متابعات، نشرة أسبوعية – العدد مائة / الطاهر المعز
الطاهر المعز ( تونس ) – السبت 30/11/2024 م …
يتضمن العدد مائة، من نشرة “متابعات” الأسبوعية فقرات بعنوان في جبهة الأعداء عن التعاون العسكري الألماني- الصهيوني- الأمريكي وعن درجة مشاركة النظام المغربي في حرب الإبادة التي يمارسها الكيان الصهيوني، وعن ارتفاع عدد القتلى من النساء والأطفال والأطباء والصحافيين في غزة، بشكل لا يتناسب مع التوزيع الدّيموغرافي للسكان، وفقرة عن عمليات هدم القُرى في النّقب (جنوب فلسطين) وصمود أهلها، وفقرة – بمناسبة “عيد الشُّكر” الأمريكي عن وجه الشّبه بين الإبادة الجماعية للسكان الأصليين في أمريكا الشمالية وفي فلسطين، وفقرة عن المناورات السياسية للإتحاد الأوروبي في سوريا، بهدف مُساعدة الكيان الصهيوني على الإستفراد بالمقاومة اللبنانية، وفقرة عن محاولة الحكومة المؤقتة في مالي السيطرة على مواردها الطبيعية، وفقرتان عن المؤتمر الوزاري الأول للشراكة بين روسيا وإفريقيا
في جبهة الأعداء 1
ألمانيا، من النّازية إلى الصّهيونية
كانت شركة صناعة السيارات العابرة للقارات “فولكسفاغن” – التي تأسست خلال فترة الحُكْم النّازي – رمز القوة الصناعية الألمانية طيلة أكثر من ثمانية عُقُود، قبل أن تُصبِح رَمْزًا للأزمة الإقتصادية لألمانيا، أقوى اقتصاد أوروبي، بعد إعلان إغلاق ثلاث مصانع وتسريح ما لا يقل عن ألف عامل داخل حدود ألمانيا، التي انتعش اقتصادها بفضل العقود متوسط وطويلة الأجل التي تمكّنها من تشغيل المصانع ومولّدات الطّاقة بالمحروقات الروسية (خصوصًا الغاز) الرخيصة وذات الجودة العالية، ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا اقتضت الأوامر الأمريكية وقف استيراد الغاز من روسيا، مما أدخل اضطرابا على البرامج الإقتصادية الألمانية طويلة المدى، التي أقرّت التّخلّي عن الفحم الحجري والطاقة النووية (نظرًا لمخاطرها)، في مقابل الإعتماد بشكل كبير على الغاز الروسي الذي تشتريه البلاد بأسعار تفضيلية لفترة طويلة المَدَى، في إطار خطّة التّحوّل نحو “الإقتصاد الأخضر”، وأدّى اصْطِفَاف حكومة الإئتلاف الألماني وراء المواقف الأمريكية إلى تسليم حكومة أوكرانيا مبالغ ضخمة وأسلحة متطورة، فضلا عن الدّعم المالي والعسكري للكيان الصهيوني وعن ارتفاع الإنفاق على التّسلّح، وانفجرت الأزمة بإقالة وزير المالية، وقد تتعمّق الأزمة بعد تنصيب دونالد ترامب رئيسًا تدعمه أغلبية نيابية يمينية متطرفة، عندما يبدأ تنفيذ الحمائية عبر فرض رسوم جمركية على السلع الأوروبية التي تدخل السوق الأمريكية، رغم اتفاقيات الشراكة، وتأتي الصادرات الألمانية في مقدّمة صادرات السلع الأوروبية نحو أمريكا الشمالية، وصَرّح رئيس دويتشه بنك ( المصرف المركزي الألماني) “تواجه ألمانيا تحديات اقتصادية هائلة، بفعل انخفاض النمو الاقتصادي وزيادة النّفقات”، في ظل ارتفاع تكاليف الإقراض للشركات والأفراد، ويُتوقع أن ينكمش الناتج المحليّ الألمانيّ سنة 2024، للعام الثاني على التّوالي ما يعمق حال الركود الإقتصادي، ومشاكل صناعة السيارات والكيماويات والهندسة وقطاعات الإنشاء والبنية التحتية، كنتيجة للإرتباط القوي بالسياسات الخارجية الأمريكية وحلف شمال الأطلسي ( بدعم من معظم أحزاب ألمانيا) وتزامن هذا المناخ السياسي المُتَأَزِّم مع صعود نجم اليمين المتطرف…
