متابعات، نشرة أسبوعية – العدد (101) / الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) – السبت 7/12/2024 م …  

يتضمن العدد الواحد بعد المائة، من نشرة “متابعات” الأسبوعية فقرة بعنوان في جبهة الأعداء عن بعض جوانب الإقتصاد الصهيوني وفقرة عن جانب من العلاقات غير المتكافئة بين تونس ودول الإتحاد الأوروبي، وفقرة عن تبعات العدوان على العراق منذ 1990 إلى الآن وهيمنة الإمبريالية الأمريكية على عائدات النفط العراقي وفقرة عن خصخصة القطاع العام في مصر وفقرة عن تحويل ميزانية الإتحاد الأوروبية المُخصّصة لتنمية المناطق الأكثر فقرًا بالدّول الأعضاء نحو صناعة السلاح ودعم أوكرانيا ضدّ روسيا وفقرة عن خداع مصارف التنمية بشأن تمويل المشاريع “الصديقة للبيئة” وهي في الواقع مشاريع مُلَوِّثَة ومُدمِّرة لحياة السّكّان في أفقر البلدان وفقرة تتضمن ملخّصًا لإضراب عمال شركة بوينغ الذي استمر 53 يومًا وانتهى يوم الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر 2024، قبل بداية الإنتخابات الأمريكية، وموجة من تسريع آلاف العمال، كانت شركة بوينغ قد أعلنتها منذ منتصف سنة 2024 وفقرة عن السياسة الدّاخلية للحكومة الفرنسية المُنحازة للأثرياء على حساب الفقراء




 

في جبهة الأعداء – اقتصاد العدو

قَدَّر المصرف المركزي الصهيوني ( 30 أيار/مايو 2024)  تكلفة العدوان الصهيوني على غزة بنحو سبع وستين مليار دولار، خلال سنَتَيْ 2024 و 2025، وارتفع حجم الدّيْن العام من 60% سنة 2022، إلى 62% سنة 2023 وإلى 67% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2024، وقد يصل إلى نسبة 80% بنهاية سنة 2025، ولا تُؤَشِّرُ هذه البيانات – التي نُشِرَتْ قبل توسيع نطاق العدوان في لبنان – على انهيار الإقتصاد الصّهيوني نظَرًا للدّعم الأمريكي والأوروبي غير المحدود، فضلا الحجم المرتفع لاحتياطي العملات الأجنبية ( أكثر من مائتي مليار دولارا) وعن الضّمانات الحكومية الأمريكية للقروض وللسّندات الصّهيونية، وحصل الكيان الصهيوني على دعم أمريكي بقيمة 26 مليار دولارا خلال عشرة أشهر من العدوان المُكثّف، لتعويض انخفاض الإستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 29% سنة 2023، خصوصًا في قطاع التكنولوجيا المتقدمة الذي يُمثل ركيزةً هامّةً لاقتصاد العَدُوّ المَبْنِي على تطوير تقنية الأمن والمراقبة الجماعية للسّكّان، كما انخفض الإستثمار والإنتاج في قطاعات البناء والسياحة والفلاحة… 

 

تونس – أوروبا، علاقات غير مُتَكافِئَة

استنزاف عمالة الرعاية الصحية

وقّعت الحكومة التونسية مذكرة تفاهم مع الإتحاد الأوروبي (تموز/يوليو 2023) لتشديد الرقابة على حدودها، مقابل بعض المال، وتَيْسِير هجرة ذوي الخبرات والمُؤهّلات – من ضمنهم الممرضون والأطباء – إلى الدّول الأوروبية التي انخفض عدد مواليدها وارتفع عدد مُسنِّيها، مثل إيطاليا وألمانيا، وتؤدّي سياسة الهجْرَة الإنتقائية ( الأوروبية) إلى نتائج كارثِيّة على قطاعات الصّحّة والإتصالات والبحث العلمي في تونس التي أنفقت على تعليم ورعاية هؤلاء المواطنين، لتستفيد الدّول الأوروبية من خبراتهم ومؤهلاتهم مَجَانًا، ورفض دخول المُهاجرين الآخرين…  

