حسن حردان ( لبنان ) – الخميس 10/10/2024 م …
حلت الذكرى الأولى لعملية طوفان الأقصى النوعية التي وجهت ضربة قاسية استخبارية وعسكرية للعدو الصهيوني وجيشه ومنظومته الأمنية، والتي احدثت زلزالاً هز مرتكزات الكيان الصهيوني وصدم حكومات الغرب الداعمة له، وعطلت المخططات الإسرائيلية الأميركية لهندسة المنطقة وتصفية قضية فلسطين، وتشريع العلاقات مع كيان الاحتلال على نحو يحوّله إلى قوة مهيمنة مسيطرة تتحكم بالمنطقة في إطار المشروع الأميركي الإسرائيلي للشرق الأوسط الجديد…
ومع حلول هذه الذكرى واستحضار نتائجها الهامة، تمضي أيضاً سنة كاملة على شنّ حرب الإبادة الصهيونية الأميركية ضدّ الشعب الفلسطيني ومقاومته في قطاع غزة، بهدف محو آثار ونتائج وإنجازات عملية طوفان الأقصى، وردّ الاعتبار لقوة كيان الاحتلال المحطمة والمهشمة.. والعمل بكلّ ما يملك من قوة وآلة حرب مدمرة، زودته بها الولايات المتحدة الأميركية، لأجل تحقيق جملة من الأهداف دفعة واحدة:
الهدف الاول، سحق المقاومة ونزع سلاحها والقضاء على قادتها..
الهدف الثاني، استعادة الأسرى الصهاينة الذين أُسروا خلال عملية طوفان الأقصى، بالقوة ومن دون شروط.
الهدف الثالث، تهجير أهالي غزة إلى صحراء سيناء المصرية في محاولة لتكرار صورة النكبة الفلسطينية عام 1948، في سياق تنفيذ خطة تستهدف أيضاً تهجير الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى الأردن، وصولاً إلى تهجير الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 48 إلى لبنان بما يحقق الهدف الصهيوني بتهويد كامل فلسطين المحتلة وتصفية القضية الفلسطينية.. وتحقيق حلم الصهاينة بإقامة الدولة اليهودية الصافية على كلّ فلسطين من النهر إلى البحر..
الهدف الرابع، بعد تحقيق السيطرة الإسرائيلية على غزة والقضاء على المقاومة، يعمل كيان الاحتلال لأجل أحياء مشاريع التطبيع في المنطقة، في إطار تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد..
لكن هل نجح العدو في تحقيق الأهداف المذكورة آنفاً؟
كل الوقائع والمعطيات تؤكد أنّ جيش الاحتلال لم ينجح في تحقيق أي من الأهداف التي أعلن عنها، باستثناء تدمير معظم مدن وبلدات ومخيمات قطاع غزة والبنى التحتية وأغلب المستشفيات والمراكز الصحية، وتهجير مئات الآلاف من بيوتهم والتسبّب بأكبر معاناة إنسانية، إلى جانب ارتكاب المجازر التي أدّت إلى استشهاد أكثر من خمسين ألف مواطن، وجرح أكثر من مائة ألف..
لكن جيش الاحتلال لم يتمكّن من تحقيق أهدافه لناحية القضاء على المقاومة، ولا تدمير بنيتها التحتية وأنفاقها، ولا استعادة الأسرى الصهاينة، ولا النيل من صمود الغزيين والتفافهم حول مقاومتهم.. على أنّ أكبر دليل على فشل العدو في تحقيق أهدافه، إنه في الذكرى الأولى لـ 7 أكتوبر، قام جيش الاحتلال بعملية جديدة في شمال غزة استهدفت مخيم جباليا للمرة الرابعة على التوالي لضرب المقاومة في المنطقة، حيث واجه مقاومة ضارية أوقعت في صفوف قوات العدو الخسائر، فيما قامت كتائب القسام بقصف مدينة يافا المحتلة المسماة إسرائيلياً بـ تل أبيب، بدفعة من الصواريخ التي تساقطت على المدينة، ولم تتمكن الدفاعات الجوية الإسرائيلية من اعتراضها.. الأمر الذي شكل ضربة موجعة لقادة العدو وادّعاءاتهم بإضعاف قدرات المقاومة التي برهنت على استمرارها في شنّ حرب الاستنزاف ضدّ قوات الاحتلال عبر نصب الكمائن وتدمير دبابات واليات العدو، وايقاع القتلى بين ضباطه وجنوده..