بالنسبة لنا كعرب وفلسطينيين، تُعِدُّ ألمانيا عَدُوًّا مُباشرًا بسبب الدّعم غير المحدود للكيان الصّهيوني، مالِيًّا وعسكريًّا وسياسيا وعقائديًّا، والتّعاون العسكري الثّلاثي ( الولايات المتحدة والكيان الصّهيوني وألمانيا) وأعلنت وسائل إعلام صهيونية وألمانية مؤخّرًا، موافقة الولايات المتحدة على مُساعدة الكيان الصهيوني لألمانيا على نَشْر منظومة الدفاع الصاروخي (آرو-3) على الأراضي الألمانية سنة 2025، بقيمة 3,5 مليارات دولارا، وتتضمن هذه المنظومة الأمريكية ( التي فَوّضت شركة صناعات الفضاء الصهيونية لتكون المُتعهّد الرئيسي لنشرها في ألمانيا) صواريخ اعتراضية متطورة “لمواجهة تهديدات الصواريخ الباليستية بعيدة المدى”، وهي أكبر صفقة سلاح يُبرمها الكيان الصهيوني على الإطلاق، وهي من نتائج ارتفاع الإنفاق الحربي الألماني والأوروبي، ونتيجة اصطفاف ألمانيا ومعظم حكومات دول الإتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة ضدّ روسيا، وإن كانت الخسائر الناتجة عن هذا الموقف كبيرة، كما الحال في ألمانيا… عن مواقع وكالة رويترز و وكالة بلومبرغ و موقع محطة إذاعة مونتي كارلو الدّولية 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
في جبهة الأعداء 2
حظرت حكومة إسبانيا، خلال شهر أيار/مايو 2024 رُسُوَّ السفينة “ماريان دانيكا” التي كانت تنقل أسلحة هندية إلى الجيش الصّهيوني، وعلى إِثْرِ ذلك قررت الحكومة المغربية استضافة السفينة في ميناء طنجة الذي استقبل كذلك، خلال شهر حزيران 2024 السفينة الحربية الصّهيونية ( INS Komemiyut ) التي تمكنت من التزود بالوقود قبل مواصلة طريقها إلى فلسطين المحتلة، مما أثار سخط المنظمات المغربية الدّاعمة لنضال الشعب الفلسطيني والمناهضة للتّطبيع، خصوصًا في ذروة عمليات الإبادة في غزة والضفة الغربية، وفي ظل المظاهرات الاحتجاجية من قبل المواطنين المغاربة…
كما حَظَرَت حكومة إسبانيا، يوم السبت التاسع من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2024، رُسُوّ سفينتي شحن تابعتَيْن لشركة ميرسك الدّنماركية ومنعتهما من الوصول إلى منشآتها في ميناء الجزيرة الخضراء، لنقل مواد عسكرية متجهة إلى فلسطين المحتلة، وأكدت وزارة الخارجية الإسبانية أن السفينتين «لن تتوقفا في إسبانيا»، وكالعادة، قررت حكومة المغرب استضافة السفينتين المُحمّلَتَيْن بالأسلحة المُستخدَمة لقتل أبناء الشعوب العربية، في ميناء طنجة، بعد طردهما من إسبانيا، وتُبيّن هذه القرارات المغربية مدى قوة العلاقات بين العدو الصهيوني والنظام المغربي، ومدى مُشاركة الأنظمة الرجعية العربية في إبادة الشعب الفلسطيني واستعمار فلسطين، إلى جانب الصهيونية والإمبريالية، وبخصوص المغرب، أصبح النظام الحاكم في هذا البلد خطَرًا على الجيران وعلى الشعب الفلسطيني، خصوصًا بعد تعزيز العلاقات العسكرية، منذ تطبيع العلاقات في كانون الأول/ديسمبر 2020 الذي عَزّزَهُ اتفاق التعاون العسكري في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، وتوقيع عقد، سنة 2022، مع شركة الصناعات الفضائية الصهيونية لشراء نظام باراك MX المضاد للصواريخ.
