صناعة الارهاب والخراب احتكار صهيوني بامتياز .. اما الجمال فاللانهاية في لوحة المقاومة الزينبية! / الياس فاخوري
الياس فاخوري ( الأردن ) – الخميس 31/10/2024 م …
كَأنَّهَا الكَوْكَبُ الدُرِيُّ فِي الأُفُقِ، جَاءَتْ فِي غَيْهَبِ الغَسَقِ، ولم تخشى مِنَ الحُرَّاسِ فِي الطُّرُقِ .. فَقُلْتُ نَوَّرْتِنِي يَا خَيْرَ زَائِرَةٍ، فَجَاوَبَتْنِي وَلا دَمْعُ في العَيْنِ يَسْبِقُهَا:
كم قلتُ لكم (وهذا موثق بعدد من مقالاتي) انه “الحاخام” الأعظم القادم للتو من زوايا “التوراة”، وحيث رقصة الأنبياء بين جاذبية الدم وجاذبية النار ليجمع جنون هتلر بجنون هولاكو نحو الجنون النووي .. نعم، قد يصل هذا “النتن ميلكوفسكي” الى الجنون النووي ما لم نجثو أمام قبر “راحيل”، واذا لم نُزيّن جباهنا بنجمة داود ليظهر “الحاخامات” بافكاك الضباع المولعة بنبش القبور شهوةً للحوم بنى يعرب خصوصاً وبني آدم عموماً، وب”أفكار” الضباع المفجوعة الشرهة والجبانة – ليظهروا في أقاصي مدن العرب وحتى في مداخل قصور العرب والمخارج!
ولكم رجوتكم أن تَمَثّلوا النفحات الملكوتية في الترنيمة الملائكية لتتأملوا عاشوراء في اللوحة الزينبية: “ما رأيت الا جميلا”!
كانت هذه “ديانا فاخوري” توجز المسألة ..
والآن اعود لصناعة الارهاب والخراب كاحتكار صهيوني بامتياز .. هم صُنّاعه وروّاده ومحتكروه، وهذه عينة مما تيسّر من “إبداعهم”:
– 17 آذار (مارس) 1937: أوّل عمليّة رمي لقنابل في مقاه قامت بها العصابات الصهيونية في يافا.
– آب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر) 1937: أول رمي لقنابل في باصات قامت به العصابات الصهيونيّة.
– 6 تمّوز (يوليو) 1938: أوّل رمي لقنابل في الأسواق المكتظّة قامت به العصابات الصهيونيّة في حيفا.
– 22 تموّز في 1946: أول تفجير لفنادق قامت به العصابات الصهيونيّة في القدس.
– 1 أكتوبر 1946: أوّل تفجير للسفارات قامت به العصابات الصهيونيّة في روما (ضد البريطانيّين).
– 31 تشرين الأول (أكتوبر) 1946: أوّل تفخيخ لسيّارات الإسعاف قامت به العصابات الصهيونيّة في بتاع كتفاه.
– حزيران (يونيو) 1947: أوّل عمليّة تفخيخ طرود بريديّة قامت بها العصابات الصهيونيّة ضد أهداف بريطانيّة.
وبعد، الم يقلها أرنولد جوزف توينبي (Arnold J. Toynbee) على سبيل المثال؟
“… لقد كان اليهود يعلمون ماذا يفعلون في فلسطين العربية، وكانت مأساتهم الكبرى أنّ الدرس الذي استخلصوه من مواجهتهم مع النازيين قد قادهم لا إلى تجنّب جرائم النازيين بحقّهم هم، وإنما إلى تقليدها وتطبيقها على عرب فلسطين، وهكذا نجحت العصابات التلمودية، من مذبحة إلى أخرى، في طرد وذبح مليون عربي فلسطيني مسلمين ومسيحيين من قرابة اثنتي عشرةَ مدينة وخمسماية قرية خلال عام واحد”.
