الصحراء الغربية: فرنسا والمغرب ينتهكان “القانون الدولي” / الطاهر المعز
الطاهر المعز ( تونس ) – الثلاثاء 3/12/2024 م …
تم، يومي 28 و29 تشرين الأول/أكتوبر 2024، التوقيع على أربعين عقدا واتفاق تعاون بقيمة عشرة مليارات يورو، خلال الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب، وهي الأولى منذ سنة 2018، وكانت هذه الرحلة إيذانا بالمصالحة الدبلوماسية بين الدولتين بعد شجار دام ثلاث سنوات، وانحيازًا فرنسيا ضدّ الشعب الصحراوي وضدّ الشعب الجزائري، وتتويجًا لاستفزازات فرنسية رسمية وحملة إعلامية ضد الجزائر (سُلْطَةً وشعبا) لكن سلطت هذه الزيارة والإتفاقيات الضّوء على مدى الأجندة الاقتصادية والدّبلوماسية لسلطات فرنسا والمغرب وعلى نهب ثروات سكان الصحراء الغربية، التي يعتبرها القانون الدّولي – وفق قرارات الأمم المتحدة – منطقة محتلة أو “غير مستقلة“، غير إن الحكومة والشركات الفرنسية لا تهتم سوى باستغلال ثروات الصحراء الغربية، خصوصًا بعد خسارة العديد من المَواقع في مُسْتَعْمراتها السابقة إفريقيا الغربية وآخرها إنهاء العمل باتفاقيات الدّفاع المشترك بين فرنسا وتشاد والسنغال.
حَلَّ إيمانويل ماكرون بالمغرب برفقة وفد يضم 150 شخصية بينهم 40 رجل أعمال ورئيس أو مدير شركة، فقد زاد اهتمام الشركات الفرنسية بالمغرب منذ قرار الإتحاد الدّولي لكرة القدم تنظيم البطولة الدّورية لكأس العالم سنة 2030 على ضفَّتَيْ قارّة أوروبا ( إسبانيا والبرتغال) وإفريقيا (المغرب)، مما يتطلب العديد من ورشات البُنية التّحتية والنّقل وما إلى ذلك، فتعدّدت العطاءات والمناقصات والعقود الكبيرة التي تريد الشركات الفرنسية الحصول على حصة الأسد منها، كما زاد اهتمام الشركات الفرنسية بثروات الصحراء الغربية الساحلية ( الثروة السّمكية ) والمعادن، في هذه الأراضي المحتلة التي تُقدّر مساحتها بنحو 266 ألف كيلومتر مربع.
سبق أن تَوَتَّرَت العلاقات بين الدولتين بسبب قضية “بيغاسوس” (التجسس المغربي لصالح الكيان الصهيوني) والقرار الفرنسي تخفيض عدد التأشيرات التي تصدرها القنصليات الفرنسية في المغرب، ولكن هذه “الأزمات الصّغيرة” التي عطّلت حركة البشر (الفُقراء خصوصًا) من المغرب إلى فرنسا، لم تعرقل حركة رأس المال والتجارة بين المغرب وفرنسا التي بلغت رقمًا قياسيًّا تاريخيًّا سنة 2023، وفق البيانات الرَّسْمية، وتشكل هذه الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي فرصة للشركات الفرنسية للاستثمار في المغرب في قطاعات النقل بالسكك الحديدية واستغلال فوسفات الصحراء الغربية والطاقة والإستثمار في مؤسسات التعليم الخاص والتدريب المهني و”التعاون الثقافي” وغيرها من المجالات التي تُمكّن الشركات الفرنسية من الإستثمار في تنظيم كأس العالم 2030، وإنشاء ملعب كبير في منطقة “بن سليمان”، وفي البنية التحتية بمنطقة الدار البيضاء – سطات، بالإضافة إلى مشروع السكة الحديدية الذي يتضمن تمديد الخط الفائق السرعة بين المدينة الساحلية طنجة ( ذات الميناء الضّخم) والدار البيضاء لكي يصل إلى مراكش…
بعد أيام قليلة من إعلان الرئيس الفرنسي بشأن اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية ( آب/أغسطس 2024)، الذي يشكل انتهاكا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فازت شركة أشغال السكة الحديدية الفرنسية (Egis Rail ) بعقد لمشروع كبير، وفضّلتها السلطات المغربية على شركة إسبانية قدّمت عَرْضًا أَفْضَل ماليا وتقنيا، لكن القرار سياسي وليس اقتصادي أو مالي، وخلال زيارة إيمانويل ماكرون، وقعت شركة أَلْسْتُوم الفرنسية عقدا بقيمة مليار يورو لبيع مجموعة من 18 قاطرة للمغرب.
بعد أقل من أسبوعين من هذه الزيارة الرسمية ( زيارة ماكرون)، وفي السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، زار السفير الفرنسي بالمغرب مدِينَتَيْ العيون والدَّخْلة، أهم مُدن الصحراء الغربية المُحْتلّة، برفقه وفد مؤلّف من خمسين من رجال الأعمال الذين جاءوا للمُعاينة وللإستطلاع بالمنطقة مع فرع الغرفة الفرنسية للتجارة والصناعة بالمغرب، وستقوم الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) بالاستثمار في الصحراء الغربية، لأن السلطات الفرنسية تعتبر هذه المنطقة خاضعة للسيادة المغربية وجزءًا من المغرب، بحسب مدير هذه الوكالة الحكومية الفرنسية.
