هل يحتاج ترامب محاولة اغتيال ثالثة للوصول للرئاسة ؟ / مهدي مبارك عبد الله
مهدي مبارك عبد الله ( الأردن ) – الأربعاء 18/9/2024 م …
قبيل انطلاق التصويت في الانتخابات الأمريكية بأسابيع قليلة وبعد 64 يوما فقط على نجاة المرشح الجمهوري والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من محاولة الاستهداف الاولى التي نفذها انذاك اليميني توماس ماثيو كروكس يبلغ من العمر 20 عامً من بيتل بارك بولاية بنسلفانيا حيث أطلق ثماني طلقات من بندقية طراز إيه آر-15 من فوق سطح مبنى يقع على بعد نحو 120 مترًا من المنصة التي كان يقف عليها ترامب بين مؤيديه والتي أسفرت عن مقتل أحد الجمهور وأصابته برصاصة في الجزء العلوي من أذنه اليمنى
مرة اخرى وقي ظهيرة يوم الأحد الماضي 16 سبتمبر الجاري تعرض المرشح الرئاسي ترامب لمحاولة اغتيال ثانية بينما كان يلعب الغولف في نادي ويست بالم بيتش بولاية فلوريدا مع صديقه وأحد كبارِ المتبرعين لحملته ستيف ويتكوف حيث رصد أحد عملاء الخدمة السرية رجلًا يحمل بندقية نصف الية من طراز ) AK-47 كلاشنكوف ) بمنظار تلسكوبي وسط الأشجار المحيطة بالمكان على بعد 300 من الرئيس السابق وقام بأطلاق النار عليه ففر من مكان الحادث بسيارته الخاصة نوع نيسان سوداء اللون تاركا خلفة سلاحه وحقيبة ظهر وكاميرا وبعد تعقب السلطاتُ السيارةَ على الطريق السريع 95 ألقت شرطةُ مقاطعة مارتن القبضَ عليه وقد وجه المسؤولين عن حملة نرامب التهم المباشرة للديمقراطيين بتعريض حياة ترامب للخطر بعد وصفهم له بانه يشكل تهديد للديمقراطية بعد احداث افتحام انصاره لمبنى الكابيتول اثر فشله في انتخابات 2020 وأنّ بايدن ونائبة الرئيس كامالا هاريس جعلا من الصعب على وحدة الخدمة السرية حمايته قبل إطلاق النار عليه في بتلر
المشتبه به يدعى ريان ويسلي روث 58عام من هاواي لا تزال دوافعه غير واضحة وقد سبق له ان وجه انتقادات شديدة لترامب ولديه وجهات نظر حزبية متغيرة ويوصف بانه مضطرب نفسيا ويميل للعنف الذي يتفاقم بسبب سهولة توافر الأسلحة النارية ويتمتع بسجل طويل من عمليات الاعتقال الممتدة لعدة عقود وسبق له أن دخل في عشرات المصادمات مع الشرطة يعود بعضها إلى التسعينيات وقد سافر إلى أوكرانيا في عام 2020 لتجنيد محاربين أفغان للمشارمة في القتال ضد القوات الروسية وفي سياق متصل اعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي النتن ياهو عن صدمته وزوجته سارة من محاولة الاغتيال الثانية للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وأنهما يشعران بالارتياح لفشلها
الملياردير ترامب رجل الاعمال الماهر وخبير الدعاية الانتخابية والسوشيال ميديا منطق المال يفرض نفسه عليه ولهذا استغل الواقعة الجديدة لحشد أنصاره حيث سارع الى أطلاق نداءً عاجل لجمع مزيد من التبرعات لحملته الانتخابية كما بعث رسائل بريدً إلكترونيً إلى مؤيديه جاء فيه ( لا شيء سيبطئني ولن يوقفني شيء ولن أستسلم أبد وانا بخير ) تماما كما فعل في حادثة إطلاق النار السابقة في 13 يوليو الماضي حين حشد الجمهوريّين خلفه واغتنم الزخم السياسيّ قبل أن يقبل رسميًا ترشيح الحزب له ولدوافع التعبئة والتحريض اخبر مؤيديه بان هناك ( أشخاص في هذا العالم سيفعلون كل ما يلزم لوقف مسيرتنا ) بينما حث مستشاروه وموظفو حملته على اليقظة والحذر بشأن أمنه الشخصي ودعوا الى الصلاة من اجله وتوسيع المحيط الوقائي حوله
