مَحْدُودِيّة مجموعة بريكس / الطاهر المعز
الطاهر المعز ( تونس ) – الخميس 31/10/2024 م …
تقديم
تأسس هذا التّكتُّل من أربع دول (البرازيل وروسيا والهند والصين ) يوم العشرين من أيلول/سبتمبر سنة 2006، بمبادرة من روسيا، على هامش جلسة الجمعية العامّة للأمم المتّحدة في نيويورك، لتوسيع مجالات التعاون بين هذه الدّول، وانعقدت القمة الرسمية الأولى في مدينة يكاترينبورغ ( روسيا) سنة 2009، بعد اجتماعات تمهيدية لوزراء الخارجية، طيلة السنوات الثلاث، والتحقت جنوب إفريقيا خلال القمّة الثالثة سنة 2011، ليُضاف حرف السّين ( South Africa Republic ) وتُصبح التسمية “بريكس”، وهي الأحرف الأولى من أسماء البلدان الخمس ( Brazil, Russia, India, China, South Africa )، وأكّد بيان القمة الأولى أهداف هذه المجموعة ومن ضمنها “خدمة المصالح المُشتركة للبلدان النامية واقتصادات الأسواق الناشئة”، وتضمّنت البيانات المختلفة، بين 2009 و 2014 عبارات تُشير إلى عدم حياد مجموعة بريكس عن قوانين الإقتصاد الرأسمالي الليبرالي، مثل “ضرورة إصلاح البنك العالمي وصندوق النّقد الدّولي” والعمل على “توسّع الشركات خارج السوق المحلية وتحقيق عوائد مُغْرِية للمستثمرين، وتأمين حرية التّجارة، واحترام ميثاق الأمم المتّحدة، ومبادئ القانون الدولي…”
قمة البريكس في قازان (2024)
انعقدت قمة “قازان” (روسيا) لمجموعة البريكس للاقتصادات النامية، السادسة عشر، من 22 إلى 24 تشرين الأول/أكتوبر 2024 بمشاركة 36 دولة، بهدف تسهيل التجارة بين دول البريكس – بما في ذلك نظام دفع بديل للدولار، واجتذبت مجموعة بريكس عددًا مُتزايدًا من الدّول ( 13 دولة شريكة هي الجزائر وبيلاروسيا وبوليفيا وكوبا وإندونيسيا وكازاخستان وماليزيا ونيجيريا وتايلاند وتركيا وأوغندا وأوزبكستان وفيتنام.) ما يُؤَهِّلُها لتوسيع إشعاعها ونفوذها، ومن أهم المواضيع التي درسها المُشاركون في القمة: منصة الدفع الجديدة وإصلاح العلاقات بين الصين والهند، وشمل مُلَخَّصَ “إعلان قازان” مجمل المواضيع ومن بينها “تنمية المجموعة والقضايا العالمية والأزمات الإقليمية بما في ذلك تلك في أوكرانيا والشرق الأوسط”.
عبّرت الدّول الخمس المؤسسة ( البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)، قبل توسيع المجموعة، عن عزمها تطوير التعاون في مجالات السياسة والأمن والاقتصاد والمالية والثقافية، وتعزيز الشراكة الإستراتيجية لجعل النظام الدولي أكثر عدالة، واستنكر الإعلان الختامي لقمة قازان العقوبات الاقتصادية أحادية الجانب، ذات الآثار السّلْبِية على المجتمعات.
