متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثالث والتّسعون / الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) – الأحد 13/10/2024 م …  

يتضمن العدد الثالث والتّسْعون من نشرة “متابعات” الأسبوعية فقرة عن مرور عام على المجازر المستمرة في غزة ثم في لبنان، وفقرة عن قُدْرة حكومة “طالبان” الأفغانية على المناورة والمُرُونة في السياسة الخارجية، رغم التّشدّد والتّزمت والتّضْيِيقات داخليا، وفقرات عن الحرب التجارية والإقتصادية والتكنولوجية المستمرة بين الولايات المتحدة وملاحقها من جهة والصين من جهة أخرى وفقرة عن التفاوت بين دخل العمل ودَخْل رأس المال، على مستوى عالمي




 

عام من تصعيد العدوان ومن المُقاومة

نفذت أربع منظمات فلسطينية (حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين والجهاد الإسلامي ) يوم السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023 إحدى أكثر العمليات الفدائية جرأةً ضدّ الكيان الصهيوني في المناطق التي كان يعتبرها مُحصّنة بفعل احتلالها منذ 75 سنة وبفعل تفريط قيادة منظمة التحرير في هذا الجزء من الوطن للإحتلال، ولم يكن هذا الشكل من المقاومة النّوعية واردًا في احتمالات العَدُوّ وداعميه من القوى الإمبريالية وتوابعها من الحكّام العرب الذين اعتقدوا إنهم دَفَنُوا فلسطين، منذ زمن…

أظهرت هذه العملية إن أبناء وأحفاد اللاّجئين ( نحو ثُلُثَيْ سُكّان غزّة) لم ينسوا (كما كان يعتقد ديفيد بن غوريون) بل حرصوا على استمرار اشتعال فتيل المقاومة طيلة ثلاثة أرباع القرن، رغم الحصار المُطبق والتّجويع والإذلال، وكان ردّ فعل العدوّ الثّلاثي ( الإمبريالية والصهيونية والأنظمة العربية) مُدَمِّرًا، لكنه لم يتمكّن من القضاء على المقاومة، رغم الإبادة والدّمار والخراب، لاستكمال المُخطّط الذي لم يتمكّن العدو من إنجاز كافة مراحله أثناء النّكبة، وقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين وتهجير من أفْلَتَ من القَتْل، ويهدف التّدمير المنهجي للطرقات والمباني والبُنية التحتية والمدارس والمستشفيات وحتى مباني الأمم المتحدة ودور العبادة، واغتيال مُمثليها واغتيال الصحافيين والعاملين بمجال الإنقاذ والرعاية الصحية إلى جعل غزة (وكذلك جنوب لبنان) مكانًا غير مُعَدٍّ للحياة…   

رغم الدّعم الإمبريالي العلني العسكري والدّبلوماسي والإعلامي للعدو، وترويج الدّعاية الإستعمارية الصهيونية، تَمَرّد الآلاف من مواطني أمريكا الشمالية وأوروبا وأستراليا على الرواية الرسمية للأحداث، ولئن لم يناصروا كلهم حق الشعب الفلسطيني في المقاومة وفي اختيار شكلها ومضمونها، فإنهم عارضوا تسليح الكيان الصهيوني وتبرير المجازر وترويج رواية العدو من قِبَل الحكومات ووسائل الإعلام “الغربية”التي روجت أسطورة “دفاع إسرائيل عن النفس” وإنكار حق الشعب الفلسطيني أو اللّبناني في الدفاع عن النفس وعن الأرض والوطن…

