مُناورات “فينكس إكسبرس 24” والعلاقات العسكرية التونسية – الأمريكية / الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) – الثلاثاء 12/11/2024 م …  

بدأت في تونس يوم الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر 2024، الدّورة التاسعة عشر للمناورات البحرية بعنوان “فينكس إكسبرس 24” التي تستمر حتى الخامس عشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2024، بهدف “تعزيز أمن البحر الأبيض المتوسّط”، وهي تمرينات عسكرية بحرية متعددة الجنسيات بإشراف الجيش الأمريكي (القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا وقيادة القوات البحرية الأمريكية لأوروبا ) ومشاركة نحو 1200 عسكري من 12 دولة ( الولايات المتحدة وتونس والجزائر وليبيا والمغرب وموريتانيا والسنغال وتركيا وإيطاليا ومالطا وبلجيكا وجورجيا ) في إطار مناورات القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، وتهدف هذه المناورات  ” تدعيم التعاون والتنسيق بين الطواقم البحريّة وتدريب الأفراد وتعزيز قدراتهم على حسن استعمال المنظومات والمعدّات والوسائل البحريّة وتطوير مهاراتهم في التصدّي للأعمال غير المشروعة بالبحر ولكلّ أشكال التهديدات والجرائم المنظمة كالتهريب والاتجار بالبشر، حفاظا على أمن المتوسّط واستقراره”، وفق بلاغ وزارة الدفاع التونسية، ويُضيف موقع “أفريكوم” “يُعد هذا التمرين واحدًا من تمارين بحرية إقليمية تنفذها القوات البحرية الأميركية في أوروبا وأفريقيا كجزء من إستراتيجية شاملة لتوفير فرص التعاون بين القوات الأفريقية والشركاء الدوليين لمواجهة المخاوف المتعلقة بالأمن البحري… إن التمرين يُرَكِّزُ على التعاون الإقليمي، والوعي بالمجال البحري، وممارسات تبادل المعلومات، والقدرات التشغيلية لتعزيز الجهود التي تسهم في الأمن والسلامة في البحر الأبيض المتوسط والمياه الإقليمية للدول الإفريقية المشاركة…” ويسعى التمرين وفق موقع “أفريكوم” إلى “تعزيز التنسيق والإستعداد لمجابهة السيناريوهات الواقعية المحتملة ( لأن) الأمن البحري عنصر حيوي لاستقرار إفريقيا، حيث تُطل 38 من أصل 54 دولة إفريقية على سواحل البحر، (وتكمن أهمية أمن البحار في) نحو 90% من التجارة العالمية عبر البحار، وتعبر نسبة تفوق 30% من هذه التجارة البحر الأبيض المتوسط، ما يُضيف أهمّيّة خاصة لهذه التدريبات العسكرية”، ويُبيّن هذا الإستشهاد الطّويل المُقتبس من موقع القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) بشكل واضح الأهمية العسكرية للبحر الأبيض المتوسط، وتجدر الإشارة إلى اهتمام الجيش الفرنسي بالسواحل التونسية، حيث جرت مناورات بحرية مُشتركة خلال الأيام العشرة الأخيرة من شهر أيلول/يبتمبر 2024…  




يُبرّر المُقرّبون من السّلطة (الأمين العام لحزب “مسار 25 جويلية/يوليو” وبعض الجامعيين الذين تقدمهم وسائل الإعلام كخبراء في مجالات الأمن أو الإقتصاد…) الراوبط العسكرية مع الولايات المتحدة ب”عراقة وقِدَم العلاقات الدّبلوماسية التي تعود إلى سنة 1799″ ( كانت تونس آنذاك جزءًا من الدّولة العثمانية ولم تكن مستقلة تمامًا) ولكن تلك العَراقَة لم تمنع السّفن الحربية الأمريكية ( والسّوَيْدِيّة) من قصف طرابلس وتونس والجزائر، بين سنتيْ 1801 و 1815، بذريعة “مكافحة القَرْصَنَة البَحْرِية” التي أصبحت تُسمى حاليا “مكافحة الإرهاب”، وأطلقوا على ذلك العدوان إسم “حَرْب البرابرة”، أي غَيْر المُتَحَضِّرِين، وإن اختفت مثل تلك العبارات فإنها استُبْدِلَت بعبارات أخرى مثل “الدّول المارقة” أو “الجماعات الإرهابية” وما إلى ذلك…    

