “بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.
ويتساءل الأمريكيون وغيرهم حول العالم, من سيفوز بالرئاسة ومن سيخلف جو بايدن, هل سيكون دونالد ترامب الذي لم يُثبت نضجاً سياسياً رغم سنواته الأربعة في البيت الأبيض, أم كامالا هاريس الوجه الضاحك, ومن عساها تكون الدول والشعوب التي ستبكي أو ستضحك في عهدها إن فازت, وسط تأكيد ترامب بأن “إسرائيل” ستزول خلال عامين من حكم هاريس، وكذلك تحذير “إيلون ماسك” بأن الولايات المتحدة مع هاريس “لن تصل إلى المريخ أبداً”, وبأن ترامب “سينقذ الديمقراطية أمريكا”, وبالرغم من تلك التصريحات تملك هاريس حظوظاً يعتقدها الكثيرون أوفر من حظوظ ترامب , بعيداً عن استطلاعات الرأي المشكوك في صحتها.
م. ميشيل كلاغاصي // كاتب وباحث استراتيجي