الطائرات أمريكية … والصواريخ والقنابل أمريكية … والقرار أمريكي بامتياز … فكيف أثق بعدالتها ونزاهتها! / سماك العبوشي

 سماك العبوشي ( العراق ) – الأربعاء 2/10/2024 م …




بادئ ذي بدء:

أود التنويه بأن مقالي هذا موجه بالدرجة الأساس لصنفين من أبناء  جلدتنا من العرب، صنف منهم يحمل  ذاكرة سمكية، فسرعان ما يُخدع وينسى، إلا أنه بالتذكير قد يستعيد ذاكرته ويصحو من غفلته، وصنف آخر انخرط بمحض إرادته وانغمس بمشيئته وقناعته في متاهة النفاق والدجل والتدليس الأمريكي، ذلك الوهم الكبير الذي استحوذ على عقول الكثيرين منهم وسيطر على قلوبهم ومشاعرهم فاقتنعوا تماما بأن الولايات المتحدة الأمريكية جادة بحياديتها إزاء الصراع العربي الإسرائيلي، وأنها صادقة ملتزمة بتنفيذ ما أعلنته من تصريحات وشعارات برّاقة مفادها أنها ساعية لتحقيق السلام في منطقتنا العربية، وأنها جادة في مناداتها مؤخرا بإقامة دولة فلسطينية على أراضي ما قبل الخامس من حزيران 1967!!

وكي لا نطيل عليكم في سرد شواهد النفاق والدجل والتدليس الأمريكي، فإننا لن نذهب بالتاريخ بعيدا بذكر شواهدنا وأدلتنا، وإنما سنسلط الأضواء على مواقفها منذ أن بدأ العدوان الإسرائيلي على غزة، وصولا للاجتياح البري للقوات الإسرائيلية الجاري والمنفذ الآن لجنوب لبنان، وكما يلي:

 

أولا … الموقف الأمريكي إزاء العدوان على غزة:

لقد اتخذت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على غزة، موقفًا متطرفًا منحازا في دعمها لسياسات حكومة بنيامين نتنياهو ضد الشعب الفلسطيني، ولقد تعرض الموقف الأمريكي هذا إلى انتقادات قوية وواسعة، من قبل كل الأطراف الدولية عامة، حيث وصفته بالتواطؤ لإطالة أمد هذه الحرب بغية إتاحة الفرصة للنتن ياهو لتحقيق ما كان قد سعى اليه، هذا كما واتهمته تلك الأطراف الدولية بانتهاج سياسة ازدواجية متناقضة، تلك السياسة الأمريكية المتمثلة بمعارضتها وقف الحرب من جانب، فيما تبدي من جانب آخر (تصنعا ورياء وكذبا) الأسى والحزن تجاه مقتل الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، يضاف الى ذلك إعلان الولايات المتحدة الأمريكية ومنذ أشهر خلت عن تبنيها لمشاريع إنهاء العدوان وإيقاف إطلاق النار، وقيام وزير خارجيتها أنتوني بلينكن بجولات مكوكية شملت العواصم العربية المعنية وكذلك الكيان الصهيوني دون أن تحقق تقدما بسيطا بهذا الشأن، ولعل ذروة هذا التناقض الصارخ بالموقف الأمريكي قد تجلى واضحا بعدما استخدمت حق النقض (الفيتو) لتعطيل وإجهاض صدور أي قرار دولي لإدانة لإسرائيل، أو لإجبارها على إيقاف جريمتها النكراء في غزة!!

ورغم ما تبديه إدارة بايدن، في محادثاتها الخاصة مع الإسرائيليين، وما تسرب منه عبر الاعلام، استياءً مخففًا من الهجمات العشوائية التي تستهدف المدنيين الفلسطينيين والبنية التحتية في قطاع غزة، وما تطالب به الحكومة الإسرائيلية بضرورة احترام القانون الدولي الإنساني في حربها على القطاع، إلا أنها ما زالت ترفض بشكل قاطع أيّ دعوة لوقف إطلاق النار؛ بذريعة أن ذلك سيمنح حركة حماس الوقت لتعزّز صفوفها وتكرّر ما فعلته في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، متناسية تماما دوافع عملية طوفان الأقصى والأسباب التي دعت أبناء غزة بقيادة حماس لتنفيذها!!