في جبهة الأعداء 3
أعلنت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، من خلال بيان صحفي، يوم الجمعة التّاسع من تشرين الثاني/نوفمبر 2024، إن عمليات الإبادة المُستمرة في غزة منذ أكثر من سنة، سابقة تاريخية و”إن هذا المستوى غير المسبوق من الوفيات والإصابات بين المدنيين هو نتيجة مباشرة لعدم الامتثال للمبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي (…) ومن المؤسف أن هذه الانتهاكات الموثقة مستمرة بلا هوادة، بعد مرور أكثر من عام على بدء الحرب”، وكانت الأمم المتحدة قد قامت بإحصاء جزئي لضحايا العدوان، مطابق للإحصاء الفلسطيني، أثبتَ إن النساء والأطفال يشكلون نحو %70 من الفلسطينيين الذين قتلوا في قطاع غزة خلال الفترة من تشرين الثاني/نوفمبر 2023 إلى نيسان/أبريل 2024، وأعلنت المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: “إن هذه النسبة مماثلة لتلك التي قدمتها سلطات غزة”، كما نَشَر التقرير الصادر عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أيضاً تفاصيل مجموعة واسعة من انتهاكات القانون الدولي، والتي ترقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، وأكّدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، “إن النسبة المرتفعة للضحايا من النساء والأطفال تشير إلى انتهاك منهجي ومُخَطّط للمبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي، ولا سيما التمييز والتناسب”، اعتمادًا على العديد من المُؤشّرات، من بينها “إن حوالي 80% من إجمالي الوفيات التي تم التحقق منها حدثت إثْرَ قصف المباني السكنية ما يزيد من حجم القتلى حيث توفي ما يقرب من 90% من الأشخاص في حوادث أودت بحياة خمسة أشخاص أو أكثر، كما تعكس الوفيات التركيبة الديموغرافية لسكان غزة ولا تعكس تركيبة منظمات المقاومة التي لا تضم أطفالاً ونساءً، كما استهدف العدوان الصهيوني المدارس والملاجئ والمستشفيات، حيث يرتفع عدد القتلى من الأطباء والعاملين بالقطاع الصحي والإغاثة بشكل لا يناسب عددهم ضمن العغدد الإجمالي للسكان، وكذلك الشأن بالنسبة للصحافيين، حيث تم اغتيال 188 صحافياً فلسطينيا وهي “حالة فريدة من نوعها في تاريخ الحروب” لكنها لم تُثِر سُخْط وسائل الإعلام ونقابات الصحافيين في العالم، كما لم تُعبّر نقابات الأطباء وعمال الرعاية الصحية عن غضب مُنْتَسِبِيها احتجاجًا على قتل العاملين في مجال الطب والإغاثة وإنقاذ المُصابين، لم لا تندّد منظمات حقوق المرأة أو الطّفل أو المنظمات الحقوقية بما يحصل، وانتهاك الحكومة والصهيونية وحكومات الدّول الدّاعمة لها قرار مجلس الأمن بإنهاء جرائم الإبادة الجماعية فورا وأوامر محكمة العدل الدولية التي تدعو إلى اتخاذ تدابير وقائية لمنع الإبادة الجماعية وتدعو إلى تحسين الوضع الإنساني الكارثي في غزة وقرار المحكمة الجنائية الدّولية باعتقال بعض المسؤولين الصهاينة عن هذه المجازر…
النّقب – عَيِّنة من معاناة وصمود شعب فلسطين
