من وحي الجرائم الصهيونية الأخيرة في لبنان / الطاهر المعز




الطاهر المعز ( تونس ) – الأربعاء 25/9/2024 م …

الصهيونية فَرْعٌ من الإمبريالية

نقلت وسائل إعلام عن وزارة الحرب الصهيونية إن كيان الإحتلال تسلَّمَ من الولايات المتحدة من شهر تشرين الأول/اكتوبر 2023 إلى منتصف شهر آب/أغسطس 2024، أكثر من خمسين ألف طن من المعدات العسكرية لمُساعدته على تنفيذ المجزرة ضد فلسْطِينِيِّي، وتشمل المعدات 500 طائرة عسكرية و107 شحنات بحرية، فضلاً عن مركبات مدرعة وذخيرة ومعدات حماية شخصية ومعدات طبية، بحسب بيان وزارة الحرب الصهيونية التي أوضحت إن هذه المساعدات تندرج ضمْنَ “التعاون والتحالف الأمريكي الإسرائيلي”، ويشمل هذا “التّعاون” الدّعم العسكري والسياسي والإيديولوجي ( تمجيد الإحتلال والإبادة وتهجير السكان الأصليين) والدّبلوماسي والإعلامي، وتحويل الإجرام إلى “دفاع عن النّفس”، وانتهاك قرارات الأمم المتحدة والقضاء الدّولي…

تُشكّل الأسلحة الأمريكية أكثر من 80% من مُعدّات الجيش الصهيوني الذي يشتري معظمها – أو كلّها – بما يتلقاه من مساعدات عسكرية أمريكية أو بأسعار منخفضة، وتلقّى الكيان الصّهيوني نحو 310 مليارات دولار من المساعدات الأميركية المُعْلَنَة رسْمِيًّا، بين سَنَتَيْ 1948 و 2022، بحسب الموقع الرسمي للمساعدات الخارجية الأميركية، بمعدّل يفوق أربع مليارات دولار سنويا، أو حوالي 18% من الميزانية العسكرية السنوية للعدو، ولا تتضمن هذه الأرقام الأسلحة التي يحصل عليها الجيش الصهيوني من مخازن الجيش الأمريكي بفلسطين المحتلة أو من القواعد في تركيا أو اليونان أو قُبْرص وغيرها، ولا تتضمّن 10 مليارات دولار من مساهمات الولايات المتحدة في تطوير أنظمة الصواريخ المعروفة بالقبة الحديدية، لتكون بذلك دولة الإحتلال أكبر متلقّية للمساعدات الأميركية، وفق “خدمة أبحاث الكونغرس الأميركي” التي تؤكّد إن ثلاثة أرباع الدعم الأمريكي هو دعم عسكري مباشر ويُشكل الدّعم الإقتصادي حوالي 25% من الدّعم المباشر، فضلا عن الإعفاء من الرسوم الجمركية والحوافز والقروض الحكومية بدون فائض والتّبرّعات، والاقتراض من المصارف الأميركية بأسعار فائدة منخفضة عن سعر السوق، وحث المؤسسات على شراء السندات الصهيونية، بالإضافة إلى الدّعم الأمريكي المباشر لقطاعات البحث العلمي والتكنولوجي وتصنيع الأسلحة والذّخائر وقطع غيار السلاح، وأقَرّ الكونغرس الأمريكي سنة 2008، مفهوم «التفوّق العسكري النوعي» الصهيوني أي ضمان قدرة الكيان الصهيوني على هزيمة جيوش الدّول العربية مجتمعة، ولذلك حصل الجيش الصهيوني على طائرات إف – 35 قبل جيوش الدّول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، وشكّل الدّعم العسكري للكيان الصهيوني، سنتَيْ 2021 و 2022، أي قبل عُدوان تشرين الأول/اكتوبر 2023، قرابة 60% من إجمالي “المساعدات” العسكرية الأمريكية لدول العالم.

