على هامش ذكرى وفاة عبد الناصر / د.عبدالفتاح طوقان




د.عبدالفتاح طوقان ( الأردن ) – السبت 28/9/2024 م …

في نوفمبر ١٩٦٩ وقبل وفاة عبدالناصر بأقل من عام كان في لندن حوارات مكثفة وعديدة مع وزير دفاع وسياسي وعسكري إسرائيلي شارك في معظم الحروب العربية الإسرائيلية ومن ضمنها حوارا متلفزا معه، وهو موشى شموئيل ديان، المولود في كيبوتس “داغنيا” علي ضفاف بحيرة طبريا بفلسطين ١٩١٥ لأبوين يهوديين هاجرا من أوكرانيا الي فلسطين عندما كانت تحت الحكم العثماني والتي بعد عامين من هجرتهما قامت الثورة العربية الكبرى وأصبحت فلسطين تحت الانتداب البريطاني. هكذا قدم على شاشة التلفزيون البريطاني.

وجهت له عدة أسئلة من ضمنها سؤال يقول: هل هناك أمل في تغيير الوضع الحالي بين العرب وإسرائيل؟

أجاب ديان بأنه لا أمل حاليا وهم يضعون أملهم في المستقبل (يقصد اسرائيل).

وكان السؤال التالي هو: هل تعمل إسرائيل على إسقاط عبدالناصر؟

وجاء رد ديان إذا سقط عبدالناصر لن نفرح ولكن إذا تغير النظام في مصر فقد تحين الفرصة الوحيدة للسلام. لأنني أعتقد أن العرب لا يريدون الحرب معنا.. الذي يحاربنا هو عبدالناصر ونظامه.

في صيف ١٩٧٠ بعد ثلاث سنوات من هزيمة الرئيس عبد الناصر وفي احد اللقاءات المتلفزة أيضا في بريطانيا، تم سؤال موشى ديان، لقد ذاع صيتك وشهرتك بعد انتصاركم وهزيمتكم للعرب مصر وسوريا والعراق والأردن وبمساعدة فنية للعرب من لبنان والجزائر، السعودية والكويت في حرب ١٩٦٧، والسؤال هنا لقد نتج عن هذا الانتصار احتلال قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء من مصر والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية من الأردن وهضبة الجولان من سورية فلماذا لم تحتل الأردن بأكملها؟ وكانت إجابته ان وضع يده على عينه اليسرى التي فقدها بلبنان عام ١٩٤١ وقال بسخرية: في الحقيقة لم أر الأردن.!!!

وللعلم موشى ديان كان قائدا للقوات اليهودية التي احتلت اللد عقب انسحاب القوات العراقية والأردنية دون قتال.

ولعل من اهم ما صرح به موشى ديان في السبعينات منطلقا من قناعات دينية “أن الدولة العبرية لم تقم على انقاض فلسطين، وتمتد بين نهري النيل والفرات، وأن الحدود بين الدول العربية في الشرق الأوسط ليست شيئا مقدسا بالنسبة لإسرائيل وسيأتي يوما يتم تغييرها بما يخدم المصالح الإسرائيلية وحينها سوف تخلق الدولة العبرية امراً واقعا يصعب تغييره من العرب.

هذا الكلام قبل وفاة الرئيس جمال عبد الناصر الذي كان يقف صخرة امام إسرائيل وتوسعاتها وامام بعض من حكام العرب، وبعد وفاته تحققت أحلام موشي ديان بمعاهدات السلام والاستسلام ولكن بقت “الشعوب” على عهدها.

عبد الناصر اغلق مضائق تيران والذي اعتبرته اسرائيل مبررا للحرب على مصر، وبعد اكثر من خمسين عاما تم التنازل عن جزر تيران وصنافير، وأمم شركة قناة السويس وبنى السد العالي ودافع عن كرامة الامة العربية ولكن برحيله تمددت إسرائيل وأصبحت اكثر خطورة.

ونفس ما كان يؤمن به موشى ديان يتحقق اليوم على يد نتانياهو، فيبدي غزة ويقصف بيروت ويعلن ان الأردن ومصر بعد لبنان وسط سكون عربي وصمت ان لم نقل تصفيق وتهليل مجبول باستنكارات فارغة صوتية لتهدئه الشارع العربي.

إن عبد الناصر الزعيم هو نقطة فاصلة بين زمان الوطنية والكرامة والوطن العربي الواحد وزمان الذل والمهانة، وبين عصر الرجولة وجبل الغضب على الكيان الغاصب ومفجر ثورات التحرر والقومية العربية وعصر الاستكانة والخنوع والقواعد الامريكية في الأرض العربية وحماية إسرائيل وقرب نهاية الامة العربية.

الف رحمه علي زعيم في ذكرى يوم وفاته ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠ لم يأت مثله، لا يعوض، ولازال يشكل جدلية تستحضر ذكراه الطيبة من المحيط الي الخليج.

[email protected]

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

سبعة + 6 =