متابعات، نشرة أسبوعية – العدد السّادس والتّسعون / الطاهر المعز
الطاهر المعز ( تونس ) – الأحد 3/11/2024 م
يتضمن العدد السّادس والتّسْعون من نشرة “متابعات” الأسبوعية فقرة بعنوان “اعرفْ عَدُوَّكَ” عن النشاط الإستخباراتي لسفارة الولايات المتحدة في بيروت، وفقرة عن مفهوم “السوق الحرة” وفقرة عن دُيون البلدان الفقيرة وتأثيرها على مسار التنمية وفقرة عن تقرير بشأن أكثر الدّول فقرًا، بمناسبة الإجتماع السنوي لمؤسسات “بريتن وودز” ( البنك العالمي وصندوق النقد الدّولي )، وفقرة عن حُدُود الحركة النِّسْوِيّة البرجوازية وفقرة عن إعادة هيكلة صناعة الأسلحة في أوروبا وفقرة عن الإنحدار البطيء للدّولار وفقرة عن المعركة القانونية بين شركات الأدوية العابرة للقارات بشأن براءة الإختراع لمكونات وتقنيات تصنيع وتخزين لقاح كوفيد الذي تُعادل إيرادات مبيعاته مليارات الدّولارات سنويا منذ سنة 2020…
اعرف عَدُوّك
أشارت صحيفة “الأخبار” اللبنانية إلى وصول فريق أمني أميركي – يضمّ 15 ضابطاً من وكالة الاستخبارات – إلى مطار بيروت يوم الخميس، العاشر من شهر تشرين الأول/اكتوبر 2024، الجاري، واتّجَهَ الفريق الأمني الأميركي – على مَتْن السيارات المصفّحة التي لا تحمل لوحات تسجيل – إلى مقر السفارة الأميركية، حيث مقَرّ “خلية العمل ” التي تضم 12 ضابطاً أساسياً، إلى جانب آخرين من اختصاصات مختلفة، بهدف تجنيد وإدارة عملاء و”شراء” – من خلال الرّشاوى – قاعدة بيانات الدّولة اللبنانية، وجمع المعلومات وتحليلها بذريعة “مكافحة الإرهاب أو ومكافحة المخدّرات وتبييض الأموال…”، وشَكّلَ وصول الفريق الأمني الجديد إعلانًا عن المشاركة الرسمية الأمريكية في العدوان على الشعوب العربية، من خلال مُضاعفة عدد ضبّاط “محطة بيروت” لخلية العمل الإستخباراتية الأمريكية، ومن خلال تعيين “شيري بيكر” مديرة جديدة لمحطة بيروت، وهي من قيادات وكالة الإستخبارات الأمريكية التي تُتابع مَجْرى الأحداث في لبنان وفلسطين وسوريا، بالتعاون مع السفيرة الأميركية في بيروت ليزا جونسون التي تضغط على القوى السياسية والأمنية اللبنانية لكي تقطع صِلاتها بحزب الله، وتجدر الإشارة إلى ضخامة “مكتب الأمن الإقليمي” – وهو جهاز حماية السفارة الأميركية في لبنان – الذي يضم فرقًا للتدخل السريع وقوة تدخّل دَرّبت مرتزقة لبنانيين “للدّفاع عن مُحيط السفارة الأمريكية… وإطلاق النار عند عند الشعور بخطر داهم “…
بثّت “قناة المنار” التابعة لحزب الله، قبل حوالي 13 سنة ( يوم التاسع من كانون الأول/ديسمبر 2011) برنامجًا استقصائيّا عن عمل الإستخبارات الأميركية في لبنان عبر “محطة بيروت” (ومقارها السفارة الأمريكية) ونشرت العديد من التفاصيل بأسماء أشخاص وطريقة عمل هذه الخَلِيّة الإستخباراتية التي تُجنّد عملاء لبنانيين، من موظفي الحكومة والجيش والأمن الدّاخلي والمصارف والباحثين ورجال الدّين، وبعد بث البرنامج الذي قدّم بعض الحُجَج المُوثّقة عن مشاركة الإستخبارات الأمريكية هذه المعلومات مع الإستخبارات الصهيونية، غيرت وكالة الإستخبارات الأمريكية كافة العاملين في “محطة بيروت”، بمن فيهم مدير المحطة الذي كان بغطاء دبلوماسي…
ما “السّوق الحُرّة“ ؟
