المقاومة اللبنانية صمام أمان وعنوان استقرار المنطقة / محمد نادر العمري
ما أشبه اليوم بالأمس، لعل هذا المثل هو أكثر الأمثلة التي باتت تنطبق بشكل لا لبس فيه عما شهدناه خلال الأيام السابقة، ولا سيما من خلال ما قام به المبعوث الأميركي الخاص للبنان عاموس هوكشتاين، ونقله ما يسمى شروط الكيان الإسرائيلي للبنان بهدف إنهاء العدوان المستمر منذ ما يقارب الشهر بشكل متصاعد، وهنا وقبل الخوض في هذه المطالب أو الشروط، لابد أن أوضح سبب تشبيه اليوم بالأمس، وخاصة إن ما نقله هوكشتاين هو تمنيات ومطامح وأهداف إسرائيلية أميركية على حد سواء، يتم السعي للحصول عليها في الإطار السياسي والدبلوماسي بعدما عجزوا عن تحقيقها بالقوة العسكرية والصلبة.
أوجه التشابه اليوم بالأمس تكمن في حدثين لم يمض وقتٌ طويلٌ على معاصرتنا لهما، الأول هي شروط ومطالب وإملاءات الإذعان التي نقلها وزير الخارجية الأميركي السابق في عهد إدارة جورج بوش الابن كولن باول إلى سورية بعد الاحتلال الأميركي للعراق، وتقسيم العالم إلى دول الخير ودول الشر، إذ كانت تلوح واشنطن في تلك الفترة إن سورية إن لم تذعن لتلك المطالب فستكون الهدف الثاني بعد العراق للتحرك العسكري الأميركي، والمثل الثاني هو ما جاءت به وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس أثناء عدوان تموز 2006، للمنطقة عموماً ولبنان بشكل خاص عندما بشرت بولادة الفوضى الخلاقة ومخاض شرق أوسط جديد يشهده النظام الإقليمي.
ما يهمنا في هذه المقارنة والتذكير بما حصل الأمس وإسقاطه على الواقع اليومي المعاصر، هو 3 مقومات أو ركائز أساسية: الركيزة الأولى تتمثل في الدور والمصلحة الأميركية بكل ما يجري من تصعيد وحروب واعتداءات وفوضى على مستوى المنطقة، أما الركيزة الثانية فهي اتخاذ هذه الحروب أو الاعتداءات وسيلة لإخافة الدول وتهديدهم بمصير مشابه لغيرهم على المستوى الشكلي، ولكن على المستوى الاستراتيجي يتمثل في ترتيب المسارات والأوضاع بهدف الوصول لنظام إقليمي يتلاءم مع المصالح العضوية المتبادلة بين واشنطن وتل أبيب، وأما الركيزة الثالثة فهي محاولة تغييب إرادة شعوب وتوجهات دول المنطقة ولاسيما محور المقاومة من فاعلين ساهموا في السابق من التصدي لكثير من المشروعات والمساعي الرامية لتغيير شكل المنطقة وخرائطها الجغرافية ومواقفها السياسية.
عاموس هوكشتاين الذي زار بيروت يوم الاثنين الماضي حاملاً معه مجموعة شروط ومطالب إسرائيلية لفرضها وليس لعرضها على المسؤولين اللبنانيين، استند لمجموعة من المرتكزات التي اعتقد أنها ستشكل انعطافة وداعماً زاخماً لزيارته الحادية عشرة، أبرزها اعتقاده أن الحزب نتيجة ما تلقاه من ضربات موجعة استهدفت حاضنته الشعبية وقيادته ولاسيما استشهاد الصف الأول وفي مقدمتهم سيد الشهداء والمقاومة حسن نصر الله، وافتعال ملف إنساني بأبعاده الضاغطة سياساً واجتماعياً وأمنياً، واقتراب الانتخابات الأميركية، وغياب وجود الدعم العربي، وغير ذلك الكثير، سيدفع اللبنانيين نحو التمسك بأي مبادرة أميركية، ربما لاعتقاده أو كما صُور له، أن الحزب يلفظ أنفاسه الأخيرة، والجميع في لبنان يريدون احتواء الحزب وإنهاء مسيرته العسكرية.
هوكشتاين الذي استبقت إسرائيل زيارته بتصعيد ناري كثيف استهدفت من خلاله الضاحية الجنوبية والبقاع الغربي والشمالي، بما تضمنته من مؤسسات وجمعيات مقربة من حزب الله، كانت ترمي من خلال هذا التصعيد إرسال إحدى الرسائل التالية: إما إن إسرائيل غير موافقة على أي مبادرة أو طرح دبلوماسي ولو تضمن مقترحاتها في هذا التوقيت الذي تعتقد به حكومة هذا الكيان أنها حققت إنجازات استراتيجية وتحتاج لاستكمالها، أو التفاوض تحت ضغط النار والتصعيد للضغط على الحزب وتحسين التموضع العسكري لإسرائيل، وهو ما ألمح إليه وزير الدفاع الإسرائيلي يوآلف غالنت في زيارته للقواعد العسكرية المنتشرة في الشمال عندما قال سنتفاوض مع الحزب تحت ضغط النار.