استغلت مكاتب التّوظيف المَشْبُوهة حاجة الممرضين والمُمَرِّضات في تونس لزيادة الدّخل وتأمين العمل، وحاجة ألمانيا المتزايدة للعاملين في مجال الرعاية الصحية، لابتزاز الرّاغبين في الهجرة النّظامية إلى ألمانيا التي أقَرّت قوانين تهدف في ظاهرها تسهيل هجرة الأطباء والمُمرضين وأصحاب الخبرات في مجالات مُعَيّنة، ولكن تطبيق هذه القوانين رهين بإزالة العديد من العراقيل والتّعقيدات القانونية والإدارية، فضلاً عن كثرة المُستندات والوثائق التي يتطلب تجميعها وترجمتها ثم تقديمها مع طلب التّأشيرة وتصريح العمل سنة كاملة، بالإضافة إلى الإنفاق على تعلم اللغة الألمانية والنجاح في الإختبار الذي تُشرف عليه السّلطات الألمانية، واجتياز امتحان الاعتراف بالمؤهلات، ويُقدّر متوسّط إنفاق الفرد قبل الهجرة إلى ألمانيا بأكثر من أَلْفَيْ يورو. 

تمت ترجمة علاقات الشراكة بين تونس والإتحاد الأوروبي بتوسيع حدود أوروبا إلى إفريقيا، وتكليف النظام التونسي ( وأنظمة إفريقية أخرى) بحراسة الحدود واعتقال وسجن وتنرحيل المهاجرين غير النّظاميين المحتمَلِين، وكذلك باستنزاف خريجي الجامعات وذوي المُؤهّلات في مجالات الطّب والهندسة والمُحاسبة والإتصالات وغيرها من المهن التي تتطلب سنوات طِوال من الدّراسة الجامعية وأموالاً طائلة من عرق وضرائب كادحي الشعب التونسي، وانتشرت في جميع أنحاء البلاد وكالات التوظيف بالخارج ومدارس التّدريب التي يُفْتَرَضُ أن تُؤهّل طالبي الهجرة لتَعلّم اللغة الألمانية وللإطلاع على مناخ العمل في ألمانيا التي تُعاني نقصًا كبيرًا في أعداد العاملين في المجال الطبي ومجال الرعاية الصحية ( 700 ألف ممرض وممرضة إضافِيِّين خلال 25 سنة وفق مكتب الإحصاء الفيدرالي الألماني)، وتستورد عاملين من الفلبين والهند وفيتنام والبرازيل والمغرب وتونس، خصوصًا منذ سنة 2020 ( سنة كورونا) وهاجر سنة 2023 نحو 2060 ممرضة وممرض تونسي بشكل نظامي نحو ألمانيا وفق وزارة الخارجية الألمانية، مما يجعل تونس ثاني أكبر مُزَوِّد لألمانيا من خارج الاتحاد الأوروبي ( بعد الفلبين) بالعاملين والعاملات في مجال الرعاية الصحية.

يوجد في تونس حوالي خمسين مكتب توظيف قانوني مُرخّص، يتمثل دورها في غَرْبَلَة الراغبين في الهجرة وحراسة حدود ألمانيا أو الدّول الأوروبية الأخرى، لكن العديد من المكاتب لا تطلب ترخيصًا وتُسمي نفسها مكاتب استشارات وبعضها مُسجّل خارج تونس، وتبيع خدمات تعليم اللغة الألمانية وترجمة الوثائق، ويحصل بعضها على مبالغ كبيرة من الرّاغبين بالهجرة دون تسليم وَصْل أو إثباتات، لتتربّح هذه المكاتب من عملية الإحتيال على الراغبين في الهجرة، ثم تختفي هذه المكاتب بعد ذلك…  

يسمح القانون الألماني بفرض أسعار تصل إلى أَلْفَيْ يورو على خدمات التوظيف، أو ما يُعادل 6700 دينار تونسي، ولا يتجاوز متوسط الراتب السنوي لموظف ذي خبرة في مجال الرعاية الصحية 16800 دينارًا.

