معنى أن تنتصر المقاومة… وتسقط أوهام المراهنين على اجتياح جديد للبنان / حسن حردان
حسن حردان ( لبنان ) – الأحد 15/9/2024 م …
ترقب القوى المعادية للمقاومة المسلحة ضدّ الاحتلال الصهيوني في غزة ولبنان واليمن والعراق، مسار الحرب الدائرة رحاها على كافة الجبهات التي فتحتها قوى المقاومة هجومياً إسناداً لغزة ومقاومتها، وبدأت معها شنّ حرب استنزاف غير مسبوقة ضدّ كيان الاحتلال مما جعله يغوص في مستنقع كبير وآسن من النزف اليومي في غزة وبقية جبهات المقاومة.. حتى أصبح جيش الاحتلال يعاني من أعباء وتداعيات وانعكاسات الخسائر الفادحة التي يُمنى بها في ظلّ استمرار عجزه المتزايد في القدرة على تحقيق إنجاز عسكري او صورة انتصار ترفع من معنويات جنوده الذين ضعفت ثقتهم في القدرة على تحقيق النصر على المقاومة..
على أنّ القوى المعادية للمقاومة التي راهنت على نجاح جيش الاحتلال في سحق المقاومة في غزة وأن يؤدي ذلك إلى إضعاف قوى المقاومة في كلّ الجبهات، وتراجع شعبيتها، وبالتالي تمكن القوى المعادية من تنظيم حملة واسعة ضدّ المقاومة للنيل منها.. سرعان ما أصيبت بصدمة وحالة من الذهول عندما رأت صمود المقاومة الأسطوري في قطاع غزة، ونجاح المقاومة في لبنان بشنّ حرب استنزاف ضدّ كيان الاحتلال في شمال فلسطين المحتلة، والردّ بقوة وذكاء على العدوان الصهيوني على الضاحية الجنوبية من بيروت، باستهداف طائراتها المُسيّرة قاعدة الاستخبارات العسكرية الصهيونية قرب تل أبيب، وابتلاع قادة العدو الردّ والامتناع عن الردّ، وتحدي المقاومة اليمنية آلة الحرب الأميركية وحاملات طائراتها ومدمّراتها وغواصاتها، وعدم تردّدها في قصفها، وإجبارها على الابتعاد، وتمكنها من فرض حصار بحري على كيان الاحتلال، فيما المقاومة العراقية برهنت عن مقدرة على توجيه الضربات ضدّ أهداف للعدو في داخل فلسطين المحتلة، وقواعد الاحتلال الأميركي في العراق وسورية.. حتى انّ هذه القوى المعادية لخيار المقاومة المسلحة، باتت هذه الأيام أقلّ يقيناً بقدرة جيش الاحتلال على سحق المقاومة، او تحقيق النصر.. ولهذا أصبحت في حالة قلق من انتصار المقاومة ونتائج هذا الانتصار الذي سيعزز قوة خيار المقاومة على المستوى الشعبي، ويؤدي إلى إحداث إخلال في موازين القوى في المنطقة لصالح جبهة محور المقاومة، وفي غير مصلحة كيان الاحتلال وأميركا والقوى التابعة لها..
لذلك راحت هذه القوى وأدواتها الإعلامية المختلفة تروّج لوجود خطط “إسرائيلية” لشنّ الحرب على لبنان عبر تنفيذ جيش الاحتلال اجتياحاً للأراضي اللبنانية لسحق المقاومة، ووصل بهم الأمر إلى أن يحدّدوا مسارات هذا الاجتياح من الجولان والبقاع والجنوب، والهدف إثارة حالة من الرعب لدى اللبنانيين ولا سيما جمهور المقاومة..
والسؤال المطروح في ضوء ما تقدّم هو، هل ستنجح هذه الحملة من التهويل بالحرب، ورهانات أصحابها في تحقيق ما يصبون اليه من إرهاب وإخافة بيئة المقاومة وعموم اللبنانيين، وتحريضهم ضدّ مقاومتهم؟
أولاً، انّ حملة التهويل بوجود خطط إسرائيلية لاجتياح لبنان ليست جديدة، فهي بدأت منذ أن انخرطت المقاومة في معركة إسناد غزة ومقاومتها البطلة، ولم ترهبها وحشية الاحتلال وآلته الحربية، ولا تهديداته بشنّ الحرب وتدمير لبنان على غرار ما فعله في قطاع غزة.. كي تتوقف عن مواصلة شنّ حرب الاستنزاف ضدّ كيان الاحتلال في شمال فلسطين المحتلة.. كما أنها رفضت كلّ محاولات الإغراء التي راحت تعرضها وفود غربية مقابل وقف النار على الجبهة الجنوبية.. وأصرّت قيادة المقاومة على موقفها بأن لا وقف لجبهة الإسناد من جنوب لبنان قبل أن يوقف كيان الاحتلال حرب الإبادة ضدّ الشعب الفلسطيني في غزة، وتلبّي مطالب مقاومته..