يستهدف الكيان الصهيوني الفلسطينيين في جنوب فلسطين (النّقب) ويريد إزالة عشرات القُرى التي يعتبرها “غير شرعية” ويحرم سكانها من مجموعة من الخدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وهذه القرى قائمة قبل النّكبة، واستغل الجيش الصهيوني اهتمام وسائل الإعلام والجمعيات المحلية بما يجري في غزة ولبنان ليُكثّف عمليات الهدم لمباني “النَّقَب” التي ارتفعت بنسبة 400% خلال الأشهر العشرة الأولى من سنة 2024 مقارنة بالعام السابق ( 2023 )، وفق تصريح لأحد وزارء الإحتلال في الكنيست، وتباهى الوزير بعمليات التّدمير التي تُضَاعِفُ معاناة السّكّان الأصليين للبلاد الذين يعيشون على أرضهم وفي وطنهم، وتضم منطقة النقب 51 قرية فلسطينية “غير معترف بها”، وهي مستهدفة باستمرار بالهدم قبل تنفيذ خطط لتهويد المنطقة من خلال بناء منازل وتجمعات جديدة لمستوطنين يأتون من مختلف مناطق العالم لاحتلال البلاد وتشريد أهلها، وهدم الجيش الصهيوني قرية “العراقيب” 230 مرة، منذ 2010، ليعيد أهلها بناء بعض بيوت الصفيح والخيام ورفض مُغادرة قريتهم، وهو شكل من أشكال صمود الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة خلال النكبة ( 1948/1949) وتمسكه بوطنه… ( يُتابع المركز الفلسطيني للإعلام والعديد من المجموعات الغعلامية والحُقوقية الفلسطينية أخبار القمع والصّمود في كافة أنحاء فلسطين)
من أُسْطُورة “عيد الشّكر” إلى المَجازر الصّهيونية
تحتفل الولايات المتحدة بما سُمِّيَ “عيد الشُّكْر” (Thanksgiving )، يوم الخميس الأخير من شهر تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام، وهو يوم عُطْلة رسمية، منذ سنة 1863 (بأمْر من الرئيس أبراهام لنكولن)، وتستند الذّكرى على أُسْطُورة لا أساس لها من الصّحّة، تَمّت صياغتها بعد حوالي قَرْنَيْن من بداية الإحتلال وعمليات الإبادة، ومفادها إن الغُزاة القادمين من أوروبا قدّموا للسّكّان الأصْلِيِّين وجبة دسمة وتناول الجميع الغذاء معًا في احتفال بهيج، وتم ترويج هذه الأُسْطُورَة المُؤَسِّسَة للتاريخ الرّسْمي الأمريكي وتم تدريسها لطلبة اللغة الإنغليزية في جميع أنحاء العالم، وتختلف هذه الأسْطُورة (الخُرافة) عن الوقائع التي تُؤَكِّدُ إن الغزو الأوروبي للقارة الأمريكية كان دَمَوِيًّا منذ بدايته ( 1492) وخصوصًا في أمريكا الشمالية منذ بداية القرن السابع عشر، وأَدّى إلى قَتْل الملايين من السكان الأصليين، والإستيلاء على ممتلكاتهم وأراضيهم، وونقل من نجا من القتل إلى مَعازل ومحتشدات لا يزال بعضها قائما، ولذلك يُطلق السّكّان الأصليون على هذه الذّكرى ( المُصْطَنَعَة ) إسم عيد القَتْل أو (Thankskilling ) أو Thankstaking)) للتّذكير بالتاريخ الطويل والعنيف للعلاقة الدّموية والتّناحُرِيّة بين المُستعمِرِين المستوطنين الأوروبيين والسكان الأصليين الذين عانوا من وحشية الاستعمار والإبادة الجماعية، بمُباركة رجال الدّين الذين اعتبروا السكان الأصليين “أناسًا متوحشين وقُسَاة وهَمَجِيين وغادرين وناكرين للمعروف”، مما يُبيح قَتْلَهُم، ويتعارض هذا التّوصيف مع الأُسطورة التي تدّعي إن المُستوطنين الأوروبيين قدّموا لهم طعامًا لذيذًا وتناولوا معهم وجبة دَسِمَة قوامها الدّيك الرّومي.