إن استمرار هذا العدوان طيلة أكثر من سنة كاملة، رغم الأسلحة الفتّاكة وتطويع التكنولوجيا لخدمة العدوان، دليل على تغيير في موازين القوى بشكل جعل الكيان الصهيوني وحلفاءه يعجزون عن القضاء على المقاومة سواء في غزة أو في لبنان أو في اليمن، وبشكل جعل المناهضين للإستعمار في الدّول الإمبريالية يُشكّكون علنًا في الرواية الرّسمية لمجرى الأحداث، منذ سنة 1948، وتمثّل ردّ حكومات الدّول “الدّيمقراطية” الغربية في تكثيف القمع ولَجْم حرية التعبير وإلصاق تهمة “مُعاداة السامية” ( وهي ظاهرة أوروبية مَحْضَة” بكل من يُعلن تضامنه مع الشعب الفلسطين أو من يُطالب بوقف إطلاق النار، بما في ذلك اليهود الذين يُطالبون بوقف العدوان، ليس من باب التضامن مع الشعب الفلسطيني، بل حرصًا على مستقبل كيان الإحتلال، وتزامن هذا القمع البوليسي والقضائي والإعلامي، مع انتشار التعليقات المؤيدة للإبادة الجماعية ولاستخدام كافة أنواع الأسلحة ضد شعب مُحاصر منذ 18 سنة…

أظْهَر هذا العدوان اصطفاف عدد من قادة منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح إلى جانب العدو، ولا غرابة في ذلك فقد كانت مفاهمات (وليست اتفاقيات) أوسلو تتويجًا لسنوات من الخيانات في الكواليس، وأفضت هذه المفاهمات إلى تسليح وتدريب قوات أمن فلسطينية من قِبَل الإستخبارات الأمريكية (لذلك سُمّيت قوات دايتون على إسم الجنرال الأمريكي الذي أَشْرَفَ على التّدريب) تُساعد قوات العدو على إفشال محاولات المقاومة، وممارسة الإعتقال والقتل الإستباقي ( الوقائي) وأظْرت الأحداث إن ما يسمى بـ”حل الدولتين” هو غشاء وفُرصة لمواصلة الاستعمار الإستيطاني وضم أراضي جديدة ونَفْي حق العودة للاجئين…

أظْهرت هذه الأحداث عدم وجود قُطب منافس للإمبريالية الأمريكية وحلفائها، كما كان الوضع قبل انهيار الإتحاد السوفييتي، وأظهرت إن مجموعة “بريكس” هي تَكتّل رأسمالي لا يرقى إلى مجموعة عدم الإنحياز أو إلى ما طرحته مجموعة السبع والسبعين من ضرورة إرساء “نظام اقتصادي عالمي جديد” كما عبر عنه خطاب الرئيس الجزائري هواري بومدين في الأمم المتحدة – بالعربية لأول مرة في تاريخ الأمم المتحدة – ( نيسان/ابريل 1974) ولم تتجاوز مجموعة “بريكس” المنطق الرأسمالي بل تستهدف توسيعه… أما الجامعة العربية فلم تعد تجتمع أو تُصدر بيانات إلا نادرًا، منذ أصبحت السعودية وحلفاؤها يمسكون بدواليبها، بعد التّطبيع المصري واتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة وما لحقهما من تطبيع شبه جماعي عربي… 

أُصيبت الشعوب العربية بالإرهاق من الجَرْي وراء القوت اليومي، فبقيت مظاهر التّأييد للشعب الفلسطيني وللشعب اللّبناني محتشمة ومتواضعة جدًّا، ولذا وجب على التقدّميين والثوريين مضاعفة النضال من أجل التنديد بالمجازر والإبادة، ودعم المطالب الأساسية للشعب الفلسطيني والمتمثلة في تحرير وطنه كاملا وعودة اللاجئين وإقامة دولة على كل أراضي فلسطين وليس على جزء منها…

 

أفغانستان

تُشير المشاريع الإقتصادية والإستثمارات (منها الإستثمارات الصينية في المناجم والبنية التحتية والطاقة) إلى تكثيف المبادلات الإقتصادية والتجارية واندماج أفغانستان مع دول آسيا الوسطى والجنوبية:

زار رئيس وزراء أوزبكستان العاصمة الأفغانية كابول، يوم 18 آب/أغسطس 2024، في إطار تقارب دول آسيا الوسطى مع نظام “طالبان” لأسباب اقتصادية وأمنية، ووقّعت حكومتا أفغانستان وأوزبكستان اتفاقيات تجارية واستثمارية بقيمة 2,5 مليار دولار مع احتمال زيادة حجم التبادل التجاري إلى ثلاث مليارات دولار، وتتضمن الإتفاقيات استيراد أفغانستان الوقود والمنتجات الزراعية ومواد البناء والكهرباء من بلدان آسيا الوسطى، وخصوصًا من أوزبكستان، رغم الخلافات بين البلدين بشأن مياه نهر “أمو داريا” حيث أتمّت أفغانستان بناء قناة قوش تيبه خلال الربع الثاني من سنة 2023 شمال أفغانستان، وتحويل حوالي 20% من مياه النّهر، ما أدّى إلى انخفاض منسوب المياه وحصة أوزبكستان وتركمانستان، مما يؤثر على ريّ الأراضي الزراعية في كلا البلدين…

تُعَدّ كازاخستان أكبر دول آسيا الوسطى، وتبذل أيضًا جهودًا حثيثة للتقرب من طالبان التي شطبتها، بنهاية سنة 2023،  من قائمة المنظمات الإرهابية، وكذا فعلت قرغيزستان يوم الخامس من أيلول/سبتمبر 2024، إثْرَ توقيع عقود بقيمة 200 مليون دولار (سنة 2023) لتوريد الحبوب والدقيق إلى أفغانستان.

تشترك أفغانستان مع طاجيكستان بحدود طويلة غير إن حكومة طاجيكستان تحظر أي حركة إسلامية على أراضيها، ولذا بقيت العلاقات بين الحكومتَيْن محدودة، خلافًا لتركمانستان – التي يصفها حكام “الغرب” بالإنغلاق – التي اتفقت مع حكومة أفغانستان على إطلاق مشروع سكك حديدية يربط البلدَيْن، مرورًا بأوزبكستان، فضلا عن مشروع “تابي” لنقل حوالي 33 مليار متر مُكعّب من الغاز من تركمانستان إلى باكستان والهند عبر أفغانستان التي تعير حكومتها أهمية كبيرة لهذا المشروع الإقليمي الذي يَمُدّها بنحو 500 مليون متر مكعب من الغاز بسعر تفضيلي فضلا عن رسوم العبور التي تُقدّر بنحو 450 مليون دولارا سنويا، ويُساهم في فكّ عزلتها التي تفرضها الولايات المتحدة وأوروبا، ويبلغ طول خط أنابيب غاز “تابي” 1814 كيلومترا، منها 816 كيلومترا داخل الأراضي الأفغانية 816 كيلومترا، قبل عبور باكستان نحو الهند، وتبلغ التكلفة الإجمالية لهذا المشروع 22,5 مليار دولارا.

تعود فكرة مشروع خط أنابيب نقل الغاز إلى حوالي ثلاثة عُقُود، خلال تسعينيات القرن العشرين في ظل فترة حكومة طالبان السابقة، لكن عدم استقرار الوضع في أفغانستان التي احتلتها الولايات المتحدة وحلفاؤها، فضلا عرقل إنجاز المشروع، فضلا عن اعتراض الولايات المتحدة على تطوير علاقة أفغانستان مع جيرانها ورفض أي مشروع يُساهم في تحسين العلاقات السياسية والاقتصادية مع دول المنطقة، رغم استمرار المفاوضات بين تركمانستان والدول الأخرى، ورغم دعم مصرف التنمية الآسيوي للمشروع ( منذ سنة 2003) ورغم توقيع اتفاقية سنة 2016 بين أفغانستان وباكستان وتركمانستان والهند، ويُساهم خط الأنابيب في إحياء وتنفيذ العديد من المشاريع الأخرى، ومنها مشروع نقل الكهرباء بقدرة 500 كليوواط بين تركمانستان وباكستان عبر أفغانستان التي تحصل على حوالي 110 ملايين دولار من حقوق العبور من نقل الكهرباء، ومنها كذلك بناء ثلاث محطات فرعية للكهرباء في ولايات هرات وفراه وقندهار الأفغانية، وكذلك مد كابلات الألياف الضوئية لربط الدول المجاورة، فضلا عن خط السكة الحديدية الذي يربط باكستان وتركمانستان عبر أفغانستان، وتأمل حكومة تركمانستان أن تُساهم هذه المشاريع والمصالح الإقتصادية المُشْتَرَكَة في خَفْض التوتر وإرساء الإستقرار في آسيا الوسطى وآسيا الجنوبية، وخصوصًا في أفغانستان وباكستان والهند… 

