المقاومة لا تنقصها الشعارات / د. صبري ربيحات




د. صبري ربيحات ( الأردن ) – السبت 28/9/2024 م …

الصاروخ الذي اطلقته اسرائيل مؤخرا على لبنان وأحدث تدميرا هائلا كان احد اهم الأسلحة التكتيكية التي انتجتها آلة الدمار ويعتمد عليها هذا الكيان في عدوانه الظالم على الشعب الفلسطيني والمقاومة التي وجدت للدفاع عن الارض العربية التي اصبحت مستباحة اكثر من اي وقت مضى.

صاروخ مرحب 3 هو الاسم الذي اختاره الاسرائيليون لصاروخهم المدمر وقد جاء ليحمل اسم شخصية مهمة في تاريخ الصراع الاسلامي مع اليهود. فالملك مرحب ابن ابي زينب هو الملك اليهودي الذي حكم خيبر وبنى اهم وأقوى حصونها وقد عرف أيضا باسم مرحب بن الحارث حيث كان فارسا لا يشق له غبار وقد تحدى جيش المسلمين في غزوة خيبر وطلب اليهم ان يختاروا من يبارزه فتصدى للقائه علي بن أبي طالب قبل واقعة خيبر وتمكن سيدنا علي من شج رأسه وارداه قتيلا قبل ان تبدأ المعركة.

الكيان الغاصب يشنها حرب دينية وعرقية وعسكرية وثقافية يعرف أهدافه ويحدد كيف يهاجمها بالوسائل التي يراها وينسج قصته وروايته التي يصدقها ويحاول اقناع العالم بها.

اما نحن فقد اصبح لنا عشرات الروايات ومئات الاهداف واصبحنا نختلف على الوسائل وخرج البعض منا من صف القتال يدعو الى السلام او الاستسلام او ليقف بعيدا متفرجا او غير أبه لما يدور.

في وقت يموت فيه الفلسطينيون جوعا وعطشا وتزداد حدة العدوان الصهيوني وحجم الدعم الامريكي والاوروبي وبالتزامن مع توسيع جبهات القتال وتدمير اجزاء مهمة من بيروت وقواعد المقاومة اللبنانية في الجنوب يخرج بعض العرب عن صمتهم الطويل حيال ما يحدث بإعلان نيتهم تشكيل تحالفات من اجل الضغط للتسريع في تنفيذ حل الدولتين.

في رأيي ورأي الكثير ممن سمعوا التصريحات لا شيئ جديد فيما يقال ونعرف كما يعرف الجميع أن هذه الدعوة على أهميتها تأتي في توقيت لا يمكن لأحد أن يرى انه مناسبا وان القيمة الفعلية لهذا الإعلان هي صرف الانتباه عما يدور من مجازر وتدمير وابادة وويلات.

المطلوب اليوم هو ائتلاف دولي لوقف العدوان على غزة ولبنان والضفة الغربية وتيسير وصول مساعدات الإغاثة لمئات الألوف من الغزيين الذين يعانون من المجاعة وتدهور الاوضاع الصحية والإنسانية.

دعوة الأشقاء العرب جاءت وكأن من أطلقها لا يعرف ما يدور على الارض او انه يعلم ذلك ويريد أن يفعل كما فعلت السلطة الفلسطينية المنشغلة بمعادلة من سيحكم غزة بعد انتهاء العدوان اكثر من اهتمامها باعداد من يموتون وحجم الدمار الذي أحدثه العدوان بعد مرور عام على انطلاقه.

في فضاء الكلام والشعارات يتحدث بعضنا عن الحرب والسلام وتأخر الرد الايراني ودور حزب الله والتباينات السنية والشيعية والشهادة والتوسع والاستيطان والابادة والبطولة والمقاومة.

نتحدث جميعا عن حتمية النصر والدولة الفلسطينية والقدس والاقصى والطوفان والمشروع الاحتلال والعمالة والعملاء والسلطة الوطنية وقرارات الأمم المتحدة واوسلو ووادي عربة والوصاية الهاشمية والديانة الابراهيمية والمساعدات والاغاثة وحي الطفايلة والجدار العازل والاستيلاء على الاغوار.

ونناقش بطولة ماهر الجازي ومعركة الكرامة والانزالات الجوية للمساعدات والمعنى المقصود بمصطلح من النهر الى البحر.. احمونا يا ناس.. ما اعطوناش المخصصات.. والمقاومة على طريقة الرئيس عباس.. والحماية بوضع ساتر على الشبابيك… الخ.

خلطة هذه الادبيات في السردية التي يقدمها الساسة او من فرض عليهم الاشتعال بها تجعل الفضاء متخما بالروايات والاراء التي لا علاقة للكثير منها بجوار القضية ولا اركانها. على الجانب الاسرائيلي هناك سردية واحدة يتبناها الكيان ويقبلها اليهود الذين هاجروا الى فلسطين وهي تقول “انهم يعودون الى الارض التي وعدوا بها وما فلسطين الا جزء من الارض النورانية التي يقولون انها تمتد من الفرات الى النيل”

المؤسف اننا لا نجد اليوم سردية عربية موحدة للصراع العربي الاسرائيلي هناك رواية السلطة ورواية المقاومة ورعاية النازح وهناك رواية اتباع المعسكر الإبراهيمي ورواية المقاومين في أنفاق رفح وهناك رواية المطبعين وقوى مقاومة التطبيع وهناك رؤية دونالد ترمب ورؤية اليمين المتطرف ورؤية من لا يعرف شيئا لا عن القضية ولا عن متعلقاتها لكنه يعتبر ان الحديث في ذلك امر مهم لأسباب اخرى.

