وحدة .. استقلال .. نهضة / مجدى حسين

 




مجدى حسين ( مصر ) – الخميس 7/11/2024 م …

إن مصر فى كرب شديد .. هبطت إلى قاع لم تصل إليه من قبل .. وقد أرحنا الحاكم من هذا الجدل حين وصف حال مصر الآن بمرحلة كارثة الهزيمة فى 1967 .. هذه الكارثة التى تسمى نكسة للتخفيف هى أعظم كارثة مرت بمصر فى العصر الحديث حيث أننا لا نزال نعانى من ويلاتها حتى الآن أى بعد 57 عاما ، فالقدس لا تزال تحت الاحتلال وكل الضفة الغربية وغزة رغم أنها تحررت عام 2005 ولكن ظلت تحت الحصار ، والجولان لا تزال محتلة ، ونحن استعدنا سيناء مقيدة التسليح والتعمير والسيادة وفى المقابل استولى الأمريكان على مصر من الداخل فى شئوننا الاقتصادية والعسكرية وسياستنا الخارجية وأصبحنا تحت الانتداب الامريكى . أما من الناحية الاقتصادية فقد كنا عام 1967 أحسن من الآن بكثير ولم نكن نعانى من أزمات تموينية أو غلاء أو نقص فى السلع أو غرق فى الديون أو انخفاض فى العملة الوطنية أو اعتماد غير عادى على الاستيراد أو بطالة .. وكنا أحسن من حالنا الآن فى التعليم والأخلاق والعلاقات الاجتماعية . وكانت علاقاتنا بالبلاد العربية والاسلامية والافريقية والآسيوية أفضل من الآن . لم أكن أنوى الدخول من هذا المدخل الضيق : المقارنة بين 2024 و1967 ، ولكن تصريح الحاكم كان مغريا لى من زاوية واحدة انه قصر المسافات لأدخل فى الموضوع مباشرة ، فالحاكم هو صاحب المصلحة الأول ليقول إن كل شىء على مايرام أو يتجه للتحسن أو ليس فى الإمكان أفضل مما كان الخ . وقد قال ذلك من قبل مرارا ولكنه الآن يقول لنا إننا نعيش فى كارثة أشبه بهزيمة 1967 .

تشخيص الأزمة التى نحن فيها

منذ وقف إطلاق النار فى حرب أكتوبر قام الرئيس السادات بإرساء علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة كوسيلة لاستعادة أراضى سيناء المحتلة وهى المساحة الغالبة . وأيضا الاعتماد على الولايات المتحدة بالدعم الاقتصادى .. وأيضا بالتسليح .. وأيضا بحماية أمن الرئاسة . كان هذا خيار السادات وانحازت له السلطة السياسية والعسكرية بالتدريج . حتى ان جميع الطاقم السياسى المصاحب للسادات فى الولايات المتحدة لم يكن موافقا على كامب ديفيد بالشروط الواردة فيها . ولكن لم يستقل إلا ابرهيم كامل وزير الخارجية .

مصر بعد لقاء السادات كيسنجر فى أواخر 1973 حتى الآن قطعت أشواطا بعيدة فى التبعية على مدار 51 عاما حتى أصبحت الولايات المتحدة مشرفة على مختلف مناحى الحياة الاقتصادية والسياسية والعسكرية وكانت تحدث بعض الخلافات فى التفاصيل والمعدلات ، ولكن ظلت المشكلة الأهم فى مجال الحريات حيث ظلت الولايات المتحدة تطالب بهوامش للحريات خاصة للتابعين لها لتحسين صورة البلد الصديق ، كما تسمح بتعدد الأحزاب وبعض الحريات فى المغرب والأردن ، ولكن حكام مصر المتعاقبين ما كانوا يسمحوا بالتدخل الأمريكى فى مجال النشاط السياسى لأنه يتصل بإمكانية التدخل لتغيير الحاكم الصديق عندما يرون أن مهمته قد انتهت ، كما فعلوا مع مبارك وبن على وغيرهما .

ما يهمنا هنا القول إن كل مشكلات مصر الأساسية والمتفاقمة تعود لهذه السيط..رة الأمري..كية مع التحالف الاقليم..ى والعالم..ى المعروف .

هذا الحلف مستعد دوما للتنازل عما يدعيه عن الديموقراطية ، ولكنه لا يتنازل عن الأطماع الاستعمارية والتوسعية وحرب الإب..ادة ضد الأشقاء . ولا يتنازل عن نهب الثروات البترولية والذهبية وكل المعادن النفيسة والنادرة . ولا يتنازل عن الموقع الاستراتيجى لمصر والمشرق العربى المتوسط ، فقد أجمع الاستراتيجيون وكبار الساسة فى العالم على أن هذا الموقع المتوسط هو الذى يربط مشارق الأرض ومغاربها ، ثم جاء فيه البترول فزاده أهمية . عندما يدخل أى رئيس أمريكى جديد للبيت الأبيض فعليه أن يطلع على كتاب قديم كتب فى عهد الرئيس ويلسون يحدد مبادىء السياسة الخارجية الأمريكية ومنها : ضرورة السيطرة على مصر ، لأن من يسيطر على مصر يسيطر على الشرق الأوسط ومن يسيطر على الشرق الأوسط يسيطر على العالم . القوى العظمى توارثت هذا المبدأ وحتى الآن منذ الاسكندر والبطالمة والامبراطورية الرومانية حتى فرنسا وانجلترا فى القرن التاسع عشر ونذكر كيف تصارعا معا حول مصر بالذات وتقاسما النفوذ بيسر أكثر فى باقى مناطق العالم .. حتى الصراع المرير بين الاتحاد السوفيتى وأمريكا والآن بين روسيا والصين من ناحية وأمريكا من ناحية أخرى .

