يحيى السنوار … لك من اسمك نصيب ! / الياس فاخوري
الياس فاخوري ( الأردن ) – الجمعة 18/10/2024 م …
تنويه من الناشر ( المشرف العام ): نعيد نشر هذا المقال للكاتب الكبير الأستاذ الياس فاخوري والذي كنا قد نشرناه بتاريخ 17/5/2024 م …
بعيدا عن صناعة الكلمة او تصنيعها وعن معاجم المعاني الجامعة وقواميس اللغة وموسوعات المصطلحات وليس اقحاما ولا هو اقتحاما، لكن فِعْلَي الامر الُمكَوِّنين ل”سنوار” تربطهما وتجمعهما “واو” العطف تجسيراً للهوة بين القول والفعل: “سن” و”ار” بعد “يحيى” تقديماً للنتيجة الهدف فقد “كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُوا۟ مَا لَا تَفۡعَلُونَ (الصف – ٣) ..
“سن” لنا مثالاً وسبيلاً، “وار”هم (القوم المجرمين الظالمين) حتفهم بشديد بأسك ثم وارهم او دعهم يَرْكُضُونَ الى حيث اتوا ف”يحى” أهل الأرض المظلومون ويعودوا الى ارضهم مسرورين رافعين أفراحهم وانتصاراتهم عالياً وقد هزموا الاحتلال، وغلبوا الظلم، والقهر ! نعم “سن” حل العودتين والدولة الواحدة، لا حل الدولتين “وار”هم ان: لا اغتصاب، لا تهجير، لا لجوء .. ف”يحيى” أهل فلسطين – حملة المفاتيح، زُرٌاع التين والزيتون – ويَعُد أصحاب الديار الى ديارهم، ويَعُد المغتصبون الى حيث تحدّروا وآباؤهم .. ليَعُد نتنياهو الى بولندا، و”سموتريتش” الى اوكرانيا و”يسرائيل كاتس” الى رومانيا .. حِلّوا عن فلسطين فالسَّاعَةُ مَوْعِدُكمْ “وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ”!
فالسنوار، الذي هزَّ إسرائيل كما لم تهتزّ، “سن” هزيمتها ليُ”وار”ها على نبض ساعة السابع من اكتوبر/تشرين الاول 2023 (طوفان الأقصى بغزته والقدس ترفده ساحات المقاومة المتحدة، وينصره طوفان البحر بيمنِه، وطوفان السماء بالوعد الصادق وطير أبابيل) استمراراً تراكمياً لحرب تموز 2006 .. وهكذا تختزل “رفح غزة” اللحظة الضرورية وتعيد تأهيل التاريخ ليكون تاريخ الانسانية .. نعم، من معركة الكرامة في آذار 1968 الى معركة الغوطة في آذار 2018، الى الانتصارات الاستراتيجية للجيش العربي السوري في الجنوب مرورا بالانتفاضة الفلسطينية الاولى عام 1987(انتفاضة الحجارة)، فتحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي عام 2000، فالانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2001، وتحرير غزة عام 2005، ثم حرب تموز عام 2006 الى”حسان” بصحبة “ذو الفقار”، و“سيف القدس المسلول”، و”ثأر الاحرار”، و”كتائب أحرار الجليل” و”كتيبة الرضوان”، و“قسماً قادرون وسنعبر”، و”جنينغراد” ف”جنيبلسغراد”، وفلسطين بحطّينها وعين جَالُوت، ووحدة الساحات، ووحدة الجبهات، و”يميناً، بعد هذا اليوم لن نبكي” — ها هي قوانين المادية الجدلية والمادية التاريخية تجدد صدقيتها وتؤكد مصداقيتها .. بتطبيق المنطق الجدلي على التطور التاريخي، يمكننا فهم المعنى التاريخي للمعارك والحروب والانتفاضات بوصفها تراكمات كمية تؤدي الى تغيير كيفي ينطوي على ازالة العدوان برمته لا مجرد اثاره .. وهذا ما بات يدركه المحور الصهيواوروبيكي متيقنا ان انتكاساته المتراكمة ليست مسألة سوء حظ وحسب، بل مسار سيصل ذروته وتبدأ عملية التطور النوعي فتزول “اسرائيل” وتعود فلسطين بكليتها من البحر الى النهر ومن الناقورة الى ام الرشراش، وتعود للأمة كرامتها .. ها هو يحيى السنوار، وها هم المقاومون، وهذه أيامهم تهز العالمين رغم خريطة “الشرق الأوسط الجديد” التي رفعها نتنياهو أثناء خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عدَّة أشهر، وما برح يردد تعهده ذاك، ورغم خريطة سموترتش التى عرضها في باريس لتضم اراضي الدولة الأردنية بالكامل تحت مسمى “اسرائيل”!