بعد الإنهيار الرسمي للإتحاد السوفييتي، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية اليومية، بتاريخ 22 كانون الثاني/يناير 1992، صورًا لمئات الأشخاص الذين يصطفون بطابور لشراء الخبز في موسكو، وورد في تحليل الصحيفة إن نقص الغذاء في روسيا دليل على عجز النظام الشيوعي عن تلبية احتياجات مواطنيه، وتعتبر صحيفة نيويورك تايمز إن الخصخصة وتحرير السوق هما العلاج، فهما ينظمان السوق دون تدخل الدولة، وبذلك تعيد الصحيفة ترديد أسطورة “اليد الخفية” التي ابتدعها آدام سميث (1723 – 1790)…
بعد أكثر من عقدين، نشرت وكالة بلومبرغ (التي يمتلكها الملياردير الذي يحمل نفس الاسم، العمدة السابق لنيويورك) صورًا لمئات من الأمريكيين في طابور أمام مبنى بنك الطعام الذي يوزع المنتجات الغذائية على أفقر الأمريكيين، بعد التحقق من وضعهم ومراقبتهم اللّصيقة من قِبَلِ مكاتب الخدمات الاجتماعية، وعمومًا، يعاني عشرات الملايين من الناس من الجوع سنة 2023 بالولايات المتحدة، فهل كان ذلك “رمزًا للخلل الوظيفي وعدم الكفاءة الاقتصادية المعوقة” للنظام الرأسمالي، وفق العبارات التي استخدمتها صحيفة “نيويورك تايمز “، سنة 1992، بشأن الإشتركية وبشأن الإتحاد السوفييتي؟
عندما يحدث نقص في البلدان خارج الدّول الرأسمالية المتطورة، يُعْتَبَرُ نقص الغذاء دليلاً على حدوث خلل، وعندما يحدث نفس الشيء في الولايات المتحدة، يُتَّهَمُ الفُقراء والمُسَرّحون من العمل بالكسل وبعدم التّكَيُّف، فليس النظام أو النموذج الاقتصادي الرأسمالي هو موضع التساؤل أو الإتهام، وإنما الأفراد، فيما تعتبر تحليلات أخرى إن هذا الوضع ليس نتيجة خلل هيكلي وإنما نتيجة صعوبات مؤقتة (البطالة والفقر وفقدان المَسْكن والجوع وما إلى ذلك) أما الإستنتاج فهو واحد: وجب إجبار هؤلاء الأفراد على التّأقلم والتّكَيُّف مع المُستجدّات المهنية والإقتصادية والإجتماعية الخ.
نشرت وكالة بلومبرغ يومي 7 و 23 أيار/مايو 2023 تحقيقًا مُصَوّرًا، يتضمّنُ طوابير انتظار طويلة أمام أحد بُنُوك الطعام التي تمتد لنحو ثلاثمائة متر في المتوسط، وتدعم هذه الصور تقارير بنوك الطعام عن الإرتفاع القياسي لطلبات الطعام، بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وقدر مكتب الإحصاء الإتحادي الأمريكي، أن ما يقرب من خمسة وعشرين مليون شخص قد عانوا من الجوع خلال شهر نيسان/ابريل 2023، في بلد يبلغ الناتج المحلي الإجمالي به أكثر من 25 تريليون دولار، وأفاد تقرير لشبكة سي إن إن (17 أيار/مايو 2023)، ويبدو أن برنامج المعونة الغذائية غير كاف وغير فعال، حيث يعاني الأمريكيون العاديون من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ومن السياسات الظالمة للحكومة التي تُقر خفض الضرائب على الثروات، فيما يُقرر الإحتياطي الإتحادي زيادة سعر الفائدة، بذريعة مكافحة التضخم، وأدّت هذه السياسات إلى زيادة معدّلات البطالة، وما ينتج عنها من تداعيات سلبية للغاية، منها فقدان المأوى والتشرد، وزادت وفيات المشردين بشكل مطرد، وفقًا لمجموعة “إحصاء وفيات المشردين” من 6345 سنة 2018 إلى 7877 سنة 2020 (لم أعثر على إحصائيات سنَتَيْ 2021 و 2022) وزادت وفيات المشردين بنسبة 77% في السنوات الخمس حتى العام 2020، وفقًا لمسح أجرته صحيفة “غارديان” (07 شباط/فبراير 2022)، تأسيسًا على البيانات المحلية لعشرين منطقة حضرية بالولايات المتحدة، ويُقدّر عدد الفُقراء الأمريكيين بما لا يقل عن أربعين مليون شخص معترف بهم ومسجلين في إحصاء السلطات المحلية، أو ما يُعادل 12% من العدد الإجمالي للسّكّان.