نتيجة هذا الفشل الإسرائيلي، والغرق في حرب استنزاف باهظة، أدّت إلى انهاك جيش الاحتلال وإضعاف معنوياته ومطالبة قادته بإخراجه من وحلّ غزة، وتفكك الإجماع الإسرائيلي حول الحرب في غزة، وازدياد المعارضة الإسرائيلية المطالبة بوقف الحرب وعقد صفقة لتبادل الأسرى، نتيجة ذلك كله دخلت حكومة العدو برئاسة بنيامين نتنياهو في مأزق كبير، وللخروج من هذا المأزق اعتمدت سياسة الهروب إلى الأمام عبر التصعيد في المنطقة ضدّ إيران ولبنان واليمن وتنفيذ الاغتيالات لقادة المقاومة، واخيراً توجيه الثقل العسكري باتجاه الجبهة الشمالية مع لبنان وشن الحرب عليه واعتماد سياسة التدمير الممنهج في الجنوب والضاحية الجنوبية من بيروت والبقاع، في محاولة مستميتة للضغط على المقاومة لفصل جبهة جنوب لبنان عن غزة، ووقف إطلاق صواريخ المقاومة ومُسيّراتها على المستعمرات الصهيونية في الشمال الفلسطيني المحتلّ، بما يمكّن المستوطنين من العودة إلى مستعمراتهم، وبالتالي تحقيق إنجاز يمكن نتنياهو من تعزيز قوته «إسرائيلياً» والعودة إلى الاستفراد بغزة لإخضاعها وتحقيق أهداف حربه التي فشل في تحقيقها حتى الآن.. غير انّ نتنياهو عندما وجد انّ المقاومة في لبنان لم ترضخ لشروط، بعد اغتيال قائدها وسيدها الشهيد حسن نصر الله، عمَد إلى دفع جيشه لشنّ الحرب البرية لإبعاد المقاومة عن الحدود إلى ما وراء نهر الليطاني وتدمير القدرات الصاروخية للمقاومة وأنفاقها في الجنوب، لكنه فوجئ بقوة وضراوة المقاومة في القرى الحدودية تمنع قوات النخبة الصهيونية من تحقيق ايّ تقدّم مهمّ، وتلحق بها خسائر كبيرة، الأمر الذي أعاد تظهير المأزق الإسرائيلي، وأكد انّ قوة المقاومة لم تتراجع وانها لا زالت على أتمّ الجاهزية والاستعداد للمواجهة، وانّ منظومة القيادة والتحكم والسيطرة لديها لم تتأثر، وانّ الاغتيالات لم تنل منها او تضعف عزيمة المقاومين بل زادتهم تصميماً وبأساً لإحباط أهداف العدو وإلحاق الهزيمة به مجدّداً عبر تلقينه دروساً جديدة في ميدان القتال، تكرّر مشاهد حرب تموز التي أدّت إلى هزيمة العدوان الصهيوني وتحقيق المقاومة انتصاراً استراتيجياً تاريخياً على جيش العدو..
هكذا يمكن القول، في ذكرى 7 أكتوبر أصبح كيان الاحتلال أكثر غرقاً في مستنقع الاستنزاف، في غزة وجنوب لبنان، وتحوّل معه الكيان إلى ساحة حرب يتعرّض للقصف اليومي بالصواريخ من كلّ جبهات محور المقاومة.. وما قصف مدينة حيفا المحتلة بالصواريخ على أثر كلمة نائب أمين عام حزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم، واعتراف العدو بأنه كان القصف الأعنف حتى الآن، إلا دليل على قوة المقاومة وقدراتها على إغراق كيان الاحتلال بحرب استنزاف من الوزن الثقيل، الأمر الذي يجعل مستنقع الاستنزاف الذي بدأ يعاني منه جنوده يتوسع من غزة الى جنوب لبنان، مما يعمّق مأزق كيان العدو ويقرب اللحظة التي تؤدي إلى إحداث تحوّل في موقف الداخل الاسرائيلي، ضد الاستمرار في حرب لا تؤدي إلى إعادة المستوطنين إلى مستعمرات الشمال، ولا استعادة الأسرى بالقوة، وإنما تزيد من نزوح اعداد أكبر من المستوطنين، وتفقدهم الأمن والاستقرار، وتهديد حياة من تبقى من الأسرى على قيد الحياة.