ارتفع حجم الدّعم الأوروبي والأمريكي إثْر كل عدوان صهيوني على الشعوب والأوطان العربية، وتجلّى الدّعم الأمريكي والألماني والأوروبي بشكل واضح منذ عدوان السابع من تشرين الأول/اكتوبر، فقد أقرّت الولايات المتحدة مُساعدات عسكرية إضافية بقيمة 26 مليار دولارا مُعْلَنَة، لاستكمال عملية إبادة الفلسطينيين في غزّة، ثم الضّفّة الغربية، بمشاركة مالية وعسكرية أمريكية مباشرة، فضلا عن الدّعم اللوجيستي والإستخباراتي والدّبلوماسي والإعلامي لأي عدوان صهيوني على الشعب الفلسطيني وعلى الشعوب العربية، وتحرّكت الأساطيل الأمريكية في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر حيث توجد قواعد عديدة، لردع أي طرف يدعم المقاومة الفلسطينية قصف المقاومة في اليمن، فضلا عن شحنات الأسلحة التي يتسلمها الجيش الصهيوني بشكل يومي منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، ومن بينها صواريخ أرض-جو، وصواريخ موجهة بالليزر، وصواريخ خارقة للتحصينات والأنفاق، وذخائر مُسَيَّرَة ومُجهزة بكاميرا، ومركبات وبنادق، وأجهزة استشعار تعمل بالأشعة تحت الحمراء وقذائف مُعدّة لتدمير المناطق السّكنية وفق وكالة بلومبرغ ووفق رسالة احتجاج وجّهتها ثلاثون منظمة إلى وزير الحرب الأميركي “لويد أوستن”…

أوردت وسائل الإعلام الأمريكية أخبارًا عن زيادة عدد السفن والطائرات والجنود الأميركيين المنتشرين في المشرق العربي، منذ عدوان تشرين الأول/اكتوبر 2023، وعن ارتفاع عدد الجنود والضّبّاط المتخصّصين في الاتصالات والذخائر والمتفجّرات لدعم الجيش الصهيوني، وقُدِّرَ عدد الجنود والضّبّاط الأمريكيين في القواعد العسكرية في 10 بلدان عربية بما لا يقل عن 46 ألف، فضلا عن قواعد تركيا وقبرص واليونان حيث تحتفط الولايات المتحدة بالأسلحة والعتاد والذّخائر في فلسطين المحتلة، وأهم هذه القواعد في قطر (العِدِيد والسِّيلِيّة الجَوِّيّتَيْن) والبحرين ( مقرّ القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية في الشرق الأوسط والأسطول البحري الخامس)، والإمارات والكويت والسعودية وعُمان والأردن والعراق (الأنبار وأربيل) وفي سوريا (دون موافقة أجهزة الدّولة السّورية)، فضلا عن مركز استخبارات وحوالي 300 جندي في القاهرة، و”مراقبون” عسكريون أمريكيون في شبه جزيرة سيناء… كما إن الوطن العربي مُحاط بالقواعد العسكرية الأمريكية في تركيا – التي تتلقى الدّعم العسكري الأمريكي منذ سنة 1947 – وفي معظم دول جنوب أوروبا، من جبل طارق، جنوب إسبانيا إلى قبرص، مرورًا بالقواعد الضخمة في جنوب إيطاليا واليونان، وتُعتبر قواعد حلف شمال الأطلسي في تركيا من أخطرها، نظرًا لدَوْرِها في الحرب الباردة، خصوصًا منذ مشاركة جيش تركيا في العدوان على كوريا سنة 1950 وانضمام تركيا إلى حلف شمال الأطلسي سنة 1952 مع الإشارة إلى اعتراف تركيا بالكيان الصهيوني منذ سنة 1949، وتطوير العلاقات بينهما في ظل حكومة يرأسها عدنان مندريس لفترة عشر سنوات، حتى 1961، وهو أحد رموز الإسلام السياسي (كما نجم الدّين أربكان، مُعلم أردوغان، وكان رئيس حكومة تركيا من 1996 إلى 1997)، لكن تراجعت مكانة تركيا ودورها في المشرق العربي، بعد انهيار الإتحاد السوفييتي، وأعلنت الولايات المتحدة ثُلُثَيْ قواعدها (8 من 12) وخفض المساعدات العسكرية الأميركية لتركيا، مما يُفَسِّر اختلاف وجهات النّظر بين تركيا من جهة والكيان الصهيوني والولايات المتحدة مكن جهة أخرى، لكن الأطراف الثلاثة مُعادية للشعوب العربية، ويمكن تصنيفها ضمن أشدّ الأعداء شراسةً

 

