اختبار الدّيمقراطية الأوروبية من خلال فلسطين / الطاهر المعز




الطاهر المعز ( تونس ) – الثلاثاء 19/11/2024 م …

 تقديم …

أثار استخدام ممثلة الأمم المتحدة “فرانشيسكا ألبانيز” مُصطلح “الإبادة الجماعية التي تُمارسها إسرائيل في غزة” احتجاجات مُمثّلي حكومات الدّول الإمبريالية، ولكن أحد تقارير الأمم المتحدة أَكّدَ من جديد: “إن أساليب الحرب الإسرائيلية تتوافق مع خصائص الإبادة الجماعية، وهي أعمال تُذَكِّرُ بأخْطَر الجرائم الدّولية” وفق لجنة الأمم المتحدة التي تحقق في ممارسات الحرب في غزة، وتسلط اللجنة الضوء على “الخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين والظروف المفروضة على الفلسطينيين هناك والتي تُعَرِّضُ حياتهم للخطر عَمْدًا” عن تقرير اللجنة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك 13/11/2024

وردت شهادات عديدة، من بينها شهادات العدد القليل من الأطباء الأوروبيين الذين تمكّنوا من دخول غزة، بشأن الرُّعْب اليَوْمي والجُثث المُلْقاة في الشوارع والتي تنهشها الكلاب، وعن قصف مخيم المواصي في خان يونس جنوب القطاع وسوق مدينة غزة ( 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2024)، وهي أمثلة عن استهداف المدنيين عمدًا لقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، وخصوصًا الأطفال والنّساء، واستهداف من قد ينقل واقع المجازر، كالصحافيين والأطباء والعاملين بقطاع الرعاية الصحية والإنقاذ، وإجبار النّاجين من القَتْل على الرحيل، كما حدث خلال النكبة سنة 1948، ويُشكل سكان غزة نموذجا لآثار النكبة، حيث يُشكل اللاجئون أكثر من ثلاثة أرباع السّكّان… 

أوروبا – اندماج الإمبريالية والصّهيونية

نموذج أحداث أمستردام ( 07 تشرين الثاني/نوفمبر 2024)

قَدّمت سلطات ووسائل إعلام أوروبا وأمريكا الشمالية ما حدث في أمستردام، عاصمة هولندا كأعمال مُعادية للسّامية ( أي لليهود) نفّذها هولنديون من أُصول عربية (مغاربة) ومُهاجرون عرب، ضد مشجعي فريق مكابي تل أبيب لكرة القدم، من الصهاينة والعنصريين والإرهابيين وجنود الإحتياط في الجيش الصهيوني وعملاء الإستخبارات (موسّاد) الذين اعتُبِرُوا ضحايا “معاداة السامية”، وتأتي هذه الحملة في مناخ سياسي رجعي مُتَعَفِّن تميّز بالقمع السّافر للحركة الإجتماعية وأي شكل من الإحتجاجات في مختلف بلدان أوروبا، فضلا عن الدّعم الكامل للإبادة الجماعية التي يُمارسها الكيان الصهيوني منذ أكثر من سنة، بمساندة مالية وعسكرية ودبلوماسية وإيديولوجية من قِبَل الحكومة ومجلس النّوّاب الأمريكِيَّيْن وحلفاء أمريكا في أوروبا وحلف شمال الأطلسي…

تتناول الفقرات الموالية نماذج أوروبية من الدّعم الحكومي الرّسمي والإعلامي للكيان الصهيوني، وتم استثناء ألمانيا لأنها تكاد تكون كاريكاتورية، حيث أصبحت راعيا رئيسيا للصهيونية، تُضاهي الإمبريالية الأمريكية، منذ تأسيس ألمانيا الغربية – من قِبَل الولايات المتحدة – سنة 1953، ويكتفي هذا المقال عينات من إيطاليا حيث يحاول اليمين المتطرف الحاكم صَرْف اهتمام المواطنين عن المشاكل الحقيقية وتحويل الغضب ضدّ المهاجرين، مما يطمس أحيانًا المواقف الحكومية الدّاعمة للكيان الصّهيوني، وتتناول فقرة قصيرة بعض ما ورد في وسائل الإعلام السائد…  أما في هولندا، حيث العقيدة الصهيونية متغلغلة في الطّيْف السياسي من اليمين المتطرف إلى تيار الديمقراطية الإجتماعية، وكذا الأمر في فرنسا التي صَدَّرَت تجاربها القمعية ضدّ الشعوب ( تجفيف منابع الدّعم الشعبي لحركات مقاومة الإستعمار التي سُمٍّيت “العَدُوّ الدّاخلي”) إلى الكيان الصهيوني وأمريكا الجنوبية…