تنعكس السوق الحرة، التي ذكرتها صحيفة نيويورك تايمز في 22 كانون الثاني/يناير 1992، بالولايات المتحدة، معقل السوق الحرة، في ارتفاع أعداد المُشردين وفي طول الطوابير أمام بنوك الطعام في المناطق الحضرية، وفي التفاوت المجحف في الدّخل، حيث يستحوذ 10% من أصحاب الدخل المرتفع على قرابة نصف إجمالي الدخل، بينما ينال أدنى 50% من المواطنين حوالي 13% من الدّخل الإجمالي، بنهاية سنة 2023.
دُيُون:
تُخَصّص حكومات الدّول الفقيرة (دول “الجنوب”) مبالغ هامة لتسديد “خدمة الدّيُون” – أي أصل الدّيْن والفائدة وتوابعها من “خدمات” يفرضها الدّائنون – قُدِّرت بنحو 38% من إيرادات الدُّول وبنحو 30% من الإنفاق الحكومي لهذه الدّول، وتُخصّص 35 دولة أكثر من نصف إيراداتها العامة، وتخصص 54 دولة أكثر من ثلث إيراداتها العامة لتسديد خدمة الديون، مع تفاوت بين البلدان والأقايم، حيث تبلغ النسبة في إفريقيا 54% من الإيرادات العامة و40% من الإنفاق العام
تُعرقل الديون الإستثمار الحكومي وتمتص مُخصّصات التّنمية والإنفاق الإجتماعي، لأن خدمة الدّيون في بلدان “الجنوب” تُعادل الإنفاق الإجمالي على قطاعات التعليم والصحّة والحماية الاجتماعية والمناخ، وتتجاوزها مجتمعة بنسبة 50% في قارة أفريقيا، وتُعادل 2,5 ضِعْف الإنفاق على التعليم وأربعة أضعاف الإنفاق على الصحّة، وإحدى عشر ضِعْف الإنفاق على الحماية الاجتماعية واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة “إن الديون تُمنع تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتزاحم الإنفاق على الخدمات العامّة”.
واجهت دول “الجنوب”، سنة 2023، أسوأ أزمة ديون منذ خمسة عقود، حيث بلغ متوسط نسبة خدمة الدَّيْن 38% من الإيرادات العامة في 139 دولة ونحو 57,5% في الدول منخفضة الدخل، وتنفق دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى نحو 54% من إيراداتها على خدمة الديون، وآسيا نحو 31%، وأميركا الجنوبية ومنطقة الكاريبي نحو 31,4%، والبلدان العربية وبلدان آسيا الوُسطى نحو 30%، كما تمثل خدمة الدَّيْن حوالي 7,6% من الناتج الإجمالي العالمي و8,3% من الناتج الإجمالي للبلدان منخفضة الدخل، و8,9% من الناتج المحلّي الإجمالي للبلدان الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى، وبلغت خدمة الدَّيْن قرابة ثُلث قيمة الإنفاق العام في جميع البلدان، ونحو 40% في أفريقيا، و28% في البلدان العربية ووسط آسيا، و26,5% في أميركا الجنوبية والبحر الكاريبي، و22% في آسيا، وهي نِسَبٌ مُرْهقة، وبالخصوص للدول منخفضة الدخل، وفق البيانات التي تنشرها مؤسسات بريتن وودز، وجمعها ونَشَرها مرصد خدمة الدّيُون – Debt Service Watch – بتاريخ 10 أيلول/سبتمبر 2024
هوامش من الإجتماع السنوي للبنك العالمي وصندوق النّقد الدّولي
