كيف «يتحايلون» على العيش في غزة؟ / سما حسن




سما حسن ( فلسطين ) – الخميس 7/11/2024 م …

قالت لي صديقة شابة استقر بها الحال في خيمة إلى الغرب من مدينة دير البلح بعد نزوحها من بلدة القرارة، إنها لا تستطيع تناول المعلبات على رداءة صنعها وتخزينها بسبب إصابتها بجرثومة المعدة، ولكنها تتحايل لكي تعيش مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الأسواق مع قلتها، وإنها قد قامت بزراعة قطعة ارض لا يزيد عرضها على نصف المتر على امتداد الخيمة من الخارج وقد زرعت بها البقدونس والنعنع والجرجير وفيما تفتق ذهنها عن زراعة حوض صغير من البطاطا وحيث تركت حبة بطاطا واحدة فترة طويلة معرضة للهواء الجاف داخل الخيمة حتى تكونت فوق قشرتها بعض الدرنات فقامت بقطعها بالسكين ثم غرسها في التربة المحيطة بخيمتها والتي شكلتها على شكل حوض صغير وتركتها عدة أيام حتى فوجئت بها تنمو كشجرة قصيرة فوق سطح الأرض وبعد أيام كثيرة لم تحاول عدها فالأيام تشبه بعضها كما تقول حفرت الأرض تحت تلك الشجيرات قليلا بأصابعها ففوجئت ببضع حبات من البطاطا الطازجة ذات القشرة اللامعة.
تقول صديقتي، إنها قد فرحت أيما فرحة حين اصبح لديها بضع حبات من البطاطا والتي قامت بسلقها في وعاء به القليل من الماء فوق النار التي تشعلها أمام الخيمة وتقوم بواسطتها بإعداد بعض أرغفة الخبز وحيث تضع قطعة من المعدن الرقيق المعروف بالصفيح فوق النار ثم تضع الأرغفة واحدا واحدا ولا تتركه كثيرا لكي لا يحترق حيث تقوم بتقليبه على وجهيه، ثم تكمل خبز ما تبقى لديها من أرغفة قليلة تغطيها بقطعة قماش قطنية، وتضعها في صندوق من الكرتون قامت بثقب جوانبه العلوية وربطها بحبال قصيرة لكي تعلقها في النهاية في سقف الخيمة ولكي تكون أرغفتها بعيدة عن ايدي الصغار وعن الحشرات والقوارض التي تمتلئ بها الخيام. وأردفت ضاحكة، إن الفئران قد اعتادت على قرض أطراف أصابعها كل ليلة وهي لا تجد وسيلة للهرب.
تخبرني صديقتي أنها لم تترك طريقة لكي تتحايل على العيش إلا وقد جربتها وقد كانت سابقا تسكن في منطقة زراعية تعمل في تربية عدد من رؤوس الأغنام والخراف وتستفيد من كل شيء يخصها ولا تترك شيئا يعرف طريقه إلى القمامة، فاشتهرت بصنع الألبان والأجبان والسمن البلدي، وكذلك الخيوط الصوفية التي تصنعها من صوف الخراف ورغم أن العمل يكون مرهقا إلا انه يكون ممتعا كما تقول ولأن الحياة التي كانت تعيشها صعبة فهي مسؤولة عن تربية إخوتها الصغار بعد وفاة والديها فاليوم هي اكثر صعوبة وعليها أن تفكر كل لحظة كيف تتحايل على العيش، خاصة حين يطلب احد إخوتها صنفا من الحلوى فهنا تحضر رغيفا وتحشوه ببعض السكر ثم تقوم بوضعه فوق النار وتقلبه بسرعة ثم تضعه أمام الصغير وهو ساخن لكي يسيل منه السكر على شكل سائل ويشعر الطفل بحلاوة الرغيف ويأكل منه وفي حال توفر لديها بعض السمن أو الزيت فهي ترشه فوق الرغيف لكي يشعر الصغير بالشبع وينام مدة طويلة فلا يعاود طلب الطعام سريعا.
وتخبرني صديقتي أنها تصنع الفلافل من العدس لأن الفول والحمص لا يتوافران وفي حال توافرهما فهما يباعان بأسعار عالية، فتقوم بنقع العدس وحين يتضاعف حجم حباته تقوم بدقها جيدا بواسطة الهاون المخصص لدق الثوم ثم تضيف إلى العدس الذي اصبح يشبه العجينة بعض البقدونس التي تقطعها ناعما وتخلطهما جيدا حتى إذا ما أصبحت العجينة قابلة للتشكيل على شكل أقراص صغيرة مع إضافة بعض الطحين إليها، فتقوم بقليها في زيت القلي الذي سخنته جيدا فوق نار الحطب وهكذا يصبح أمام الصغار عدة أقراص من الفلافل.
تقول صديقتي من خلال حوار طويل عبر موقع التواصل الاجتماعي» فيسبوك»، إنها لو لم تتحايل على العيش مثلما يفعل معظم الناس حولها لكانوا قد ماتوا جوعا منذ زمن ورغم أن إعداد أي شيء يكون متعبا فإن التفكير باختراع أشياء جديدة أو طرق جديدة لبدائل أصبحت شحيحة هو الأكثر تعبا ولكنها تشعر بداخلها بالقهر لأنها لا تقدم لنفسها أو لإخوتها الصغار وجبات مغذية فعلا ولذلك لا تتوقف أن تقول لي بكل ألم: «هينا بنتحايل على العيشة».

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

ثلاثة × 5 =