عذرا أم كلثوم، فلقد خيبنا ظنك بنا!! / سماك العبوشي
سماك العبوشي ( العراق ) – الأحد 3/11/2024 م …
استهلال…
بادئ ذي بدء، فإن مقالي هذا موجه الى:
1- الجيل العربي الجديد تحديدا، جيل الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، أدعوهم فيها صادقا مخلصا للبحث عبر اليوتيوب والشبكة العنكبوتية عن أناشيد وطنية وقومية حماسية رائعة بكلماتها والحانها كانت تملآ يوما ما الإذاعات ومحطات التلفزيون العربية بها، وتهز عنفواننا القومي العروبي آنذاك، وتملآنا أملا ويقينا بمستقبل مشرق مزدهر لآمة عربية واحدة من المحيط الى الخليج، وذلك لتشعرهم بعظمة تلك المرحلة التي لم يعيشوها، ولم يذوقوا لذتها، وهي دعوة لهم صادقة مني بضرورة عودتهم للارتباط الحميمي بقضايا الامة المغيبة، ولبناء عقيدتهم العربية بشكل صحيح، ولتملأ أنفسهم وتشحذ هممهم كي يرتقوا بأولويات حياتهم نحو غد عربي مشرق زاهر، بدلا من الضياع في الإبحار بأغاني السفاسف والفن الهابط المنتشر هذه الأيام!!
2- جيل ما بعد نكبة 1948 مرورا بنكسة 1967 صعودا، (وأنا بالتأكيد منهم)، وذلك لإنعاش ذاكرتهم بحقبة زمنية رائعة امتلأت أجواؤها بالحس القومي العروبي، وشنفت أسماعهم وازدانت بالأناشيد القومية والوطنية الخالدة التي هزت كيانهم، وملأت أنفسهم بالتصميم والإرادة للتحرير والانعتاق من الاستعمار والاحتلال وجميع أشكال الهيمنة الخارجية!!.
ولجيل ما بعد نكبة 48 صعودا أعود مجددا فأقول محبا صادقا لهم:
– هل تذكرون أنشودة “أصبح عندي الآن بندقية” كلمات الشاعر نزار قباني والحان محمد عبدالوهاب، وأداء كوكب الشرق ام كلثوم رحمهم الله جميعا، والتي اذيعت لأول مرة عام 1969 ، تلك الانشودة الوطنية العروبية الخالدة والرائعة التي هزت مشاعرنا الوطنية والقومية وشحذت طاقاتنا وتمنينا لو أننا في ساحات الوغى مع الفدائيين الابطال!؟.
– أنسيتم أنشودة “إنا فدائيون”، كلمات عبدالفتاح مصطفى والحان بليغ حمدي وأداء كوكب الشرق أم كلثوم!!؟
– ومن منكم مازال يحفظ كلمات أنشودة “والله زمان يا سلاحي”، كلمات صلاح جاهين والحان كمال الطويل والتي أدتها السيدة أم كلثوم، وأنشودة “ثوار” كلمات عبد الفتاح مصطفى والحان رياض السنباطي وأدتها كوكب الشرق السيدة أم كلثوم، أو “زهرة المدائن” التي ألّفها ولحّنها الإخوان رحباني وغنتها السيدة فيروز (أطال الله بعمرها) عقب هزيمة العرب في حرب 1967!!
– أما زالت ذاكرتكم تحتفظ بأنشودة “الوطن الأكبر” الرائعة لمؤلفها أحمد شفيق كامل وتلحين محمد عبدالوهاب والتي أداها أشهر مطربي العرب كعبدالحليم حافظ ونجاة الصغيرة وصباح وفايدة كامل ووردة الجزائرية وشادية، تلك التي تتغنى بالوحدة العربية وأمجاد أمة العرب!!؟
لقد أخذت السيدة ام كلثوم على عاتقها طيلة تلك الفترة من المد العروبي القومي بتسخيررمزيتها ومكانتها الفنية وصورتها خدمة للمعركة ضد “إسرائيل”، فأنشدت الكثير من الأناشيد الوطنية والقومية لعل أهمها أنشودة “أصبح عندي الآن بندقية” لتعلن بذلك بأن خيار الأمة العربية عموما والفلسطينية خاصة هو المقاومة والكفاح المسلح، وهي لم تكتف بدعم الجيش المصري بأناشيدها الوطنية والقومية وحسب، بل دعمت كذلك المقاومة الفلسطينية إثر انطلاقتها منتصف ستينيات القرن الماضي، حيث طافت عواصم عربية عديدة، ثم غنت في قلب أوروبا، على مسرح الأوليمبيا بباريس، لتحول إيرادات حفلاتها بالكامل إلى المجهود الحربي ودعما للمقاومة الفلسطينية.