قبل ايام ظهر احد المشتغلين بالشأن العام على احدى وسائل الاعلام ليقول إنه يعتقد ان من الواجب التفريق بين ما تقوله القيادة الإسرائيلية ويقوله الشعب الاسرائيلي فالشعب الاسرائيلي يريد السلام بحسب ما يراه صاحبنا.. كنت اتمنى ان يكون ذلك حقيقيا لكن الواقع ان الحكومات الإسرائيلية منتخبة وهي تمثل الرأي العام الاسرائيلي والحكومة التي تمثل ارادة الشعب تنطق باسمه وحسب معرفتي ان غالبية الجمهور الاسرائيلي اصبح على يمين نتانياهو وان اليسار الذي قد يرى صاحبنا انه قد يقبل بالسلام تلاشى منذ عقود فلا حضور يذكر له لا في الكنيست ولا في الاوساط الأخرى بالرغم من ظهور اصوات جديدة تنتقد سياسات الحرب لكن جلها لمفكرين وفلاسفة وكتاب داخل وخارج اسرائيل.

لاكثر من عقد من الزمان لم اسمع كلمة سلام على لسان اي مسؤول اسرائيلي. كل الذي نسمعه الارهاب ومكافحة الارهاب والاحتجاج على تصريح لمسلم هنا او طلب إدانة لموقف عربي وصف من بعيد او قريب أعمال الكيان بالوحشية..

السلطة الوطنية منشغلة بالتنسيق الأمني ومستوياته وكأنها تناست انها سلطة انتقالية لحين استكمال بنود اوسلو التي قيل انها ستنتهي بتأسيس الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران ١٩٦٧.

اصبح كل فعل او تفكير بالمقاومة عمل ارهابي ووسمت الفصائل التي لم تلقي سلاحها بوسم الارهاب واستباح الاستعمار الغربي الاقطار العربية فهدموا بناءها ومزقوا نسيجها ونهبوا ثرواتها وفككوا جيوشها ودمروا كل مصادر قوتها واشاعوا فيها الفوضى بعدما احضروا العملاء والاذناب ومكنوهم ليصبحوا لاعبين أساسيين على مسارح السياسة والفكر والاقتصاد.

لقد خرجت الامور في جميع بلدان العالم العربي عن السيطرة واصبحت اكثر اقطار العالم العربي دعاة للديمقراطية والتحرر وممولين رئيسيين لحركات التمرد والخراب في اكثر بلدان العالم العربي استقلالا وتحررا.. كل ذلك لاضعاف اي قوة محيطة بالكيان الاسرائيلي وتهيئة البيئة للمشروع الصهيوني بالتوسع دون وجود اي مقاومة تذكر.

الدوجما الامريكية التي عبر عنها جورج دبليو بوش بعبارته القائلة “Either with us or against us” هي الجملة التي اختزلت الاستراتيجية الامريكية للشرق الأوسط عبر سنوات الألفية الثالثة وهي المعيار الذي اتبعتها القوى والمؤسسات الامريكية والغربية للتعامل مع الانظمة السياسية في العالم العربي..

العالم العربي اليوم والذي رسمت سياسات التعامل معه منذ ان تحركت القوة الامريكية لتأديب العالم واستعادة هيبتها التي تزعزعت بعد أحداث 11 سبتمبر ٢٠٠١. فالدول والكيانات التي رمت عصا الطاعة للولايات المتحدة ومعسكرها الاستعماري الغربي هي التي ستوضع تحت الاختبار للتأكد من مدى استعدادها لعمل كل ما قد يطلب منها على الصعد السياسية والاقتصادية واللوجستية والاستخبارية وتثبت تبعيتها واخلاصها ستنجوا مرحليا من التغيير والفوضى واعادة الهيكلة او الغرق في المشاكل والاستباحة.. اما تلك التي أبدت رفضا او عصيانا او تململا في الامتثال لما أمرت به فقد حكم عليها بالشكل والفوضى والانهيار.

المؤسف ان بعض الاقطار لا تدرك خطورة الموقف التي وضعت نفسها فيه. فمن ناحية تعتقد انها شريكة وتحتفل بنجاتها مما لحق بغيرها دون أن تدرك ان هذه النجاة مؤقتة وان لا حصانة لاحد يدخل في شراكة او علاقة مع أنظمة متوحشة لا ترى الا مصالحها. وهي من ناحية اخرى تفقد وبشكل تدريجي ثقة الشعوب التي لا ترى في السياسات المتبعة ما يتجاوب مع الرؤى والتطلعات والامال المرتبطة بالوجود والمستقبل والهوية.

يزعجني ان ارى بعض الشباب المزاودين يتناوبوا على كراسي بيع الكلام أمام العدسات ويكيلوا الكثير من النقد واللوم بلغة فجة للمقاومين الذين افنوا أرواحهم وفقدوا أسرهم واحبتهم دفاعا عن الكرامة المهدورة وفي محاولة لوقف التدهور والانهيار المعنوي الذي اصاب الشعوب العربية وهي تراقب التنازلات عن حقوق الامة والهرولة للتطبيع مع الكيان الغاصب دون اعتبار لدماء الشهداء وتضحيات من بروا وما باهوا.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

7 − 2 =