وها هو التاريخ يعيد اليومَ ذاته؛ فائق الدم النازف، وفائق الدمار المتواصل منذ أن نشبت الحرب بين الكيان من جهة ولبنان وغزّة من جهة أخرى. فمن كهف “يهوه” الى كهوف تورا بورا، مازالوا يسعون لتقديمنا قرباناً للغاز والنفط .. وإذا كانت مذبحة “دير ياسين” عام 1948م تمثل عنواناً لنزف الدماء، فقد صارت “غزة” و”الضفة” و”لبنان” اليوم رموزاً لشلالات الدم .. كان موعد فلسطين مع أول مذبحة يوم 6-3- 1937م في سوق حيفا حيث استشهد 18 مدنياً وأصيب 38 على يد عصابة “الإتسل”، وكان موعد لبنان مع أول مذبحة في عام 1948م وهي مجزرة “مسجد صلحا” بالجنوب .. وفي السجل المتخم بالمذابح الصهيونية في فلسطين ولبنان ومصر تطول القائمة التي تحوي حوالي 300 مجزرة بدءاً بالعام 1937م ومروراً بمجازر ومذابح الشيخ، ابو شوشة، الطنطورة، قبية، قلقيليه، كفر قاسم، خان يونس، المسجد الأقصى، المسجد الإبراهيمي، مخيم جنين، قانا الاولى، قانا الثانية، وقرية “مروحين” وصور وبنت جبيل ومارون الراس وصريفا وصبرا وشاتيلا، مذبحة الأسري المصريين في حرب 1967م، ومذبحة مدرسة بحر البقر .. وها هي وتيرة المذابح تتسارع يومياً على أرض فلسطين من جنين وطول كرم، والخليل ونابلس إلى غزة .. هذا ولم تُشر الوقائع والبيانات المسجلة إلى أن مجزرة واحدة قد وقعت بطريق الخطأ، بل تؤكد التدبير لكل منها مع سبق الإصرار والترصد.. وليست هناك مجزرة واحدة وقعت بحق مقاومين أو مقاتلين، بل كانت كلها بحق مدنيين أبرياء وعلى حين غرة منهم؛ في الأسواق، والعيادات، وفي الأحياء والبيوت – وبعضهم نيام..
نعم، تاريخ اسرائيل والحركة الصهيونية يتماهى مع مسار حرب الإبادة الأخيرة في غزة، ومع جرائم الإرهاب الجماعي في لبنان .. ومع ذلك، ما زلنا نسمع تنبيهات حول أنّ العدوّ الاسرائيلي تجاوز كل الخطوط الحمر وخرق كل السقوف! اوليست هذه طبيعة إسرائيل ومَاهِيَّتها منذ ثلاثينيّات القرن الماضي، أي قبل النكبة!؟ اولم يسمَّمَوا آبارَنا في فلسطين!؟ أولم يبتدعوا البراميل المتفجّرة في احتلال يافا وتوسيع تل أبيب!؟ الم يفخّخوا السيارات وعربات الإسعاف والطرود ويفجّروا الفنادق والمنازل قبل النكبة!؟ هل وفّر العدو الاسرائيلي جريمة حرب في خططه الاحتلاليّة!؟ هل احترمت اسرائيل يوماً ميثاقاً أو اتفاقيّةً أو عهداً أو وعداً!؟ هل يفهم هذا العدو غير لغة القوة، وهل يتراجع الا ذليلاً تحت ضربات المقاومة!؟
امريكا و”اسرائيلها” تُهدي كل طفل لعبةً للموت عنقودية .. و30 كيلوغراماً من المتفجرات لكل مواطن في غزة ولبنان وعلى ألمدى العربي!