مع تكرار الاخفاقات الامنية غير المقبولة والتي أدت الى استقالة كيمبرلي شيتل مديرة جهاز الخدمة السرية المكلف رسميا بحماية ترامب والذي لا زال يحقق في حيثيات محاولة اغتيال ترامب الاولى وكيفية تمكن المسلح المشتبه به بالوصول الى سطح مبنى قريب من تجمّع جماهيريّ حاشد لأنصاره وما اثير معه من تساؤلات عديدة حول قدرة رجال الخدمة السرية على حماية ترامب على الرغم من تعزيز فريق الامن الخاص بعملاء إضافيين واستخبارات ميدانية والذي لعب دورا في احباط محاولة الاغتيال الاخيرة
التساؤلات المثيرة للجدل تتجدد حول كيفية تمكن فرد مسلح من الاقتراب بسهولة من ملعب الغولف والاختباء بين الشجيرات رغم انتشار عناصر الحماية السرية مما يستدعي اعادة النظر في الترتيبات الأمنية لشخصية شديدة الحساسية ورئيسً سابقً ومرشحً قويً ومثيرً للجدل ومستهدفً في بلد ذي تاريخ عريق في الاغتيالات السياسية الكارثية الناجحة سيما بعدما وصلت الوحشية السياسية والهستيريا الحزبية والأيديولوجيا المتطرفة المسعورة فيه مرحلة جنونية يضاف اليها التنافس المحموم في أخطر انتخابات في التاريخ الأميركي المعاصر
هذه هي المحاولة الثانية التي يتم فيها استهداف الرئيس الأميركيّ السابق ترامب في غضون شهرين مع دخول السباق الرئاسيّ الأميركيّ مراحله النهائية وبينما تراجع ترامب خلف كامالا هاريس في معظم استطلاعات الرأي في الأسابيع الأخيرة ومع اول محاولة لاغتيال الرئيس الأميركيّ السابق افترض العديد من المراقبين والمخللين السياسيين أنّ إطلاق النار عليه قد حسم نتيجة الانتخابات خصوصًا مع صورة ترامب تحت العلم الأميرك في اللحظات التي أعقبت الحادث وهو يرفع قبضته وأذنه ملطخة بالدماء كجزءا من تصويره ( شهيد حي ) يرمز للقوة والتحدي ما جعله بطلً على قيد الحياة حيث تحركت وقتها استطلاعات الرأي بشكل طفيف لصالحه وكان الرئيس بايدن لا يزال خصمه والقادة في الحزب الديمقراطيّ يحاولون إقناعه بالتنحي عن الترشح للانتخابات وفي ذات الوقت دفعت الحادثة الاولى بعضَ كبارِ المراقبين إلى التنبؤ بفوز ترامب في نوفمبر/ تشرين الثاني القادم
هنالك حزمةٌ من الأسئلة تطرح وتفاصيل كثيرةٌ تبدو خافتةً في سياق تكرار محاولات الاغتيال فهل سيستفيد ترامب من توظيفها واستثمارها واستغلالها لصالحة للفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة الحواب من خلال التدقيق في الحوادث المماثلة التي تعرض لها بعض الرؤساء الامريكيون السابقون الذين نجوا من محاولات الاغتيال نجد انها اعطتهم دفعة موقتة من تأييد الناخبين لكنها لم يدم طويلًا فعلا سبيل المثال كاد الرئيس رونالد ريغان أن يُقتل برصاصة أُطلقت عليه عندما غادر واشنطن هيلتون بعد شهر واحد فقط من رئاسته في عام 1981 كما تم استهداف الرئيس جيرالد فورد عام 1975 وقد شهد ارتفاع متواضعً في استطلاعات الرأي بعد أن أعلن أنه لن يبتعد عن الظهور العلني لكن سرعان ما انخفضت نسبة تأييده وخسر حملة إعادة انتخابه في العام التالي و
