المثقف المشتبك وليس المثقف الانتحاري…مناخ الولادة … لكي لا يصبح المصطلح موضة / د. عادل سمارة





د. عادل سمارة ( فلسطين ) – السبت 26/10/2024 م …

تمر الآن الذكرى الثالثة لاستشهاد باسل الأعرج حيث عُثر في أوراقه على استخدامه مصطلح المثقف المشتبك الأمر الذي أعطى المصطلح دفعة هامة لاقتران الثقافة بالكفاح المسلح. لكن ومنذ استشهاد باسل إنهالت المقالات التي استخدمت المصطلح ، وخاصة من خارج الأرض المحتلة، إلى الحد الذي يكاد يجعل من المصطلح مجرد موضة مما يفقده مضمونه النضالي كما استخدمت الشركات الرأسمالية صورة جيفارا لتسويق منتجاتها.

أما إستشهاد ال/س/ن/و/ار ووصف هذا البطل  الميز ب المشتبك فقد أعطى المصطلح بعدا أممياً وأغراني بأن أؤكد ابوتي لهذا المصطلح والذي صغته منذ عقزد، وبالتالي إعادة نشر نفس هذا المقال مجدداً، الأمر الذي يؤكد بأن التاريخ يعيد نفسه ايضاً على شكل إنتصار وتطور لأن هذه هي روح التاريخ وجوهره  اي أن التاريخ يعيد نفسه لما هو ابعد  من إما ماساة أو ملهاة.

كثيرون لم ينتبهوا إلى أن ظاهرة باسل الأعرج مقترنة بحالة تعيشها المقاومة الفلسطينية هي لحظة التراجع وحتى انحطاط كثير من القوى بعد اتفاقات التسوية ووصول القضية شفير التصفية.

هذا المناخ هو الذي أفرز الحالات النضالية الفردية أو العمليات الفردية وذلك لتراجع الكفاح المسلح الذي اتخذ شكل مفارز النخبة في حرب الغُوار. وهذا التراجع الذي نتج إما عن:

مغادرة قوى للكفاح المسلح وتورطها في طريق “السلام” العبثي سواء بالدعوة لدولة واحدة أو دولتين (لهذا نقاش لاحق(.

وشدة القمع الصهيوني الذي تتجند في خدمته كافة مخابرات الثورة المضادة وطبعا اسلحتها.

لذا، اسميت هذه العمليات الفردية “روافع لتجاوز الأزمة” في كتابي بعنوان “المثقف المشتبك والعمليات الفردية:روافع لتجاوز الأزمة”، الصادر في رام الله 2017 وبيروت 2018.

حين عثر الشهيد باسل على مصطلح “المثقف المشتبك” لم يكن يعرفني، ولم أكن اعرفه طبعا. وهنا أُسجِّل انتصاراً للأكاديميا المحلية التي حالت لقُرابة اربعين سنة دون أن أعيش بين طلبة الجامعات المحلية. اذكر في هذا الصدد أنني حاولت الدخول حتى كطالب في كل من جامعة بير زيت وجامعة النجاح وجامعة بيت لحم، لكن دون جدوى، حينها قال لي الراحل د. أنطون صنصوروكان عميد الآداب في جامعة بيت لحم، وكانت بيننا صداقة لدرجة ما حيث قال:”بتخرِّب الجامعة“.

المثقف المشتبك ليس مجرد مصطلح، لم أقصد به رفاهية النحت اللغوي أو الرياضة الذهنية، بل هو نحت لغوي نتج عن سيرورة حياتية وأحداث هي التي صاغته وبلورته ليأتي المصطلح تعبير عن وضع وسيرورة وكحالة دفاعية أمام هجوم مثقفي البلاطات خدمة لقيادات م.ت.ف. أي هو من صلب التجربة الفلسطينية بإيجابياتها وسلبياتها.

ولذا، فالمثقف المشتبك ليس المقصود به شخصي أنا قبل زمن طويل، وليس المقصود به شخص الشهيد باسل أو غيرنا، بل هو سياق تطور وسيرورة حياة تمثل كثيرين/ات.