في إيطاليا، كانت مؤسسات الإعلام الحكومي مُتّزنة، رغم المواقف الرّجعية، لكن ومنذ عهد برلسكوني انتشرت البذاءة والإستخفاف، وتساوى بذلك الإعلام الخاص (الذي كان برلسكوني يُسيطر عيه) والقطاع العام، واستمر الأمر كذلك إلى اليوم، فقد تسابقت محطة التلفزيون الوطنية  LA 7 وصحيفة لا ريبوبليكا وبقية محطات التلفزيون والصحف المكتوبة في نشر التَّفَاهَات والأكاذيب وترويج أفكار اليمين المتطرف الحاكم حاليا، ووصف برنامج تلفزيوني مباشر ما حدث في أمستردام ب”دفاع سكان أمستردام عن مدينتهم ضد الغوغاء  – من العرب والمسلمين – التي تُمجّد هجمات السابع من أكتوبر ضد إسرائيل… وقد نواجه نفس الغوغاء في جميع أنحاء أوروبا إذا لم نواجهها بحزم” وقام المدير السابق لصحيفة ريبوبليكا بنشر الأكاذيب على التلفزيون الوطني حول الأسرى الصهاينة، كما تفاخر “بَاوْلُو ميلي” المدير السابق لصحيفة كورييري ديلا سيرا بمساندة العدوان الصهيوني، وما هذه سوى أمثلة قليلة لما يجري في إيطاليا من غسيل للأدمغة أدّى إلى تنصيب سلطة اليمين المتطرف، وتكفلت “السّلطة الرّابعة” بتَرْدِيد الرواية الصهيونية وتجاهُل حقوق الشعب الفلسطيني – وكذلك حقوق العاملين المهاجرين – وتجاهل الأخبار المُوثّقة عن الإبادة الجماعية، ويمكن العثور بسهولة على  مثل هؤلاء الصحفيين في جميع أنحاء العالم “الغربي” وفي كل دولة عضو في حلف شمال الأطلسي وفي كل دولة أوروبية، ويبدو أن ولاءهم غير مشروط لدعم أساطير وأكاذيب المشروع الصهيوني و”حله النهائي” أي إبادة شعب فلسطين، ويعتبرون مجرد ذكر هذه الحقيقة ( الإبادة الجماعية) “معاداةً للسّامية”، وكرّر الصحافيون بقنوات التلفزيون الأوروبي دعاية شبكة سي إن إن، وإم إس إن بي سي، وفوكس نيوز، ونيويورك تايمز، وواشنطن بوست وأكاذيب نتنياهو والحكومة الأمريكية، منذ بداية هذه الإبادة الجماعية الأكثر وحشية في القرن الحادي والعشرين، المستمرة بدون هوادة، منذ أكثر من عام، والتي تدفع ثمنها وتُسَلِّحُها الولايات المتحدة، بتعاون كامل ومساعدة مُتعدِّدَة الأشكال من دول أوروبية مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وغيرها.

هولندا

في هولندا والدّول ذات الأغلبية البروتستنْتِيّة ( كما ألمانيا وسويسرا) انتشرت الدّعوة – من لُوثر إلى كَلْفِين – لتجميع اليهود في مكان خاص بهم، للتّعجيل بعودة المسيح، وبدأت هذه الدّعوات، المُعادية لليهود في جوهرها، بالتزامن مع استعادة الطوائف المسيحية للأندلس وبداية التّوسّع الإستعماري الأوروبي ( إسبانيا والبرتغال وهولندا وبريطانيا وفرنسا لاحقًا…) في أمريكا وآسيا وإفريقيا، وتُشكل بعض الطوائف البروتِسْتَنْتِيّة، إلى اليوم، قُوّةَ دَعْمٍ عقائدي ومادّي للصهيونية وللكيان الصّهيوني وخصوصًا “المسيحيون الصّهاينة” الذين يدعمون دونالد ترامب في الولايات المتحدة ودعموا الرئيس السابق للبرازيل “جاير بولسونارو”، وكلاهما ينتمي إلى اليمين المتطرف…

قبل التّطرق إلى ما حدث في عاصمة هولندا (أمستردام) يوم السادس من تشرين الثاني/نوفمبر 2024، نُشير إلى حادثة وقعت سنة 1992، كان ضحيتها مواطنون هولنديون فقراء ومُهاجرون، وتكتّمت الدّولة ووسائل الإعلام والبرلمان والأحزاب عن أسبابها، لأن الفاعل صهيوني:

 وَرَدَ في تقرير المنظّمة الدّولية للطّيران المدني إن طائرة شحن من طراز بوينغ، تابعة لشركة العال الصهيونية ( الرحلة 1862)، قادمة من نيويورك، متجهة إلى تل أبيب، مُحمّلة بالبضائع سقطت، قرب مطار شيبهول ( أو سخيبول) في امستردام يوم الرابع من تشرين الأول/اكتوبر 1992 وانفجرت على عمارَتَيْن سكنيّتَيْن من تسعة طوابق لكل منهما، في منطقة سَكنية مكتظّة ( حي زويدوست بضواحي أمستردام، عاصمة هولندا) وأصابت ثمانين شقة اشتعلت فيها النيران بسرعة، وأعلنت الحكومة في إحصاء أوّلي 39 قتيلا (إضافة إلى طاقم الطائرة المُكون من أربعة أشخاص) وأإصابة 26، وتكتمت السلطات الهولندية على الحادث وعلى شحنة الطائرة، مادام الضحايا من فُقراء المستعمرات الهولندية ( معظمهم من سورينام ) وأعلن رئيس بلدية امستردام أن عدد المفقودين لا يقل عن 209 أشخاص تَبيّن بعد يَوْمَيْن إنهم قُتِلُوا، وقدّر سُكّان الحي عدد القتلى ب240 إلى 250 شخصًا…

