دلالات أحداث أمستردام / سماك العبوشي

سماك العبوشي ( العراق ) – السبت 9/11/2024 م …

في خضم تواصل العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة وجنوب لبنان، وفي ظل شعورنا – نحن العرب والمسلمين – بالخزي والمهانة والخيبة لتخاذل أنظمتنا العربية والإسلامية وعدم نصرتهم لأبناء غزة، وتركهم لوحدهم يلقون مصيرهم من قتل وجوع وعطش ونزوح وتهجير تارة لشمال القطاع، وأخرى لوسطه ثم لجنوبه، وهكذا دواليك، فإذا بخبر يأتينا عبر القنوات الفضائية يُثلج لنا صدورنا، ويُزيح عنا قليلا من هَم ما عشناه ونعيشه منذ عام ونيف، حيث طالعتنا الأنباء عن مواجهة عظيمة تضمنت عمليات كر وفر وسحل حدثت في أمستردام بهولندا، قام بها الاحرار والصناديد الشرفاء الأباة من جموع الشباب العربي والمسلم من الجالية المغربية المقيمة في هولندا ضد مشجعي نادي “مكابي تل أبيب” الرياضي!!




لا أخفيكم حقيقة سعادتي الغامرة وانتشائي وأنا أقرأ تقارير ما حدث، وما شاهدته من مقاطع فيديوية نشرت عبر اليوتيوب لقطعان مشجعي الفريق الإسرائيلي وهم يهرولون ويسرعون الخطى هربا وذعرا، ويتصارخون هلعا نتيجة ملاحقة أشقائنا العرب لهم، فكانوا كما الفئران تبحث عن مخبأ تلوذ به!!.

وخلاصة ما حدث، ولمن لم يطلع على حقيقة ما جرى، وأسبابها، فإن مباراة كروية كانت قد أقيمت ضمن الدوري الأوروبي ليلة الخميس على الجمعة بين فريقي نادي “مكابي تل أبيب” وفريق نادي “أياكس أمستردام“، في العاصمة الهولندية أمستردام، وانتهت المباراة بفوز أياكس أمستردام بـ 5 أهداف مقابل لا شيء للنادي الاسرائيلي، وعلى إثر تلك الخسارة الكبيرة فقد انطلقت أعمال عنف في شوارع العاصمة الهولندية من قبل مشجعي النادي الاسرائيلي، وكشفت تقارير صحفية عن إصابة عدد من “الإسرائيليين” في أمستردام إثر قيامهم بتمزيق العلم الفلسطيني وإثارتهم للمشاكل والاعتداء على ممتلكات ومنازل الهولنديين، كما وهتف الإسرائيليون في البداية: «الموت للعرب، سوف ننتصر عليكم»، كما أن مصادر هولندية كانت قد أكدت أن بداية أعمال العنف كانت من قبَل مشجعي الفريق الإسرائيلي الذين رفضوا الوقوف دقيقة حداد على أرواح ضحايا فيضانات إسبانيا؛ بسبب اعتراف الأخيرة بدولة فلسطين ووقف تصدير الأسلحة لدولة الاحتلال الإسرائيلي!!.

لقد تسببت تجاوزات مشجعي فريق نادي “مكابي تل أبيب” الإسرائيلي وهتافاتهم في إثارة غضب مشجعي فريق أياكس أمستردام الهولندي، وإثارة أعمال الشغب والعنف والتي انتهت بـ”علقة ساخنة” لمشجعي الفريق الإسرائيلي كما تناقلت الأنباء العالمية، كما وأقدم بعض الإسرائيليين على نزع العلم الفلسطيني من على واجهات عدد من المنازل، في وسط المدينة وتمزيقه دونما سبب، هذا كما ورددت قطعان المشجعين الإسرائيليين عبارات مستفزة تفتخر بقيام الجيش الإسرائيلي بتدمير المدارس وقتل الأطفال في غزة، كل ذلك كان سببا لتأجيج مشاعر الغضب وبداية أعمال العنف!!

وإزاء ما جرى في أمستردام والتي كان طرفها الرئيس والمسبب لها هم قطعان الإسرائيليين الذين ذهبوا لتشجيع فريقهم الكروي فتصرفوا بذات العنجهية والغطرسة والعدائية التي يمارسها جيشهم المحتل في غزة ولبنان، فإنني أتساءل:

ما دلالات تلك الواقعة البطولية والرائعة التي أذاق فيها شبان المغرب العربي لقطعان المشجعين الإسرائيليين شتى صنوف وألوان المهانة والذل!!

والاجابة على تساؤلي هذا يكمن في النقاط التالية:

1- أن ما حصل في العاصمة أمستردام إنما هو انعكاس طبيعي للممارسات البشعة التي قام بها الجيش الإسرائيلي في غزة من إبادة جماعية، وتدمير ممنهج لمبانيها ومستشفياتها وجوامعها وكنائسها، مما أجج العداء لإسرائيل ولليهود في العالم، كما وضاعف من حجم الكراهية ضدهم، في ظل تقاعس وفشل وعجز دولي لإيقاف تلك المجازر الوحشية هناك رغم مرور عام كامل ويزيد على بدئها!!