قد تكون البداية في عام 1964 حين كنت في منظمة “أبطال العودة” كجزء من حركة القوميين العرب وكنت طالبا في الجامعة اللبنانية/فرع الصنايع/بيروت. في بدايات 1965 أقمنا فرعا لاتحاد الطلبة الفلسطينيين في الأردن وكان ذلك عبر مقر م.ت.ف في فندق “شيبارد” في الشيخ جراح بالقدس. كان مدير المكتب الراحل د. أحمد صدقي الدجاني “كان يحمل الماجستير حينها” كان الرجل لا يتحدث سوى بالفصحى وكان يلبس بطريقة مهندمة جدا وكان مكتب المنظمة مؤثثثاً بشكل فاره. لم يكن يعرف الرجل أنني قومي عربي، لكن المهم ذات يوم اعترضت على بذخ المكتب وقلت له: غير معقول أن الجزائر انتصرت لو كانت تنفق هكذا! غضب الرجل وتوترت علاقتنا.

يوم 8 آذار الجاري شاهدت حديث السيد أحمد جبريل على قناة الميادين ومما ذكره أن الراحل ياسر عرفات كان قد أعطى لكل واحد من ثلاثة مقاتلين من منظمة جبهة التحرير الفلسطينية 500 ليرة سورية مما أغضب جبريل…الخ، وقرر فك الوحدة مع حركة فتح.

أعادني هذا الحديث إلى شهر ايار 1968 حين كنت في سجن نابلس. ذات يوم طلب مني السيد محمود إدعيس/أبو نبيل وهو من منظمة فتح، أعتقد أنه لا يزال على قيد الحياة-هو من بلدة بني نعيم-الخليل أن نمشي معاً في “الفورة-هي وقت المشي في ساحة السجن” لأن لديه رسالة لي.

مشينا معاً،

قال: معي رسالة لك من الختيار.

قلت:مين الختيار؟

قال ابو عمار/ياسر عرفات هذا لقبه.

قلت :شو الرسالة؟

قال: أنت تعمل جلسات للشعبية في السجن وتهاجم فتح.

قلت: أنا أعرض رأيي النقدي.

قلت: وهل بينكما تواصلا وأنت في السجن؟

قال: نعم، وحرفياً: ” إحنا جيش رواتب ورتب وأنا برتبة ضابط“.

فاجئني ذلك جدا، وقلت له يا رجل أنا بعت خاتم ذهب كان عمي احضره من “جمهورية البيرو” عليه حضارة الإنكا لكي نشتري بعض مستلزماتنا.

منذ ذلك اليوم، اقتنعت بأن التمويل يهدف تخريب المقاومة، وها نحن نشهد ذلك على الفضاء، واقتنعت بأن المثقف الحقيقي لا يمكنه إلا أن يكون مشتبكا.

مضت الأيام، وخرجت من السجن ولاحقا اعتقلت مجددا، وخلال كل ذلك كنت أكتب نقداً لجوانب كثيرة في المقاومة وفي ماركسية ماركسيي المقاومة…الخ .وخلال متابعتي لمسيرة قيادة م.ت.ف ولا أقصد هنا فتح لوحدها بل كافة القيادات التي كانت ترفض مواقف لقيادة المنظمة ثم تعود وتقبلها أو تبقى في إطار م.ت.ف.

ومع أنني لم أنل حقي في التدريس في الجامعات، إلا أن الطلبة كانوا يتواصلون معي، حيث دُعيت ذات مرة في 5 نيسان 1993 من مجلس طلبة جامعة بير زيت للمشاركة مع خمسة متحدثين وكان محور اللقاء عن الأزمة المالية للجامعة، وقد نشرت مداخلتي في كراس بالعربية والإنجليزية بعنوان: “مأزق مالي/سياسي أم الراسمال يعيد اصطفافه الطبقي” حيث ركزت نقدي ضد تمويل م.ت.ف وخطورة ذلك على تحويلها بيروقراطيا بعيدا عن الكفاح المسلح. وبالطبع تمت إضافة هذا إلى ملف محاصرتي أو شيطنة عادل سمارة.

هذه الكتابات جندت ضدي الكثيرين وخاصة من مثقفي م.ت.ف سواء وهي في بيروت أو حينما عادت إلى رام الله بموجب اتفاقات اوسلو 13 أيلول 1993.

كنت أتابع علاقة المثقفين بقيادة م.ت.ف وتغزلهم بالبندقية وغابة البنادق وطبعا عيشهم المرفه في بلاط هذه القيادة ولا أود ذكر اسماء هنا، فمن تابع يعرف.