اكتفت السلطات الرّسمية الهولندية بالقول إن الطائرة كانت مُحمّلة بالبضائع، وتَبَيّن فيما بعد، من خلال التسريبات ثم انتشرت الأخبار – في أوساط محدودة، مادام الأمر يتعلق بالكيان الصهيوني – عن نوعية “البضائع” وأعلنت سفارة العدو الصهيوني بأمستردام إن الطائرة كانت تحمل “شحنة تجارية معتادة”، وفق وكالة رويترز بتاريخ 04 تشرين الأول/اكتوبر 1992، وهي في حقيقة الأمر مواد كيماوية حارقة يستخدمها الجيش الأمريكي، ويستخدمها الجيش الصهيوني وكانت الطائرة تحمل ثمانين طنًّا من هذه المواد المتفجّرة التي حاولت السلطات تلطيفها فيما بعد بالقول إنها وقود، لأن الوقود في نيويورك أقل ثمنًا من تل أبيب، ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية ( أ.ف.ب 05 تشرين الأول/اكتوبر 1992) عن المتحدث باسم شركة العال إن حمولة الطائرة كانت واردات تجارية (إلكترونيات ومواد نسيجية ) قادمة من الولايات المتحدة وأوروبا تم شحنها في نيويورك وأمستردام، فيما أعلنت الإذاعة الصهيونية الحكومية ( 05 تشرين الأول/اكتوبر 1992) “إن الطائرة كانت تحمل كمية كبيرة من العطور وهي مواد شديدة الاشتعال”…

بعد إثنتيْن وثلاثين سنة، جابت قُطْعان الهمج الصّهاينة شوارع أمستردام وهم يُردّدون شعارات وأناشيد عنصرية ويعتدون على سُكّان المدينة ويُدمّرون ممتلكاتهم في المركز التاريخي، ومزقوا الأعلام الفلسطينية التي كانت في الطّوابق العُلْيا من بعض المَبَانِي وهتفوا وغنوا “الموت لكل العرب” و”اللعنة على فلسطين” و”لا توجد مدارس في غزة لأن كل الأطفال ماتوا”، وما هؤلاء الرَّعاع سوى صُورة مُصَغَّرَة للجهاز العسكري الذي يمارس الإبادة الجماعية والإرهاب، في فلسطين ولبنان وكل البلاد العربية، فيما يتم تقديمهم من قِبَلِ وسائل الإعلام السّائد الأوروبي و”الغربي” عمومًا كجمهور كرة قدم يُساند فريقه بأشكال سلمية، ولذا فهم ضحايا عنصرية المهاجرين ( العرب) وأبنائهم، بل أعاد البرلمان الألماني تأكيد اعترافه بالتفسير الصهيوني الْمُشَوّه لـ “معاداة السامية”، لتبرير حَمْلَة القمع المستمرة لأي صوت يصف ما يجري في غزة بالإبادة الجماعية، وأعلنت الولايات المتحدة على لسان رئيسها ووزير خارجيتها “دَعْم الحُكُومَتَيْن الهولندية والإسرائيلية ضد الهجمات المعادية للسامية” وفق تعبير أنتوني بلينكن، وانتشرت المعلومات المضللة والمُخادعة والكاذبة بواسطة شبكة سي إن إن، وإم إس إن بي سي، وفوكس نيوز، ونيويورك تايمز، وواشنطن بوست التي نقلت حرفيًّا أكاذيب نتنياهو والحكومة الأمريكية وقدّمتها كحقيقة مُطلقة، وكذا فعلت الحكومات ووسائل الإعلام في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وغيرها، ولم يتم نَشْر الوقائع التي حصلت وهذا مُلخّصُها:

طلبت مجموعة العمل الدولية “أسبوع من أجل فلسطين” من عمدة أمستردام فيمكي هالسيما يوم الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر 2024، حظر المباراة المقبلة على أساس أن من بين مشجعي فريق مكابي تل أبيب جنود سابقون في الجيش الصهيوني “مدربون على العنف الشديد”، فضلا عن عناصر المخابرات (موساد) التي ترافقهم، ورفضت رئيسة بلدية أمستردام ( وهي زعيمة سابقة لحزب الخُضْر) مُتّهمةً أصحاب الطّلب بمعاداة السامية، وبعد يومين، رفض مُشجّعوا الفريق الصّهيوني الوقوف دقيقة صمت تضامنا مع ضحايا الفيضانات في إسبانيا، وبعد المباراة التي فاز بها أياكس أمستردام بنتيجة عريضة ( 5-0 ) بدأت الاضطرابات في وسط العاصمة الهولندية، وهتف أنصار مكابي، الذين يمكن التعرف عليهم من ألوان النادي الصفراء، على السلالم المتحركة في المترو: “جيش الدفاع الإسرائيلي سينتصر، اللعنة على العرب”، ومزقوا وأحرقوا الرايات الفلسطينية التي كانت مرفوعة فوق بعض المباني واعتدوا على سائقي سيارات الأجرة، لأن شكلهم يوحي بأنهم عَرب، واستمرت الاضطرابات في اليوم التالي حيث اشتبك أنصار مكابي مع مجموعات من السّكّان الذين تجمّع بعضهم بعد ظُهْر يوم السابع من تشرين الثاني/نوفمبر 2024، للإحتجاج على غض الشرطة الطّرف عن عُنْف أنصار مكابي ضدّ المَارِّين في شوارع أمستردام والعاملين في المتاجر وسائقي سيارات الأجرة، فيما كتب زعيم حزب الحرية خِيرْتْ فِيلْدِرْزْ ( اليمين المتطرف القوي منذ عُقُود في هولندا) على موقع X أن “مُسلمين يحملون أعلامًا فلسطينية يُطاردون اليهود ويرتكبون مذبحة في شوارع أمستردام  وطالب باستقالة عمدة أمستردام، كما أكد رئيس الوزراء الهولندي ديك شوف ( يميني متطرف ورئيس المخابرات السابق) ” صَدَمَتْنِي الهجمات المعادية للسامية على المواطنين الإسرائيليين”، أما مايراف زونزين، المحللة في مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة غير حكومية، فقد وَصَفت المقارنة بين العنف في أمستردام والمذابح الجماعية بأنها سخيفة.