نَشَر البنك العالمي تقريرًا يوم الأحد 13 تشرين الأول/اكتوبر 2024، قبل أسبوع واحد من بَدْء الاجتماعات السنوية للبنك العالمي وصندوق النقد الدولي في واشنطن، يُبَيّن – هذا التقرير – بالأرقام أن أفقر 26 دولة في العالم والتي يعيش فيها 40% من أشد الناس فقرا أصبحت مثقلة بالديون وتعاني من أسوأ وضع مالي، أكثر من أي وقت مضى منذ العام 2006 وأصبحت أكثر عرضة للكوارث الطبيعية والصدمات الأخرى، وأصبحت هذه الإقتصادات أصبحت اليوم أفقر في المتوسط مما كانت عليه عشية جائحة كوفيد-19، حتى مع تعافي اقتصاد بقية دول العالم من كوفيد-19 واستئناف مسار النمو، ويؤكد التقرير “فشل الجهود الرامية إلى القضاء على الفقر المدقع”، ويسلط التقرير الضوء على “جهود البنك العالمي هذا العام ( 2024) لجمع 100 مليار دولار لتجديد المؤسسة الدّولية للتنمية” وهو صندوق التمويل لأفقر بلدان العالم، والمؤسسة الدولية للتنمية هي فرع من فروع “مجموعة البنك العالمي” ويتناسى مُعِدُّو التقرير شروط الإقتراض التي يفرضها صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي – مثل خفض الإنفاق وإلغاء دعم السّلع والخدمات الأساسية وتسريح الموظفين… – التي يُؤَدِّي تطبيقها إلى زيادة البطالة وتضخيم حجم الإقتصاد المُوازي – الذي لا حقوق فيه للعاملين ولا ضرائب للدّولة – وهشاشة الوظائف وتعميق الفَقْر…
يُشير تقرير البنك العالمي “إن أفقر 26 اقتصادا شملتها الدراسة، والتي يقل دخل الفرد فيها سنويا عن 1145 دولارا، تعتمد بشكل متزايد على مِنَحِ المؤسسة الدولية للتنمية والقروض بأسعار فائدة قريبة من الصفر مع جفاف التمويل في السوق إلى حد كبير…” وبلغ متوسط نسبة الدين في هذه الاقتصادات 72% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى مستوى له منذ 18 عاما، وتُعاني نحو 13 دولة من هذه المجموعة من ضائقة ديون أو هي معرضة لخطر كبير، وتقع معظم البلدان التي شملتها الدراسة في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا ( تشاد والكونغو والحبشة…) واليمن وبعض البلدان الآسيوية منها أفغانستان التي تحتجز الولايات المتحدة أُصُولها واحتياطياتها من العُملات الأجنبية المُودَعَة بالخارج، كما تعاني نحو 20 من هذه البلدان الفقيرة من صراعات مسلحة أو تواجه صعوبات أمْنِيّة “بسبب الهشاشة المؤسسية والاجتماعية، التي تعوق الاستثمار الأجنبي، وجميع السلع المصدرة تقريبا، مما يعرضها لدورات متكررة من الازدهار والكساد”، ويتناسى التقرير الحَظْر والعقوبات التي أقرّتها الولايات المتحدة، وكذلك شروط القُروض التي تزيد من حدّة الفقر، فضلاً عن الكوارث الطبيعية التي خَلّفت خسائر سنوية متوسطة بلغت 2% من الناتج المحلي الإجمالي لهذه البلدان، طيلة الفترة من 2011 إلى 2023، وهو ما يزيد خمسة أمثال المتوسط بين البلدان ذات الدخل المتوسط المنخفض…
حُدُود الحركة النِّسْوية البرجوازية
تُعتَبَرُ المُساواة الكاملة بين أفراد المجتمع حَقًّا للجميع، غير إن بعض الشعارات قد تُسِيء إلى مبادئ العدالة والمُساواة، مثل شعار المزيد من النّساء في أعلى هرم السّلطة الإقتصادية أو السياسية أو غيرها.
يتم تقديم تأنيث المناصب الإدارية كإجراء تقدمي، ومع ذلك، لم يَعُد ممثلو الشرائح الأشدَّ رجْعِيَّةً يجرؤون على القول بأنهم ضده، إلا أن هذا التأنيث يؤدي أحيانًا إلى نتائج مخيبة للآمال، حيث أن الإشراف على شركة أو إدارتها تتم على أساس تطبيق القواعد والثقافة والمنطق الرأسمالي للسلطة، بغض النظر عن جنس القادة.
