لا يخفى ان الجيش العربي السوري يخوض معاركه مع قوى الإرهاب التكفيري المدعوم أميركياً وصهيونياً وتركياً انسجاماً واستجابةً لكلمة الرئيس الحاسمة:
– “أن الإرهاب لا يفهم إلا لغة القوة وهي اللغة التي سنكسره ونقضي عليه بها أياً كان داعموه ورعاته” ..
– “ان الإرهابيين لا يمثلون شعباً ولا مؤسسات، هم يمثلون فقط الأجهزة التي تشغلهم وتدعمهم” ..
ندرك جيداً أنها جولة جديدة من مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد الذي يسعى لتقسيم المقسم وتفتيت المفتت في منطقتنا العربية، كما اشرت في عدد من مقالاتي السابقة كان اخرها:
[من لواء جولاني الى ابي محمد الجولاني: أنقذونا، فقد هُزِمْنا وانتصرت المقاومة .. اما الثأر فمعقود بنواصيكم وما نواصيكم الا بايدينا!]
اذن هذا مشروع يتماهى مع المشروع الصهيوني المعروف بـ “إسرائيل الكبرى/العظمى” من النيل إلى الفرات، لتقوم “أمبراطورية يهوه” كما كان يحلم “الحاخام مئير كاهانا”، الذي لم يكن يرى في سكان المنطقة أكثر من ترسبات قبلية سقطت سهواً، على قارعة الزمن .. وكان “الحاخام عوفاديا يوسف” قد رأى في تأويله للنص التوراتي، أن مجد أورشليم لا يقوم الا بخراب دمشق حيث ينص سفر اشعيا على “زوال دمشق من بين المدن فتصبح ركاماً من الأنقاض” .. اي ان سوريا العربية الموحدة هي العائق الأكبر والأعظم امام قيام “اسرائيل الكبرى/العظمى”!
ولا يُهوِّلن أحدٌ علينا بجحيم ترامب القادم اميركياً او برئاسة الإصلاحيين ايرانياً، فما حدث بين عامي 2016 و2018 في سوريا حدث عندما كان ترامب رئيساً والإصلاحيون في الرئاسة الإيرانية. تذكرون كيف تصاعدت انتصارات حلف الدفاع عن سوريا من حلب إلى دير الزور وصولاً إلى غوطة دمشق وجنوب سوريا وأرياف حمص وحماة، وكيف تبلور مسار أستانة لتنتقل تركيا من موقع رأس حربة الحرب على سوريا إلى موقع اللعب السياسي مع حلفاء سورية وصولاً إلى البحث عن مصالحة سوريا ورئيسها .. وها هي أميركا تسقط في اختبار قوتها الناعمة وقدرتها على تعويض الفشل الذي أصاب محاولة فرض رؤيتها للمنطقة عبر القوة الخشنة، بعد حروب أفغانستان 2001 والعراق 2003 ولبنان 2006 وغزة 2008، الى جانب ما حدث بين عامي 2016 و2018 في سوريا.
ومن بركات طوفان الأقصى ان وجدت الدولة العميقة الأميركية نفسها حبيسة الاختيار بين أمرين أحلاهما مرّ:
1 ـ الاقرارالصريح بانتهاء الدور الوظيفي للكيان المحتل الذي قد يحاول تحقيق نتائج ميدانية يفخر بها الديمقراطيون كمنجزٍ متميز، وهذا يتطلب هزيمة الدولة السورية مع ما يترتب على ذلك إقليمياً ودولياً .. او قد يعمل على تسليم ترامب مفاتيح البيت الأبيض بحقيبة مفخخة قابلة للانفجار في أي لحظة الامر الذي ينعكس على المكاسرة الدائرة مع الدولة العميقة!
2 ـ استهداف سوريا أُم الثوابت والسيادة ومحدّدات الهوية – العقبة الكأداء وفقاً لمراكز الدراسات الاستراتيجية “الإسرائيلية” والأميركية والأطلسية التي حالت دون إمكانية الاستفراد بالمقاومتين الفلسطينية واللبنانية.
ويبدو أنّ الكفة مالت لصالح الخيار الثاني حيث سعى نتنياهو لتضمين خطابه للداخل الاستيطاني المأزوم تهديداً لسوريا اذ قَالَ أنّ: “الرئيس السوري يلعب بالنار”! فعل ذلك تبريراً لموافقتة على وقف إطلاق النار مع حزب الله دون ان يُحقق ولو هدفاً استراتيجياً واحداً مم سبق لحكومته ان تبجحت به غير مرة.
وفي السياق التاريخي والسياسي من غزة الى غزوة حلب مروراً بلبنان تُتوِّج سوريا انتصاراتها السابقة بنصر جديد يفتح الطريق لاستعادة أراضيها وتوحيدها وتحقيق سيادتها.
وهنا لا بد من الإشارة لمكانة سوريا على الاصعدة القومية والتاريخية والجغرافية والاستراتيجية الامر الذي دفع بوزير الخارجية الأميركية الأسبق جون فوستر دالاس – مهندس السياسة الأميركية في الخمسينيات من القرن الماضي – ليعبّر عن أهمية سوريا بقوله: “سورية موقع حاكم في الشرق، إنها أكبر حاملة طائرات ثابتة على الأرض. إنها نقطة التوازن تماماً في الاستراتيجية العالمية، هذا الموقع لا يجازف به أحد، ولا يلعب به طرف، من امتلكها امتلك مفاتيح الشرق، وسيطر على البعض الذي يصل المشرق بأوروبا”.