اما في حالة الرئيس السابق والمرشح ترامب فيتوجب علينا الانتظار فليلا حتى تظهر استطلاعات الرأي في الأيام المقبلة لأكثر من جهة ثم نقرر فيما إذا كانت المحاولة الأخيرة لاغتياله ستغير مجرى الانتخابات الأميركية لصالحه ام لا رغم انه من المرجح فوز ترامب بأصوات الناخبين المعتدلين والجمهوريّين الذين يميلون إلى التصويت لهاريس في مسائل السياسة والقضايا الشخصية بسبب المصاعب والمخاطر التي واجهها مؤخرًا ومن المرجح ايضا توظيف هذه الحادثة لصالح المرشحة هاريس من خلال التركيز الاعلامي الموجه بأن ما يحدث من محاولات الاغتيال لترامب نتيجة طبيعية لخطاب الكراهية والعنف الذي يروجه له ويتبناه خاصة مع تقارب استطلاعات الرأي بين المرشحين مع تسليط الاضواء على الاستقطاب العميق للطرفين
حتى الان لم يتبين على وجه الدقة ما إذا كانت حادثُة محاولةَ اغتيالٍ ترامب حقيقية وتتطابق في مضمونها مع المحاولة الأولى الفاشلة التي تعرض لها قبل شهرين وهو ما جعل التأثير السياسي لحادث ويست بالم بيتش غير واضح المرامي مما جعل خبيرَ استطلاعات الرأي في الحزب الجمهوري فرانك لونتز يصرح لموقع إكس إنه يحتاجُ إلى انتظارٍ لتحديدِ الحقائق قبل الرد على ما حدث على عكس المحاولة الأولى التي أثارت موجةً من ردود الفعل من جانب المشرعين في جميع أنحاء العالم اضافة الى مجتمع الأعمال حيث أعلنَ الرئيس التنفيذي لشركة تسلا إيلون ماسك حينها دعمَهُ لترامب ومنذ ذلك الحين ساعد ملياردير التكنولوجيا في إنشاء لجنة عملٍ سياسية مؤيدة لحملته الانتخابية
خلال اجواء الصخب والضجيج السائدة ذهب بعض المراقبين للحديث عن نظرية المؤامرة وان الحادث كان مدبر لاستعادة سمعة جهاز الخدمة السرية التي تضررت كثيرًا بعد محاولة اغتيال ترامب الاولى مستشهدين ببعض الادلة والقرائن الحسية المشككة التي تعزز مشاعر “عدم اليقين” التي صاحبت الحادث منها السرعة الكبيرة في فحص لوحة أرقام السيارة من خلال أجهزةِ قراءة لوحاتِ الترخيص في الولاية وفي غضون دقائقَ قليلة ثم تعقب المشتبه به الهارب بسرعةٍ إلى الطريق السريع واحتجازه دون ان يبدي أي مقاومة وهو في حالة هدوء واتزان يضاف الى ذلك تركه سلاحه واغراضه الشخصية والهروب مما سيجعل حادثة الأحد الماضي ترسم صورة أكثر وردية لجهاز الخدمة السرية وبعفويته أمامَ عيونِ الشعب الأميركي قبل شهرين من حسم مستقبل سيد البيت الأبيض
بموازاة ذلك قال البعض الاخر انها ليست محاولة اغتيال ثانية حقيقية وهي فيلم هوليودي مركب ومسرحية مكشوفة أبطالها ترامب وفريقه عمله خاصة وأنه خلال المحاولتين كان من يستخدم البندقية شخصا غير مدرب وسهولة وصول الشخصين إلى محيط الهدف دون أن ينتبه إليها أحد من رجال الامن والهجف اظهار ترامب بصورة البطل الفريد القادم لتخليص البلاد من الفساد والتردي والانقسام ولهذا يحاربه الجميع ويتخوفون من قدومه في المقابل ايضا لا يزال يتكرر السؤال المنطقي والمشروع لماذا لا احد يفكر باغتيال جو بايدن او كامالا هاريس وفيما يخاطب المرشحان الحشود في الهواء الطلق من خلف شاشات واقية من الرصاص الا ان هناك مخاوف جديدة وجدية من أن الفترة العاصفة التي تسبق يوم الانتخابات قد تأخذ البلاد إلى طريق مظلم وتدخلها في مواجهات دامية وحرب اهلية طاحنة لا تبقي والا تذر
ختاما يقال ” الثالثة نابتة ” وهذا مثل شعبي مأخوذ عن حكاية انجليزية عسكرية قديمة للتنبيه والتحذير
كاتب وباحث متخصص في العلوم السياسية