تتمتع الصحراء الغربية بمنطقة ساحلية طويلة وثرية على طولالمحيط الأطلسي، كما تتمتّع بمناخ طبيعي نموذجي لإنتاج الطاقة الخضراء (الشمس والرياح)، مثل الهيدروجين الأخضر، وأطلق المغرب دعوة للشركات العالمية، خلال شهر آذار/مارس 2024، لاستغلال مليون هكتار يمكن أن تنتج 4% من الطلب العالمي على “الطاقة النظيفة” بحلول سنة 2030. وفازت الشركات الفرنسية – التي لم تكن عُرُوضُها أَفْضَل من غيرها – بأربعة من أصل تسعة مشاريع في مجال الطاقة، بالإضافة إلى ستة مشاريع أخرى في المنطقة، في مجالات الطاقة المتجددة، والبنية التحتية للكهرباء، والأمونيا الخضراء، وتحلية المياه والتنمية المستدامة، والبحث والابتكار الخ، وتقع معظم مشاريع الطاقة المتجددة، والبنية التحتية الكهربائية، والهيدروجين الأخضر، وخطوط شبكة الكهرباء، ومواقع إنتاج الفوسفات، والمياه المحلاة، في الصحراء الغربية المُحتلّة، كما تنفذ مجموعة النفط توتال (ذات المنشأ الفرنسي) مشروعًا كبيرًا مرتبطًا بالهيدروجين الأخضر مع شركتَيْن دنماركيَّتَيْن، وكان مديرها من بين الرؤساء الذين رافقوا إيمانويل ماكرون ووقعوا عقدا أوليا لمركز إنتاج الأمونيا الخضراء في منطقة “الشبيكة”، وهو مشروع ضخم مخصص للتصدير وتلبية احتياجات السوق الأوروبية…
أصر إيمانويل ماكرون مرارا وتكرارا على الأهَمِّيّة الاقتصادية للصحراء الغربية والدّفاع عن مصالح الشركات الفرنسية، مما يُبَرِّرُ الاستثمارات العامة الفرنسية ( الإستثمارات الحكومية بواسطة الوكالة الفرنسية للتنمية الدّولية)، رغم المشاكل القانونية ( مخالفة القانون الدّولي وأَحْكام القضاء الأوروبي)، خصوصًا منذ أن ألغت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، يوم الرابع من تشرين الأول/اكتوبر 2024، بطلب من الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذّهب ( بوليساريو)، اتفاقيتين للتبادل الحر تم إبرامُهُما سابقًا بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، تتعلق إحداهما برخص الصيد التي يمنحها المغرب للدول الأوروبية قبالة سواحله، التي ضَمَّنَها سواحل الصحراء الغربية، لتستغلها شركات الصّيد الأوروبية – مقابل مبلغ زهيد تستفيد منه حكومة المغرب – فضلا عن استغلال الأراضي لإنتاج الخضار والفواكه المُعَدّة للأسواق الأوروبية، ويُشير قرار المحكمة الأوروبية إلى ضرورة موافقة الشعب الصّحراوي على استغلال سواحله وأراضيه ومياهه على تصدير المنتجات الزراعية والبحرية، لأن أي اتفاقية تجارية تتعلق باستغلال الموارد الطبيعية يجب أن تكون بموافقة شعب“الصحراء الغربية” بحسب محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي.
قَدَّمَ محامي جبهة البوليساريو شكوى جديدة ضد عدة شركات فرنسية وقّعت عقودًا مع الدّولة المغربية لاستغلال موارد الصحراء الغربية، لأن إيمانويل ماكرون – ممثل الدولة الفرنسية – لم يحترم الشروط التي حددها القانون الدولي ومحكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي…
لم تُطالب السّلطات المغربية – منذ الإستقلال الشّكلي سنة 1956 – بأراضي الصحراء الغربية التي كانت تحتلها إسبانيا، فيما كانت جبهة البوليساريو تُقاتل من أجل الإستقلال، وبعد وفاة الدكتاتور فرنكو، أعلنت إسبانيا انسحابها من الصحراء الغربية، واتفقت على تقسيمها بين المغرب وموريتانيا، وتخلت هذه الأخيرة عن “حصّتها” بعد بضعة سنوات، فيما نظّم المغرب مسيرة (بإشراف الجيش) لاستيطان الصحراء، واستولى النظام المغربي على الجزء الساحلي الذي يضم الثروة السّمكية والفوسفات والمعادن الأخرى، وبَنَى جدارًا ضخما للتّحصّن من هجمات جبهة البوليساريو التي تدعمها الجزائر، ورفض المغرب (مدعومًا من الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية ) منذ قرابة خمسة عقود، تطبيق قرارات الأمم المتحدة بتنظيم استفتاء حول تقرير المصير…