كان الأمر الفارق هو ما يلي:

حينما أقيمت سلطة الحكم الذاتي في رام الله، كان سؤالي لنفسي، واذكر أنني كتبته على النحو التالي:

ترى أيُ خيال سيُلهم هؤلاء؟ ماذا سيكتب مثقفو م.ت.ف الذين تخصصوا في الكتابة عن الكفاح المسلح والتحرير الشامل وغابة البنادق…الخ، على أن اربط هذا السؤال بما كتبه لينين عن المثقف النقدي ولاحقا انطونيو غرامشي عن المثقف العضوي…الخ.

كانت الدهشة أن هؤلاء الكتاب، سواء من أتوا من الخارج ضمن أتفاقات أوسلو أو من هم ضمن خدمة القيادة ممن في الأرض المحتلة قد تحولوا، وبنفس الحرارة، إلى منظِّرين لحل الدولتين والاعتراف بالكيان الصهيوني أو تقاسم الوطن مع العدو، ومادحين لنفس القيادة التي كان مشروعها التحرير وأصبح مشروعها الاستدوال! وبالمناسبة، هؤلاء الكتاب سواء في السياسة أو الأدب النثر أو الشعر…الخ هم من مختلف المشارب، يمين، يسار، قومي، شيوعي وطبعاً حداثيين وما بعد حداثيين…الخ.

في هذا السياق خدمني وجودي داخل الأرض المحتلة ومعرفتي بطبيعة التفكير والتكتيك الصهيوني وهذا أهم من معرفة طبيعة المشروع الصهيوني.

لماذا؟

لأن المشروع الصهيوني واضح بأنه يهدف أخذ كل شيء حتى النيل والفرات وهو مشروع ضد العروبة بأكملها مهما حاول ذوي النزعات الإقليمية والقُطْرية تصويره بأنه ضد فلسطين، ولعل من عبقرية جمال عبد الناصر أنه أدرك ذلك جيدا. أما التفكير والتكتيك فهو اشد مهارة وخبثاً، ولذا من السهل الانخداع به. وقد لاحظت هذا لدى “اليسار “الصهيوني سواء حزب راكاح/الحزب الشيوعي في الكيان أو منظمات أخرى مثل التروتسكيين “منظمة ماتسبين” …الخ.

وفي الحقيقة، كنت ممن توهموا في ثورية هذه القوى وخاصة ليافطاتها الماركسية، ولكن كنت دائماً أجد أن وجود الكيان في فلسطين أمر خارج نطاق النقاش رغم تغليف ذلك باطروحات الدولة الواحدة ومحاولات عقد مقارنة شبه تامة مع جنوب إفريقيا.

لا أنسى في هذا السياق أنني من الجيل الذي لم يجد أمامه تصورا أو تحليلاً أو كتابة واضحة ومعمقة عن الصراع العربي الصهيوني، عن طبيعة الكيان، عن التطبيع…الخ لقد وجدت نفسي منذ بداية عضويتي في حركة القوميين العرب 1963 في موقع من عليه أن يجد ويبلور رؤية وذلك لغياب رؤية واضحة للكثير من الأمور، وهذا شكَّل تحدياً في عمر مبكر مما قاد للوقوع في كثير من الأخطاء، ولكن مع ذلك، بقي تحرير فلسطين القناعة التي لا حياد عنها.

كما توهمت باطروحة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين عام 1973 عن “السلطة الوطنية على كل شبر محرر”…الخ ولكنني ومنذ 1976 توصلت إلى قناعة راسخة بأن لا حل مع هذا الكيان إلا بالتحرير وبأن تعثرات الانخداع بهذا الطرف او ذاك يجب أن تتوقف، وهذا دفعني للتمترس في موقع الرفض حتى بعد أن تفككت جبهة الرفض.

لذا، حينما كانت اتفاقات أوسلو وقفت ضدها بالمطلق وحتى اليوم.

وهنا تولَّد لدى مثقفي بلاط الأكاديميا وسلطة الحكم الذاتي تسميتي ب “المثقف الانتحاري”، وخاصة بعد أن كتبت كتابي

مثقفون في خدمة الآخر:بيان ال 55 نموذجاً. مركز المشرق/العامل للدراسات الثقافية والتنموية- رام الله 2003

https://kanaanonline.org/…/%d9%85%d8%ab%d9%82%d9%81%d9…/

وقد أدرجت في نهاية الكتاب قائمة بأسماء مثقفين/ات نشروا بيانا ضد العمليات الاستشهادية باعتبارها انتحارية.