أوْلَت روسيا أهمية كبيرة للتعاون المالي ولتطوير بدائل لأنظمة الدفع التي تُهيمن عليها الولايات المتحدة، فضلًا عن تسوية النزاعات الإقليمية والتحرك لتوسيع مجموعة دول البريكس، ضمن عملية تشكيل “عالم متعدد الأقطاب”، لخلق توازن في مواجهة الولايات المتحدة التي يتّهمها الرئيس الرّوسي فلاديمير بوتين “باستخدام الدّولار كسلاح مما يُجبرنا على البحث عن بدائل”، ومن البدائل المُقترحة: “إنشاء منصة استثمارية جديدة لمجموعة بريكس، كأداة لدعم اقتصاد أعضاء المجموعة ولتوفير الموارد المالية لدول الجنوب والشرق العالميين”، وفق الرئيس الروسي…
أدّى طَرْح موضوع تحسين العلاقات بين الصين والهند إلى إجراءِ أول محادثات رسمية، منذ خمس سنوات، بين الرئيس الصيني ورئيس الوزراء الهندي (يوم الإربعاء 23 تشرين الأول/اكتوبر 2024)، في محاولة لحل الخلاف الحدودي بين البلدين وهي حدود بطول 3440 كيلومترًا، كما أدّت المحادثات إلى التّقدّم في إنشاء منصّة دفع بديلة لسويفت لتجاوز العقوبات “الغربية” التي استهدفت دولاً عديدة منها روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية وسوريا وكوبا وفنزويلا وغيرها، وتعزيز دور “مصرف التنمية الجديد” لتمويل مشاريع تنمية الدّول الأعضاء في مجموعة بريكس أو دول أخرى بشروط أفْضَلَ من صندوق النّقد الدّولي والبنك العالمي…
يمكن لمجموعة بريكس أن تُشكّل قُوّة سياسية واقتصادية مُوازية للولايات المتحدة التي تريد الإنفراد بقيادة عالم “أحادِي القُطْب”، من خلال القوة العسكرية والدّولار ومنظومة سويفت للتحويلات المالية الدّولية وقوة أجهزة الإعلام والدّعاية، غير إن مجموعة بريكس غير متجانسة، وبخصوص قضايانا العربية، انضَمّت مصر والسعودية والإمارات إلى مجموعة “بريكس + ” وهي دول عربية مُؤيّدة لتصفية القضية الفلسطينية وداعمة للكيان الصّهيوني، فضلا عن الهند (عضو مُؤسّس لمجموعة “بريكس”) والحبشة، ولا تُعتَبَرُ الصين أو روسيا أو البرازيل من الأصدقاء المَوْثُوقين للشعب الفلسطيني وللشعوب الواقعة تحت الإستعمار والإضطهاد، فهي تُزَوّد الكيان الصهيوني بالفحم والنفط. أما العلاقات الهندية الصهيونية فتشمل جوانب إيديولوجية وعسكرية فضلا عن الجوانب الإقتصادية حيث تُعتَبَرُ الهند خامس شريك تجاري للعدو الصّهيوني، فيما تعتبر روسيا مليون مستوطن صهيوني شاركوا في استعمار فلسطين أثناء انهيار الإتحاد السوفييتي، جزءًا من الجالية الروسية بالخارج، وكنموذج للدّعم الروسي الرّسمي للكيان الصهيوني نورد مقتطفًا من تصريح وزير الخارجية الروسي (لافروف) لقناة روسيا اليوم (كانون الأول/ديسمبر 2023): “تتطابقُ الأهداف الإسرائيلية المُعْلَنَة ضد حماس في غزة مع أهداف روسيا في أوكرانيا” وسبق أن وصف العملية الفدائية الفلسطينية ليوم السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023 بالإرهابية، في تصريح للقناة الأولى الروسية وفق ترجمة زياد الزبيدي…
بالنسبة للصين، ارتفعت قيمة المبادلات التجارية الصينية- الصهيونية إلى حوالي عشرين مليار دولارا سنويًّا ( منها الأسلحة ومعدّات قمع المظاهرات)، وتوسّعت مشاريع الشركات الصينية في فلسطين المحتلة إلى إدارة المواني وبناء الطرقات والسكة الحديدية التي تشق الأراضي المُصادَرَة من فِلِسْطِينِيِّي النّقب.
لجنوب أفريقيا الفَضل في إدانة الكيان الصهيوني وجرائمه ومن بينها الإبادة الجماعية، غير إن وزير التجارة في حكومة جنوب إفريقيا ( باركس تاو) صَرّح في البرلمان يوم 26 أيلول/سبتمبر 2024: “نرفض بشكل حازم مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، ما دامت الأمم المتحدة لم تفرض هذه العقوبات… ” وتجاهل وزير التجارة (وهو ممثل حكومة جنوب إفريقيا) قرار محكمة العدل الدولية ( 19 تموز/ يوليو 2024)، ومفاده “إلزام الدّول الأعضاء بالأمم المتحدة برفض احتلال الأراضي الفلسطينية…” فضلا عن قرار اعتقال مسؤولين من الحكومة الصهيونية، وتناقض تصريحات هذا الوزير المواقف الشعبية المُؤيّدة لحقوق الشعب الفلسطيني، ومن بينها احتجاج جماهيري ( 22 آب/أغسطس و 04 تشرين الأول/اكتوبر 2024) أمام مقر شركة غلينكور التي تستغل المناجم وتُرسل كميات كبيرة من الفحم إلى الكيان الصهيوني، وكذلك أمام القنصلية الأمريكية بجوهانسبورغ، تحت شعار “مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها”.