اشتهر مُشجّعوا نادي مكابي تل أبيب بالإفراط في العنصرية في فلسطين المحتلة، بما في ذلك شتم اللاعبين الفلسطينيين والعرب في الفريق والضغط على الفريق لطردهم، ورفض أي لاعب غير يهودي، مهما كانت خبرته، كما يحتفلون بالطقوس العنيفة ومهاجمة مشجعي النوادي الأخرى المنافسة التي يعتبرونها عدوًّا – وليس منافسًا – وجبت محاربته.

لم يكن أنصار مكابي ضحايا أبرياء في أمستردام، كما تم وصفهم، بل تعمّدوا الإستفزاز ( عدم احترام ضحايا الفيضانات في إسبانيا) والعنف الذي استغله الزعيم السياسي اليميني المتطرف الهولندي خيرت فيلدرز الذي حَثَّ وزير القضاء على اتخاذ المزيد من الإجراءات القمعية: “سحب الجنسية من المسلمين وطرد هذا الحثالة خارج البلاد” لأن “الإسلام مَصْدَرٌ لمعاداة السامية ومطاردة اليهود في أمستردام”، ونُذَكِّر هذا العنصري إن الهولنديين المسيحيين البروتستنتيِّين ( وليس المسلمين) وَشَوْا خلال الحرب العالمية الثانية بجيرانهم من المواطنين اليهود إلى النازيين، حيث كان يعيش في أمستردام نحو 80 ألف يهودي سنة 1941، لم يتبقّ منهم سوى 15 ألف. أما أنصار فريق مكابي فليسوا جماعة مسالمة من مشجعي كرة القدم، بل مجموعات فاشية هاجمت الشباب “ذوي المظهر الشمال أفريقي” لأنهم يُشبهون الفلسطينيين، أصحاب أرض فلسطين.

إن ما حدث في أمستردام ليس مجرد صدام بسيط بين مشجعي كرة القدم، وهو أمر شائع في كل مكان، كما أنه ليس مجرد صدام بسيط بين الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية، بل إنه نتيجة للتوترات السياسية والدعاية الكاذبة والتلاعب والحروب العدوانية التي تدعمها هولندا – عضو حلف شمال الأطلسي – فيما يصف الإعلام السائد من يطالبون بإنهاء الحرب وحماية المدنيين الفلسطينيين بأنهم معادون للسامية…  

فرنسا – نموذج الإندماج الإيديولوجي الإمبريالي- الصهيوني

خلافًا لليونان – التي تحكمها كذلك حكومة وأغلبية نيابية يمينية – حيث رفع مشجعو فريق باناثينايكوس الأعلام الفلسطينية واللبنانية ولافتات ضخمة كتب عليها “أوقفوا الإبادة الجماعية” و”الحرية لفلسطين”، خلال مباراة الدوري الأوروبي لكرة السلة، يوم 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، في العاصمة اليونانية أثينا، ثارت زوبعة في فرنسا لمجرد وجود لافتة واحدة في ملعب باريس تعبر عن تضامن بعض مُشجّعي نادي باريس سانت جرمان مع الشعب الفلسطيني، بينما لا تُثير مجموعات اليمين المتطرف – ومنها مجموعات من مُشجّعي نادي باريس نفسه – التي ترفع لافتات وتهتف بشعارات عنصرية في ملاعب فرنسا وأوروبا نفس القَدْر من الإحتجاجات الرسمية والإعلامية…

اشتدّت حملة القمع في فرنسا ضد المُشاركين في أي شكل من أشكال الإحتجاج: الإضراب أو الإعتصامات لأسباب اقتصادية أو اجتماعية مَحلِّيّة، أو التضامن مع الشعوب والتنديد بالحروب العدوانية، وواجَهَ المشاركون في حركة السترات الصفراء، والمحتجون على إصلاح نظام التقاعد، والنقابيون، والمشاركون في الإحتجاجات ضد عُنْف الشرطة الذي يُؤدّي إلى قتل الشباب، حملات القمع والإصابات الخطيرة والمحاكمات الجائرة، وعلّقت الحكومة العمل بالقانون – وهو غير مُنْصف للعمال والفقراء – ليتم العمل بالقوانين الإستثنائية، وكأن البلاد في حالة حرب، كما تم اعتقال مناضلي أرخبيل المُستعمرة الفرنسية “كاليدونيا” الذين يناضلون من أجل حكم ذاتي وتم سجنهم في مناطق متفرقة في فرنسا على بعد آلاف الكيلومترات من بلادهم  وذويهم…

حظرت الحكومة الفرنسية الاحتجاجات المُنَدّدة بالقصف وبالإغتيال والإعتقال وهدم المباني، أثناء العدوان الصهيوني على سكان غزة سنة 2008 و 2014 و 2021 و 2023/2024، وسُكّان القدس (حي الشيخ جراح ) سنة 2021، ومنذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، حاولت الحكومة الفرنسية فرض الرقابة على الخطاب والاحتجاجات المؤيدة لفلسطين وتجريمها باسم مكافحة معاداة السامية والإرهاب، ودعا وزير الداخلية الفرنسي السلطات المحلية إلى حظر المظاهرات المُندّدة بالمجازر الصهيونية والإبادة الجماعية، مُتَعَلِّلاً بتهديدات مزعومة للنظام العام، وكثّفت الحكومة القمع والإعتقالات والحملات الإعلامية والسياسية ضد الفلسطينيين والعرب والتقدميين وحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات  ( BDS ) واستهداف منتقدي بعض تصرّفات الحكومة الصهيونية – ولا الكيان بِرُمّته – في محاولة لمَنْع أي شكل من أشكال التضامن مع الشعب الفلسطيني، وطالت الإعتقالات والتحقيقات في محلات الشرطة رجالا ونساء، شبابا وشيوخا، من سياسيين ونقابيين ومناضلين في جمعيات حقوقية، في عملية تشير إلى أن حربًا قانونيةً تُشن ضد المدافعين عن فلسطين من قبل منظمات مرتبطة بالكيان الصهيوني، يدعمها جهاز الدّولة الفرنسي.