ثانيا، انّ بعض المراهنين على قوة العدو الصهيوني للتخلص من المقاومة يبدو انهم لم يدركوا بعد التحوّل الحاصل في ميزان الردع الذي فرضته المقاومة في صراعها الطويل مع العدو والذي تعزز بعد انتصارها المدوّي في حرب تموز عام 2006.. من هنا فإنّ رهانات هؤلاء إنما هي أضغاث أحلام تجول في أذهانهم، لكونهم لا يملكون الحدّ الأدنى من الوطنية والانتماء الوطني في مواجهة عدو ما فتئ يهدّد بخطره لبنان بوجوده ودوره، وهو ما كان قد أفاض في الحديث عنه، منذ بدايات سيطرة العصابات الصهيونية على أرض فلسطين وإقامة كيانهم الغاصب، الوزير الراحل موريس الجميّل في كرّاس له تحت عنوان “إسرائيل وسياسة النعامة”…
ثالثاً، إنّ الذين ما زالوا يراهنون على انتصار العدو الصهيوني على المقاومة في غزة كي يستكمل ذلك ضدّ المقاومة في لبنان لتغيير الواقع السياسي لمصلحة كيان الاحتلال وتحقيق المشاريع “الإسرائيلية” الأميركية، على حساب المصلحة الوطنية اللبنانية.. يتجاهلون او يغمضون أعينهم عن دلالات ومعاني فشل جيش الاحتلال في القضاء على المقاومة في غزة المحاصرة رغم مرور أكثر من 11 شهراً على حربه الوحشية، فكيف سيكون حال جيش الاحتلال إذا ما فكر بارتكاب حماقة اجتياح لبنان مجدداً، لا سيما وانّ هزيمته في تموز 2006 ما زالت ماثلة، فيما المقاومة التي هزمته في حينه أصبحت من القوة والخبرة والإمكانيات ما يفوق كثيراً ما كانت تملكه في حرب تموز، وتحظى اليوم بالمزيد من التأييد والشرعية الرسمية والشعبية.. ما يجعلها قادرة على تحويل ايّ منطقة لبنانية يجتاحها جيش الاحتلال إلى مقبرة لدباباته وجنوده..
رابعاً، إضافة إلى ما تقدّم، فإنّ جيش الاحتلال المنهك والمستنزف في غزة والضفة لا يتجرّأ على شنّ الحرب الواسعة وتكرار اجتياح لبنان، وهو أصبح مردوعاً بفعل المعادلات الردعية التي فرضتها المقاومة، والتي عادت وثبتتها من خلال ردّها على العدوان الصهيوني على الضاحية، بما يؤكد مجدّداً انّ التهويل بالحرب الواسعة إنما هدفه محاولة التأثير على التفاف أغلبية اللبنانيين خلف مقاومتهم، التي لا تخاف ولا يرهبها مثل هذا التهويل، وهي وانْ كانت لا تسعى للحرب الواسعة لكنها مستعدة لها اذا ما فرضت عليها، وما فيديو “عماد 4″، الذي نشرته عن قاعدة عسكرية محصّنة تحت الأرض الا رسالة استعداد وردع للعدو في آن واحد.
لقد أثبتت المقاومة، من خلال فتح جبهة الجنوب إسنادا لغزة، انها تملك القدرة على خوض حرب استنزاف مديدة، ووفق الإيقاع الذي أرادته، مما وفر الحماية لمعظم الأراضي اللبنانيين وجنب المدنيين، بنسبة كبيرة، ويلات هذه الحرب، ومنع العدو الصهيوني من الاستفراد بغزة، وزاد من منسوب استنزافه وكلفه حربه الإجرامية، الأمر الذي فجّر وسعّر التناقضات داخل الكيان وأحدث انقساماً سياسياً وعلى مستوى الشارع “الإسرائيلي”، لم يسبق ان شهد مثيلاً له في تاريخ الصراع العربي الصهيوني..
من هنا فإنّ خروج المقاومة منتصرة من هذه الحرب سيكون له نتائج هامة لمصلحة القضية الفلسطينية، والمصلحة الوطنية اللبنانية في الوقت ذاته، لأنّ هذا الانتصار سوف يؤدّي إلى تعزيز خيار المقاومة وشعبيتها لتحرير الأراضي المحتلة في لبنان وفلسطين والجولان العربي السوري، وإضعاف كيان الاحتلال وتآكل المزيد من قدرته الردعية، وإسقاط مشاريعه التوسعية، ومخططاته لفرض التوطين والتطبيع، وإدخاله في مرحلة من الصراع الداخلي حول أفق خياراته ومستقبل وجوده على أرض فلسطين المحتلة.