تقييم بريكس
أشارَ البيان الختامي للقمة الخامسة عشر لدول مجموعة بريكس (2023) إلى ضرورة بناء نظام عالمي جديد يُولي مزيدًا من الأهمّيةً للأسواق الناشئة والدول النامية في المنظّمات الدوليّة…” وهي القمة التي أَقَرّتْ انضمام ستّ دول ( الأرجنتين ومصر والحبشة وإيران والسعودية والإمارات) فيما ضَمّتْ قائمة الإنتظار الجزائر وإندونيسيا وكازاخستان ونيجيريا وباكستان وفيتنام وتركيا.
يُشكل تأسيس مجموعة بريكس ردّة فعل ( دفاعية ) على تصرفات الولايات المتحدة وحلفائها بعد انهيار الإتحاد السوفييتي، وتوْسيع حلف شمال الأطلسي، بدل حَلِّهِ وإنهاء مهامّه، وهي تصرفات تناقض مبادئ وفاق ما بعد الحرب العالمية الثانية، مثل الحروب العدوانية خلال العقد الأخير من القرن العشرين (العراق ويوغسلافيا ) والعقوبات أحادية الجانب التي لا تُقرّها الأمم المتحدة – على علاتها – وإنما الولايات المتحدة، وعَسْكَرَة الدبلوماسية والعلاقات الإقتصادية (عسْكَرَة الدولار)، وفَرْض “برامج الإصلاح الهيكلي” على الدّوَل المُقْتَرِضَة، وازدواجية المَعايِير والإدّعاء إن الصّراع يدور “بين أنظمة الحُكْم الدّيمقراطية والأنظمة الإستبدادِيّة”، وكل من يُساند الإمبريالية الأمريكية يُعَدُّ ديمقراطيا ومن يُعارض أو لم يُساند يُعتَبَرُ “استبداديًّا”، ولا مكان للحياد، ولذلك شكّلت مجموعة بريكس ملجأً شبه قَسْرِي، وفق مبادئ فضفاضة، بدون قواسم مُشتركة واضحة، لأن لروسيا والصّين ثم الهند خلال السنوات الأخيرة، وزن كبير، غير إن مجموعة بريكس تطورت على مَرّ السنين، لتخلق آليات مثل مصرف التنمية، وتُمثل “بريكس” المُوَسَّعَة حاليا (سنة 2024) حوالي نصف سكّان العالم وثُلُثَ الناتج الإجمالي العالمي ونصف إنتاج العالم من النفط، وتمكّنت المجموعة من الإنفتاح على أكبر الدّول الإفريقية والعربية ( مصر والحبشة ) فضلا عن أمريكا الجنوبية ( البرازيل والأرجنتين) وأكبر الدّول المنتجة للنفط (إيران والسعودية والإمارات)…
تتمثل نقاط الضُّعف في الحجم الصغير لاقتصاد دول مجموعة بريكس مجتمعة، حتى بعد انضمام الدّول السّت الجديدة، فهو لا يتجاوز 26 تريليون دولار سنة 2022، أو أكثر قليلاً من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، ولا يصل نصيب الفرد من الناتج المحلّي الإجمالي في الصين – أقوى دولة في مجموعة بريكس – إلى 23,4 ألف دولارا، بينما يفوق ثمانين ألف دولارا في الولايات المتحدة، ونعود إلى التّذكير بغياب القواسم المشتركة، باستثناء محاولة الإبتعاد عن الولايات المتحدة وتَجَنُّب عَصَاها الغليظة المُتمثلة في القوة العسكرية والعقوبات الإقتصادية والدّولار الذي لا يزال مهيمنا على احتياطيات المصارف المركزية والتجارة الدّولية والتحويلات المالية، حيث يُمثل نحو 90% من التداولات في سوق العملات الأجنبيّة، ونصف سنَدات الدّيْن والقروض الدّولية ونصف قيمة التجارة الدّولية ونحو 40% من قيمة التحويلات الماليّة المصرفيّة و60% من احتياطيات النقد الأجنبي العالميّة، ولئن ارتفعت حصة العملة الصينية ( اليوان أو الرنمينبي) فإنه لا يُمثل سوى 7% من حجم تداول العملات الأجنبيّة ونحو 3% من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية، وعمومًا ليس المطلوب تغيير الدّولار الأمريكي باليوان الصيني، بل بالبحث عن صيغة توازن بين مختلف العُملات أو ابتكار عُملة مُوَحّدة للمعاملات التجارية والمالية بين دول “الجنوب” التي ترغب القطع مع الدّولار واليورو والين والجنية الإسترليني، أو التخفيف من حجم تعاملها بهذه العملات، خصوصًا في مجالات تجارة الطاقة والمعاملات المالية، ما من شأنه خَفْضَ حدّة التفاوتات الإقتصادية.