كان من المتوقع أن يشارك ووزير مالية الحكومة الصهيونية بتسلئيل سموتريتش، الذي طلبت محكمة الجنايات اعتقاله، والذي يصف نفسه بالفاشي، كضيف شرف في حفل لجمع التبرعات للجيش والمستوطنين الصهاينة، في باريس يوم الأربعاء 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، ورفضت السلطات الدعوات لمنع زيارته، مع إسكات المظاهر العامة للتضامن مع فلسطين، إلى أن أعلن المتحدّث باسمه إلغاء الزيارة “لأسباب أمنية” وفق وكالة الصحافة الفرنسية التي أوضحت إن   مؤسسة “إسرائيل للأبد” وشخصيات من اليمين المتطرف تُشرف على تنظيم هذه التّظاهرة، عشية مباراة كرة قدم بين منتخبي فرنسا والكيان الصهيوني في باريس التي لم يتابعها في الملعب سوى 12 ألف متفرج في ملعب يتسع لثمانين ألف شخص، تحت حراسة أربعة آلاف شرطي خارج الملعب و 1500 داخل الملعب، فضلا عن عناصر الشرطة السّرّية والإستخبارات الفرنسية والصهيونية…

رفع جزء من مشجعي باريس سان جيرمان لافتة ضخمة تغطي مدرجات الملعب تدين الحرب الصهيونية المستمرة في فلسطين ولبنان، خلال مباراة دوري أبطال أوروبا يوم الأربعاء 06 تشرين الثاني/نوفمبر 2024،  في باريس بين باريس سان جيرمان وأتلتيكو مدريد، ، وكُتبت عبارة “فلسطين حرة” بخط ضخم في وسط اللافتة ، مع كتابة “حرب على ملعب كرة القدم، سلام في العالم” أسفل اللافتة مباشرة، وأصبحت هذه اللافتة علامة أخرى على “معاداة السّاميّة” و “التّحريض على الإرهاب” وضرورة “معاقبة الأشخاص الذين يقفون وراء اللافتة”، وفق وسائل الإعلام الرئيسية، وتم استدعاء ممثلي كل من باريس سان جيرمان والاتحاد الفرنسي لكرة القدم إلى اجتماع في وزارة الرياضة حول “العنف المرتبط بكرة القدم”، وثارت ثائرة وسائل الإعلام والشرطة والحكومة، وأعلن قائد شرطة باريس حظر رفع العلم الفلسطيني خلال مباراة كرة القدم بين فرنسا والكيان الصهيوني التي أُقيمت في ظل إجراءات أمنية مشددة، حيث لم يُسمح بدخول الملعب سوى بالأعلام الفرنسية والصهيونية مع خضوع المتفرجين لفحوصات أمنية مزدوجة، ومن بينها التحقق من الهوية مرتين، بذريعة تفادي تكرار التوترات التي شهدتها أمستردام، وتجدر الإشارة إلى إطلاق مُشجعي النادي الصهيوني هتافات عنصرية ضد العرب، وقاموا – خارج الملعب – بتخريب الممتلكات الخاصة ومهاجمة سائقي سيارات الأجرة العرب قبل وبعد المباراة.  

تستضيف فرنسا عدة تظاهرات سنوية لدعم الجيش والمستوطنين الصهاينة، ومن بين هذه التظاهرات حفل يوم الأربعاء 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 الذي تنظمه مجموعة تسمى “إسرائيل إلى الأبد”، وهي منظمة غير حكومية غامضة أسّسها حزب الليكود سنة 2015، مكرسة لدعم الإستعمار الإستيطاني الصهيوني، بدعم من اليمين المتطرف الفرنسي، ويُعْلِنُ مُلصق التظاهرة ضرورة “حشد القوات الصهيونية الناطقة بالفرنسية” لاستعادة غزة وغزو لبنان ومنع المساعدات الإنسانية عن غزة لأنه “لا يوجد شعب فلسطيني ولا سكان مدنيون في غزة ولا ثقافة ولا حضارة باستثناء التاريخ اليهودي”، وفق زعيمة هذه المنظمة، وهي ابنة مُؤسسها، وطالبت رابطة حقوق الإنسان الفرنسية ومنظمات غير حكومية أخرى، منذ الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2024، منع التظاهرة، ورفضت وزارة الدّاخلية الفرنسية الطّلب، بينما اعتقلت الشرطة الفرنسية خلال شهر تشرين الأول/اكتوبر 2023، بعد انطلاق العدوان على فلسطينيِّي غزة، المناضلة الغزاوية مريم أبودقة التي كانت في فرنسا قبل العدوان تلبية لدعوة بعض المنظمات المناصرة لشعبها، وإلقاء بعض المحاضرات في عدة مدن فرنسية، وتم وضعها تحت الإقامة الجبرية قبل طردها من الأراضي الفرنسية، في إطار حملة واسعة شملت منع نشاط بعض الجمعيات، لإسكات المنظمات المنادية بوقف إطلاق النار، ولحظْر التظاهرات ومحاكمة شخصيات من المجتمع المدني من صحفيين ونقابيين وحتى نواب بالبرلمان بتهمة “تبرير الإرهاب” بسبب تصريحات تدعم بعض حقوق الشعب الفلسطيني، كما سلّم مسؤولو الجامعات إلى الشرطة قائمات بأسماء الطلبة المُتّهمين ب”تبرير الإرهاب”، وبالمقابل تجاهلت السلطات الفرنسية والأوروبية قرار محكمة الجنايات الدّولية – منذ أيار/مايو 2024 – بشأن إصدار مذكرات اعتقال ضدّ كبار المسؤولين ويُفْتَرَضُ التزام جميع الدول الأعضاء السبع والعشرين في الاتحاد الأوروبي بدعم وإنفاذ المذكرات الصادرة عن المحكمة، ولكن ذلك لم يحصل، بل تستقبل الدّول الأوروبية والولايات المتحدة هؤلاء المجرمين بحفاوة… 