في ظل كل ذلك ما الذي جاء به هوكشتاين؟ وما جواب حزب الله على المبادرة الأميركية وما تضمنته من بنود ومطالب؟
بالعموم ما جاء به المبعوث الأميركي يمكن تشبيهه بخليط من الأوهام والطموحات والآمال المشتركة لكل من تل أبيب وواشنطن، ولاسيما من خلال ما يمكن إدراكه أن هذه النقاط تتعدى الإطار السياسي والجغرافي للبنان، وتشكل تمهيداً نحو الانتقال للمرحلة الأخرى من جغرافية محور المقاومة بما ذلك، استهداف سورية وإيجاد المبررات والذرائع لذلك، فقد تضمن ما حمله هوكشتاين من نقاط ومطالب مروحة من هذا المزيج ولعل أبرزها يكمن في المزج بين ما تضمنه القرار ١٥٥٩ من بنود ولاسيما المتمثل بحل الميلشيات اللبنانية، وبعض بنود القرار ١٧٠١، وبصورة خاصة نشر الجيش اللبناني أسفل خط الليطاني وتوسيع مهام قوات «يونيفيل»، إلا إن هذا الخليط لم يكتمل بعد ولاسيما إن المزج بينهما للتوصل لقرار جديد هو كان يستهدف فقط تكريس الالتزامات اللبنانية من هذين القرارين دون التزام إسرائيل بأي من التزاماتها وفقاً للقرارين ذاتهما، بل ذهب المطلب الأميركي أبعد من ذلك، عندما طالب هوكشتاين بإضافة نقاط تتعلق بدفع قوات «يونيفيل» باتجاه عمق الأراضي اللبنانية وعدم الالتزام بتسليح الجيش اللبناني بأسلحة ثقيلة تسمح له الدفاع عن بلاده، بل السماح لإسرائيل بخرق الأجواء اللبنانية متى ارتأت ذلك، ورصد ورقابة مطار بيروت الدولي، فضلاً عن التدخل في الشؤون الداخلية للبنان من خلال فرض انتخاب رئيس قبل وقف إطلاق النار، وهو ما يعيدنا لما حصل عام ١٩٨٢، عندما تم اختيار بشير الجميل بعد صياغة فرضت من إسرائيل لانتخاب شخصية مقربة من الغرب ومنها، فضلاً عن إن انتخاب الرئيس يسبق تشكيل حكومة غالباً تطالب أميركا وإسرائيل بعدم وجود تمثيل لحزب الله بها، وهو ما يعني إما تحييد الحزب من المشهد الكلي أو إدخال لبنان في أتون حرب أهلية، وفي كلتا الحالتين يمثل ذلك مصلحة أميركية إسرائيلية.
هناك نقطة أخرى وهي مهمة وحذرنا منها في مقالة نشرتها صحيفة «الوطن» تحت عنوان «نتنياهو يكشف عن إيديولوجية الصهيونية الدينية من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة» بتاريخ 3 تشرين الأول الحالي، من قيام إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية باستغلال ملف الحدود السورية اللبنانية للتدخل في سورية أو تهديدها بذريعة مرور الأسلحة من خلالها إلى المقاومة اللبنانية والفلسطينية، وهو ما يجعلنا أمام ذريعة جديدة وتبرير للعدوان الإسرائيلي الأميركي على سورية، بذريعة هذه الحدود، ولاسيما أن تضمين أي قرار دولي لمثل هذا البند يتطلب موافقة سورية ولبنانية مشتركة، وهو ما سترفضه دمشق لكونه يمثل انتهاكاً وتدخلاً وآلية جديدة لمحاصرتها وخاصة إن استكمل بمشروع آخر يتضمن مراقبة الحدود السورية العراقية، كما إن تعديل القرار 1701 أو وضع صيغة جديدة يحتاج لموافقة مجلس الأمن وهو ما ستعارضه روسيا والصين، لكون ذلك يمثل تهديداً لمصالحهما ونفوذهما في المنطقة.
خطورة ما حمله هوكشتاين يمكن إدراكه من خلال ما شهدناه من تجاذب وكباش في التصريحات بين مسؤولي الكيان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فإن البعض اعتقد أن هذه الزيارة والمبادرة هي المحاولة الأخيرة من إدارة الديمقراطيين لتحقيق إنجاز في الملف اللبناني واستثمار ذلك انتخابياً، إلا أنه بالواقع يفرض صيغة بديلة قوامها أن الولايات المتحدة وإسرائيل يريدان السيطرة على لبنان والتحكم بمفاصل صنع القرار به بعد القضاء على المقاومة والمجيء بنظام حكم سياسي، يتيح لهما تحويل لبنان بوابة العبور نحو تغيير معالم الشرق الأوسط ولاسيما في سورية والعراق وإيران وحتى تركيا.
التنبه والحذر واجب لما يخطط للمنطقة، واليوم لابد من تقديم كل الدعم للمقاومة اللبنانية لكونها لا تدافع عن لبنان فقط بل عن المنطقة، وصمودها وانتصارها هو عنوان الحفاظ على المنطقة، وسقوطها لا سمح الله سيهيئ لفوضى خلاقة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.