الأبعاد الجيوسياسية للعدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان / م. ميشال كلاغاصي

م. ميشال كلاغاصي ( سورية ) – الجمعة 4/10/2024 م …

في خضم حروبها اليائسة للدفاع عن زمانها وعالمها الأحادي, أظهرت الولايات المتحدة شراستها واستعدادها لإشعال العالم, ودفعه نحو الحرب العالمية الثالثة والفناء, مقابل احتفاظها بالسيطرة على العالم وإخضاعه لشروطها, ولأنها تعرف قوة أعدائها كان لا بد لها من تشتيتهم وإضعافهم وإشغالهم بحروبٍ الوكالة بمواجهة أدواتها, واستطاعت جر روسيا وحلفائها الأوروبين نحو الحرب في أوكرانيا, وتهديد الصين إنطلاقاً من تايوان, وإلهاء فنزويلا بالصراع الداخلي, واستمرار محاصرة إيران في محيطها الإقليمي وبالعبث الداخلي, ناهيك عن المحاصرة ثلاثية الأبعاد لسورية عبر الإحتلال الأمريكي المباشر, وبالأذرع الإرهابية والإنفصالية, إضافة إلى التهديد الأكبر وهو الإحتلال الإسرائيلي للجولان السوري.




استغلت الولايات المتحدة إشغال أعدائها, ونقلت معاركها نحو الشرق الأوسط لنسف مصالحهم ومشاريع وخطوط النفط والغاز, ومبادرة الحزام والطريق, عبر إستكمال مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي وضعته قيد التنفيذ منذ عام 2001, ووعد كوندا ليزا رايس بولادته عبر “الاّلام والمخاض” ودعته بمشروع الشرق الأوسط الجديد, الذي اعتمد الحروب والإرهاب والتهجير والتشريد وسفك الدماء , وعلى اتخاذه أشكالاً عديدة كان كـ “الربيع العربي”, وتفكيك المنطقة, ونسف العلاقة بين أنظمة الدول وشعوبها, والبحث عن خلق كيانات انعزالية إنفصالية مشابهة للكيان الإسرائيلي.

إن اهتمامها بالشرق الأوسط ليس عبثياً, وترى فيه بوابة تمسكها بالسيطرة على العالم, لذلك كان لا بد لها من إطلاق اليد الإسرائيلية للسيطرة على الشرق الأوسط بالوكالة الأمريكية, الأمر الذي يُحتم عليها تصفية القضية الفلسطينية والقضاء النهائي على حركات وفصائل مقاومتها, بالإضافة إلى القضاء على حزب الله في لبنان, وتوسيع دائرة التصفية والإخضاع نحو سورية والعراق واليمن وصولاً إلى إيران.

لم تفوت الولايات المتحدة فرصة استغلال عملية طوفان الأقصى, وأطلقت اليد الإسرائيلية منذ صبيحة 8/أكتوبر مدعومة بالدعم والتمويل والتسليح الأمريكي – الغربي, لتنفيذ المشروع القديم الجديد, وشهدت يوميات العدوان الإسرائيلي على غزة, محاولات إعادة إحياء مشروع قناة بن غوريون, ومشروع الممر الهندي, والرصيف العائم, والتي تأتي استكمالاً لعملية تفجير مرفأ بيروت والعدوان على طرطوس وتدمير حلب كمدينة صناعية تعتبر الأهم في المنطقة وارتباطها التاريخي بطريق الحرير وبمشروع الحزام والطريق, أمورٌ بمجملها تؤكد العدوان الإسرائيلي يتخطى الرد على عملية طوفان الأقصى, ويمكن وضعه تحت عنوان “اليوم التالي” للمنطقة برمتها , وهو الذي تبحث عنه الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين و”إسرائيل”, ليس في غزة والضفة الغربية فحسب, بل في لبنان والأردن وسورية والعراق وإيران والمنطقة, وهو ما لخصه رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بإستعراضه خريطة الشرق الأوسط التي يبحثون عنها.

خلال عام كامل للعدوان الإسرائيلي, كان من اللافت لجوء جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى العنف المفرط ونحو استهداف أكبر عدد ممكن من المدنين الفلسطينيين واللبنانيين وتدمير مدنهم وبلداتهم وقراهم وتسويتها بالأرض واستهداف البنى التحتية, وسط عجزه عن تحقيق أياً من أهدافه العسكرية والسياسية المعلنة أو غير المعلنة, وبأنه متمسك بسياسة القتل كإستراتيحية وحيدة تعبيراً منه عن الحقد والوحشية.