هولندا معقل صهيوني تقليدي تاريخي

نَظّم مشجعو نادي مكابي تل أبيب مظاهرة مؤيدة للجيش الصهيوني قبل مباراة ناديهم المُفضَّل مع أياكس أمستردام، يوم السابع من تشرين الثاني/نوفمبر 2024، ورَدّد مشجعو نادي مكابي تل أبيب الذين شاركوا في أعمال شغب في أمستردام شعارات مثل “لا توجد مدارس في غزة، لأنه لم يتبق أطفال في غزة”، و”الموت للعرب” وشعارات أخرى تُظْهِر الوجه الحقيقي للصهيونية، كعقيدة استعمارية عنصرية…

اشتهر نادي ماكابي تل أبيب لكرة القدم بقاعدته الجماهيرية المكثفة، ومن ضمنها مجموعات من ممارسي العُنف الجماعي والسلوكيات العدوانية ضد مُشجّعي النوادي المنافسة، في مجتمع من المُستعمِرين المُستوطنين، ومارسوا هذا العُنف الجماعي والعدوانية في أمستردام، وكأنهم في تل أبيب، لكن وكالة أسوشيتد برس زعمت يوم الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر 2024، “إن المُشجّعين الإسرائيليين تعرّضُوا للإعتداء بعد مباراة كرة القدم في أمستردام من قِبَلِ جحافل من الشّباب الذين أثارتهم على ما يبدو دعوات على وسائل التّواصل الإجتماعي لاستهداف اليهود، حسبما ذكرت السّلطات الهولندية يوم الجمعة الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وأدانت سلطات هولندا وإسرائل وفي جميع أنحاء أوروبا هذه الإعتداءات باعتبارها مُعادية للسّامية”، ولم تجد صحيفة هآرتس الصهيونية عبارات أحسن من هذه فنقلت برقية أسوشيتد برس برُمّتها ضمن عددها الصّادر يوم العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2024.

 قَدّمت التغطية الإعلامية “الغربية” صورةً مُضَلِّلَة لما حدث ووصفته صحيفة نيويورك تايمز بأنه “أعمال عنف معادية للسامية ضد مشجعي نادي ماكابي”، وأعلنت قناة سكاي نيوز “استهدف مُثيرو الشّغب المُعادون للسّامية مشجعي كرة القدم الإسرائيليين مع اندلاع الاضطرابات في أمستردام” وحذفت سكاي نيوز منشورًا على X جاء فيه أن “مشجعي مكابي تل أبيب مزقوا الأعلام الفلسطينية ورددوا شعارات عنصرية معادية للعرب“. أما هيئة الإذاعة البريطانية فقد واجهت انتقادات من قِبَل جُزْءٍ من جمهورها بسبب “التغطية المتحيزة للأحداث واللغة التي استخدمتها في تقاريرها الأولية”…

تعْكس وسائل الإعلام وجهات نظر الزعماء السياسيين الذين سارعوا إلى نشر الرواية المُضَلِّلَة وإلى التعبير عن تضامنهم مع المُستعمِرِين الصهاينة والإدّعاء بأنهم كانوا هدفًا لأعمال مُعادية للسّامية، وتَبارى رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع زعماء ألمانيا وهولندا والولايات المتحدة للتعبير عن الدّعم المُطْلَق للمُستوطنين الصهاينة وحكومتهم وجيشهم الذي اعتاد ارتكاب الجرائم مع الإفلات من العقاب، وعلى عكس وسائل الإعلام السّائد، أظْهَرت العديد من التسجيلات السمعية/البصَرية المنشورة على مواقع التواصل الإجتماعي استفزازات مشجعي فريق مكابي المدعوم من الحكومة الصهيونية والحكومة الهولندية، وأظْهَرت بوضوح تدنيس الرموز الفلسطينية والهتافات العنصرية، وكافأتهم الحكومة الهولندية بحَظْر التظاهرات المُندّدة بالكيان الصّهيوني واعتقال ما لا يقل عن مائة متظاهر سلمي…

