حسن حردان ( لبنان ) – الجمعة 13/9/2024 م …
يلاحَظ بشكل واضح مدى التباين بين سلوك إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على أرض الواقع، والخطاب السياسي الظاهر في محاولة أخذ مسافة عما تقوم به «إسرائيل» من حرب إبادة متواصلة ضدّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وتوسيع حربها لتشمل الضفة الغربية المحتلة..
منذ البداية، وعلى أثر عملية طوفان الأقصى، النوعية من كلّ نواحيها، سارعت إدارة بايدن إلى الاستنفار ومعها حكومات الغرب التابعة لها، لأجل احتضان كيان الاحتلال وتوفير الدعم غير المحدود له، عسكرياً وسياسياً، لشنّ حرب الإبادة في قطاع غزة، وتبني وتسويق الدعاية الإسرائيلية التي زعمت إقدام رجال المقاومة على ارتكاب عمليات قتل للأطفال واغتصاب للنساء في مستعمرات غلاف غزة، والتغطية على ما تعرّض له جيش الاحتلال من ضربة قاصمة لحقت بفرقة غزة المولجة حماية المستعمرات ومواجهة المقاومة، إلى جانب الفشل الأمني والاستخباري في التنبّؤ بهجوم المقاومة أو التصدي له والحيلولة دون نجاحه في تحقيق أهدافه في القضاء على معظم فرقة غزة وأسر العشرات من ضباطها وجنودها.. وترافق هذا الدعم الأميركي الغربي، مع توافد كبار المسؤولين في الغرب من الصف الأول إلى «إسرائيل»، من بايدن إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك إلخ… وإعلان المواقف الداعمة له في شنّ الحرب ضدّ ما أسموه «إرهاب حماس»…!
غير أنّ الحرب سرعان ما بدأت تصل إلى طريق مسدود في تحقيق أهدافها أمام بسالة وضراوة وشدة المقاومة، والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني، فيما انكشف زيف الدعاية الصهيونية لدى شعوب العالم وخصوصاً في دول الغرب، بفعل نجاح الإعلام الالكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي في إيصال حقيقة ما يحصل من حرب إبادة، بالصوت والصورة، مما أحدث انتفاضة شعبية عالمية تركزت في عواصم الدول الغربية، واجتاحت المظاهرات والاحتجاجات المدن الأميركية والاعتصامات عمّت جامعات الولايات المتحدة دعماً لفلسطين وتنديداً بالجرائم الصهيونية، ودعم الإدارة الأميركية لـ «إسرائيل» في شنّ حرب الإبادة عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً، الأمر الذي أحدث انقساماً داخل الحزب الديمقراطي، وبات يضغط على إدارة بايدن ومطالبتها بوقف دعمها لحرب الابادة.. والأمر ذاته انسحب على الحكومات الغربية.. مما دفع واشنطن وعواصم الغرب إلى إحداث تبديل في خطابها بعض الشيء بحيث يأخذ بالاعتبار غضب شعوبها، ولهذا راحت تعتمد خطاباً انتهازياً منافقاً يختلف عن سلولها العملي المستمر في دعم «إسرائيل» وتزويدها بالسلاح، يظهر وكأنها مع وقف الحرب، فيما هي تواصل دعم «إسرائيل» بالاستمرار في حرب الإبادة، وتوفير الغطاء لها وحمايتها من ايّ عقاب او إجراءات دولية، إنْ كان في مجلس الأمن، او عبر الضغط على محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية لمنع صدور ايّ قرار يجرّم القادة الصهاينة، ويتهمهم بشنّ حرب إبادة في غزة، او إصدار مذكرات توقيف ضدّ رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
انطلاقاً مما تقدّم فإنّ محاولة إدارة بايدن الظهور بمظهر الوسيط الذي يسعى الى وقف الحرب وإدخال المساعدات إلى غزة لقاء إطلاق الأسرى الصهاينة، متجاهلاً تماماً الاسرى الفلسطينيين، الهدف منه تحقيق أمرين:
الأمر الأول، خداع الرأي العام الأميركي والغربي المعارض للحرب ودعم «إسرائيل» في مواصلة هذه الحرب تحت زعم حق الدفاع عن النفس.. ومحاولة امتصاص نقمته عبر إشاعة مناخات خادعة تقول له اننا نعمل ليل نهار لأجل وقف الحرب والتخفيف من معاناة الفلسطينيين في غزة لكسب أصواتهم في الانتخابات الرئاسية وتأمين فوز المرشحة كاملاً هاريس…
الأمر الثاني، محاولة لعب دور الوسيط وفي الوقت ذاته دعم «إسرائيل» في مطالبها لتبادل الأسرى من دون أيّ التزام بوقف دائم للحرب، لتمكينها من ان تحقق في المفاوضات ما عجزت عن تحقيقه في الميدان، وهو ما عكسته محاولة تمرير صيغ لمصلحة «إسرائيل»، ومواقف بايدن ووزير خارجيته بتحميل حماس مسؤولية الفشل في التوصل إلى الصفقة، كلما وضع نتنياهو شروطاً جديدة تحول دون الاتفاق على الصفقة، وكلّ ذلك إنما يندرج في سياق العمل على تمكين حكومة نتنياهو تحقيق أهدافها من الحرب، وبما يؤدي إلى إرضاء اللوبي الإسرائيلي الأميركي النافذ في أميركا والمؤثر في الانتخابات الأميركية مالياً وإعلامياً وسياسياً.. ولهذا فإنّ المرشحين الأميركيين من الديمقراطيين والجمهوريين يتنافسون في إعلان دعمهم لـ «إسرائيل» بهدف كسب تأييد هذا اللوبي لضامن الفوز في الانتخابات الرئاسية والنيابية على حدّ سواء.