قال ويليام برادفورد ( 1590 – 1657)، حاكم مُستعمرة “بليموث”، عن مذبحة وادي “بيكوت” سنة 1937: “لقد قُتِل نحو 400 شخصًا ومن نجا من الطلق الناري تم تقطيعه إلى أشلاء بالسيف، حتى تم القضاء عليهم بسرعة ولم ينجُ منهم سوى عدد قليل، وتم شواء القتلى فكان منظرهم في النار مخيفًا، حيث كانت الرائحة الكريهة تنبعث منهم، ولكن النصر بدا وكأنه تضحية حلوة، وقد قدم المُنتَصِرُون صلواتهم إلى الله الذي صنع لهم هذا النّصر العجيب…”
يُشكل “عيد الشّكر” ذكرى احتفال المحتلين بهذه المجازر والإبادة الجماعية للسّكّان الأصليين وشكروا الله على النصر، وتم مَحْو إسم الشعوب والقبائل وتم تغيير أسماء الأماكن ومحو تاريخ السكان الأصليين، واعتبار التوسع الاستعماري الأوروبي الأبيض عملية حضارية، خِدْمَةً للإنسانية التي تنحصر في المُستَعْمِرِين الأوروبيين.
استلهمت الحركة الصّهيونية برامجها ومخطّطاتها من تاريخ ولغة وخطاب وممارسات الاستعمار الاستيطاني الأوروبي لأمريكا الشمالية وأستراليا ونيوزيلندا، وتزييف التاريخ وتغْيِيب (أو إخْماد) رواية السكان الأصليين الذين نَجَوا من عمليات الإبادة، وتم تهجيرهم وتجميعهم في معازل (مخيمات اللاجئين) وتجويعهم وقتلهم من خلال القصف اليومي العنيف ومن خلال الحصار والتجويع والمرض، ورغم الفارق الزّمني، يُعاني الشعب الفلسطيني من الإبادة الجماعية و”الإستبدال” أمام أنظار العالم بدعم من الإمبريالية وبتواطؤ من الأنظمة العربية وتبرير وسائل الإعلام للجرائم الصّهيونية واستهداف النساء والأطفال والصحافيين والأطباء والمباني والمستشفيات والمدارس والأراضي الزراعية للقضاء على مُقوّمات الحياة…
سوريا والإتحاد الأوروبي
طالبت كاثرين أشتون، الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، خلال شهر تموز/يوليو 2011، بعد حوالي ستة أشهر من بدء العدوان على سوريا، بإقالة الرئيس بشار الأسد، وبعد عشر سنوات، شدد الاتحاد الأوروبي – اقتداءً بالولايات المتحدة – العقوبات الاقتصادية على سوريا، ولكن، ومنذ سنة 2015، دخلت تركيا في عملية مُساومة مع الإتحاد الأوروبي وفتحت حدودها ليتدفق اللاجئون من أفغانستان والعراق وسوريا وفلسطين، وحتى من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى الإتحاد الأوروبي، ولم تُغلق الحدود سوى بعد حصولها على حوالي 6,5 مليارات يورو سنويا، واعتبر الإتحاد الأوروبي تلك العملية بمثابة “أكبر نزوح جماعي في التاريخ الحديث”…
بعد ثلاثة عشر سنة ونصف من الحصار والتّدمير والإحتلال، أرسل الإتحاد الأوروبي مندوباً ( لم يتم ذكر إسمه وبلده) إلى سوريا خلال شهر تشرين الأول/اكتوبر 2024، في زيارة سرّيّة، لبحث ما يجري في محيط سوريا التي تحالف الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحكومات معظم الأنظمة العربية (خصوصًا دُوَيْلات الخليج) لتخريبها، سنة 2011، بالتزامن مع تخريب وتفتيت ليبيا، ولا تزال الولايات المتحدة وتركيا والمجموعات الإرهابية، بما فيها مليشيات العشائر الكُرْدِيّة، تسيْطر على أجزاء من سوريا، ولم يتم الإعلان عن الزيارة ولا عن جدول أعمالها، ولم تنشر