حاولت صحيفة نيويورك تايمز تدارُك أو تصحيح ما رَوّجَتْهُ من أكاذيب قبل يَوْمَيْن، وكتَبَتْ يوم العاشر من تشرين الثاني،نوفمبر 2024 “إن اضطرابات الشوارع بدأت ليلة الأربعاء 06 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، قبل يوم كامل من المباراة، بعد أن بدأ مشجعو مكابي تل أبيب في الوصول إلى أمستردام، وقالت السلطات إن أنصار مكابي أزالوا العلم الفلسطيني من أحد المباني، وأظهر مقطع فيديو نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي رجالاً يتسلقون مبنى لتمزيق العلم الفلسطيني بينما كان آخرون في الجوار يهتفون بهتافات معادية للعرب، وتصاعدت التوترات قبل يوم واحد عندما قام مشجعون إسرائيليون بتخريب سيارة أجرة وحرق العلم الفلسطيني في المدينة، وأشارت العديد من المواقع إلى مُشاركة العديد من أنصار النادي الصهيوني في عمليات الإبادة ضمن الجيش الصّهيوني في غزة، ومع ذلك أَصَرَّ الرئيس الأمريكي وزملاؤه الأوروبيون ومعظم وسائل الإعلام على تصنيف المشجعين كَ”مُسالمين تصرفوا دفاعًا عن النفس”، ودعم الإتحاد الدّولي والإتحاد الأوروبي لكرة القدم مزاعم الصّهاينة ورفضا مطالب الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم لمعاقبة المؤسسات الرياضية الصهيونية، بذريعة “ضرورة الفَصْل بين السياسة والرّياضة”، وفي المقابل تم تغريم ومعاقبة الفرق واللاعبين الذين يشاركون في إيماءات التضامن مع الفلسطينيين، أو رَفْع الرّايات الفلسطينية “، مثل نادي “سلتيك غلاسغو” الذي يدعم القضية الفلسطينية، وتم تغريمه سنة 2014 بمبلغ 16 ألف جنيه إسترليني بعد أن رفع مشجعوة العَلَم الفلسطيني خلال مباراة لدوري أبطال أوروبا ضد نادي كي آر ريكيافيك الأيسلندي.، وتم تغريم نفس النادي ( سلتيك غلاسغو) سنة 2022 بمبلغ 8619 جنيهًا إسترلينيًا بعد أن رفع مشجعوه مئات الأعلام الفلسطينية خلال مباراة ضد نادي بئر السّبع الصّهيوني، وتمكّن  مشجعو سلتيك من جَمْعِ ما يفوق مبلغ الغرامة وتوزيع المبلغ المتبقي على الجمعيات الخيرية الفلسطينية…

لم يحترم الإتحاد الدّولي والإتحاد الأوروبي لكرة القدم كِذْبَتَهُما بشأن “الفَصْل بين السياسة والرياضة” لأنهما جَمّدا الإتحاد الرُّوسي وكل أندية روسيا لكرة القدم، بعد أسبوع واحد من بداية حرب أوكرانيا يوم الرابع والعشرين من شباط/فبراير 2022، وتم تشجيع التضامن الصريح مع أوكرانيا والعرض البارز للعلم الأوكراني، على النقيض من قمع أي إشارة لدعم الشعب الفلسطيني، وَرَفْضِ الإتّحادَيْن مُعاقبة الإتحاد الصهيوني لكرة القَدَم، بل ورفْض مناقشة مطلب الإتحاد الفلسطيني والإتحاد الآسيوي لكرة القدم وإجراء تحقيق ونشر نتائجه…   

امتنعت شرطة أمستردام عن التدخل لوقف الاعتداءات على السّكّان المَحَلِّيِّين والهتافات العنصرية، بل أوقفت الشرطة أشخاصًا تعرضوا للإعتداء، كما اعتقلت خلال يوم المباراة والأيام التالية العشرات من سكان أمستردام من أصل عربي، فيما لم تعتقل أيًّا من المُشاغبين الصهاينة، وفق العديد من الوثائق التي تم تصويرها، ما يُكذّب الرواية الرّسمية للأحداث، ويُكذّب ادّعاءات زعيم اليمين المتطرف الهولندي “خيرت فيلدرز” ( من أصول إندونيسية) ، الذي عاش وعمل في شبابه فترةً في مستوطنة صهيونية (كيبوتس ) وأصبح صهيونيًّا متعصبًا ومن أشد المشجعين للإبادة الجماعية في فلسطين وفي البلدان العربية والإسلامية، وهو وريث الحزب الفاشي الهولندي الذي خدم الجيش النازي أثناء احتلال 1940-1945، وتم حظره بعد الحرب…

فاز اليمين المتطرف وحزب خيرت فيلدرز بالانتخابات البرلمانية الهولندية سنة 2023 لكنه لم يحصل على الأغلبية المُطلقة فاضطر إلى تشكيل ائتلاف حكومي مع العديد من الأحزاب الأخرى، برئاسة “ديك شوف”، رئيس المخابرات السابق المعروف بمواقفه اليمينية وتشجيعه المراقبة غير القانونية للمواطنين الهولنديين، وخاصة المسلمين الذي يدّعي (هو وفيلدرز) إنهم (المسلمون) جلبوا معهم معادة السامية، وفي الواقع فإنها ظاهرة أوروبية بحتة 