يَدّعي المُقرّبون من السُّلْطة إن العلاقات السياسية بين تونس والولايات المتحدة اتّسَمَتْ “بدعم أواصر التعاون في إطار الاحترام التام للسيادة الوطنية لكل بلد (…) واحترام إرادة الشعوب في تقرير مصيرها ورفض أي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية، وفي الواقع فإن الإستثمارات الأمريكية في تونس لا تتجاوز 18,5 مليون دولارا، فيما بلغ حجم المبادلات التجارية 1,3 مليار دولارا، ومعظمها واردات تونس من الأسلحة والمُعدّات العسكرية الأمريكية، سنة 2023، ويتذمّر المُصدّرُون من صعوبة دخول الإنتاج التونسي إلى الأسواق الأميركية…

ينْصَبُّ اهتمام الولايات المتحدة على “التّعاون الأمني والعسكري”، مع تقليص حجم “المُساعدات الإقتصادية” وما إجراء فعاليات التدريبات البحرية “فينيكس إكسبرس 24” في تونس سوى تجسيد لهذه العلاقات الأمنية والعسكرية التي تطورت بعد سنة 2011، لتصبح تونس، منذ سنة 2015 “حليفًا أساسيًّا خارج حلف شمال الأطلسي، في إطار تعزيز التعاون العسكري لمكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن الحدودي ومقاومة الهجرة غير النظامية وتبادل الخبرات في مجال الأمن السيبراني…”، وفق قناة “الحُرّة” الأمريكية التي تأسست باللغة العربية بعد احتلال العراق لتبرير العدوان الأمريكي، وأشارت القناة (يوم 05 تشرين الثاني/نوفمبر 2024) إلى “الإهتمام الأمريكي بموقع تونس الإستراتيجي، بين ليبيا والجزائر وجنوب أوروبا، ومن المُتَوَقّع تعزيز التعاون بين المؤسستين العسكرية والأمنية التونسية والأمريكية” وتُشير بيانات موقع السفارة الأمريكية بتونس إلى بلوغ “المساعدات العسكرية والأمنية التي قدمتها الولايات المتحدة سنة 2023 لتونس بلغت قيمتها 160 مليون دولار، كما ساعدت ( أمريكا) على إنشاء مركز تكوين بمحافظة بنزرت ( وهو في الواقع قاعدة أمريكية وموقع تجسس – أثار جدلا) وقيمته في حدود 20 مليون دولار، فضلا عن تقديم 110 ملايين دولار للقوات المسلحة التونسية في شكل مراكب بحرية (لمراقبة الهجرة عبر البحر)، بالإضافة إلى سِتِّ طائرات شحن…”، وتُدْرِجُ الدّعاية الأمريكية، وكذلك الإعلام الرّسمي التونسي هذه العلاقات العسكرية غير المُتكافئة (بين قوة امبريالية عُظْمى ودولة هزيلة) في باب “تطوير مهارات الجهاز الأمني التونسي وتعزيز قدراته الدفاعية والعسكرية”، مع نَفْيِ “أي تدخّل أمريكي في السياسة الأمنية للبلد”، وكأن الإمبريالية الأمريكية منظمة خَيْرِيّة تُوزّع “المُساعدات العسكرية لِوَجْه اللّه !!!“، والجميع يُدْرِك إن “العلاقات بين الدّول تقوم على المصالح وتبادل المنافع”، وسبق أن كتبت وسائل إعلام أمريكية، منذ سنة 2017 عن القواعد العسكرية الأمريكية – وإن كانت صغيرة الحجم – من الجنوب (قاعدة طائرات آلية على الحدود الصحراوية مع الجزائر وليبيا) إلى الشمال (قاعدة الإستخبارات والإستعلامات في بنزرت)، والسؤال المطروح: ماذا جنت البلاد وشعبها من تكثيف “التّعاون” مع الولايات المتحدة؟ ( وردت العديد من البيانات بموقع وكالة أفريقيا برس – مكتب  تونس بتاريخ 08 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 )

يُرْجى مراجعة

تونس – عن الأوضاع بعد 2010 – الجزء الثالث والأخير (09 تشرين الأول/اكتوبر 2024)

الطاهر المعز

من عوامل انتفاء السيادة: العلاقات العسكرية الأمريكية التونسية والدّيون الخارجية

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

اثنان + 14 =