 

العراق، أين اختفت عائدات النّفط؟

قبل عدوان سنة 1991 على العراق، فرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عقوبات اقتصادية تهدف عزل العراق اقتصاديا وتجاريا، وتم تشديد هذه العقوبات بعد عدوان 1991، وإقرار برنامج “النفط مقابل الغذاء” الذي يضع العراق تحت وصاية دولية تهيمن عليها الولايات المتحدة، وأسفر تنفيذ هذا القرار عن وفاة عن أكثر من مليون عراقي، نصفهم من الأطفال، بسبب الجوع والمرض، وتم إنهاك العراق حتى الإحتلال سنة 2003…

انخفض حجم القوات الأمريكية في العراق حاليا لكن القواعد العسكرية تتحكم في حركة التجارة والنقل والحدود البرّيّة والجَوِّيّة، كما حافظت الولايات المتحدة على مالية البلاد من خلال سيطرتها على عائدات النفط العراقية منذ احتلال البلاد سنة 2003 أي إن الدّولة العراقية – التي سنّت الولايات المتحدة دستورها الطّائفي وقوانينها الأساسية – لا تملك سلطة القرار الإقتصادي والمالي ولذا فهي فاقدة السيادة، بدليل تراجعها عن التجارة باليوان الصّيني – التي لا تشمل النّفط – بعد ضغوط الإحتياطي الإتحادي الأمريكي، خلال شهر تموز/يوليو 2024، وتخضع الحكومة العراقية إلى قيود أمريكية للحصول على الدولار الأمريكي، منذ السيطرة المباشرة للإحتياطي الإتحادي الأمريكي على “صندوق تنمية العراق” وعلى عائدات النفط العراقي ( أيار/مايو 2003) وإيداعها في حساب خاص.

بعد الإحتلال، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرارًا ( 22 أيار/مايو 2003) يُشَرْعِنُ إدارة شؤون العراق من قِبَل الولايات المتحدة وبريطانيا، والتّحكّم في عائدات النفط، وجعلت الإمبريالية الأمريكية من نيويورك مَقَرًّا ل”صندوق تنمية العراق” ومن الإحتياطي الإتحادي الأمريكي مُتَصَرّفًا في عائدات نفط العراق، ويستمر الأمر إلى اليوم حيث يجب على ممثل الحكومة العراقية (وزير المالية) تقديم طلب إلى الخزانة الأمريكية للحصول على أموال عراقية لتسديد رواتب الموظفين الحكوميين ولتوريد الغذاء والدّواء، وتعليل الطلب الذي يمكن لوزارة الخزانة الأمريكية قبوله – مع احتمال خفض المبلغ المطلوب – أو رَفْضَهُ بدون أي تبريرٍ للرفض، ولمّا صوتت أغلبية نُواب البرلمان العراقي على خروج القوات الأميركية، سنة 2020، بعد اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، هددت الولايات المتحدة بتجميد أُصُول العراق وأموال عائدات النفط العراقي.

تُقدّرُ دُيُون العراق، سنة 2024 بنحو 120 مليار دولارا، أو ما يُعادل قيمة عائدات النفط التي يحتجزها الاحتياطي الإتحادي الأمريكي، فضلا عن الإستثمارات العراقية – الإجبارية – في سندات الخزانة الأمريكية، وفاقت قيمتها أربعين مليار دولارا بنهاية سنة 2023.

لما أرادت الأمم المتحدة إغلاق صندوق التنمية للعراق ونقل جميع العائدات إلى الحكومة العراقية، رفضت الولايات المتحدة ذلك، لكي يبقى الصندوق تحت سيطرتها، وفرضت على العراق، منذ سنة 2008، توقيع اتفاقية “التعاون الاستراتيجي” التي تدّعي إن القوات الأميركية موجودة في العراق استجابةً  لطلب الحكومة العراقية، ونشرت الولايات المتحدة آليات تُشيع السرقة والفساد في جميع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية في العراق، بهدف استدامة السيطرة… 

 