وسائل الإعلام شيئا، لكن التسريبات تشير إلى أن الأمر كان يتعلق بالتفاوض على الإقتراح الفرنسي الأمريكي لوقف إطلاق النار في لبنان، والذي لا يمكن تحقيقه سوى بسيطرة سوريا على حدودها مع لبنان ومنع مرور الأسلحة إلى المقاومة اللبنانية، مع التذكير بتدمير العدو الصهيوني معظم المعابر بين سوريا ولبنان، بذريعة قطع طريق الإمدادات عن حزب الله، ولا يتجاوز دور الإتحاد الأوروبي مُساعدة الكيان الصهيوني على مُحاصرة المقاومة اللبنانية من خلال سيطرة النظام السوري على الحدود التي كانت طريقا لعبور الإرهابيين والأسلحة والعتاد من لبنان، لتدمير سوريا، ولن تحصل سوريا – في حال قبول الإقتراح – سوى على وُعُود بإعادة فتح ملف إعادة إعمار سوريا، واستعداد الإتحاد الأوروبي لدفع بعض تكاليف إعادة إعمار ما تم تدميره أثناء الحرب، ولو جزئياً…
مالي- خطوة نحو السيطرة على الثروات الباطنية
تستغل الشركات العابرة للقارات – خصوصًا ذات المنشأ الكَنَدِي والأسترالي – العديد من المناجم في دول “الأطراف” ( بلدان المُحيط أو “الجنوب العالمي”) ومن ضمنها مناجم الذّهب في مالي التي أعلنت حكومتها الإنتقالية حملة ضد شركات التعدين الأجنبية الكبرى، بسبب عدم تسديد الضرائب وعدم احترام بنود العُقُود وسلامة البيئة والمُحيط، وأرسلت الحكومة مُذَكِّرَةً بتاريخ الثامن من تشرين الأول/اكتوبر 2024، إلى الشركة الكندية العملاقة “باريك غولد” (Barrick Gold ) التي تسيطر على 80% من مناجم لولو جونكوتو للذّهب في غرب البلاد، تطالبها بسداد 512 مليون دولار من الضرائب على الأرباح، ولما رفضت الشركة الإستجابة لطلب الحكومة، تم احتجاز أربعة من موظفيها لفترة وجيزة للتّدقيق في الحسابات، وكشفت عملية التدقيق عن مخالفات ضريبية كبيرة، واضطرت “باريك غولد” لتسديد مبلغ صغير ( 17 مليون دولارا) لتعليق الإجراء مؤقتًا.
بعد حوالي شهر، أدّى التّحقيق في مخالفات الشركة الأسترالية (Resolute Mining ) التي تمتلك 80% من منجم سياما الاستراتيجي للذهب، إلى اتهامها بتزوير الحسابات والتّهرّب من الضّرائب، والإضرار بالممتلكات العامة، ولما رفضت الشركة الإستجابة لطلبات الحكومة المؤقتة، ألقت الشرطة القبض على مدير الشركة مع العديد من المديرين التنفيذيين، في أحد فنادق العاصمة باماكو، للتّحقيق معهم، ولم تذكر وسائل الإعلام ولا بلاغ الحكومة تفاصيل أخرى، وتُمثل الحادثتان نقطة تحول في إدارة موارد الذهب في البلاد، ومراجعة استغلال وإدارة قطاع التعدين، وفق وزير المناجم الذي أعلن أن مراجعة العقود مع ثلاث شركات ( B2Gold وAllied Gold وRobex ) قد تُضيف حوالي مليارَيْ دولار لموارد الدّولة سنويا، كما تعتزم الدّولة زيادة حصتها من 20% إلى 35% في مشاريع التعدين وخفض الحوافز والإعفاءات الضريبية للشركات الأجنبية التي طالبها رئيس الحكومة الانتقالية بالإلتزام بالشروط الجديدة أو مغادرة البلاد، وتهدف هذه السياسة أيضًا إلى تعزيز التوظيف المحلي في المناصب الإدارية وتحقيق أقصى قدر من الفوائد الاقتصادية للسكان والمساهمة في التنمية المحلية، لبناء الطرقات والبنية التحتية للطاقة والمياه.