الحرب بلا قواعد = جريمة

تُساهم الولايات المتحدة – بالإضافة إلى تسليم الأسلحة المتطورة – في التخطيط والإشراف على العمليات العسكرية للجيش الصهيوني الذي لا يقوم بأي عمليات ذات بعد استراتيجي أو ذات خطورة كبيرة دون إذن مُباشر أو موافقة الإدارة والجيش الأمريكييْن، وهو ما حصل قبل عدون الثامن من تشرين الأول/اكتوبر 2023 في غزة والضفة الغربية، وما حصل في لبنان يوميْ السابع عشر والثامن عشر من أيلول/سبتمبر 2024  في لبنان، حيث انتقل العدو الصهيوني إلى درجة أخرى من العدوان، بتنفيذ تفجير جماعي لأجهزة الإتصال التي يستخدمها الجميع ( أجهزة النّداء أو الإستدعاء والإرسال)، وأورد موقع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، يوم الثلاثاء 17 أيلول/سبتمبر 2024، نقلا عن “مسؤولين أمريكيين” إن الكيان الصهيوني نَفَّذَ عمليات التّفجير بإخفاء مواد متفجرة داخل دفعة من أجهزة الاتصال التي استوردها لبنان من شركة “غولد أبولو” التايوانية، والتي تم تَفْخِيخُهَا وزَرْعُ مادّة متفجرة داخل كل جهاز اتصال قبل وصول الشّحنة إلى لبنان، ليتسَنّى تفجيرها عن بُعد، ورغم ادّعاء الجيش الأمريكي عدم ضلوعه في عمليات التفجير فإن الخبراء يُؤكّدون إن الجيش الأمريكي يستخدم هذا النوع من التكنولوجيا التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي فقط، من الجو عبر طائرات سي 130.

تمثل عمليات التفجير هذه بُعْدًا إجراميا جديدًا للعمليات العسكرية والإرهاب الحكومي، أو إرهاب الدّولة أو الإرهاب السياسي، فالعملية الإرهابية الصهيونية التي حصلت في لبنان ليست مُعقّدة من الناحية الفَنِّيّة، وهي ليست أكثر تعقيدًا من زرع أجهزة تَنصّت وتحديد المَواقع، حيث يمكن زرع مادّة مُتفجّرة في أي بطارية لتصبح مجمل الأجهزة التي نستخدمها يوميا قنابل متنقلة، مثل الهواتف المحمولة وأجهزة الحاسوب والمُعدّات والأجهزة المنزلية (كأجهزة التلفزيون والثلاجات وأدوات المطبخ) والسّمّاعَات والسيارات الكهربائية والطّائرات المدنية أو العسكرية وغيرها، وتكمن الصعوبة في تنزيل الأوامر التي يمكن أن تظهر في شكل تحديث للبرنامج…  

أظهرت هذه العملية الإرهابية المدعومة من قِبَل الإمبريالية الأمريكية مَخاطر استخدامِ أجهزةٍ مصنوعة في الخارج ( في الدّول الإمبريالية أو الحليفة لها) دون إدْراك ما تُخْفِيه مُكَوّناتها، ما قد يُؤَدِّي إلى انفجارها في الأماكن العمومية وفي محلات السّكن أو التجارة أو الأسواق والمستشفيات والمدارس والمصانع والسّاحات والمتاحف وما إلى ذلك، فقد تم إنتاج الأجهزة الملغومة – التي انفجرت في لبنان –  من قِبَلِ شركة تايوانية، وتايوان مَحْمِيّة أمريكية، وتم بيع الأجهزة إلى لبنان بواسطة  شركة وهمية يقع مقرّها الوهْمِي في المجر، كما انفجرت أجهزة أخرى، بعد حوالي 24 ساعة، تنتجها شركة يابانية، واليابان قاعدة عسكرية أمريكية ضخمة، لها عشرات الفروع في جميع أنحاء العالم، وأدّت هذه الأجهزة المُستوردة من بلدان تُهيمن عليها الولايات المتحدة، إلى قتل عشرات المواطنين وإصابة الآلاف في لبنان، من بينهم بعض الجنود وأعضاء حزب الله، فيما يُشكل المواطنون العاديون والعُمّال والموظفون والأطباء والأطفال والنّساء الأغلبية الساحقة من الضحايا…