في فرنسا، أنشأت النسويات من الطبقة المتوسطة “شبكات أعمال نسائية” واستثمرن في المجالات التنظيمية والسياسية، لتسهيل وصول المديرات التنفيذيات إلى مناصب النخبة الاقتصادية، وبحكم انتماء هؤلاء النسويات إلى الطبقة الوُسْطى فلَهُنَّ تأثير في وسائل الإعلام وفي الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، مما يتيح لهن فَرْضَ موضوع عدم المساواة في الهيئات الحاكمة ومواقع السلطة في المجتمع، للنقاش في الفضاء العام وفي البرلمان، لكن مُدِيرِي الشركات، سواء كانوا رجالا أو نساء، يُطبّقون نفس المنطق الرأسمالي، مثل خفض التكاليف وزيادة الربحية وزيادة إنتاجية العمال، ولذلك فإن مبادرات الشبكات النسائية فيما يتعلق بالمساواة، وزيادة عدد النساء في مناصب السلطة، تخفي ديناميكيات تعيد إنتاج نفس النظام الاجتماعي وعدم المساواة التي تدعي هذه الشبكات مُكافحتها، فضلاً عن اقتصار هذا المنهج على الكَم، ويُهمل صغار الموظفين والعُمال (نساءً ورجالاً) الذي يُعانون بالفعل من عدم المُساواة ويتم استبعادهم من هذا النضال الفِئَوِي (النِّسْوِي) من أجل الإرتقاء في درجات السُّلّم الإجتماعي، بفعل وُجُود عقبات هيكلية تؤدي إلى عدم المساواة في الوصول إلى مناصب السلطة والقرار، وتحدد هذه العقبات أجور ووضع الموظفين، رجالا ونساء.
يتم تحفيز إجراءات تأنيث الوظائف والمواقع والمناصب الإدارية بمنطق الأداء المالي، على افتراض أن التنوع بين الجنسين يحسن الأداء العام للشركة، ويجلب أفكارًا جديدة ويعزز الإنتاجية، ولذلك فمن الضروري – وفق هذا المنطق الرأسمالي – تعزيز دور المرأة بصفتها “مُكملة للرجل”، فهي مصدر لاقتراحات ومناهج وطرق جديدة أكثر إثمارا وأكثر ثراء”، من شأنها تحسين الأداء المالي للمؤسسات وتحسين العلاقات مع الأسواق ومع العالم الخارجي، وبذلك تُصْبِحُ المساواة مسألة ربحية، وعلى النساء يجب أن يثبتن فائدتهن في ظل نظام تهيمن عليه المعايير الاقتصادية، التي غالبا ما يحددها الرجال لخدمة مصالحهم كفئة مُسيْطرة، ولا يتم قبول النساء في هذا “النّادي” الضّيّق، إلا إذا كان ذلك يخدم مصالح رأس المال. أما التدريب المقدم للنساء لتمكينهن من الوصول إلى المناصب الإدارية العُليا فهو لا يشكك ولا يُعيد النّظر في الهياكل الرأسمالية أو الهياكل الأبوية، بل يعززها، بإدماج النّساء في دائرة المُشرفين على الإستغلال…
إن أنظمة التأنيث، كما يتم طَرْحُها من قِبل معظم النّسويات، تخلق أوهام التّطور والتقدم بينما تعيد هذه الطّروحات إنتاج نفس أنماط عدم المساواة، مع توسيع قاعدة المُشرفين على الإستغلال والإضطهاد، لأن هذه التدابير ليست كافية لكسر الهياكل الرأسمالية والأبوية التي تديم عدم المساواة، ومن الضروري إعادة التفكير بشكل أساسي في نمط الإنتاج وأهداف العمل وتحسين ظروف عمل اللعاملين، وهذا يتطلب نقد العلاقات الرأسمالية والمعايير الجنسانية (رجال / نساء) السائدة في المجتمع، والتفكير في بدائل لها…
في مجال السياسة، بلغَت النساء (بالإنتخاب أو بالتّعْيِين) أعلى المناصب، ولكن الوضع لم يتغير بمجرد وجود امرأة على رأس حكومة أو دولة، إذا كانت النساء من نفس طبقة الحاكم السابق أو اللاحق…
أوروبا، إعادة هيكلة صناعة الأسلحة