تعتمد مالي على قطاع التعدين للحصول على العملات الأجنبية، وبلغ إنتاج الذّهب، سنة 2022، أكثر من 72 طنا، وكان الذّهب يُمثّل سنة 2022، حوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي، و25% من الميزانية، و75% من الصادرات، بإنتاج ، في حين أن الأبحاث المتعلقة بالنفط واعدة، فيما بدأ استغلال أول منجم لمعدن الليثيوم في البلاد (الضروري لشرائح الحواسيب والهواتف وبطاريات السيارات الكهربائية…)، في مدينة جولامينا، جنوب البلاد، حيث بلغت حصة الدّولة 35% بدلا من نسبة 20% التي كانت سائدة في عقود التّعدين، وأدّت هذه الخطط الجديدة لزيادة إيرادات الدّولة من موارد البلاد، كالذّهب والنحاس والكوبالت والليثيوم والنيكل، وهي مواد مطلوبة في الأسواق العالمية
قدّرت حكومة مالي خسارتها من قطاع التعدين بقيمة تتراوح بين نصف مليار ومليار دولارا واحد، سنويا، نتيجة استغلال الشركات الأجنبية لمواردها التعدينية الهائلة كالذهب والليثيوم والحديد، وأفضت الدّراسة التّقْيِيمِيّة إلى إصدار قانون التعدين الجديد الذي يسمح للحكومة بالحصول على حصة 10% في مشاريع التعدين وخيار شراء 20% إضافية خلال أول عامين من الإنتاج التجاري مع السماح بمشاركة إضافية بنسبة 5% للقطاع الخاص المحلي، وهو ما من شأنه رفع الحصة الوطنية ( القطاعين العام والخاص) إلى 35% بدلا من نسبة 20% الحالية“، وبهذه الطريقة استولت الدولة والشركات المحلية على 35% من منجم الليثيوم في جولامينا، وأكد وزير المناجم أن “الهدف النهائي هو أن يتم تكرير كل الذهب المنتج هنا، وكذلك الشأن بالنسبة للمعادن الأخرى” وعلى سبيل المثال، يُباع البوكسيت الخام بسعر 65 دولارًا للطن، وبعد تكريره وتحويله إلى ألومنيوم، يُباع بسعر 2335 دولارًا للطن، بناءً على متوسّط أسعار نهاية سنة 2023.
روسيا – إفريقيا 1
بعد مؤتمر سوتشي وقمة قازان ( وهما في جنوب غربي روسيا) لمجموعة بريكس، والقمة الروسية الافريقية في سانت بطرسبورغ صيف 2024، انعقدت الدّورة الأولى للمؤتمر الوزاري للشراكة الرُّوسية الإفريقية في “سوتشي” يومي السبت 09 والأحد 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، بمشاركة ممثلي خمسين دولة إفريقية (من إجمالي 53)، في إطار الخطّة الروسية لتوسيع الشّراكة مع بلدان آسيا وإفريقيا، واستغلال انتكاسة الإمبريالية الفرنسية في منطقة غربي إفريقيا للعب على حبل العلاقات السوفييتية الإفريقية قبل انهيار الإتحاد السوفييتي، وإعادة تعزيز نفوذها في دول القارة التي لم تنضم إلى العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بعد بداية الحرب في أوكرانيا ( شباط/فبراير 2022 )، وتستخدم روسيا شعارات بَرّاقة مثل “بناء عالم متعدّد الأقطاب” أو “مُساعدة الدّول الإفريقية على تحقيق التنمية المستدامة و مكافحة الإرهاب والتّخَلُّص من الَّتَبَعِيّة إزاء آليات الغرب…”، وتدّعي حكومة روسيا إنها تُقاوم “الإستعمار الجديد” وتعمل على إرساء دعائم “نظام عالمي أكْثَر عدْلاً”…
