غزة، فلبنان … فما الوجهة القادمة!!؟ / سماك العبوشي
سماك العبوشي ( العراق ) – الثلاثاء 29/10/2024 م …
أستهل مقالي بالآية الكريمة: “وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ”(الذاريات، الآية 55)، وبما جاء في سورة هود، الآية 88: “ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ”.
ثم أقول وعلى الله التكلان:
إن خطط إسرائيل التوسعية باتت واضحة للعيان، في ظل تسارع الاحداث وظهور شواهد ومعطيات حسية ومادية، وأنها في حقيقتها تتجاوز غزة، وهذه حقيقة يعلمها كل ذي لُبّ وصاحب بصيرة نافذة، وكلنا يعلم بأن العدوان الإسرائيلي على غزة قد ابتدأ بـ (ذريعة) القضاء على حماس وقادتها وتحرير أسراهم المحتجزين فيها، فيما حقيقتها أنها كانت مستهلا للعدو الإسرائيلي لارتكاب المجازر والابادة الجماعية التي طالت الأطفال والنساء والشيوخ، حيث قتل وجرح منهم عشرات الألوف، وهُجِر مئات الألوف على مرأى ومسمع من العالم، كما ودمرت دورهم ومدارسهم ومستشفياتهم وجوامعهم طيلة عام كامل من العدوان بحجة وذريعة محاربة حماس والقضاء على قادتها ومقاتليها!!.
ثم اتسع العدوان الإسرائيلي الآثم ليشمل اجتياحات ومداهمات وتدمير دور وتجريف شوارع مدن وقرى فلسطينية تقع تحت مسؤولية قيادة السلطة الفلسطينية التي لها باع طويل بالتنسيق الأمني مع دولة الاحتلال، وكثيرا ما كان يصف رئيسها محمود عباس ذلك التنسيق بـ “المقدس” بخطبه وتصريحاته، فهل قيادة حماس انتقلت عبر الانفاق واستقرت في مدن وقرى الضفة أم ماذا، وهل أسرى العدو المحتجزين في غزة قد تم نقلهم الى جنين أو نابلس أو طوباس وجاءت قوات جيش الاحتلال لتحريرهم وفك أسرهم أم ماذا!!؟
واتسعت شهية الكيان الإسرائيلي للعدوان ولم تتوقف عند أرض فلسطين التاريخية، بل شمل العدوان والتدمير وسفك دماء اللبنانيين، بدء من تفجيرات أجهزة الاتصالات (البيجر)، ووصولا الى قصفها الوحشي لضاحية بيروت الجنوبية وما جاورها، صعودا الى مدينة طرابلس بشمال لبنان حيث نالها قصف الطائرات، وأعقبها قصف بالطائرات الحربية الإسرائيلية لبعض مدن سوريا كدمشق وحمص واللاذقية!!.
بعد هذا السرد لتطورات وازدياد شهية الكيان الإسرائيلي للعدوان والتدمير وسفك الدماء والتي امتدت طيلة عام كامل، فإنني أتوجه بمقالي هذا لكل المخدوعين والمغيبين فكرا ووعيا من (بعض) أبناء جلدتنا، وتحديدا من قادة أنظمة عربية آثرت الصمت والوجوم، ومن يأتمر بأمرهم من وعاظ سلاطين النفاق والرياء والدجل، وكل من آمن بإمكانية التطبيع مع إسرائيل وتحقيق السلام معها، ظنا منهم أنهم وأنظمتهم وعروشهم ومناصبهم ودولهم العربية ستكون بمأمن من عدوانية وشرور إسرائيل ومخططاتها مستقبلا، عسى أن يستيقظوا من غفلتهم، ويراجعوا حساباتهم، ويستعدوا ليوم قد يرون فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي بين أظهرهم وفي مدنهم، وحين ذاك سيكون قد سَبَقَ السيف العَذَلَ، ولات ساعة مندم!!