لذلك نحن سكان هذه المنطقة المركزية فى العالم لابد أن نعى هذه الحقيقة ، وها أنتم ترون العالم نسى تايوان وأوكرانيا وكل شىء ومشغول بغ..ز ة والشرق المتوسط . وعندما نعى هذه الحقيقة فلابد أن يترتب على ذلك الوعى بقضية الاستقلال لأنك مستهدف وكل قوة عظمى تريد أن تجعلك مركوبا فى قدمها . والوعى بقضية الاستقلال لابد أن يفضى إلى إمتلاك أسباب القوة لصون هذا الاستقلال والدفاع عنه وإلا ستتحول إلى أمة مسخ بين الأمم . وأهم أسباب القوة الآن هى القوة العسكرية المستندة للتطور التكنولوجى ، والقوة الاقتصادية المستقلة ، من خلال الاكتفاء الذاتى خاصة فى الضروريات ومن خلال التعاون مع الأشقاء الحقيقيين .. العرب والمسلمين والأصدقاء الموثوق فيهم فى آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية والمقصود الدول المتحررة من الهيمنة الخارجية وهم فى تزايد مستمر فى هذه الآونة .

إن جل أزماتنا الداخلية تعود بالأساس إلى التبعية , إن قرارنا ليس فى أيدينا فى السياسة.. فى الاقتصاد بكل فروعه . فى التعليم والبحث العلمى . حتى أصبحت تروى ببراءة قصة منع الفريق طنطاوى أهل الساحل الشمالى من مواصلة زراعة القمح على الأمطار لأن يوسف والى وزير الزراعة رفض ذلك . وكانت هذه تعليمات أمريكا . ورويت أنا قصة اعتراض نائب الرئيس الأمريكى آل جور على زراعة القمح فى توشكى ! نقلا عن وزير الرى السابق .

إن التبعية لا تتوقف على إتباع أمريكا فى السياسة الخارجية بل فى تفاصيل حياتنا الاقتصادية كمسألة ماذا نزرع ؟ ولكن لابد أن نبدأ بالسياسة الخارجية لأنها تشمل سياستنا العربية ، ولا حياة لمصر ولا تقدم ولا ازدهار بدون علاقات وثيقة مع الجيران فما بالكم وهم أشقاء من نفس القومية ويتحدثون العربية ولهم نفس الدين الاسلام والمسيحية الشرقية ولهم نفس التاريخ والمصالح المشتركة ووحدة المصير كما علمونا فى المدرسة زمان .

فى حقبة كامب ديفيد كانت سياسة مصر ولا تزال تعلى من شأن العلاقات المثلثة لكامب ديفيد وغرب أوروبا . وقد رمز لذلك أن الرئيس مبارك زار خلال فترة حكمه فرنسا وألمانيا 45 مرة تقريبا لكل منهما. وربما زار السودان مرة أو مرتين . وقد كتبت مرة إن السودان أهم لمصر اقتصاديا واستراتيجيا من فرنسا وايطاليا ، لأن المسألة مسألة انتاج زراعى وصناعى وتعدينى وليس مسألة استيراد . قد نذهب للغرب لاقتناص المعرفة كما فعلت اليابان والصين ومصر محمد على ولكن لبناء الصناعة الوطنية ، ولا نرسل مندوبين للاستيراد أو للعمل كوكلاء عند الشركات الكبرى. ولا نصدر المواد الأولية بل نصنعها .

سأفصل فى كل هذه الأمور إن شاء الله . ولكن أنتم تشاهدون الآن مصر فى أعلى مراحل التبعية ، وهم يفعلون بمصر ما لم يفعلوه فى أفقر وأضعف بلد افريقى ، وذلك لأهمية مصر ، فهى لابد أن تفكك . ويسلب منها كل شىء وتصبح مجرد شىء . ولكن المهم أن يسيطروا على الموقع الاستراتيجى والثروات فى باطن الأرض وما تبقى من 100 مليون مستهلك . ما يفعله الصندوق فينا لا يحتاج لأى مجهود لتفهم ماذا تفعل التبعية فى مراحلها العليا . لقد كان بيع رأس الحكمة شرطا للحصول على قرض الصندوق . كما أن الصندوق عين الامارات والسعودية كمسئولين عن مصر وتم تعيين شركة أجنبية لتنفيذ عمليات بيع الأصول .وكل هذا مكتوب ويقال ومنشور على الانترنت . وأنت تقول ان مصاصى الدماء هؤلاء وقتلة النساء والأطفال هم الذين ينقذون مصر . لا إنهم ينهبون مصر .

لابد أن يبدأ الحل من أعلى : من اتفاقية كامب ديفيد التى تحولت إلى دستور أعلى للبلاد . يمنعنا من انقاذ الأطفال الخدج ، ويفرض علينا فتح القناة لمدمرات اسرائيل ولأن التطبيع إجبارى فلابد أن نصدر لهم وأن نرسل لهم المتفجرات من حين لآخر .

بداية الاصلاح تبدأ بحركة شعبية تطالب بإلغاء كامب ديفيد باعتبارها أم الكبائر التى أوصلتنا إلى هذا الحضيض . والحوار مستمر إن شاء الله .

وحدة .. استقلال .. نهضة

أعنى توحيد المصريين فى جبهة واحدة لمواجهة التدخل الأجنبى فى شئوننا .. وهذا يؤدى إلى عملية نضالية تنتزع استقلال الوطن السياسى والاقتصادى .. ثم ننتقل إلى الانطلاق فى نهضة حضارية شاملة بالتعاون مع مختلف الأشقاء العرب والمسلمين ودار العهد .

التوحيد يبدأ بالتجمع حول عريضة تطالب بإلغاء كامب ديفيد.

 

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

ثمانية عشر + عشرين =