لقد ساد ارتباك واضح بأداء وتعامل إدارة بايدن إزاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، فهي تدعو إسرائيل إلى ضبط النفس وتجنب إيقاع خسائر بين المدنيين الفلسطينيين، في وقت نراها تقرر تزويدها بقنابل دقيقة التوجيه تبلغ قيمتها ملايين الدولارات لتلقيها على أبناء غزة بمنتهى الوحشية، وفي حين ترفض الإدارة الأمريكية مطالبة إسرائيل بوقف إطلاق النار، وبهذا فقد بات واضحا أن طريقة تعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع حرب غزة قد أفقدتها ما تبقى لها من مصداقية وحيادية بين الجماهير العربية (دون الأنظمة العربية المنبطحة والمتخاذلة!!)، فالمتابع لما ينشر في الإعلام العربي وعبر منصات التواصل الاجتماعي يدرك فعلاً كم بلغت خسارة الولايات المتحدة في قوتها الناعمة في المنطقة العربية جراء انحيازها الاعمى للعدوان الاسرائيلي على غزة!!

 

ثانيا … الموقف الأمريكي إزاء العدوان على لبنان:

وكما عودتنا الولايات المتحدة الأمريكية على سياساتها المراوغة والتدليس والخداع والضحك على الذقون إبان العدوان الإسرائيلي الاثم على قطاع غزة، وخروجها الماكر والخبيث بين الحين والحين بمشروع وخطة لفرض إيقاف العدوان على غزة، فكانت بعملها ذاك ونداءاتها ومساعيها أقرب ما تكون للمثل العربي الشهير القائل: (أسمع جعجعة ولا أرى طحنا)، فها هي اليوم تعاود ذات الدور الماكر والمزدوج حين أطلقت نداءاتها عن معارضتها قيام إسرائيل بتنفيذ غزو بري على جنوب لبنان، ومن ثم إعلانها عن مشاريعها عن وقف إطلاق النار في لبنان، وأنها بصدد تقديم “أفكار ملموسة” لاحتواء الأزمة في لبنان، في وقت أدانت فيه دول عربية وغربية التصعيد الإسرائيلي، وحذرت منظمات دولية وإنسانية من اتساع رقعة العنف في المنطقة جراء الممارسات الإسرائيلية!!

الامر المثير للسخرية والتهكم، أنه وبعد ساعات معدودات من الغارة الإسرائيلية في لبنان والتي استهدفت زعيم حزب الله اللبناني والتي تمت بصواريخ وقنابل أمريكية خارقة للتحصينات، فإذا بوزير الخارجية الأمريكي ينوه عبر القنوات الفضائية وبمنتهى الصفاقة والسُخف بأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تعتقد أن الحل الدبلوماسي في الشرق الأوسط ممكن!!، وليس هذا الأمر فحسب، فقمة الانحيازية الامريكية والتناقض الصارخ والواضح في المواقف الامريكية تجاه العدوان الإسرائيلي على لبنان إنما تتجلى بالشواهد التالية:

1- إعلان البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي جو بايدن أمر بتعديل انتشار القوات الأمريكية في الشرق الأوسط “حسب الضرورة”، وذلك بعد أن شنت إسرائيل موجة من الضربات على “معقل حزب الله اللبناني” في ضاحية بيروت الجنوبية.!!

2- رغم قيام الولايات المتحدة الامريكية بتحذير إسرائيل من مغبة شن اجتياح إسرائيلي بري لجنوب لبنان، وتأكيدها بأنها تدعم الوصول إلى “حل دبلوماسي” لإنهاء التصعيد على الحدود الشمالية لإسرائيل، إلا أن نتن ياهو لم يُعِرْ بالا لتحذير بايدن، فسارع لإصدار الأوامر لقواته باجتياح جنوب لبنان!!.

3- وفي الوقت الذي يطالب جو بايدن بضرورة إيقاف النار في لبنان، وأن إدارته تدعم الوصول لحل دبلوماسي لإنهاء التصعيد في المنطقة، يخرج البنتاجون (وزارة الدفاع الأمريكية) ليعلن عن استعداده لإرسال الاف الجنود الامريكان للمنطقة للدفاع عن إسرائيل!!

4- ولعل قمة التناقض بالمواقف الامريكية، وبرغم أن إسرائيل هي التي ابتدأت الاجتياح البري لجنوب لبنان، ذلك الاجتياح الذي تلى تفجيرات أجهزة البيجر ثم اغتيال السيد حسن نصرالله رحمه الله، أقول بأن قمة التناقض بالمواقف الامريكية الرسمية يتمثل بما صدر من الإدارة الأمريكية عن التزامها الكامل وغير المشروط بالدفاع عن إسرائيل والحفاظ على أمنها، وما تناقلته الانباء عن قيام الولايات المتحدة الامريكية بتحريك قطعات بحرية في البحر الأبيض المتوسط ولتعزيز تواجدها للدفاع عن إسرائيل، هذا في وقت صدّعت الإدارة الامريكية رؤوسنا بمعزوفتها المشروخة أنها لا تزال تعتقد أن الحل الدبلوماسي في الشرق الأوسط ممكن، وأنها تدعو مجددا الى وقف إطلاق النار في لبنان!!