لهؤلاء جميعا أصرخ بأعلى صوتي عبر مقالي هذا، منبها لهم، قارعا أجراس التحذير قرب شحمات آذانهم، كي يدركوا حقيقة الكيان الإسرائيلي وأهدافه مبكرا وقبل فوات الأوان، وما الذي يعنيه هذا التوسع المستمر والمتصاعد بالعدوان والإصرار عليه من قبل الكيان الإسرائيلي، ولنستذكر معا بعضا من غيض فيض الشواهد والبراهين والحجج التي ربما فاتت هؤلاء جميعا على حقيقة عدوانية الكيان الإسرائيلي، وأنه ماض في تحقيق خططه وأحلامه التوسعية وكالتالي:
أولا … خبر سبق عملية طوفان الأقصى بأشهر عديدة، كانت قد تناقلته وسائل الاعلام والقنوات الفضائية بتاريخ 19 مارس/ آذار 2023، حيث ظهر وزير المالية اليميني الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش في العاصمة الفرنسية باريس، متحدثًا في لقاءٍ لتأبين اليهودي الفرنسي جاك كوبفير الذي توفي عام 2021، والذي كان أحد زعماء منظمة “إسرائيل إلى الأبد” المعنية بحشد اللوبي المناصر لإسرائيل في فرنسا، ويمثل أحد أقطاب اليمين المتطرف من أتباع تيار كاهانا، حيث اعتلى سموتريتش منصة الخطابة ملقيا كلمته أمام الحضور وقد زينت منصة الخطابة صورة لإسرائيل تضم فلسطين والأردن!!
ثانيا … خبر انتشر أثناء عملية طوفان الأقصى، عن خريطة مستقبلية للكيان الإسرائيلي قامت بنشرها حماس، ضمن مجموعة وثائق كانت قد استحوذت عليها من حواسيب للعدو أثناء هجوم كتائب القسام في السابع من أكتوبر 2023 على ثكنات وقواعد عسكرية إسرائيلية في مستوطنات غلاف غزة، تلك الوثائق التي تظهر خريطة ومخططا إسرائيليا لاحتلال لبنان والأردن وسوريا وسيناء وشمال بلاد الحرمين الشريفين والفرات، والكويت، وفق وثائق انتشرت عبر منصات التواصل!!
ثالثا … ظهور بعض جنود الاحتلال المقاتلين في غزة من أتباع تيار الصهيونية الدينية الذي يتزعمه الثنائي اليميني المتطرف (سموتريتش وبن غفير)، وهم يضعون على أذرعهم شعارا يحتوي خريطةً لما يسمى بـ “إسرائيل الكبرى” وهي تمتد بوضوح ما بين الفرات والنيل وتظهر فيها معالم تشمل أراضي من مصر وفلسطين والأردن ولبنان وسوريا والعراق والسعودية، مع عبارة “أرض إسرائيل الموعودة”!!.
رابعا … تلك التي وردت في توراتهم، وتحديدا سفر التكوين “15:18-21″، والتي لها مساس مباشر وإشارة واضحة الى خريطة “إسرائيل الكبرى” التي يستندون عليها ويسعون لتحقيقها، واقتبس نص ما ورد فيها: “في ذلك اليوم عقد الله ميثاقاً مع أبرام قائلاً: سأعطي نسلك هذه الأرض من وادي العريش إلى النهر الكبير، نهر الفرات، أرض القينيين والقنزيين، والقدمونيين والحثيين والفرزيين والرفائيين والأموريين والكنعانيين والجرجاشيين واليبوسيين”!!