مصر للبيع؟

تعتزم الحكومة المصرية طرح 15 شركة من القطاع العام للبيع في قطاعات المصارف والمطارات والمستحضرات الطبية والبلاستيك والزجاج والبتروكيماويات حتى نهاية العام المالي الحالي ( 01 تموز/يوليو 2024 – 30 حزيران/يونيو 2025)، ضمن برنامج تطبيق شُرُوط صندوق النقد الدولي الذي حَثَّ حكومة مصر على الإسراع في إنجاز عمليات البيْع ( الخَصْخَصَة) “لزيادة العوائد بالعُملة الأجنبية”، وسبق أن تَعَهّدت حكومة مصر لصندوق النّقد الدّولي “بزيادة مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي وتقليص الاستثمارات الحكومية”، من خلال تَخَلِّي الدّولة عن أربعة عشر نشاطًا اقتصاديًّا وتجاريًّا، وخفض حصة الحكومة في 24 من الأنشطة الإقتصادية والخدمات، ضمن برنامج “الإصلاح الاقتصادي” الذي يفرضه الدّائنون على أي جِهَةٍّ مُقترِضَة قبل الحصول على قرض وكانت حكومة مصر قد حصلت على قرض بقيمة ثمانِي مليارات دولار، وباعت الحكومة حصّتها بصفة كُلِّيّة أو جُزْئِيّة من 33 شركة حكومية خلال الفترة من آذار/مارس 2022 إلى حزيران/يونيو 2024 وأهم هذه الشركات: المصرف التجاري الدولي، و أبو قير للأسمدة، و الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع، و فوري لتكنولوجيا المصارف والمدفوعات الإلكترونية، و العز الدخيلة للصلب، و البويات والصناعات الكيماوية (باكين)، و الشرقية إيسترن كومباني، وتُظْهِرُ البيانات الرّسمية حصول الحكومة على ثلاثين مليار دولارا من بيع حصتها في هذه الشركات والمصارف، وفق البيانات الحكومية، فضلا عن بيع أجزاء من مصر، بعنوان “مشاريع التّطوير”، مثل “مشروع تطوير رأس الحِكْمَة” ( شباط/فبراير 2024) لفائدة صندوق استثمار سيادي إماراتي مقابل 24 مليار دولار.

تَزامن تَسْريع عملية بَيْع شركات القطاع العام مع مراجعة صندوق النقد لبرنامج “الإصلاح الاقتصادي” قبل صرف الشريحة الرابعة من القرض، حيث تَحُل بِمَصر بعثة صندوق النقد الدّولي لمحاسبة الحكومة ولإحصاء ما تم تنفيذه من شروط الصندوق وجدول تنفيذ ما تَبَقّى، وتتنزل عودة أحد أحفاد عشيرة “غالي” ( عُملاء الإستعمار البريطاني) إلى وزارة المالية، وهو المنصب الذي كان يشغله خلال فترة حُكم حسني مبارك، رغم تُهَم الفساد التي كانت تُلاحقه، (تتنَزّلُ عَوْدَتُهُ) ضمن “الضّمانات” التي تُقَدّمها حكومة مصر إلى “المُسْتَثْمِرِين” و الدّائنين، وفي مقدّمتهم صندوق النّقد الدّولي الذي يدعم هذه الوزير، ورُبّما أَمَرَ بتعيينه، رغم تُهَم الفساد… 

 

الإتحاد الأوروبي – عَسكرة الميزانية

أنشأ الإتحاد الأوروبي “صُنْدُوق التّماسك” للمساعدة في تنمية المناطق الأوروبية الأقل نموا والتي تُعاني صُعوبات هيكلية أو عابرة وبهدف القضاء على عدم المُساواة الإقتصادية داخل مجتمعات الدّول الأعضاء، ويُعَدُّ صندوق التماسك أحد أهم برامج الميزانية بميزانية قدرها 400 مليار يورو: “إن صندوق التماسك، الذي تم إنشاؤه عام 1994، يمول مشاريع في مجال البيئة والشبكات العابرة لأوروبا في الدول الأعضاء التي يقل دخلها القومي الإجمالي للفرد عن 90% من متوسط الاتحاد الأوروبي”، وفق الموقع الإلكتروني للاتحاد الأوروبي الذي يُوضّح إن الدّول الأقَلّ ثراء، من البرتغال إلى بلغاريا، ومناطق جنوب ووَسَط وشرق أوروبا، تستفيد من برامج هذا الصندوق، لكن الإتحاد الأوروبي لم يُنفق سوى أقل من 5% من المبلغ طيلة السنوات الأربع الماضية، بما فيها المبالغ التي حصلت عليها الدّول الأكثر تطورًا، من بينها ألمانيا التي حصلت على أربعين مليار دولارا خلال سبع سنوات…  