اعتاد العدو الصهيوني على تنفيذ الإغتيالات الإجرامية، دون تحمل تبعات هذا الإجرام، بحكم الدّعم الإمبريالي للحركة الصهيونية منذ القرن التاسع عشر، ثم الدّعم غير المحدود للكيان الصهيوني منذ إنشائه، واستهدف هذا الإجرام ثلة من الضحايا، من بينهم الكونت برنادوت، مبعوث الأمم المتحدة سنة 1948 والمثقفون الفلسطينيون والعرب، ناهيك عن الباحثين (عُلماء الذرّة) وحتى الشباب الأمريكيين المُسالمين، المعارضين لبعض جوانب سياسات الإستيطان وليس للكيان الصهيوني كدولة أو مؤسسة ( راشيل كوري سنة 2005 و عز النّور إيزقي سنة 2024)، وتمثل تفجيرات لبنان خطوة أو مرحلة إجرامية متقدّمة، تستهدف المَدَنيّين بواسطة أجهزة اتصال يحملها الناس ويستخدمونها في أي مكان…

يضُمُّ لبنان بيئة حاضنة وداعمة للمقاومة، ويضُمّ كذلك تنظيمات سياسية وأجهزة إعلامية وأمْنِيّة تعاونت مع الكيان الصهيوني ضد الوطن المواطنين والشعب اللبناني، بدعم من الإمبريالية الفرنسية التي خلقت بعض هذه الفصائل والطوائف والمُكَوّنات، وبدعم من الإمبريالية الأمريكية التي تدخّلت عسكريا سنة 1958 لدعم كميل شمعون، ثم سنة 1982 مع الإمبريالية الأوروبية لدعم الإحتلال الصهيوني وحلفائه من المسيحية الصهيونية (الكتائب وحراس الأرزة وما أصبح يُسمّى “القوات اللبنانية…) ولإجلاء فصائل المقاومة الفلسطينية عن لبنان، ولذا فإن المقاومة في لبنان تُواجه أجهزة الإستخبارات الصهيونية والأمريكية والأوروبية والعربية وبعض أجهزة الأمن الحكومية أو الحزبية ( من مختلف الدّيانات والطّوائف) العميلة للكيان الصهيوني وللإمبريالية الأمريكية والأوروبية، ولهذه الأحزاب والطّوائف شبكات إعلامية مسمومة تذات تمويل عربي مشبوه، ولا تتردّد هذه الشبكات الإعلامية في إعلان دعمها للكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني وضد المقاومة العربية في اليمن وفي لبنان، وبالتّالي ضد الرأي العام العربي الذي لا تعترف نسبة تُقدّر بحوالي 90% منه بالكيان الصهيوني وتناهض عمليات التطبيع الرسمي للأنظمة وبالتالي تُشكل هذه الأغلبية الحاضنة الحقيقية للمقاومة ( وقد لا يعني دَعْم فِعْل المقاومة دعمًا لإيديولوجية حماس أو حزب الله) رغم الضخ الإعلام السعودي والخليجي والرجعي العربي…

 

معركتنا وُجُودية، طويلة المَدَى، والأعداء كُثر

نفّذ الكيان الصهيوني عمليات التفجير الإجرامي في لبنان التي استهدفت مباني سكنية ومستشفيات ومتاجر ومواطنين يقضون شؤونهم اليومية في وطنهم، ومن بينهم بعض قيادات أو مناضلي حزب الله، وهم مواطنون لبنانيون في بلادهم، ونَفَّذ العدُوُّ هذه الجرائم بدعم من اجهزة الإستخبارات الأمريكية والأوروبية وبعض أجهزة المخابرات العربية، وبعد استشارة الرئيس الأمريكي وقيادة أركان الجيش الأمريكي، وحصل هذا العمل الإجرامي بعد أربعة أشهر (19 أيار/مايو – 17 و 18 أيلول/سبتمبر 2024) من انفجار طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية ومرافقيهما، وكانت لديهم أيضًا أجهزة نداء شبيهة بتلك التي انفجرت في لبنان، وقد يكون الفاعلُ (المُجْرِمُ) واحِدًا، ولم تُثر الجرائم الأخيرة للكيان الصهيوني التي تدعمها الإمبريالية – الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي بشكل خاص – ردود فِعْل شعبية ترتقي إلى مستوى خطورة الحدث، وكأن العقول تَخَدّرت لتقْبل الإجرام كفعل عادي أو “طبيعي” لا يتطلب مقاومة أو حتى التنديد والإعتراض، ونأمل أن يكون مفعول هذا التّخدير قصيرًا، وأن يكون الرّد في مستوى فداحة العدوان، ولو طال الزّمن… 