خاتمة
كان رفض العديد من دول “الأطراف”، وخصوصًا دول إفريقيا، إدانة روسيا في الأمم المتحدة، سنة 2022، عند بداية الحرب في أوكرانيا، مُفاجِئًا للولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، واتّسمت مواقف العديد من دُول إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية – بما فيها الدّول الحليفة للولايات المتحدة – ب”تَفَهُّم موقف روسيا” بشأن الحرب في أوكرانيا واعتبرتها معظمة وسائل إعلام دول “الجنوب” حربا أطلسية بالوكالة، وبعد أقل من سنة ونصف بدأ العدوان الصهيوني المُكثف على فلسطينِيِّي غزة ثم على الشعوب العربية في لبنان وسوريا واليمن وكذلك إيران، فكانت إدانة العدوان مناقضة للدّعم الأمريكي والأوروبي المُطلق للكيان الصهيوني، رغم صَمْتِ أو تواطُؤِ الصين وروسيا ( أعمدة مجموعة بريكس)، وأدّى غياب التنسيق أو “التّوافق” السياسي إلى العجز عن تحويل هذه المواقف المُعارضة للإمبريالية الأمريكية، إلى خطط بديلة في مواجهة الإمبريالية الأمريكية والأوروبية وأدواتها مثل صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي، لأن روسيا والصين والهند، وهي أكبر الدّول في مجموعة بريكس تبحث عن زيادة حصتها من النظام الرأسمالي العالمي ولا تعتني بقضايا الشعوب ولا بمصير الدّول الأخرى بمجموعة بريكس أو غيرها، وبذلك تكون مجموعة بريكس أقل طُمُوحًا وأقل تنوُّعًا من حركة عدم الانحياز ( بداية من المؤتمر التحضيري سنة 1955) أو مجموعة السّبع والسّبعين، ومع ذلك شكلت مجموعة بريكس قُوّة جذب وطَلَبَت ثلاثون دولة، منها تركيا (عضو حلف شمال الأطلسي) وماليزيا وتايلند وغيرها، الإنتماء إلى مجموعة بريكس، ويعني ذلك زيادة عدد الدّول المُسْتاءَة من سياسات الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، في غياب بديل ثوري أو تقدّمي يُجابه غَطْرَسَة وعَرْبَدةَ الإمبريالية وإشعالها الحروب بالوكالة في عدة أنحاء من العالم، واستياء العديد من الدّول من الرفض الأمريكي والأوروبي “لإصلاح صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومجلس الأمن”، وعدم تهميش دور الأمم المتحدة ومنظماتها مثل يونيسيف وأنروا وغيرها…
بخصوص الدّول العربية التي انضمّت إلى مجموعة بريكس (مصر والسعودية والإمارات) تجدر الإشارة إلى مُشاركتها في العدوان الأمريكي على العراق ثم الحصار بداية من سنة 1991 واحتلاله سنة 2003 ومشاركتها في قَتْل الجامعة العربية (رغم سلبياتها)، ودعم العدوان الصهيوني المُستمر منذ تشرين الأول/اكتوبر 2023، وهذه مُؤشّرات على ضبابية ماهِيّة وأهداف مجموعة بريكس…