لقد أظهر نتنياهو عدم مبالاته بالأسرى الإسرائيليين رغم تظاهرات الشارع الإسرائيلي, والمطالبات الدولية والتظاهرات حول بوقف العدوان, وقام بعرقل وإفشال كافة جولات التفاوض مع حماس, وسعى نحو توسيع نطاق المواجهة في منطقة الشرق الأوسط, وأثبت للعالم بأنه لا يريد وقف إطلاق النار, وقام بإرتكاب جرائم فظيعة عبر تفجير أجهزة البيجر واللاسلكي في لبنان, وبتنفيذه عمليات إغتيالات القادة في حزب الله, وتوّجها بإغتيال السيد حسن نصر الله في غارة جوية عشية 27/أيلول بإستخدامه قنبلة أمريكية الصنع تزن 2000 رطل, على الرغم من تصريح وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب لقناة الجزيرة بأن الشهيد نصر الله وافق على مبادرة وقف إطلاق النار مدة 21 يوماً بعد موافقة نتنياهو عليها, ورغم ذلك تم تنفيذ عملية إغتياله, كذلك كشف الوزير بو حبيب أن “إسرائيل” نقلت للحكومة اللبنانية رسالةً عبر وسطاء مفادها أنها غير مهتمة بوقف إطلاق النار في لبنان حتى بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة”.

في حين نفت الولايات المتحدة اليوم تلقيها أي رسالة حول موافقة حزب الله على المبادرة, وبأنها “تؤيد وتدعم الإجتياح البري المحدود” الذي تقوم به القوات الإسرائيلية, في موقفٍ واضح يؤكد مجدداً منحها المجرم نتنياهو الفرصة والمزيد من الوقت لإقامة منطقة أمنية داخل الأراضي اللبنانية وبمحاولة لإفراغ الجنوب اللبناني من سكانه والذين يشكلون بطبيعتهم البئية الحاضنة لحزب الله, ولإرتكاب المزيد من المجازر بحق اللبنانيين وبتدمير البنى التحتية من بوابة الإنتقام منهم جراء المساندة التي أفشلت عدوانه ومشروعه في غزة  

يخطئ من يعتقد بأن نتنياهو يسعى نحو توسيع الحرب في منطقة الشرق الأوسط بأكملها لأجل دوافعه الشخصية, وبات من الواضح أنه يقوم بما تمليه عليه الإدارة الأمريكية, وهي التي أعلنت مؤخراً عن إرسال المزيد من قواتها العسكرية إلى المنطقة, وأعلنت بأنها ستدافع عن إسرائيل في حال تعرضت للرد الإيراني على إغتيال إسماعيل هنية ضيف إيران غي حفل تنصيب الرئيس مسعود بزشكيان وعلى إغتيال نصر الله الحليف الأكبر لإيران, وعلى اغتيال مدير مركز عمليات الحرس الثوري الإيراني وقائد فيلق القدس في لبنان اللواء عباس نيلفورشان.

وقد قامت إيران ليلة الثلاثاء الماضي بتفيذ وعيدها وردها وشنت هجوماً صاروخياً عبر مئات الصواريخ الباليستية المتطورة الدقيقة وبسرعاتها التي تفوق سرعة الصوت وتعمل بالوقود الصلب، ووصلت إلى أهدافها العسكرية فقط في أقل من سبع دقائق، في رسالة واضحة لضرورة وقف العدو الإسرائيلي استهداف المدنيين في غزة ولبنان, ووسط تأكيد الرئيس الإيراني بان العدوان الصهيوني “سينال عقابه”, وبإستمرار إيران في دعم المقاومة حتى تحرير فلسطين, وتاكيده على ضرورة الوحدة في مواجهة العدو الإسرائيلي في لبنان وغزة وإلاّ فسيأتي الدور على بقية الدول الإسلامية غداً.

من الواضح أن الولايات المتحدة اختارت منطقة الشرق الأوسط لتكريس هيمنتها ولعدم الإعتراف بهزيمتها وسقوط عالمها أحادي القطب, ولتصيّد مصالح الدول الكبرى كروسيا والصين, ولشن الحروب على دول المنطقة, تحت عنوان دعم “حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها” والقضاء على مصادر تهديد أمنها ووجودها, بما يبرر عدوانها على لبنان وبدء اجتياحها البري لأراضيه بذريعة القضاء على على حزب الله وفرض سيطرة إسرائيلية على مناطق رئيسية في لبنان, على غرار تبرير جرائمها في غزة بالقضاء على “تهديد” حماس, وبما يفتح الباب أمام ذرائعها للعدوان على اليمن والقضاء على أنصار الله والقوات اليمنية, والشيء ذاته للقضاء على المقاومة العراقية, ولإستكمال العدوان على سوريا, والوصول نحو تحالفٍ دولي لسحق إيران, والقضاء على “تهديدها” النووي.

بات من الواضح أن نتنياهو يقود بالوكالة صراعاً إقليمياً يحمل آثاراً جيوسياسية تتخطى منطقة الشرق الأوسط, وسط الإهتمام الكبير والمكثف للقوى العالمية بالشرق الأوسط, الأمر الذي يضاعف تعقيدات المشهد الدولي, وقد يُدخل أسواق الطاقة العالمية في حالة من الفوضى، نظراً للدور المركزي الذي تلعبه إيران كمنتج للنفط من جهة, ولموقعها الجغرافي وسيطرتها على مضيق هرمز من جهةٍ أخرى, وما تعنيه علاقاتها الدولية وشراكاتها الإستراتيجية مع روسيا والصين.

م. ميشال كلاغاصي – كاتب وحبير استراتيجي

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

خمسة × أربعة =