ستندم البشرية،إن بقيت، لعدم التصدي لأمريكا بعد هيروشيما … حلفاء وتوابع أمريكا شركاء في عدوانها / د. عادل سمارة




د. عادل سماره ( فلسطين ) – الثلاثاء 26/11/2024 م …

* لقد جاء راس المال إلى العالم يقطر دماً من راسه إلى أخمص قدميه(ماركس)

وحده نمط الإنتاج الراسمالي الذي طوى عنق الكوكب تحت إبطه حتى قارب الإختناق، ووحده الذي إكتنف الكوكب باسره، إكتنافاً بالقوة والعنف بداية بسلخ فائض القيمة التاريخي (أنور عبد الملك) وفائض القيمة الجاري والريع، كما اضافت الأنظمة التابعة مقدرات محكوميها على شكل تسهيل النهب والتقشيط والتبادل اللامتكافىء. وعليه، فإن ثلاثي الإمبريالية (امريكا واوروبا واليابان) أنفقت وتنفق على حروبها العديدة والمتواصلة من فائض القيمة المسحوب من الطبقة العاملة فس المركز الثلاثي ومن فائض القيمة التاريخي والجاري والريع  والتبرع على صعيد معولم. وهذا يعني أن كل دولةحليفة أو تابعة للمركز بثلاثيته هي مشاركة في كل عدوان قام ويقوم به هذا المركز وبقيادة أمريكا. لعل هذا يضيىء على درجة انحطاط البشرية مهما تلونت بزخرف “التقدم الحضاري”.  صحيح أن هذا التقوُّل من جانبي أكثر تشاؤماً من قول ماركس بأن البشرية بين خيارين البربرية  أو الإشتراكية.

ولتلافي العودة إلى قرون ماضية، نبدأ من حقيقة واضحة ومقيتة وهي  خنوع أو تواطؤ أو مباركة العالم للقصف الأمريكي  بالنووي لهيروشيما وناجازاكي وهو تواطؤ مرَّرته بانحطاط  حتى البرجوازية اليابانية نفسها، وصولاً إلى إتخاذ الموقف نفسه اليوم نفس السلوك تجاه الإبادة الجماعية في غزة ولبنان نصل إلى تهالك موقف إكتفاء معظم العالم بالشجب وخنوع البرجوازيات العربية منتهجة إنحطاط نظيرتها اليابانية بل متجاوزة ذلك بالإنحطاط كشريك في الإبادة في فلسطين ولبنان.

لعل أخطر مراحل التاريخ التي دخلتها البشرية هي الرأسمالية التي هي صناعة بريطانية فأوروبية فأمريكية وغربية بالعموم هي تشكيلة اجتماعية إقتصادية متوحشة علانية وبالفطرة وحينما تتفاقم تصبح إحتكارية معممة وإمبريالية اي اشد توحشاً. بل وأكثر،فهي قد بلغت مستوى تطور تقني مجنون بمعنى تسارع التطور الصناعي والتقني بمعنى توازي ادوات القتل الجماعي/الإبادة  إلى جانب الإنتاج الموسع MASS PRODUCTION

لقد اشر لينين إلى تحول الرأسمالية إلى  الإمبريالية وبأن الإمبريالية هي أعلى مراحل الرأسمالية  ولكن لم يسعفه العمر ليستنتج بأن الإمبريالية ستطول بتفريخها العولمة الرأسمالية وبأنها أي الرأسمالية/الإمبريالية المعولمة سوف تخصي الثورات التي هدفت إقتلاعها، وبأنها لن تتراجع عن حريق العالم بالنووي كي تبقى على عرشه بل دمه. لذا كانت هيروشيما ولا تزال إعلاناً يُخيِّر البشرية بين:

الخضوع الركوعي للغرب بقيادة أمريكا،

أو الفناء والموت الزؤام.وهذا ما يلوح في الأفق بتوفير صواريخ بريطانية عبر  موافقة أمريكا إلى أوكرانيا لضرب العمق الروسي.