خاتمة

كرة القدم هي الرياضة الجماعية الأكثر انتشارًا في العالم، وكانت ولا تزال مُحَفِّزًا لأعمال الشّغب والكراهية وازدراء المنافسين والعداء والشوفينية  والتحيز، بتشجيع من وسائل الإعلام السّائد، كما حصل بعد أحداث أمستردام من ترهيب موجّه ضدّ العرب وتضليل الرأس العام بتقديم هذه الأحداث كعمليات عنف مُعادية للسامية، دون الإهتمام بحقيقة ما حَدَثَ بالفعل خلال وبعدَ أحداث ليلة الخميس السابع من تشرين الثاني/نوفمبر 2024، في أمستردام، وَتَجَاهَلَ العديد من الصحافيين المعلومات الأساسية حول تصرفات الصهاينة، فيما اتخذت شرطة أمستردام ( ممثلة السُّلْطة والدّولة والمدينة) إجراءات صارمة بشكل انتقائي، ضد الضحايا وليس ضدّ مشجعي مكابي تل أبيب العنصريين الذين أطْلَقُوا أعمال الشغب السياسي والعنصري، والعُنف ضدّ سُكّان المدينة والإعتداء على أرواحهم وممتلكاتهم، وبشكل عام اغتنم زعماء أوروبا وأمريكا الشمالية الفُرصة لزيادة الدّعم المُطْلق للكيان الصهيوني، وتصنيف ما حصل في أمستردام في خانة “العداء للسّامية والمذابح الجماعية ضد اليهود” بهدف تشويه أي معارضة للعدوان الصهيوني على سكان غزة ولبنان، وتعزيز المواقف العنصرية الصريحة تجاه الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإفريقية وشعوب البلدان الواقعة تحت الهيمنة الإمبريالية، وتعزيز الإعتقاد بأن الفلسطينيين والعرب هم أشخاص من درجة دُنيا، لذا فإن حياة الفلسطينيين أقل قيمة من حياة الغُزاة الصهاينة أو الأوروبيين والأمريكيين، وتعزيز ل”صدام الحضارات”…  

لقد تم تصوير الفلسطينيين، وأنصارهم من عرب وعجم، على أنهم متوحشون بدائيون يتعين على الكيان الصهيوني إبادتهم دفاعاً عن الحضارة الغربية (الحضارة المسيحية – اليهودية بحسب بعض التسميات)، بدعم من المؤسسات الرسمية الأمريكية والأوروبية التي تُهيمن عليها الإتجاهات السياسية الرّجعية مثل الأحزاب الديمقراطية المسيحية أو الإجتماعية وما يُسمّى “الوَسَط” وحتى أحزاب الخُضر التي أصبحت تدعم حلف شمال الأطلسي والكيان الصهيوني ( في ألمانيا خصوصًا) واليمين المتطرف التي تدعم المذابح في فلسطين وتُعادي الكادحين والفُقراء داخل بلدانها وتُشوِّهُ سُمعة المُعارضين لفظائع الرأسمالية والإمبريالية وربيبتها الصهيونية بنَعْتِهِمْ بالمُعادين للسّامية أو ب”الطابور الخامس الخائن لقِيَم الحضارة الغربية”، لأن التّقَدُّمِيِّين يؤمنون بالعدالة وبالمُساواة بين البشر، وتم استخدام “مُعاداة السّامية” لتشويه سُمعة “جيريمي كوربين” في بريطانيا أو جان لوك ميلنشون في فرنسا ومعاقبة كل من يقف قليلاً أو كثيرًا إلى جانب حقوق – أو بعض حقوق – الشعب الفلسطيني…
إن الدعاية الإعلامية التي تبثها الحكومات الغربية ووسائل الإعلام والتي تصور مشجعي فريق مكابي تل أبيب لكرة القدم، من الصهاينة والعنصريين والإرهابيين (ومن بينهم العديد من جنود الجيش الصهيوني وجنود الاحتياط وعملاء الموساد)، على أنهم ضحايا لهجمات معادية للسامية، تتجاوز كل حدود التلاعب السياسي والإيديولوجي والإعلامي، وتدفع بالجماهير المُحِبّة للرياضة نحو الجَهْل والقِيَم الرّجعية، مع تكثيف القمع في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، في ظل الدعم الأمريكي والأوروبي المُطْلَق للإحتلال الصهيوني وممارساته مثل الإبادة الجماعية وتشريد الفلسطينيين، وقَمْعِ أي أصوات يُعارض الإبادة الجماعية المُوَثَّقَة.

يدّعي الإتحاد الأوروبي رَبْط علاقات الشراكة مع الأطراف من خارج الإتحاد الأوروبي بعدة شروط، وفي مقدّمتها احترام حقوق الإنسان، لكن المُفَوّضية الأوروبية وأغلبية نواب البرلمان الأوروبي يرفضون مراجعة أو تعليق اتفاقية الشراكة الطويلة الأمد بين بروكسل وتل أبيب، أو حتى حَظْر استيراد منتجات المستوطنات الصّهيونية، إثر العدوان على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بل على العكس من ذلك تمامًا تعزّزت العلاقات السياسية والتعاون الاقتصادي في مجالات مثل التّسلّح والصناعة والطاقة والنقل والسياحة، في حين فَرَضَ الإتحاد الأوروبي عقوبات على دول أخرى بسبب انتهاكات أقلّ خطورةً، ممّا يُؤَكِّدُ الإنحياز الكامل لدى بعض الدول الأوروبية التي سارعت إلى إعلان  معارضتها لأي إجراء ضد الكيان الصهيوني، وخصوصا جمهورية التشيك وهنغاريا والنّمسا وألمانيا وهولندا وفرنسا وغيرها وفق وكالة رويترز يوم الخامس عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2024، فيما دَعت دول أخرى، مثل إسبانيا وإيرلندا إلى مراجعة عاجلة لاتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والكيان الصّهيوني…

من الضّروري التّأكيد على العلاقة الوثيقة بين الدّعم المُطلق للكيان الصهيوني من قِبل سُلُطات وأحزاب الدّول الإمبريالية، والقَمْع المُسلّط على الكادحين والفقراء داخل هذه الدّول، باعتبارهم “عَدُوًّا داخليا” يُهدّد الإستقرار والهُدُوء الذي ينشده رأس المال لزيادة أرباحه، وذلك بهدف إنشاء جبهة عالمية تقدّمية مناهضة للإمبريالية وللصهيونية وللرّأسمالية… 

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

ثمانية عشر + 18 =