وهذه صورة السنوار يحيى تعلو قاعة الامم المتحدة على يد جلعاد إردان، مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة (Israeli Ambassador Gilad Erdan)، الذي رفعها – يكاد الغيظ ان يقتله غبياً احمقاً (سفر أيوب 5: 2) لتراكم الانتصارات الغزية الفلسطينية – خلال الجلسة الطارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة، متهما الأمم المتحدة برعاية دولة حماس التي سيقودها السنوار قريبا (وهكذا تنبّأ بقرب هزيمة “إسرائيل” على يد المقاومة).
وقد شغلت اخبار السنوار الناس وملأت الدنيا، فهذه النيورك تايمز مثلاً تكاد تعترف أن الحل بين يديه:
Headlines from The New York Times for Monday, May 13, 2024 and Thursday, May 16:
“Yahya Sinwar Helped Start the War in Gaza. Now He’s Key to Its Endgame.”
كما حملت حرب غزة تشالمرز جونسون، أبرز مؤرخ عسكري أميركي، على القول “ان الغرب أمام خيارين: اما استرداد اليهود من الشرق الأوسط، أو خنق أي قوة تشكل خطراً عليهم” .. وهكذا لم يبق امام الغرب الا استرداد اليهود من الشرق الأوسط!
مرة اخرى تثبت غزة أن “بها شهيد، يسعفه شهيد، ويصوره شهيد، ويودعه شهيد، ويصلي عليه شهيد” ليرتقي من شعبها 5% ويسقط من عمرانها ببنيته التحتية 75% على مساحة 360 كيلومتراً مربعاً .. هل بمقدورك أن تتخيّل تدمير 75% من مساحة أوروبا البالغة 10,288,305 كم2، و75% من مساحة الولايات المتحدة الأميركية البالغة 9,826,675 كم2 – اي تدمير ما مجموعه 15,086,235 كم2 نووياً مثلاً .. هل بمقدورك أن تتخيّل قتل 5% من سكان أوروبا البالغ تعدادهم حوالي 720 مليون نسمة، و5% من سكان الولايات المتحدة الأميركية البالغ تعدادهم حوالي 342 مليون نسمة – اي قتل ما مجموعه 53 مليون نسمة نوويا مثلاً أيضاً! هل نتخيّل – بعد هذا القتل والدمار – أنها سوف تبقى لتبقى تقاتل!؟
وبعد، الم يخرج علينا رئيس لجنة نيابية أمريكية بفتوى ان الرب يلعن من لا يساند “إسرائيل” وذلك خلال استجواب رئيسة جامعة كولومبيا (وهي من قومهم مصلحةً وتملقاً) وقد سألها ان كانت تريد جلب اللعنة لجامعتها!؟ وهذا نائب آخر يدعو لتطهير الجامعات من الحشرات واصفاً الطلاب بهذا الوصف البذيء الشنيع!
اما عن دعوة السيناتور الجمهوري الأمريكي ليندسي غراهام إلى قصف قطاع غزة بـ”قنبلة نووية”، فحَدِّثْ وَلا حَرَجَ!