لقد كُتب وقيل الكثير عن ما بعد الاستعمار وأن العالم أصبح قرية واحدة، ولكن الحقيقة تدحض كلا الزعمين.  فمختلف، إن لم نقل جميع البلدان التي خرج منها الاستعمار العسكري ومنها مجموعة دول عدم الإنحياز، واصلت انخراطها في النظام الرأسمالي العالمي اي واصلت تحويل ليس فقط فوائضها بل حتى ضرورات حياة مواطنيها إلى الغرب وخاصة أمريكا وتم ذلك بالطبع ضمن ما يُسمى القرية الواحدة أي سهولة التصدير الغربي للسلع والخدمات وما يسمون الخبراء من نمط ما ورد في كتاب جون بيركنز “إعترافات قاتل إقتصادي” وليس تصدير المعرفة التقنية وبالتوازي معه تواصل التحويل المالي من المحيط للمركز  ومنع حراك قوة العمل من المحيط إلى المركز.

وابعد من هذا، فقد أخذت دول غربية وخليجية بشراء أراضي في إفريقيا وتحويلها إلى مزارع خاصة بها تنتج كما ترغب هذه الدول ويتم التصدير منها مباشرة إلى الدول المالكة وهذا شكل من المستعمرات /الإقطاعات “الشرعية”.

ماذا يعني الإنخراط في النظام العالمي؟

 

ربما كان “الإنعزال” هو سؤال أمريكا سابقاً، فقد استولى المستوطنون البيض على قارة بأكملها بما فيها من خيرات وقضوا على معظم السكان الأصليين وغلَّفوا ذلك بأكاذيب تصنيع ديني بأن الله وعدهم بتلك الأرض مقلدين مزاعم الصهاينة بأن الله وعدهم بفلسطين، وزعم وفعل نفس الشيىء المستوطنون البيض في جنوب إفريقيا سواء الهولنديين أو الإنجليز.

ولعل الجواب المنطقي هو أن الله حقاً ليس مجرد مالك عقاري، وإذا كان للمالك العقاري حق الحصول على ثمن الأرض، فقد زعم الخرافيون المعتوهين والدجالين دينيا أن الثمن هو عبادتهم لله! ولكن هؤلاء كانوا اصلاً مجرمين في اوروبا وقاموا بجرائم في القارة المُخضعة والمحتلة وبالتالي لا يتماشى هذا مع التعاليم الآلهية قط وخاصة أن عبادتهم لا تزال تتجلى بالقتل.

باغتصاب تلك القارة والتمتع بخيراتها ومع تطور امريكا المتسارع سواء لاغتصاب أرض مجاناً ونقل التطور الرأسمالي  الأوروبي، وجلب العبيد من إفريقيا أي قوة عمل وأرض وتقنية مجانية كان الجدل في امريكا وخاصة بعد أن اقتلعت الاستعمار البريطاني في الاختيار بين العزلة والاكتفاء وبين التوسع عالمياً.

لكن دينامية نمط الإنتاج الراسمالي والثقافة العدوانية تغلبتا على التيار الإنعزالي لتتحول أمريكا إلى بلطجي وناهب ومقشِّط الكوكب وغدت الحروب وصناعة الحروب هي المصدر الأساسي لقوة وهيمنة امريكا ولا سيما منذ بداية القرن التاسع عشر حيث اختلقت أمريكا “مبدأ مونرو”، وفي ذيلها الغرب عموماً وإن بدرجات.

ومع ذلك تم تسويق امريكا والغرب لنفسه بأنه موقع وموئل الديمقراطية بزعم الحرية والمساواة وناشرها عالميا، وتم ترويج ذلك وقبوله ولعل من أخبث  ما تم الترويج له تصوير الدول الإسكندنافية على أنها دول مسالمة بينما هي نفسها شريكة إمبريالية وإن بحجمها، كما تم الترويج لسويسرا بأنها بلد السلام وهي محطة غسيل الأموال المنهوبة سواء على يد الإمبريالية أو بتهريب حكامها وفاسديها لثروات شعوبهم إلى سويسرا بداية وبشكل خاص!.

إلى جانب تنظير لينين بأن الإمبريالية أعلى مراحل الراسمالية كانت الثورة البلشفية وقيام الاتحاد السوفييتي كأول تطبيق دولاني إشتراكي في التاريخ الأمر الذي استنفر الرأسمالية الغربية عموماً وقامت بحرب عدوانية مباشرة حيث دفعت بمليون ونصف جندي لتقويض التجربة الإشتراكية الأولى مدركة بأنه نقيضها التاريخي الذي ناضل لجعل  الإمبريالية آخر مراحل الراسمالية.