 

الجزائر والصين والحرب الإقتصادية

تستحدم الحكومة الصينية كافة الوسائل للإلتفاف على الحصار الإقتصادي الذي أقَرّتْهُ الولايات المتحدة ويُنَفِّذُهُ حلفاؤها، وتُشجّع شركاتها على الإستثمار في المغرب وفي الجزائر، والبلدان التي لها اتفاقيات إعفاء بعض السّلع من الرّسوم الجمركية، وأقَرّت الحكومة والشركات الصينية استراتيجية تتمثل في الإنتاج في الجزائر بالتعاون مع الشركات المحلية للتصدير إلى أوروبا وإفريقيا وحتى أمريكا، تحت شعار “الرخاء المشترك” الذي أكدت عليه الحكومة الصينية خلال القمة الصينية الأفريقية التي انعقدت في بكين، وتتجسد الشراكة مع الجزائر من خلال الاستثمارات في المشاريع الصناعية والبنية التحتية، بهدف تخفيض تكاليف شحن البضائع، بحكم المسافة القريبة بين الجزائر وأوروبا، وكذلك باعتبار الإنتاج المشترك ( بين شركات الجزائر والصين) يُعتَبَرُ جزائريًّا ويمكن أن يتمتع بالإعفاء من الرسوم الجمركية التي يفرضها الغرب على المنتجات الصينية، كجزء من الحرب التجارية التي أطلقتها الولايات المتحدة وأوروبا، وهي نفس الاستراتيجية التي تطبقها الشركات الصينية في المكسيك للوصول إلى السوق الأمريكية، لأن المكسيك ترتبط باتفاقية تجارة حرة مع كندا والولايات المتحدة، كما ترتبط الجزائر باتفاقية تجارة حرة مع الإتحاد الأوروبي، غير إن شركات الإتحاد الأوروبي قليلة الإستثمار في الجزائر، باستثناء قطاع المحروقات أو بعض القطاعات الأخرى القليلة مثل قطاع تركيب السيارات، حيث استثمرت شركة سيارات “فيات” الإيطالية في مصنع تجميع المركبات في مدينة وهران، ولهذه الأسباب لجأت الجزائر إلى الصّين لتنفيذ مشاريع السكك الحديدية والطرقات وصناعة السيارات واستغلال منجم فوسفات تبسة ورواسب خام الحديد ببشّار (ولاية تندوف ) باستثمار مليار دولار لاستغلال هذا المنجم الذي يحتوي على حوالي ثلاث مليارات طن وتُعد من أكبر الإحتياطيات العالمية، ما يمكّن الصين من تقليل اعتمادها على خام الحديد والصلب من أستراليا، المنتج الرائد في العالم والحليف الوَفِي للولايات المتحدة…