ما يرتكبه العدو من مجازر وإبادة في فلسطين وفي لبنان هو امتداد لمجازر “التّأسيس” في دير ياسين وطنطورة، ومجازر ملجأ قانا في لبنان ومصنع أبو زعبل ومدرسة بحر البقر في مصر وحمام الشاطئ في تونس وغيرها من المجازر التي لم تستهدف الجيوش بل المدنيين بهدف إرهابهم، من مشرق الوطن العربي إلى مغربه، وما كان للعدو أن يستمر في إجرامه لولا الدّعم الإمبريالي غير المحدود، ويظهر ذلك جليا في المجالات العسكرية والإعلامية والدّبلوماسية وفي عدم إصدار مجلس الأمن الدّولي قرارات إدانة (وإن كانت عقيمة) وفي تجاهل قرارات محكمة العدل والمحكمة الجنائية، مما يؤكّد الدّور الوظيفي للكيان الصهيوني كقاعدة ومَحْمِيّة للدّول الإمبريالية في المنطقة، ولولا تواطؤ الأنظمة العربية وبعض فئات العُملاء المَحلِّيِّين…

من الضروري التّأكيد للمرة الأَلْف إن القضية الفلسطينية لا تتمثل في صراع على الحدود، بل هي قضية وُجُود الشعب الفلسطيني في فلسطين التي احتلها مستعمرون جاؤوا من كل بقاع الأرض، بدعم من الإمبريالية، ولذا فإن الحل يكمن في تحريرها كاملة وليس في تقاسم الوطن مع العدو (وهو يرفض ذلك على أي حال) مما يجعل شعار “حل الدّوْلَتَيْن” عَبَثِيًّا ومُهينًا للشُّهداء ولاغِيًا وغير واقعي وخارج التاريخ، كما إن المَيْز والعنصرية جزء من إيديولوجية الإستعمار، والإستعمار الإستيطاني بشكل خاص، ومن الخطأ الإكتفاء بحصر القضية أو الهدف في “المُساواة” أي مُساواة المُسْتَوْطِن المُسْتَعْمِر بصاحب الأرض والوطن، لأن الإستعمار الإستيطاني يرتكز، بطبيعته، على نَفْي “الآخر” ( الأغيار أو “الغويم” بلغة التّوراة ثم الحركة الصهيونية) وعلى إبادته أو إزاحته عن وطنه بالقوة وبالتّجويع، كما وجب التّأكيد إن الكيان الصهيوني والإمبريالية يتخذان من فلسطين قاعدة ارتكاز للهيمنة على الوطن العربي ومياهه وثرواته وطرقاته التجارية، من البحر إلى البحر، فنحن مُستَهْدَفُون جميعًا من المغرب إلى العراق، وامتدّ قصف العدو (بالطائرات الأمريكية) من العراق إلى تونس، ولا يمكن أن تقتصر المقاومة على الشعب الفلسطيني أو على شعوب الجوار، بل يجب أن تمتد من المحيط إلى الخليج، دفاعًا عن أنفسنا.     

إن المقاومة ليست جيشًا نظاميا يخوض المعارك بكثافة في زمن مُحدّد ( يُسمى زمن الحرب) بل تتمثل المقاومة في إرهاق العدو واستنزاف قدراته على مدى متوسط أو طويل، ولذلك وجب العمل على تعدّد الجبهات وتنوعها من العمل العسكري إلى المقاطعة الإقتصادية للشركات والكيانات الدّاعمة للعدو، والعمل الإعلامي والدّعائي بهدف رَدْع الشركات الرأسمالية عن الإستثمار في فلسطين وردع المستوطنين الجدد عن الهجرة إلى فلسطين، بل توفير الظروف لهجرة المستوطنين الحاليين، ومنع السائحين من التوجه إلى فلسطين المحتلة، فضلا عن تخريب البُنية التحتية والمؤسسات الإقتصادية القائمة، وجعل فلسطين المحتلة مكانًا غير آمن للمُستوطنين والوافدين ولرأس المال، ضمن عملية تقويض قواعد رأس المال الذي يبحث عن الرّبح، وإذا ما فاقت الخسائرُ الأرباحَ، يَنْفُرُ رأس المال ليبحثَ عن ملاذات آمنة…  


قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

12 + 17 =