على أن ما يهمنا في هذا المقال هو: إن هيمنة نمط الإنتاج الراسمالي عالميا منذ قرون وارتباط /أو تبعية مختلف الأنظمة الراسمالية في المحيط بالمركز الراسمالي وتكريس التبادل اللامتكافىء والتقشيط والنهب كل هذا كان يصب في طاحونة الرأسمالية في الغرب وخاصة أمريكا.

وهذا يعني تسخير إمكانات الغرب وتوابعه، اي معظم العالم في الصراع ضد الكتلة الإشتراكية وخاصة روسيا والصين الشعبية لاحقاً. أي أن الغرب كان يقاتل الشرق بإمكانياته وإمكانيات بقية العالم  اي ان كل دولة في العالم منخرطة في النظام الراسمالي العالمي هي مشاركة في العدوان ضد الكتلة الإشتراكية وضد البشرية بما فيها شعوب تلك الدول .

وهذا يفتح على البعد الطبقي بمعنى ان الأنظمة المحيطية هي من طبقات متحالفة بشكل تابع مع الإمبريالية على حساب الطبقات الشعبية فيها ايضاً أي هي عدوة للكتلة الإشتراكية ولشعبها وبالتالي للتاريخ. ويبدو أنه رغم الخلل في الكتلة الإشتراكية، فإن هزيمتها كانت اساساً بسبب تكريس ثروات وإمكانات الغرب وتوابعه في تلك الحرب وإن تمت تسميتها بالباردة.

وحتى بعد تفكك الكتلةالإشتراكية، واصل الغرب بقيادة امريكا حربه ضد الصين وروسيا مما يؤكد أن الغرب الرأسمالي الإمبريالي يعتبرالعالم قطاع عام معولم له ويقاتل بأنيابه لبقاء هذا الوضع.

وهذا يعيدنا إلى القناعة بأن الراسمالية هي نظام ونمط إنتاج وتشكيلات وحشية  لا بد من التخلص منها، هذا من جهة ، ومن جهة ثانية،فإن قيام أمريكا باستخدام النووي ضد الشعب الياباني هو دليل واضح على جاهزية الراسمالية لمغامرة الموت وفناء البشرية ممايؤكد أن البشرية حيث غفرت لِ ومرَّرت لأمريكا هذه الجريمة عام 1945 ولم تصطف لهزيمتها واقتلاع عدوانيتها  فإنها إن بقيت سوف تندم على موقفها ذاك.

واليوم،فإن جرائم  الغرب تؤكد وجوب إصطفاف العالم ضد أمريكا ومجمل الغرب في حدثين خطيرين على البشرية جمعاء:

الحدث الأول:  الحرب في أوكرانيا حيث قررت إدارة بايدن ومعها كل الغرب وخاصة بريطانيا تزويد النازية الأوكرانية بصواريخ بعيدةالمدى لضرب العمق الروسي مما يضع العالم عمليا على حافة الحرب النووية، وإذا بدا كأن هذا القرار مناكفة لإدارة ترامب فإن القرار الفعلي هو من الدولة العميقة في الولايات المتحدة والغرب.

والحدث الثاني: حرب الإبادة الصهيونية ضد غزة، ومجمل فلسطين ولبنان وسوريا واليمن، وهي عدوان تشارك فيه جميع الدول الغربية سواء بالأسلحة وخاصة الطيران الحربي وتزويد الكيان الصهيوني بالذخيرة والخبراء والوجستيات والمال.

والجريمة الأوسع أن مختلف الدول المنخرطة في النظام الراسمالي العالمي تساهم عملياً في العدوانين على روسيا وعلى المشرق العربي وضمن هذه الدول مختلف الدول العربية والإسلامية.

وهذا يعيدنا لما ذكرناه أعلاه بأن الله لم يعد اليهود ولا المستوطنين الأوروبيين في أمريكا بارض الآخرين كما أن الدين الإسلامي لم يَعد الأنظمة ال 57 عربية وإسلامية بأن تقف مكتوفة صامتة أو تقف مع الغرب والصهيونية ضد فلسطين.

ويبقى علينا النضال لإثبات أن كل هذه التغليفات الخبيثة هي احتلال للأديان  بتخريج طبعات مختلفة وخطيرة لها كي نصل إلى أن الحروب هي راسمالية تقودها طبقات قليلة العدد ضد الأكثرية الساحقة في سائر الأمم.

 

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

عشرين + 20 =