لقد توصل هؤلاء إلى هذه التسمية ليس مما أكتب وفقط بل من ظروف حياتي التي رأوها انتحارية، حيث تعتبرني الأكاديميا المحلية متطرفا بما أنني حالة “شيوعي عروبي” ولذا لم أُقبل لا باكرا كطالب ولا لاحقا كمُحاضر،وانسحب الأمر بعد اتفاقات أوسلو حيث كان موقف م.ت.ف مني موقف من ينظر إلى أحد الخوارج، وانسحب الموقف لاحقا لتتبناه سلطة الحكم الذاتي.

لم أعتبر موقف كل من الأكاديميا والسلطة غير طبيعي بناء على موقفي النقدي. ولذا خلال كل تلك الفترة استخدمت تفكيري وثقافتي في الاقتصاد السياسي واقمت مزرعة دواجن صغيرة للعيش منها وكنت العامل والمالك والمسوٌّق معاً إلى جانب عمل عناية زوجتي في صالون تجميل نسائي خاصتنا. كنت انفق فلوس المزرعة على طباعة الكتب حيث اقمت “دار العامل” وطبعت قرابة 30 كتابا، على أن نعيش من الصالون. وحينما سافرت إلى لندن لإكمال الدكتوراة 1984، بقيت المزرعة لحين عودتي ولكن عام 2000 احرقها المستوطنون من مستوطنة “بيت حورون” الملاصقة لبيوت قريتي بيت عور الفوقا، ومع ذلك استمرت، ولكن عبر الانتفاضة 2000 وإغلاق الطرق لم يكن أمامي سوى بيع البيض للمستوطنين الذين كانوا يدفعون ثلاثة أضعاف السعر المحلي، فأغلقتها.

بين الحرمان من التدريس، والعمل في مزرعة دواجن، والاستمرار في الرفض، تبلور لدى مثقفي السلطة تسمية المثقف الانتحاري. وهي تسمية تنمُّ عن اعتقاد البعض بأن المثقف يجب ان يكون مرفهاً “مدلَّعا” وبان من الجنون العيش هكذا. بالمناسبة المثقف الأكاديمي الذي صاغ التسمية هو اليوم يعمل لدى عزمي بشارة في قطر هو وآخرين/أخريات دون أن يقطعوا ارتباطهم/ن بجامعة بير زيت.

لذا، كتبت كثيرا بشكل متفرق قرائتي للمجتمع المدني والمثقف العضوي والنقدي والثوري وأضفت عليها من فكري ما أسميته المثقف المشتبك ومن بين ذلك مقالتي المطولة في مجلة كنعان العدد 146 صيف 2011 بعنوان :الأطروحات الأم للمجتمع المدني، ص ص 67-96.

وقد رددت عليهم في عديد المرات بأنني مثقف مشتبك لا مثقف انتحاري.

إلا أن استخدام المثقف المشتبك بشكل منهجي كان في مقالة طويلة كتبتها في مجلة كنعان الورقية العدد 137 ” المثقف المشتبك وثقافة الاحتجاج: في الحداثة، ما بعدها، التفكير النقدي، فعل الاشتباك، وملاحظات لأوراق ورشة مركز بيسان موقع بيسان: http://www.bisan.org/publications_main.php?id=18، (20-2-2009)

لم أكن أعرف الشهيد باسل الأعرج ولم أعرف أنه كان يقرئني.لكنه كان قد عثر على العدد 137 من مجلة كنعان الورقية . وإثر استشهاده وفي حديث مع الصديق المحامي مهند كراجة، وهو مع المحامي ظافر صعايدة يتوليا الدفاع عني في المحكمة في مواجهة التطبيع، تحدثنا عن الشهيد، وكان هو محامي باسل حينما كان معتقلا لدى سلطة الحكم الذاتي، وضمن الحديث كان عن استخدام باسل لمصطلح المثقف المشتبك، بل تطبيق باسل للمصطلح، وذكر لي مهند والمحامي أنس برغوثي أن باسل كان يقول: “فلسطين بدون عادل سماره ما بتسوا” طبعاً، لا أحد أغلى من شبر من الوطن، قررت إصدار كتابي عام 2017 بالعربية والإنجليزية معاً الذي كان شبه جاهز وهو: “المثقف المشتبك والعمليات الفردية روافع لتجاوز الأزمة” وأهديته للشهيدباسل الأعرج.