2- إن ما جرى في أمستردام إنما هو مؤشر كبير وعظيم على ما يكنه الشعب العربي والمسلم في قلبه من ضغينة وحقد ضد دولة الاحتلال التي مارست البطش والتنكيل والابادة الجماعية بحق شعبنا الفلسطيني في غزة طوال عام كامل!!

3- إن ما مارسه أبناؤنا وأشقاؤنا العرب في هولندا إنما هو ردة فعل طبيعية كبيرة منهم إزاء حجم الخذلان والإحباط الذي يشعرون به تجاه أنظمة العهر والانحطاط العربي والإسلامي التي ارتضى بعضها أن يقف على الحياد دون أن يحرك ساكنا باستثناء بعض التصريحات الخجولة التي لا تسمن ولا تغني من جوع إزاء ما يجري في غزة، فيما قام البعض الآخر من هذه الأنظمة ودونما خجل ولا وجل ولا احترام لمشاعر مواطنيها بمساندة دولة الاحتلال وتأمين متطلبات معيشة قطعانها، حتى وصل الأمر بأحد هذه الأنظمة مؤخرا لتسهيل مرور سفينة  سلاح وعتاد عبر موانئه وممراته المائية، وبالتالي دخولها بمنتهى اليسر الى موانئ العدو الإسرائيلي لتواصل انتهاك جرائم الإبادة الجماعية في غزة، والعدوان على جنوب لبنان، مما يعني مشاركة فاعلة لهذا النظام العربي في سفك دماء أبناء غزة وجنوب لبنان!!   

4- ما جرى كان مؤشرا كبيرا على أن الإسرائيلي لا ولن يتغير، وأنه يرى نفسه فوق الجميع وسيد الجميع، وأنه مصان من المساءلة والمحاسبة، رغم فساده وإفساده ومشاكسته وامتلاء قلبه حقدا وغطرسة ووحشية قل نظيرها بين أمم الأرض، كما وأنه فوضوي بطبعه، ولا يحترم الدولة المضيفة ولا يراعي أمنها ولا يحترم قوانينها، والدليل على ذلك رفض مشجعي نادي “مكابي تل أبيب” الرياضي الامتثال لطلب الوقوف حدادا على أرواح ضحايا فيضانات إسبانيا، وعمد الى الغناء والتهريج وإطلاق الألعاب النارية أثناء وقوف باقي الحضور في الملعب صامتين احتراما لضحايا إسبانيا!!

وفي المقابل، وكعادة الحكومة الإسرائيلية في تحريف الحقائق وتشويه الوقائع، وإضفاء صورة الضحية البريئة على قطعانها، فقد راح المسؤولون الإسرائيليون كعادتهم يرددون ويعزفون ذات الأسطوانة المشروخة الممجوجة (معاداة السامية) والتي لطالما صدعوا رؤوسنا بها، وسعوا للتذكير بأن ما جرى في أمستردام أقرب لأن يكون شبيها كتلك التي جرت على اليهود الأوروبيين في مذابح القرون السابقة!!، دون أن يذكروا بطبيعة الحال بأن من تسبب بكل هذه الفوضى في أمستردام إنما هم قطعان مشجعيهم الإسرائيليين، هذا كما وسارع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ بدوره ليدلي بدلوه فكتب رسالة على منصة إكس هذا نصها واقتبسها: “نتابع بذعر هذا الصباح الصور ومقاطع الفيديو المروعة التي كنا نأمل منذ السابع من أكتوبر ألا نراها مرة أخرى: مذبحة معادية للسامية تجري حاليا ضد مشجعي مكابي تل أبيب والمواطنين الإسرائيليين في قلب أمستردام”.

ختاما …

هذه لعمري ولاشك إحدى تداعيات طوفان الأقصى المبارك، الذي فضح العدو الإسرائيلي وممارساته الوحشية أمام العالم أجمع، كما وعرّى أنظمة العهر والانحطاط العربي التي تخاذلت وتواطأت وتماهت مع قوات الاحتلال في اقترافها للإبادة الجماعية في غزة، وهو ناقوس خطر وإنذار يدق لهذه الأنظمة المنبطحة بأن شعوبها تغلي غيضا ونقمة على حكامها، وإن الأوان قد حان لأن يتداركوا أمرهم ويستفيقوا من غفلتهم فيعملوا لمرضاة الله أولا، ولمرضاة شعوبهم الطامحة للانعتاق ثانية ليلقوا الله تعالى بوجه حسن وسيرة طيبة، ولهؤلاء القادة والحكام أقول منبها لهم وناصحا إياهم بما ذكره الله تعالى بحقهم في كتابه المجيد من سورة الزخرف، الآية 19: “سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ”!!

 

 

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

19 + ثلاثة =