5- وكدليل آخر على عدم حيادية الولايات المتحدة الأمريكية ومشاركتها لإسرائيل بإجرامها، فقد نشرت الواشنطن بوست الامريكية نقلا عن مسؤولين أمريكيين بإن مدمراتها البحرية المنتشرة والمتواجدة في شرق البحر الأبيض المتوسط قد قامت بإسقاط بعض الصواريخ الإيرانية المتجهة لإسرائيل، في وقت تناست الولايات المتحدة الأمريكية أن القصف الصاروخي الإيراني الذي جرى بالأمس لمدن دولة الاحتلال قد جاء ردا منها على انتهاك إسرائيل لسيادتها من خلال عملية اغتيال ضيفها المجاهد الشهيد إسماعيل هنية رحمه الله وفي عقر دارها!!

6- وفي أعقاب الضربة الصاروخية الإيرانية للكيان الغاصب، وكدليل واضح على تواطؤ الولايات المتحدة الامريكية وانحيازها لإسرائيل، فقد خرج جو بايدن بتصريحات بخصوص تلك الهجمة الصاروخية الإيرانية معلنا من أن أمريكا لم تتبين بعد عواقب ذلك الهجوم، وأنها تجري مشاورات مع إسرائيل في كيفية الرد عليها، وكأن تلك الصواريخ قد استهدفت إحدى مدن الولايات المتحدة الأمريكية!!

7- ما كانت قد أعلنته وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بأن الوزير لويد أوستن تحدث إلى نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت أمس، و”اتفقا على ضرورة تفكيك البنية التحتية الهجومية على امتداد الحدود لضمان عدم تمكن حزب الله اللبناني من شن هجمات على غرار هجمات السابع من أكتوبر على البلدات الشمالية في إسرائيل”، وبما يؤكد بشكل قاطع أنه ضوء أخضر أميركي لإسرائيل للمضي قدما في سياساتها العدوانية على لبنان، والغريب في الأمر ويبعث للسخرية والتهكم تأكيد أوستن في الوقت عينه على ضرورة إيجاد حل دبلوماسي لضمان عودة المدنيين بأمان إلى منازلهم على جانبي الحدود!!.

8- ما صرح به المتحدث باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري بالأمس بإن واشنطن قد أبلغتهم بأنها ترصد استعدادات من إيران لإطلاق صواريخ نحو إسرائيل قريبا، وأن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) تؤكد على دعم واشنطن الثابت “بشأن الدفاع عن إسرائيل في ضوء تهديدات إيران وشبكة وكلائها”!!

 

ختاما …

وبعد كل هذه الأدلة والمؤشرات الواضحة التي لا لبس فيها ولا غموض عن انحيازية الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل وعدم نزاهتها في نُصرة المظلوم من اعتداءات الظلم، فإنني أوجه تساؤلاتي لأصحاب الذاكرة السمكية من أبناء جلدتنا العرب، وللمطبعين والمتخاذلين والمنبطحين، وللواهمين منهم:

كيف لي أن أثق – كما وثقتم أنتم – بالولايات المتحدة الأمريكية وأؤمن بدورها ومساعيها في تحقيق السلام والعدالة في منطقتنا، وهي التي تعلن جهارا نهارا، قولا وفعلا، عن مساندتها لدولة الاحتلال، وسعيها للمحافظة على أمنها، ومشاركتها لنتن ياهو في تحقيق ما يؤمن به من خرافات تلمودية عن “إسرائيل الكبرى”!!

فالطائرات أمريكية …

والصواريخ والقنابل أمريكية …

والقرار أمريكي بامتياز …

 

لا عتب عليكم، فالعتب كل العتب على أنظمة العهر والانحطاط العربي التي التزمت الصمت وجلست تنتظر انتهاء مهمة النتن ياهو!!

ولا نامت أعين الجبناء!!!

 

قال تعالى في أمثال هؤلاء:

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ”…(الحشر:18).

“إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً”…(الكهف:57).
“أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ”…(النحل:108).

“أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً”…(الجاثـية:23).

 

 

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

اثنا عشر − اثنان =