نعم خرج المغول من القبور .. وتحولت غزة الى ناجازاكي القرن وهيروشيماه لنستعيد ذاك النوع من البربرية، ونتٓذٓكّر إحراق جثث الهنود الحمر .. كانت – امريكا و”اسرائيلها – وأَضْحَت، وأَصْبَحَت، وأَمْسَت، وبَاتَت، وصَارَت، ومَا زَالَت، وما بَرِحَت، وما انْفَكَّت، وما فَتِئَت، وظلَّت على الأسوار (أسوار غزة، والقدس، وكل فلسطين .. لبنان ومصر وكل العرب) تُهدي كل طفل لعبةً للموت عنقودية .. و30 كيلوغراماً من المتفجرات لكل مواطن! ورغم ذلك، وفي غزة وفلسطين وجنوب لبنان، تتدحرج الرؤوس الاسبارطية – كما تدحرجت في بيروت ولبنان عام 2006 – لتبدو “اسرائيل” محبطة على حافة الهاوية وكانها تقاتل، على نحوٍ دونكيشوتي، طائر العنقاء وتحارب أشباحاً تخرج من باطن الأرض ورمالها المتحركة. نعم، قد تجاوزنا السنة الاولى بتوقيت ساعة السابع من أكتوبر/تشرين الاول 2023 وأسطورة المقاومة تتحقق في الميدان على أرض المعركه وأسطورة “إسرائيل” تتحطم وتُستبدل بالتلفيق والتدليس والتزييف والتمويه .. وهنا يبذل “النتن ميلكوفسكي” جل جهدة بابتذال الإيهام ان سلسلة “الارتقاء والصعود” الاخيرة، والهجوم السيبراني على لبنان تارة، والدخول الى رفح تارة اخرى، هو الانتصار ليسخر منه وعد الله؛ “فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ” (الروم – 60)! ويعلم الجمع ممن ضم مجلسه ان “اسرائيل” تحت الركام والى زوال كما نقشت ذلك ديانا فاخوري .. فهل دقت ساعة السابع من أكتوبر/تشرين الاول لتعلن “هذه بداية النهاية” كما تنبأ “فرانز فانون” في “معذبو الأرض” .. ولم يكن “فرانز فانون” نبياً للمعذبين فقط، بل كان نبي المناضلين – رجال الله في الميدان وهم من اسقط السقوطُ، وبيروت كما فلسطين بقدسها، بغزتها وعزتها تعلو فكرةً، ويداً .. لبناناً، ويمناً، وشاما .. ”يميناً، بعد هذا اليوم لن نبكي”، وباسم الله نقرأ “الصف – 13″، وَالبشارة للْمُؤْمِنِينَ: “نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ” ..
نعم، نقطة الضوء في صراع اليوم أنّ المقاومة الزينبية جاهزة لإجهاض الحلم الصهيوني حيث دأبت ديانا فاخوري على الدعوة لتٓمٓثُّل النفحات الملكوتية في الترنيمة الملائكية فنرى عاشوراء في اللوحة الزينبية: “ما رأيت الا جميلا”!
لنتأمل كلمات السيدة الحوراء الأربعة: “ما رأيت الا جميلا” .. قالتها وقد رأت مصرع سبعة عشر من أهلها وفيهم ولدين من أبنائها وفلذة كبدها، وخمسة من إخوتها لا سيما أخوها الأكبر وسيدها ومولاها وإمامها وشقيق روحها التي كانت لا تستطيع أن تعيش “إلا أن تراه من شدة حبها له (الإمام الحسين) مقطعاً بتلك الطريقة والوحشية، وليس ذلك فقط بل انتدب اللعين عمر بن سعد القرشي عشرة من خيول الأعوجية فداست صدره وظهره وسمعوا تكسر أضلاعه وعظامه، كما أمرهم ابن مرجانة”!
كيف لها ان تصف ذلك كله بالجمال .. هل رأت الجمال في الخسارة والمرارة والأسى، ام في السخرية والغل والحقد والتشفي!؟ أين الجمال في كل ذلك!؟ وكيف نفهم معنى الجمال في هذه الدرة الزينبية؟
لم ترى السيدة زينب في الجانب المأساوي والمؤلم خسارةً، بل تضحية ضئيلة ثمناً للعز والخلود بالمقاومة صاحبة النصر اليقين .. وفي هذه الإجابة البليغة التي لم تزد على أربع كلمات تبرز عدة معان:
١) الفصاحة التي غرفت من بلاغة أبيها أمير المؤمنين(ع) صاحب نهج البلاغة وفيلسوف الإسلام: سرعة الإجابة من غير تردد او تلكؤ وهي الأسيرة .. الإيجاز فلو حذفنا (ما وإلّا) تبقى كلمتان فقط، لكنها وظّفت أداتي الحصر للتوكيد فحصـرت ما رأت كلَّه بصفة الجمال.
٢) الجسارة الأدبية التي تربت عليها في حضن أمها المعصومة فاطمة الزهراء(ع).
٣) قوة الحجة التي لا جواب لها والتي ضربت لسان ابن زياد بالعيّ وأعمَت منطقهُ.
موقف صعب جابهته الحوراء برباطة جأش وتحدٍ اذ رأت في ابن زياد مجرد “صنم بشري وضيع لا تؤثر فيه الإهانة”، فقررت أن تستكمل جلده بسياط عباراتها البليغة: “ثكلتك أمك يا ابن مرجانة”! تحدثت بما يشبه الزلزال وَهِي القابضة على الموقف، تُمسك بكلّ حبال الموضوع وتحرّكه بالطريقة التي تشاء فقلبت المشهد (مشهد الأسير) وأعلت قيم الامام علي (كرَّم الله وجهه) كما رفعت شعلة حقوق المرأة بوجه ومواجهة ابن زياد .. وهكذا زرعت في تربة النفوس بذرة المقاومة والثورة وبلورت كينونة الحياة في الموت، والسطوع في الانطفاء، والجمال في القبح، والسعادة في الثكل!