ترفض الصين بَيْعَ المعرفة التقنية ( التكنولوجيا) التي لا تمتلكها الجزائر، وتتمثل استراتيجيتها في الإنتاج محليا بالتعاون مع المجموعات الجزائرية، وفي تركيب السكك الحديدية في البيئات الصحراوية، لمد خطوط السكة الحديدية عبر الصحراء، نحو الحدود الجزائرية مع مالي والنيجر، كما يتوقع أن تبدأ شركة صناعة السيارات الصينية العملاقة BYD إنتاج السيارات الكهربائية في الجزائر في إطار شراكة مع شركة “كوندور” وهي شركة خاصة جزائرية تُجري كذلك مفاوضات مع الشركات الصينية لإنتاج الأجهزة المنزلية وبعض أنواع الهواتف المحمولة وإنتاج بطاريات الليثيوم للسيارات الكهربائية الخ، في إطار ما تُدْرِجُه الحكومة الجزائرية في باب “تنويع الإقتصاد”، وفي إطار وُعود تعزيز قطاع الفلاحة والصناعة والسياحة واقتصاد المعرفة، فيما تتمثل الاستراتيجية الصينية في إنشاء وحدات إنتاج في البلدان التي تتمتع بمزايا نسبية، لمواصلة الإنتاج والشّحن بتكاليف أقل ( تطبيقًا لأبسط فواعد الرأسمالية)، وفي الوقت نفسه التحايل على العراقيل والرّسُوم الجمركية المرتفعة التي تُقرّها أوروبا وأمريكا الشمالية أمام البضائع الصينية، كما يمكن أن تُوَفِّرَ الجزائر والمغرب بوابة مباشرة لأسواق شمال أفريقيا وبعض الدول العربية وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى…

 

الحرب الاقتصادية مستمرة

توسّعت رُقْعَةُ الحرب الاقتصادية سنة 2018 مع حظْر تقنية “الجيل الخامس” ( G5 ) لشركة الإتصالات الصينية “هواوي”، وزيادة الرُّسُوم الجُمْركية على تقنيات الطّاقة المُتجدّدة (الألواح الشّمسية والتوربينات) وما يتّصِل بالتقنيات المتطورة، وفرض الاتحاد الأوروبي مؤخراً تعريفات جمركية على السيارات الكهربائية الصينية، بذريعة “المنافسة غير النّزيهة”، وردّت الصين بالمثل لكنها لم تُبادِر إلى إعلان الحرب الإقتصادية والتّجارية، بل رفعت الأمر إلى منظمة التجارة العالمية (حارس اللِّيبرالية)، بالتّوازي مع تشديد سيطرتها على المواد الخام الاستراتيجية و”المعادن النّادرة”، وأعلنت الصين سنة 2023، ضوابط على صادرات الغرافيت والغاليوم والغرمانيوم، والعديد من المواد الأساسية لصناعات أشباه الموصلات والطاقة المتجددة، كما أعلنت وزارة التجارة الصينية، منتصف شهر آب/أغسطس 2024، تَقْيِيد صادراتها من معدن الأنتيمون، وخضوع تصديره من الصّين لترخيص حكومي مسبق، بداية من الخامس عشر من أيلول/سبتمبر 2024، والأنتيمون معدن نادر ذو خصائص فريدة، مطلوب بشدة في العديد من القطاعات الصناعية المتطورة، مثل إنتاج المواد المقاومة للحريق والبطاريات والألواح الشمسية، كما يُسْتَخْدَم في صناعة الأسلحة، وتنتج الصين حوالي نصف الإنتاج اللعالمي للأنتيمون، مما مكّنها من تطوير صناعاتها الدّقيقة، وامتلاك احتياطيات هامّة لتنمية صناعاتها المستقبلية، ولتتمكّن من مجابهة الحرب الإقتصادية والتجارية التي تشُنُّها وتقودُها الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، بهدف عرقلة نمو قطاع التكنولوجيا الدّقيقة في الصين، مثل الإلكترونيات وصناعة السيارات الكهربائية والفضاء، واعتمدت الصين منذ نهاية القرن العشرين السيطرة على المعادن النادرة والمواد الخام الإستراتيجية وتنويع مصادر العَرْض وتطوير تقنيات إعادة التّدوير، والإستثمار في البحث العلمي وتشجيع الإبتكار…

 

