كيفما أرادتْ الحربُ أن تتقلَّب ( نصّ إبداعي ) / هدى فخر الدين
بَيْتٌ
طفلةً، ما كان لي بيتٌ واحدٌ أحنُّ إليه.
كنّا ضيوفًا على حيواتِنا،
مترقبين نتنقلُ بين الملاجئ والأمكنةِ المستعارةِ
كيفما أرادَتْ الحربُ أن تتقلَّبَ
في فراشها الوثير
غافلةً.
كنّا نتبعثرُ ومن مثلَنا في ظلِّها المترنّح.
نقيمُ في الشققٍ المفروشةِ وبيوتِ الأقاربِ المهجورةِ،
فنطلُّ كلَّ يومٍ من نافذةٍ جديدةٍ على بيروتَ المراهقةِ مفتونةً
بما يلمعُ من أسلحةٍ،
بِصِبيَةٍ يتبارون في استدراج ِ القَدَرِ،
نلمحُهم من النوافذِ يركضون،
يسابقون الموتَ إلى مداخلِ الأبنية.
لمْ تكنْ لي غرفةٌ أقفلُ بابَها على أوهامِ البناتِ وخَيالاتِهنَّ.
كانَ لي حيزٌ يضيقُ ويتّسعُ كيفما شاءتْ الحربُ
أنْ تحكمَ قبضتَها على الزمنِ الصغيرِ
الذي كان حياتي.
حين تضجرُ وتَتَمطّى مُرسلةً أطرافَها المُتململةَ
الى الأزقّة الخلفية والشوارع ِ الفرعية،
يتّسعُ زمني مدى شُرفة أو مُربع ِ ضوءٍ تحتَ شُبّاك.
وحين تَسْتعر مالئةً كلَّ سماءٍ فوقَ رؤوسنا،
يضيقُ زمني مدى زاويةٍ مُعتمةٍ
أو ظلِّ كرسي
أو حافةِ سرير.
حين ماتَتْ الحربُ
أو قُتِلَتْ
ـ ربما باغَتَها صبيةٌ مَلّوا من اللعب –
حينَ ماتَتْ الحربُ أو قُتِلَتْ،
انهارَتْ شِباكُ الأزمنةِ الضيّقةِ التي حَبَكْناها،
ووقعَتْ السماءُ التي رفعناها على أعمدةٍ
من الرمل والأمل.
حين ماتَتْ الحربُ، سقطنا خارجَ الزمن.
ولأنّنا لمْ نَمُتْ
كان علينا أنْ نَتَعَلَّمَ
الحياةَ من جديد.
دَمٌ
هو ذا سفرُهم في الأرض…
تتعاقب نجومٌ وتشتعلُ جهاتٌ
وهُم حطامٌ يبعثُ ويعاد.
يُحْصَدون كحقولِ قمح ٍ أنهكَهَا الانتظارُ
واحترقَتْ فوقَها شموسُ حقدٍ عابرة.
المدى أمامَهم قبرٌ مفتوحٌ
سُحُبٌ ابتلعَتْ نَفْسَها قهرًا.
وأنتَ هناك
في الجانبِ الآخرِ مِن صمتٍ بيننا،
تكسرُ جِدارَه بكلمةٍ شاردةٍ،
تَدْعوني لِنَضطَّربَ معًا
لِيُعاتِبَ واحدُنا الآخرَ على شَبَق ٍ،
على نَزَق ٍ،
على سهو ٍ
يُشتِّتُ به واحدُنا نفسَه
عن سيلٍ آتٍ.
فنهوي معًا،
يجرفُنا غضبٌ مكنونٌ،
نلوذُ إلى صمتٍ ما بيننا،
نتركُ حفرة الكلام تمتلئ دمًا.