إنها دعوة لإبادة شعب بأكمله بقنبلة واحدة تماماً كما فعلت بلاده بمدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين لإنهاء الحرب العالمية الثانية .. يصف ذلك ب“القرار الصائب” .. “حيث أنقذنا مليون أمريكي من الاضطرار إلى الذهاب وغزو اليابان” .. ويستفيض “لماذا من المقبول أن تُسقط أمريكا قنبلتين نوويتين على هيروشيما وناغازاكي لإنهاء حرب التهديد الوجودي بينهما؟ لماذا كان من المقبول بالنسبة لنا أن نفعل ذلك؟ اعتقدت أنه كان جيدًا” .. وأضاف: “أعطوا إسرائيل القنابل التي تحتاجها لإنهاء الحرب. لا يمكنهم تحمل الخسارة”. وهذا اعتراف آخر بهزيمة “اسرائيل” رغم تراكم جرائم ال”عرقبادة” التي تطرقنا اليها في اكثر من مقال! وكان السناتور الجمهوري ممثل ميتشيغان تيم ألبيرغ قد “أفتى” بدوره انه “ينبغي ألاّ ننفق بنساً واحداً على المساعدات الانسانية، اذ يقتضي أن يكون انهاء الوضع (في غزة) على صورة هيروشيما وناكازاكي”!
دخلنا الأسبوع الثاني من الشهر الثامن ولم يستطع الأمريكيون والأوروبيون و”الإسرائيليون” تحقيق ايٍ من اهدافهم المعلنة لان يحيى السنوار يكتب قوانين الحرب ممثلاً المقاومة والساحات المتحدة معيداً للقضية الفلسطينية “حضورها العالمي، ومُعزّزاً اللحمة الوطنية خلف المقاومة، ومُحطّماً غطرسة العدو، ومُرسِّخاً المشروع النضالي المستمر نحو التحرير والعودة وإنهاء الاحتلال” .. وهذا موشيه هالبرتال (Moshe Halbertal)، استاذ الفلسفة (“الاسرائيلي”) في جامعة نيويورك يكاد ينعى دولة الكيان بقوله: “لم يعد “الاسرائيليون” مثلما كانوا، ولم يعد الفلسطينيون مثلما كانوا” مضيفاً: “كيف لأولئك الذين يقضون أياماً دون قطرة ماء أن يقاوموا الأرمادا العسكرية “الاسرائيلية” على مدى تلك الأشهر الهائلة”؟ فهل دحرت الأسطورة الفلسطينية “الأسطورة الاسرائيلية” والحلم الميثولوجي باقامة “اسرائيل العظمى” في الشرق الأوسط؟
ان اداء محور المقاومة، من الميدان (حيث خلخلوا المؤسسة العسكرية “الإسرائيلية” بنيوياً ونفسياً) الى السياسة فالثقافة، بدأ يحفر في وجدان الاجيال .. وما حدث وما يحدث في غزة وفي الجليل وفي الساحات المتحدة فالجامعات الأميركية والاوروبية وحتى في شوارع نيويورك ولندن وباريس وبرلين يشير لتحَطُّم “اسرائيل العظمى” تحت أقدام السنوار ورفاقه المقاومين في فلسطين ولبنان وكل الساحات والجبهات .. وهنا يقفز الى الذهن أرئيل شارون بتأكيده ان غياب “اسرائيل العظمى” يعني بالضرورة غياب أي “اسرائيل” ليقع بعدها في الغيبوبة، وكان مناحم بيجن قد سبقه ليلتف ببطانية الصوف ترقباً للنهاية .. فهل يختار بنيامين نتنياهو الغيبوبة ام بطانية الصوف!؟
يحيى السنوار، لك من اسمك نصيب
يحيى السنوار، وتحيى فلسطين والأُمة ..
اما انت يا “ديانا” فيتضاءل مجد الموت لدى عتبات عُلاكِ .. ليسعفني ابن غزة الإمام الشافعي (إمام الحكماء وواضع لبنات علم الأصول وشاعر العلماء) فأتعلَّم منه، وأحاول مخاطبتك:
من مثلك لله ولساحات المقاومة ينتسب
ليت البعض لهم من غَزَّتكِ وبعض عزمكِ نسب
“أصلٌ هو الجوهر المكنون ما لعبت
به الأكفّ ولا حاقت به الريب”
طوبى لمن كان لله وللمقاومة ولَكِ ينتسب
وها أنا أُصغى لصدى خطواتِكِ فى أرض فلسطين واردد مٓعٓكِ:
الدائم هو الله، ودائمة هي فلسطين!
نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..
الياس فاخوري
كاتب عربي اردني