كما سبق لبطرس الأكبر، قيصر روسيا في القرن السابع عشر، أن أشار في وصية شفهية له الى أهمية سوريا بالنسبة لروسيا لتؤكد ذلك، في القرن الثامن عشر، الامبراطورة كاترين الثانية بوصفها سوريا “مفتاح البيت الروسي”.
وهكذا كانت سوريا دائماً محط استقطاب وبالتالي مواجهة مع قوى الاستعمار والامبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة التي دبّرت أول انقلاب عسكري في سوريا عام 1949، بقيادة حسني الزعيم الذي مرّر، أثناء حكمه الذي دام لبضعة أشهر، عدة مشاريع للغرب كخطوط أنابيب التابلاين، مثلاً.
كما لا بد من استدعاء بعضاً من تصريحات القادة الروس في بدايات وإبّان الأزمة السورية، كما أكدت ذلك ديانا فاخوري ..
فلاديمير بوتين: النظام الدولي الجديد يخرج من سوريا.
لافروف: لا تفرشوا السجادة الحمراء أمام مولاكم الخليفة، فلن يكون في دمشق لا زهران علوش ولا أبو بكر البغدادي ولا أبو بكر الجولاني.
بريماكوف: تفجير سوريا يستتبع تلقائيآ تفجير الشرق الأوسط.
هذا وقد أكد بوتين لنظيره التركي بالامس دعم موسكو للسلطات السورية في استعادة كامل سيطرتها .. وكان قد قام مؤخراً بتعيين الجنرال الكسندر تشايكو قائداً للقوات الروسيّة في سوريا وهو نفسه الذي قاد عملية تحرير حلب عام 2017 ، وتم ،تحت قيادته، قَتل اكثر من 34 جنديا تركيا في هجوم جوي روسي على ادلب في شباط/فبراير عام 2020 .. وتشير مصادر عسكريّة في موسكو انّ “قرارا استراتيجيا اتُخذ بين طهران وموسكو سيُترجَم مفاجآت ميدانية غير مسبوقة من اوكرانيا الى سوريا”!
كما لم يُغفل بوتين التطرق للاستغلال الأميركي رداً على تصريح ترامب الأخير بخصوص البريكس: “في الواقع، على حساب الدولار تواصل الولايات المتحدة الأميركية استغلال اقتصادات العالم الأخرى لمصلحتها الخاصة، قليل من الناس يفكرون في هذا الأمر، لكنه حقيقة”.
اذن، سوريا / روسيا: تجمعهما الأبجدية العربية، ويلتقيان في الأمن الأستراتيجي حيث تنبثق قواعد النظام العالمي الجديد من سوريا، وحيث يبدأ الدهر من دمشق وعندها / وبأرضها تتشكل الأحقاب ..
والله لا يخلع سوريا أبدآ، وقد أودعها الشمس والأبدية .. عاشر الله الشام وعرفها و خبرها، ولذا فالله لا يخلع الشام أبداً .. وبشهادة ايليا أ بي ماضي “الله غناها فجن لها الورى” .. محكومة بالمقاومة، وما زالت تقاوم قوى الشر الصهيوأوروبيكية، وكان ديفيد شيلد – نائب مدير الاستخبارات في البنتاغون – قد أحصى وجود أكثر من 1200 فصيل مسلح من مختلف الولاءات والأهواء على الارض السورية!.. و لعل هذا ما يمثل جوهر وجودها التاريخي و علة كونها الاستراتيجي، وبهذا يشهد احمد شوقي:
لولا دمشق لما كانت طليطلة .. ولا زهت ببني العباس بغدان
يا فتية الشام شكرا لا انقضاء له .. لو أن إحسانكم يجزيه شكران
وستطل شمس غرناطةَ علينا .. بعد يأس وتزغرد ميسلون، كما بشّرنا نزار قباني مضيفاً:
نحنُ عكا ونحنُ كرمل حيفا .. وجبال الجليل واللطرونُ
كل ليمونة ستنجب طفلاً .. ومحالٌ أن ينتهي الليمونُ
فاخلع نعليك وكل لبوس القدم وانزع عقالك وكل غطاء الرأس – انها بلاد الشام!
تحيا سوريا، لتحيا فلسطين والأمة!
سوريا اليوم أقوى، وفلسطين اليوم اقرب .. وها هي فلسطين تهز العالمين بطوفان الأقصى وسيف القدس!
اما انت يا “ديانا” فيتضاءل مجد الموت لدى عتبات عُلاكِ ..والكلمات في مأزق واللغة في ورطة .. أنت بشارتنا الكبرى؛ نحن محكومون بالنصر – نحن امام احد خيارين لا ثالث لهما: فأما النصر وأما النصر .. نصغي لصدى خطواتِكِ فى أرض فلسطين ونردِّد مٓعٓكِ:
الدائم هو الله، ودائمة هي فلسطين ..
نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..