أدّى تراجع النّفُوذ الفرنسي إلى تزايد النفوذ الرّوسي في المستعمرات الفرنسية السابقة بقارة إفريقيا، وإرسال مُستشارين عسكريين إلى إفريقيا الوسطى والدول المحيطة بالصّحراء الكُبرى وباعت روسيا أسلحة بقيمة فاقت خمسة مليارات دولارا إلى البلدان الإفريقية، وفقا لشركة روسوبورون إكسبورت الحكومية الرّوسية، وتبدي مجموعات روسية كبرى اهتماما خاصا باستغلال المواد الأولية في إفريقيا، ولا سيما الألماس في أنغولا وزيمبابوي، والنفط في نيجيريا وغانا والكاميرون وجمهورية الكونغو الديموقراطية، والبوكسيت في غينيا، وكذلك بتطوير المجال الرقمي في إفريقيا، وسبق أن أعلنت روسيا إمداد الدول الافريقية بالحبوب سواء على اساس تجاري او مجاني، ومساعدة الدول الافريقية في مجالات التّعاون الأمني لمكافحة الإرهاب والرعاية الصحية وتطوير قطاع الطاقة، غير إن حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول الافريقية، لا يتجاوز 25 مليار دولار سنويا، وتبذل روسيا جهودًا لتطوير العلاقات التجارية والشراكة الإقتصادية والإستثمارات مع الدول الافريقية، لِفَكّ الحصار الأمريكي والأوروبي، وسبق أن وقّعت روسيا اتفاقيات للتعاون العسكري التقني مع 33 دولة إفريقية، وأعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عن توقيع مجموعة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم شملت مختلف المشاريع مع دول إفريقيا، خلال المؤتمر الوزاري للشراكة “الإفريقية-الروسية” في سوتشي، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية (فرنس برس) و قناة “روسيا اليوم” بتاريخ العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2024.
روسيا و إفريقيا 2
أكد الرئيس الروسي، خلال شهر تشرين الأول/اكتوبر 2024، أن أفريقيا ستصبح أحد مراكز النمو الاقتصادي العالمي، وأعلن وزير الخارجية (سيرغي لافروف) بمناسبة منتدى الشراكة الروسية الإفريقية أن روسيا مستعدة لمساعدة أفريقيا في مجال الأمن، في محاولة لتقديم السياسة الخارجية الروسية الحالية كاستمرار ليساسة الإتحاد السوفييتي الذي ساعد حركات التّحرّر والدّول حديثة الإستقلال، ضد الإستعمار الجديد، وفي ختام منتدى الشراكة الروسية الإفريقية، أعلن أنطون كوبياكوف، مستشار بوتين وأمين اللجنة المنظمة للقمة الروسية الإفريقية، خلال مؤتمر صحفي يوم السبت التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر 2024، عن “توقيع روسيا اتفاقيات تعاون عسكري وفني مع 33 دولة أفريقية، وافتتاح بعثات تجارية روسية في السنغال وتنزانيا، فضلا عن خطّة لفتح مركز روسي لإدارة الأزمات في بوروندي قريبًا، لتعلب روسيا دَوْرَ الضامن لأمن دول القارة الإفريقية، كما تخطط روسيا حتى عام 2030 لإنشاء نظام مالي مستقل للاتفاقيات مع الدول الأفريقية، قبل حلول سنة 2030، بالتزامن مع زيادة إمدادات الأسمدة المعدنية ومنتجات وقاية النباتات والآلات الزراعية الرّوسية إلى البلدان الأفريقية… وإن روسيا مستعدة لتقاسم تقنياتها الغذائية والزراعية مع بلدان إفريقيا، فضلاً عن تنظيم مشاريع بحثية مشتركة في القطاع الزراعي…
صَرّح وزير خارجية بوركينا فاسو، خلال القِمّة، إن روسيا شريك دولي أكثر ملاءمة من فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، التي ساءت علاقاتها مع العديد من حكومات الدّول الإفريقية، وقَارَنَ وزير خارجية مالي بين شراكة الكرملين “الصادقة” والعلاقات “الاستعمارية الجديدة” مع القوى الغربية، وتجدر الإشارة إلى زيادة التعاون في المجال العسكري وإقامة مشاريع مشتركة في قطاعات الطاقة والاتصالات والتكنولوجيا والتعدين بين روسيا والعديد من الدّول الإفريقية…