وتأكيدا على ما ورد في (رابعا) آنفا، وتسليطا للضوء على أن التيار الذي يسيطر اليوم على إسرائيل ويسعى لتثبيت نفسه فيها وإعادة صياغة الدولة بالكامل حسب رؤيته الدينية، ونصوص التوراة والتلمود، فإنني أقتبس من مقال للدكتور عبدالله معروف بعنوان”3 دلائل واضحة على سعي إسرائيل لاستهداف دول أخرى بعد لبنان” والمنشور في مدونات الجزيرة، حيث جاء فيه ما يلي نصا: “وفي وثائقيٍّ أنتجته شبكة TRT World التركية بعنوان (الخلاص المقدس)، تتحدث دانييلا فايس، وهي إحدى أكبر قيادات هذا التيار والمتخصصة في التخطيط والتحريض على الاستيطان في الضفة الغربية وتجنيد مليشيات ما يعرف باسم “فتية التلال” من غلاة المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية، وتقول: “حدود دولة اليهود هي الحدود التي وعد الرب بها إبراهيم: من الفرات إلى النيل“، وعندما سُئلت في المقابلة عن كون هذه الحدود تشمل أراضي من دول أخرى قالت: “بالطبع، تشمل أراضي من دول أخرى، لكن لدينا كتابنا المقدس، وهو الوثيقة الوحيدة التي نحتاجها”، وهي تشير هنا إلى آيةٍ من سفر التكوين (15: 18) في التوراة، يذكر فيها الرب وعدًا لإبراهيم: (لنسلك أُعطي هذه الأرض، من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات)، وهي وأتباعها يقررون أن المقصود من نسل إبراهيم المذكور في هذا النص الديني هم بنو إسرائيل أو اليهود اليوم”.. انتهى الاقتباس.
هذا لعمري بعض الشواهد والبراهين والأدلة على أحلام وطموحات ومشاريع إسرائيل في الهيمنة والتوسع في منطقتنا العربية، وأستحلفكم برب العزة والجلال:
فأي دليل وأي برهان يا ترى ينتظر المغيبون فكريا ووعيا أصدق مما ورد ذكره آنفا في نص سفر التكوين، أو ما قرأتموه من تصريحات وظهر في الاعلام وعلى رؤوس الأشهاد، ليدركوا بالتالي حجم الوهم الكبير الذي يتسربلون به، ويعوا حقيقة نوايا وطموحات دولة إسرائيل تلك!!؟
ومتى بالله عليكم سيدرك هؤلاء أن إسرائيل في أصلها وحقيقتها دولةٌ إحلالية، وقد قويت شوكتها، وأصبحت اليوم كما وصفها أحد الكتاب بأنها “دولةً ثيوقراطيةً مسكونةً بجنون العظمة والخرافات الدينية”!!!؟
إن خطورة ما يجري من عدوان إسرائيلي بدأ في غزة العزة، واتسع ليطال لبنان وأطرافا من مدن سوريا، تكمن في أنها العدوان الإسرائيلي الأول الذي يجري في ظل حكم جماعات تيار (الصهيونية الدينية الكاهاني) الذي يهيمن على حكومة النتن ياهو ويسوقونه حيثما أرادوا، هذا التيار المتطرف الذي لا يؤمن أساسا بالطرف الآخر، كما ولا يؤمن بفكرة السلام ولا غيرها فيما يتعلق بالعرب، بل يؤمن بطبيعة الحال ووفق منظورهم التوراتي المحرّف بالإزالة الكاملة والإبادة الشاملة!!.
ولهذا السبب تحديدا فإنه يتحتم على الأنظمة العربية الرسمية أن تعي حقيقة إسرائيل الجديدة هذه، كما وعليها أن تدرك وتعي أيضا حقيقة ما تسعى لتحقيقه الصهيونية الدينية، والمتمثلة بالحصول على كل هذه الأرض للبلدان العربية المذكورة آنفا، وما يعنيه ذلك من إسقاط أنظمتها العربية وتغيير المنطقة ديمغرافيًا وسياسيًا!!
خلاصة وزبدة مقالنا هذا:
إن فكرة (إسرائيل الكبرى) لم تكن يومًا خيالًا أو وهما كما تصورها هؤلاء المطبعون والمنبطحون من أبناء جلدتنا، وإنما هي رؤية حقيقية تسعى الجماعات الدينية المتطرفة في إسرائيل لتحقيقها، ضاربةً عرض الحائط بأحلام السلام أو الاستقرار الإقليمي، لتكون بالتالي صفعة قاسية مدوية على أوجه من ذكرت من أبناء جلدتنا المخدوعين!!
لهؤلاء المطبعين، والمغيبين وعيا وإدراكا جميعا، أقول ناصحا ومذكرا ومنبها ومستشهدا بما جاء بكتاب الله تعالى:
قال تعالى في محكم آياته من سورة:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ”(آل عمران، الآية 100)
وقال تعالى في محكم آياته ” وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ”(إبراهيم، الآية 42).
والله من وراء القصد.