كان هدف السيدة أم كلثوم الرئيس من حفلاتها تلك هو إعادة الروح إلى الكرامة العربية التي كسرتها هزيمة حزيران 1967، أو بحسب تعبير المستشرق دينيس جونسون ديفيز، الذي علق على تفاعل السودانيين في حفل أم كلثوم بالخرطوم وأقتبس نصا: “شعب يغني للحب وهو يعيش في جو المعركة، لا يمكن أبداً أن يكون شعباً ضعيفاً، بل شعباً لديه القدرة على أن يواجه أعداءه بقوة”… انتهى الاقتباس.
وفي ختام مقالي هذا، أستميحكم عذرا بأن أتوجه للسيدة كوكب الشرق أم كلثوم رحمها الله – بالنيابة عنكم جميعا وأصالة عن نفسي – بالاعتذار الشديد وأسفي البالغ للسببين أدناه:
1- لقد ذهبتْ – للأسف الشديد- سيدتي الفاضلة جهودُك وتضحياتُك سدى في استنهاض أمتنا العربية من خلال أناشيدك القومية تلك، فها هي أنظمتنا العربية قد أمرت جيوشها بإلقاء السلاح من أيديها تماما، بعد أن منعت إذاعاتها (الوطنية) وقنواتها الفضائية من إذاعة أناشيدك هذه، كما وحرّمت على أبناء شعبها حمل السلاح بوجه عدونا الإسرائيلي، ولم يقتصر الأمر على هذا فحسب، بل وانهمك (بعض) أنظمتنا بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، مع تخاذل وتقاعس (البعض الأخر منها) وعدم الاهتمام بما يجري في مشهدنا العربي، أما من كان في ستينات وسبعينات القرن المنصرم يحمل لواء المقاومة فقد انخرط هو الأخر بمحض إرادته بالتنسيق الأمني (المقدس)، بل وتعدى ذلك بأشواط، فلم يحترم دماء قادة ومقاتلي فلسطين الذين استشهدوا فرووا بدمائهم الزكية أرض فلسطين، فراح يلاحق أبناء فلسطين داخل الأرض المحتلة الرافضين للتسوية والخنوع والذل ويزج بهم في معتقلاته وسجونه!!
2- وتذكيرا لك بأنشودتك “أصبح عندي الآن بندقية” تحديدا، وبالرغم من مرور نصف قرن تقريبا على تأديتك لتلك الانشودة الرائعة، وتحديدا المقطع التالي: (عشرين عاما وانا أبحث عن أرض وعن هوية)، فإننا للأسف الشديد مازلنا نبحث عن أرض سليبة أسمها فلسطين بالرغم من أنها على مرمى ومسمع منا، والأنكى من هذا سيدتي الكريمة، فإن أنظمتنا العربية هذه الأيام قد تركت غزة العزة تحديدا تلقى مصيرها من الإبادة الجماعية والتهجير والتجويع دون عون واسناد، وإنني والله وتالله وبالله لأخشى أن يكون مصير أقطار عربية أخرى يوما ما مرشحة لتلحق بمصير فلسطين المشار إليها في هذه الانشودة، كلبنان وسوريا والأردن، وربما سنستفيق يوما ما فنجد أن خارطة “دولة إسرائيل الكبرى” قد تحققت أمام ناظرينا في غفلة وتقاعس منا، لنبدأ شوطا جديدا من النحيب والعويل وإلقاء التهم، ولكن (ولات ساعة مندم) حينذاك!!!
وحسبنا الله ونعم الوكيل.