الحرب الإقتصادية

أقَرّ الإتحاد الأوروبي رُسُومًا جمركية، لمدة خمس سنوات، قد تَصِلُ إلى 36% من سعر السيارات الكهربائية للعلامات التجارية الصينية، وجميع المركبات المنتجة في الصين من قبل شركات أجنبية، مثل شركة تيسلا الأمريكية، التي لديها مصنع كبير في مدينة شنغهاي، ويندرج هذا القرار ضمن الحرب الإقتصادية التي أطلقتها الولايات المتحدة منذ أكثر من عشر سنوات وتم تشديدها منذ سنة 2017 خلال فترة رئاسة دونالد ترامب، وانضمت أوروبا – كعادتها – إلى الولايات المتحدة، في محاولة لِرَدْع الشركات الأمريكية والأوروبية التي تُنقل بعض نشاطها إلى الصين، بحثًا عن أسواق جديدة وعن تعظيم أرباحها، مثلما فعلت شركة فولكس فاغن الألمانية، وردّت الصين بإعلان “فتح تحقيق لمكافحة الإغراق لمنتجات الألبان الأوروبية التي تتلقى إعانات في إطار السياسة الزراعية الأوروبية المشتركة (CAP) للاتحاد الأوروبي، مما قد يُشكّل تهديدًا لمجموعة واسعة من السلع الفلاحية التي تُصدِّرُها الشركات الأوروبية، من إسبانيا وفرنسا وهولندا والدنمارك وغيرها، إلى الصين…

قد يُؤدّي قرار الإتحاد الأوروبي بشأن السيارات الكهربائية إلى إلحاق أضرار بقطاع صناعة السيارات الكهربائية الأوروبية، إِذْ أعلنت شركة أودي الألمانية ( فَرْع من فولكس فاغن التي تضم عشر علامات تجارية) إغلاق مصنعها للسيارات الكهربائية في بروكسل. وتسريح أكثر من 1400 عامل قبل شهر تشرين الأول/أكتوبر 2024، و 1100 آخرين سنة 2025، من ضمن ثلاثة آلاف عامل، وعلّلت الشركة قرار التسريح بانخفاض الطّلب بسبب ارتفاع أسعار الطّرازات الفاخرة التي تصنعها الشركة…

أما الصين فإنها تعمل على غزو أسواق جديدة في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، من خلال إنجاز مشاريع في هذه البلدان، من ذلك بناء محطات للشحن السريع لبطاريات السيارات الكهربائية الصينية المُعفاة من الضرائب، وذلك ضمن مشروع كهربة الريف في بعض البلدان – منها كينيا – وتأهيل البُنية التحتية للطرقات وتغيير مظهرها، وإعادة تشكيل المشهد العالمي لصناعة السيارات.

 

الحرب التكنولوجية

دعم حكومي أمريكي مُباشر لشركات التكنولوجيا

تلاقي شركة إنتل صعوبات بسبب كثافة استثماراتها في فلسطين المتحلة (ثاني أكبر موقع لها بعد الولايات المتحدة) وبسبب علاقاتها المتطورة جدّا مع الجيش الصهيوني، وتحاول الحكومة الأمريكية إنقاذها، بعدما أعلنت إلغاء مشاريع ضخمة، من بينها إنشاء أكبر مصنع لها في فلسطين المحتلة بقيمة 25 مليار دولارا، وعن تسريح العديد من العاملين، وسبق أن حصلت شركة إنتل يوم العشرين من آذار/مارس 2024 على تمويل حكومي أمريكي بقيمة 20,5 مليار دولارا في شكل هبات ( 8,5 مليار دولار) وقروض ( 11 مليار دولار) ومنح (مليار دولارا) لدعم إنتاج الرقائق الإلكترونية، في أكبر مساهمة من إدارة الرئيس جوزيف بايدن، ضمن خطط مواجهة هيمنة الصين على قطاع صناعة الرّقائق الإلكترونية، وسَبَق أن أَقَرَّ الكونغرس الأمريكي قانون “العلوم وتوفير حوافز بقيمة 52,7 مليار دولارا، لمساعدة الشركات الأمريكية على إنتاج أشباه الموصلات” سنة 2022، وفق موقع وزارة التجارة الأميركية…