قبل حوالي عشر سنوات، لما كانت أرسولا فون دير لاين تشغل منصب وزيرة الحرب في ألمانيا، اندمجت المجموعة الفرنسية “جيات” ((GIAT أو نكستير Nexter سابقًا، مع المجموعة الألمانية Krauss-Maffei-Wegmann (KMW)، لإنشاء مجموعة أوروبية لصناعة الأسلحة تكون قادرة على توسيع حصة أوروبا في سوق الأسلحة الدولية، ولمّا أصبحت وزيرة الحرب الألمانية السابقة رئيسةً للمفوضية الأوروبية، تلاشت تلك الرغبة في استقلال أوروبا الدّفاعي وفي منافسة الإمبريالية الأمريكية، بل أصبح حلف شمال الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة يُمْلِي السياسة الدّفاعية الأوروبية، ويُشرف على إعادة هيكلة الصناعات الحربية بما يتماشى حصريًّا مع المصالح الأمريكية…
حضرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مؤتمرًا مخصصًا للأمن في براغ ( تشيكيا) يومي 31 آب/أغسطس و 01 أيلول/سبتمبر 2024 وأعلنت “ضرورة تخصيص استثمارات كبيرة وإعادة هيكلة صناعة الأسلحة الأوروبية لتكون قادرة على الإنتاج الدفاعي على نطاق القارة “، ليكون الإتحاد الأوروبي قادرًا على “مواجهة التهديدات من خلال موارده الخاصة لكن بقيادة حلف شمال الأطلسي” وأعلنت رغبتها في “تعيين مفوض أوروبي لشؤون الدفاع كخطوة نحو أوروبا الدفاعية” المدمجة في الكتلة الإمبريالية الأوروبية الأطلسية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة من خلال حلف شمال الأطلسي الذي يبدو إنه عيّن ألمانيا وكيلةً له في أوروبا، يدعمها رأس المال الألماني الذي يستغل العمالة الماهرة لأوروبا الوسطى والبنية التحتية للصناعات العسكرية في بعض بلدان أوروبا الشرقية وكذلك في إيطاليا وفرنسا، بهدف “تحديث المنظومة الدّفاعية” الأوروبية لمواجهة روسيا وحلفائها، وتعتبر هذه العملية امتدادًا للحرب في أوكرانيا، أو تمديدًا للصراع لتبرير زيادة الإنفاق العسكري الذي أمرت به الولايات المتحدة، منذ رئاسة باراك أوباما، في إطار تعزيز القُدُرات التّدميرية لحلف شمال الأطلسي.
الإنحدار البطيء للدّولار، أو حدود إلغاء “الدَّوْلَرَة”
كان قرار أوروبا والولايات المتحدة سرقة الأُصُول الروسية وتحويلها إلى نظام أوكرانيا القطرة التي أفاضت كأس المصارف المركزية التي سَرّعت عملية التخلص من دولاراتها لشراء المزيد من الذهب الذي ارتفع سعره في بداية شهر أيلول/سبتمبر 2024، إلى أكثر من 2500 دولار للأونصة، ولم تقتصر عملية شراء الذّهب على الدّول التي تُهَدّدُها الإمبريالية الأمريكية بل شملت السعودية – التي انطلقت منها عملية تعزيز دور الدّولار سنة 1974 ( بعد “حرب النّفط” ) بتقويم سعر برميل النفط بالدّولار بشكل حَصْرِي (أو ما سُمِي البترودولار)، وتبعته أسعار المواد الأولية الأخرى، وبعد خمسة عقود أصبحت السعودية تبيع النفط بالعملة المحلية وترفع مخزونها من الذّهب، على حساب الدّولار، وقُدِّر حجم احتياطي السعودية من الذّهب بنحو 323 طنا، وقُدِّرت مُشتريات “مؤسسة النقد العربي السعودي” ( وهو مصرف مركزي وصندوق سيادي في نفس الوقت) بحوالي 160 طنا من الذهب من سويسرا، بين سنتي 2022 و منتصف سنة 2024، ولا يمكن تأكيد حجم عمليات شراء الذّهب من قِبَل المصارف المركزية لأنها غَيْر مُضَمّنة في إحصاءات التجارة الدولية التي تكتفي بالإشارة إلى الذهب الذي تشتريه الشركات والأفراد، وما هذه الشركات والأفراد سوى غطاء – في معظم الأحيان – للمصارف المركزية…