اقتطف منه التالي مما ورد في مقالتي للعدد 137 من كنعان الصادر عام 2009:

المثقف المشتبك، وثقافة الاحتجاج:

لم أتمكن من الكتابة عن المثقف المشتبك كمشتبك كي يكون ثورياً، ولم أقم حتى بالإشارة إليه في أكثر من مقالة كتبتها ضمن هذا السياق. كان يجب أن أُفصِّل هذا في مقالة “حرب غوار الثقافة”، و “القدس عاصمة الثقافة العربية” وغيرها المنشورتين في كنعان الإلكترونية مؤخراً.

يردني هذا إلى ما كتبته في كتابي : ” مثقفون في خدمة الآخر: بيان أل 55 نموذجاً” (ص 21). كان هذا الكتاب هو ساحة حرب غوار في حينه وما زال. فيه حاولت التمييز بين المثقف الثوري وبين المثقف العضوي، تمييز العضوي عن الثوري بأنه ميداني وحزبي وطبقي، ولكنه قد يكون مرتهناً بمواقف قيادة الطبقة، القيادة السياسية، ، بينما الثوري قد يكون مناضلا في النطاق النظري وليس الميداني.

لكنني أجد اليوم بأن هذا لم يعد يكفي. لا بد أن يكون المثقف، بل أن يبدأ ولا ينتهي مشتبكاً. وهذا ما يضيىء الفارق بين المثقف الثوري و/أو النقدي وبين المثقف المشتبك. المثقف العضوي/الثوري المشتبك مبادر دائما حيث يفتح أمام الطبقة فضاء الاشتباك، وليس مرهوناً بمواقف القيادة السياسية كما هو مثقف م.ت.ف، لا يشيخ ولا يتقاعد، ولا يتمرحل، هو في عالم الطبقات، والاستعمار والعولمة مشتبك دوماً لأن مهام الاشتباك أوسع منه وأكبر. والمثقف المشتبك ليس نقدياً وحسب، لا يكتفي بهذا. فالمثقف النقدي هو كالثوري، قد ينحصر، بل غالباً ما يحصر نفسه في نطاق حلبة صراع الأفكار، وهذا ليس قليلاً، ولكنه لا يلقي بنفسه في ميدان حماية وتطبيق الأفكار، ويترك هذه الأفكار لتُحمى بالحماية الشعبية من قبل الناس. أما حينها، فقد يكون قد انتقل إلى موقع آخر هو ضد الثورة. من هنا فالاشتباك، هو شرط المثقف العضوي، هو إذن المثقف العضوي/الثوري المشتبك، أما النقد فهو بعض دوره وليس كلِّهْ. ولأنه مشتبك، فهو نقدي وضِدِّي ونافِ وغير متطابق. أي لا يتصالح كمثقف فوكو وديريدا المستسلمين لقدر السلطة الحاكمة في النهاية، أي التي تخلقهما ليكونا “احتجاجاً” على مقاسها، ولا يرتد إلى الأدنى كمثقف إدوارد سعيد “الإنساني” وفي النهاية المتطابق مع مثقف الإمبريالية والصهيونية. وفي الأغلب الأعم، فإن هذا التشخيص للمثقف من جانبي، يتجاوز مثقف غرامشي العضوي، لأنه بالاشتباك يظل حارس بوابة الحياة بما فيها افكاره هو. فالمثقف العضوي، حتى للطبقة العاملة له الخيار، بمعنى أن لا شرط عليه أن يشتبك. ومن هنا، كان لمثقفي الماركسية الثقافويين أن ينتهوا خارج نطاق الحياة، اي خارج نطاق المادية التاريخية والاقتصاد السياسي، لينتهوا نقديين في حلبة مصارعة الفكرة بالفكرة والكلمة بأختها. ويجوز القول ايضاً، إن المثقف المشتبك، هو إيجابي لأنه يواجه تحدي الطبيعة كإنسان، ويواجه تحدي أعداء الأمم من بني البشر. فهو في الغالب مدافع، والدفاع أعلى درجة من المقاومة، لأن المقاومة قد تكون لمرحلة، أما الاشتباك فمؤبداً.”

لاحقا، دُعيت لمؤسسة نبض للحديث عن المثقف المشتبك، وهو الحديث الذي نُشر في الرابط التالي:

https://l.facebook.com/l.php…


قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

خمسة − واحد =