أعلنت وكالة “بلومبرغ” يوم 14 أيلول/سبتمبر حصول شركة “إنتل” على منح حكومية أمريكية بقيمة 3,5 مليار دولار لإنتاج أشباه الموصلات للجيش الأمريكي، ضمن خطة لرَفْع حصة الولايات المتحدة لإنتاج الرقائق من 0% حاليا إلى إنتاج 20% من الرقائق المتطورة بحلول العام 2030، لأن الولايات المتحدة “نعتمد على عدد ضئيل من المصانع في آسيا للحصول على كل الرقائق الأكثر تطورا”، وفق موقع وزارة التجارة الأمريكية، ويندرج هذا الدّعم المالي الإضافي الحكومي ضمن برنامج – Secure Enclave – السري الذي يهدف إلى تنظيم إنتاج الرقائق المتقدمة للأغراض الاستخباراتية والعسكرية ويشمل أراضي عدة ولايات أمريكية بينها أريزونا حيث يقع مصنع لشركة “إنتل” التي قد تتخلى عن معظم مشاريعها خارج الولايات المتحدة، دون التخلي عن مصانعها ومختبراتها في فلسطين المحتلة التي تعتبرها الولايات المتحدة قاعدة متقدّمة أو مَحْمِيّة أمريكية… 

 

تفاوت بين مردود العمل والمضاربة:

تستمر مبالغ الأرباح المدفوعة للمساهمين في الارتفاع، بينما يواصل دخل العمل الانخفاض، على المستوى العالمي، منذ أكثر من عشرين عامًا، وفقًا لتقرير منظمة العمل الدولية، الصادر في أيلول/سبتمبر 2024 تحت عنوان: “الآفاق الاجتماعية وآفاق التوظيف في العالم” الذي يشير إلى تفاقم عدم المساواة.

تقيس حصة دخل العمل نسبة إجمالي الدخل الذي يكسبه الأشخاص من العمل، وانخفضت هذه النسبة من 52.9% سنة 2020 إلى 52.3% سنة 2022، ويُضاف هذا الدخل إلى الدخل الرأسمالي ( الذي لا يحصل عليه الأشخاص من عملهم) لتكوين إجمالي دخل الاقتصاد، حسبما تذكر منظمة العمل الدولية.

انخفضت حصة العمال منذ سنة 2004، بمقدار 1,6 نقطة، وبالنسبة للعام 2024 وحده، يمثل ذلك خسارة قدرها 2,4 تريليون دولار للعمال على مستوى العالم. أما السبب الرئيسي لهذا التراجع على مدى العقدين الماضيين فهو التغير التكنولوجي، ولا سيما الأتمتة التي عززت الإنتاجية والنمو الاقتصادي، لكن العمال لم يستفدوا من المكاسب الناتجة، وفق منظمة العمل الدّولية، لكن يمكن إضافة تراجع النضالات وتراجع دَوْر النقابات والمنظمات الإجتماعية التي كانت تفرض على أرباب العمل الزيادات في الأجور والحوافز…

لا تقتصر عدم المساواة على التوزيع غير العادل للدخل بين رأس المال والعمل، إذْ يتجلّى التوزيع غير المتكافئ في الإختلال بين المناطق الجغرافية (على مستوى كل بلد وعلى مستوى عالمي) وكذلك حسب الجنس حيث تحث النساء على حصة أقل من الرجال، مقابل نفس العمل…

في أوروبا، على سبيل المثال، ارتفع متوسّط الرواتب والحوافز بنسبة لا تصل إلى 2% فيما ارتفعت حصة الأرباح (الدخل الرأسمالي) بنسبة 7,7%، بنهاية النصف الأول من سنة 2024

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

10 + تسعة =