ما سرّ هذه الفلسفة التي جاءت بها السيدة زينب عليها السلام؟ ألِأَنَّ الجمال (جميل) من اسماء الله الحسنى؟ فهل رأت في الجمال شيئاً إلهياً يرادف الخير، ومعنىً مطلقاً مجرّداً غير قابل للتغيير؟ هي، لا بد، رأت “اللانهاية” في الجمال .. وحاصل قسمة اي عدد حقيقي على “اللانهاية” يساوي صفر: أ ÷ ∞ = 0 .. ومن هنا لم تر السيدة الحوراء في الجانب المأساوي والمؤلم خسارةً، بل تضحية ضئيلة ثمناً للعز والخلود بالمقاومة صاحبة النصر اليقين .. هذه رياضيات زينبية: كل ما تقدمه يعادل صفراً مقابل جمال اللانهاية كما يتبلور في لوحة المقاومة الزينبية .. وعليه: “ما رأيت الا جميلا”!
كيدوا كيدكم – فما ايامكم الا عدد، وما جمعكم الا بدد .. الم تصلبوا المسيح قبل سلسلة “الارتقاء والصعود” الاخيرة وكنتم قد تسببتم “بقتل جَمِيعَ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ وَفِي كُلِّ تُخُومِهَا مِنِ ابْنِ سَنَتَيْنِ فَمَا دُونُ” (إنجيل متى 2: 16)!؟
الأرض الآن كربلاء .. وها هم المجاهدون اولو البأس في خيبر الجديدة، يكرّون ولا يفرّون .. يهزؤون بالمنايا ولا يبالون بالموت .. ويضمّدون بجراحهم جروح الأرض!
اما اللحظة التاريخيّة فقد اكتملت بتوقيت ساعة السابع مِن أكتوبر/تشرين الاول 2023. لم تبدأ في تلك الصبيحة عند تخوم غزّة، بل اكتملت هناك، وكانت اللحظة التي نودّع فيها عالم ما قبلها لنفتح صفحة جديدة مِن التاريخ: “بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ”(القمر – 46) .. وهنا سنوقظ هذه الأرض التي استندت إلى دَمنا// سنوقظها ونُخرجُ من خلاياها ضحايانا .. فهل تمكن الأميركيون من البقاء في فيتنام او في أفغانستان، ام انهم فروا تحت جنح الظلام!؟ كيف إذن لـ “الاسرائيليين” البقاء في غزة او لبنان، وحيث الكلام حيناً عن “مراقصة الجحيم”، وحيناً عن “مراقصة المستحيل”؟ فلا شرق أوسط جديد!
دمر هولاكو بغداد وأسلم في دمشق، وحاول هتلر أن يغسل العار الذي لحق ببلاده ابان الحرب العالمية الأولى فاخذها الى الخراب. وهذا “النتن ميلكوفسكي” ما انفك يحاول أن يغسل العار الذي لحق بالكيان في حرب 2006، فاذا به يجرُّه الى الجحيم، بعدما امتلأ رأسه بالضجيج الايديولوجي والتأويل الجنوني للتوراة!
فمتى (ليس هل) تنفجر “اسرائيل”!؟ وهل تأتي نهاية “النتن ميلكوفسكي” كما كانت نهاية “الملك شاوول” (1080 ـ 1010 قبل الميلاد) الذي انتحر اثر هزيمته في معركة “جبل جلبوع” على يد الفلسطينيين!؟
نعم، جاء اولو البأس ومن زحموا بالمنكـب الشهبا لترقص خيول بني حمدان زهواً، وليملأ المتنبي حلبا، وليطالعنا وجه “ديانا” والسماء ببسمة لكأنها بسمة انبياء، فنعود لسميح القاسم:
“هنا سِفرُ تكوينهم ينتهي
هنا .. سفر تكويننا .. في ابتداء!”
|
الدائم هو الله، ودائم هو لبنان ، ودائم هو الأردن العربي، ودائمة هي فلسطين ..
نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..
الياس فاخوري
كاتب عربي أردني