انخفضت قيمة الدولار الأمريكي مقابل الذهب ولكنها ارتفعت مقابل العملات الورقية الأخرى، بنسبة 40 في المائة تقريباً منذ أدنى مستوى لها سنة 2011، ويعد هذا الارتفاع علامةً واضحةً على أن حجم شراء الدولار يفوق حجم مبيعاته في السوق العالمية، ولا يزال الدّولار يُمثل نحو 88% من إجمالي المعاملات النّقدية الدّولية و54% من حجم احتياطيات النّقد الأجنبي بالمصارف المركزية ( يُمثل اليورو، ثاني عُملة احتياط في المصارف المركزية 19% فقط)، رغم زيادة تنوع العملات، وقد يستغرق الإنحدار البطيء للدّولار عدّة عُقُود…
الصّحّة تجارة مُرْبِحَة:
قبل ستة أشهر، بدأت شركة الأدوية البريطانية GSK (GlaxoSmithKline) معركة قانونية ضد شركة Pfizer بشأن براءة اختراع لقاح “كوفيد”، وهي الآن تطلق معركة أخرى مماثلة ضد شركة Moderna لنفس السبب، كما رفعت شركة موديرنا أيضًا دعوى قضائية ضد شركة فايزر بسبب براءة اختراع (mRNA ) ضمن معركة واسعة جوهرها تقاسم سوق اللقاحات العالمية التي بلغ حجمها 72 مليار لقاح سنة 2021 و100 مليار سنة 2022، وتتهم شركة “غلاكسو سميث كلاين” شركةَ “موديرنا” بانتهاك العديد من براءات الاختراع الخاصة بها في تصميم لقاحات mRNA الخاصة بها ضد فيروس كورونا والفيروس المخلوي التنفسي، ويُتوقع أن يتزايد حجم النزاعات بين شركات الأدوية متعددة الجنسيات بسبب إعلان عودة انتشار أشكال جديدة من وباء “كوفيد”، وحث مواطني الدّول الغنية على التّلقيح…
بالعودة إلى قضية الحال، بدأت المحاكمة في ولاية ديلاوير الأمريكية، للنظر في استخدام شركة موديرنا تقنيات تركيبة الدهون بدون ترخيص من شركة غلاكسو سميث كلاين التي سَجّلتها كبراءة اختراع خاصة بها، وتعتبر هذه التقنيات ضرورية لاستقرار لقاحات mRNA، بما في ذلك المنتجات الرئيسية مثل Spikevax، ولقاح Moderna، وmRESVIA، وهو لقاح الفيروس المخلوي التنفسي الذي تمت الموافقة عليه مؤخرًا، واستخدمت شركة موديرنا الجسيمات النانوية الدهنية في تصنيع كلا الحقنتين…
اشترت شركة غلاكسو سميث كلاين (GSK ) سنة 2015، جزءًا كبيرًا من أعمال اللقاحات الخاصة بشركة Novartis وطوّرت البحوث ونشرت نتائج ما توصّلت إليه، ومن ضمنها الصعوبات حماية اللقاح – الذي يتحلل بسرعة – منذ لحظة التحضير والصياغة والتخزين والتداول والإدارة وحتى داخل الجسم بعد الحقن، وبعد فترة طويلة من نَشْر أبحاث غلاكسو سميث كلاين بدأت شركة Moderna البحث عن حلول لتغليف الدهون وتوصيل لقاحات mRNA ، وهي مُتّهمة بسرقة المعرفة التقنية (الملْكية الفكرية) لشركة (GSK ) المتعلقة باستخدام لقاحات mRNA من خلال توظيف العديد من موظفي Novartis و GSK السابقين، كما رفعت شركة غلاكسو سميث كلاين دعوى قضائية ضد شركة فايزر منذ شهر نيسان/ابريل 2024، بسبب لقاح “كوفيد” ودعوى أخرى خلال شهر آب/أغسطس 2024، بسبب اللقاحات ضد الفيروس المخلوي التنفسي، ولا سيما Arexvy وAbrysvo، والتي تم تطويرها باستخدام تقنيات حاصلة على براءة اختراع من قبل غلاكسو سميث كلاين (GSK ).
أما جوهر الخلاف فهو تجاري ومالي، حيث يُتوقّع أن يَدُرَّ لقاح الفيروس المخلوي التنفسي أكثر من عشْر مليارات دولار للمُصَنِّعِين. وفيما يتعلق بلقاحات mRNA ضد «كوفيد»، ورغم تراجع المبيعات سنة 2023، حققت شركة موديرنا إيرادات بقيمة 6,7 مليارات دولار من لقاحها سبايكفاكس، وحصلت شركة فايزر على 11,2 مليار دولار من لقاح كومينارتي، وغاب عن هذه المعركة المواطن الذي أجبرته العديد من الحكومات على التلقيح، دون نشر أخبار موثوقة عن اللقاح وعن “التأثيرات الجانبية” المُحتمَلَة…