أعلنت المفوضية الأوروبية مُؤَخَّرًا “سحب نحو 400 مليار يورو من ميزانية الاتحاد الأوروبي المخصصة لتنمية المناطق التي تواجه صعوبات، وتخصيصها لتعزيز المجمع الصناعي العسكري للدول الأعضاء، ولتقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا”، وذلك بعد إنشاء منصب المفوض الأوروبي للدفاع والفضاء يوم 17 أيلول/سبتمبر 2024 الذي سوف يُشْرِفُ على تحويل الأموال التي سوف تُقْتَطَعُ من ميزانية الاتحاد الأوروبي للفترة 2021-2027 المُخصّصة للقضاء على عدم المساواة الاقتصادية داخل المجتمعات وكذلك بين بلدان الإتحاد الأوروبي، وأعلنت رئيسة المُفَوّضِيّة الأوروبية إنها ستقوم بإخْطَار الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي رسميًا بحقها في إنفاق هذه الأموال لدعم صناعتها الدفاعية والإنتاج العسكري وتحديث المُعِدّات العسكرية، وتطوير بنيتها التحتية للنقل العسكري، وتطوير التقنيات ذات الاستخدام المزدوج، من بينها المعدات متعددة الأغراض والطائرات بدون طيار الخ.

يعتزم الإتحاد الأوروبي إنشاء نظام دفاع جوي أوروبي مشترك، ومضاعفة عدد عناصر حرس الحدود وخفر السواحل التابعين لفرونتكس من نحو ثلاثين ألف شخص حاليا، إلى حوالي تسعين ألف، إثر إنشاء منصب المفوض الأوروبي للدفاع والفضاء ليكون مسؤولاً عن زيادة القدرة التنافسية لصناعة الدفاع والتنقل العسكري، فضلاً عن مكافحة التهديدات الهجينة،  فضلا عن الإشراف على تنفيذ برنامج الصناعة الدفاعية الأوروبية، بميزانية قدرها 1,5 مليار يورو، تمت الموافقة عليها خلال شهر آذار/مارس 2024، لتزويد أوكرانيا بالمساعدة العسكرية الفعالة وفي الوقت المناسب بالحجم اللازم.

 

خدعة “المُساعدات من أجل التنمية”

أعلنت مصارف التنمية متعدّدة الأطراف، قبل انعقاد مؤتمر المناخ (كوب 29) إنفاق مبلغ 125 مليار دولار لتمويل تَنْقِيَة المناخ سنة 2023، وقد يكون ذلك الرقم صحيحًا لكن ما هي المشاريع التي دعمتها مصارف التنمية وأين تم إنجاز هذه المشاريع؟

لقد تم تمويل الوقود الأحفوري والمشاريع شديدة التلوث، وزيادة دُيُون الدول الأكثر عرضة لتغير المناخ، وحصلت البلدان الأوروبية على نحو 44% من تمويلات التنمية وسلامة المناخ، ولم تزِدْ حصّة منطقة آسيا والمحيط الهادئ عن 21%، ومنطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى عن 14%، أما المشاريع التي استحوذت على معظم التمويلات فهي مشاريع “إشكالية”، من بينها محطات تحويل النفايات إلى طاقة والتي تسبب انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري والتلوث الشديد، ومشاريع الطاقة الكهرومائية واسعة النطاق، وتعدين المعادن الحيوية، والهيدروجين، و”الفحم الأسير” للصناعة في شكل قروض (70%) بشكل رئيسي، ومنح (4%)، الأمر الذي زاد من دُيُون البلدان المثقلة بالديون أصْلاً، فضلا عن توجيه تمويل “مصارف التنمية” بشكل عام إلى مشاريع أوروبية لاستخدام الوقود الأحفوري وانتهاكات حقوق الإنسان وتدمير البيئة، بدل توجيهها لمساعدة معالجة تغير المناخ لصالح الأشخاص والبلدان الأكثر هشاشةً وضعفاً… 

تم تصنيف مشروع تحويل النفايات إلى طاقة في جزر المالديف على أنه مشروع ممول مناخيًا بنسبة 94% إلى 100% من قبل بنك التنمية الآسيوي وبنك الاستثمار الآسيوي للبنية التحتية، بالإضافة إلى ضخ الأبخرة الخطرة والغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي، وبذلك تَسَبَّبَ المشروع في زيادة صافية في النفايات، كما ساهم بنك الاستثمار الآسيوي للبنية التحتية سنة 2023، في تمويل توسعة مطار أنطاليا في تركيا بهدف مضاعفة السعة من 40 إلى 80 مليون مسافر سنويا، وبالتالي زيادة انبعاثات الكربون بشكل كبير، وحصل المشروع على 153 مليون دولار، وتم تصنيف هذا المبلغ على أنه “تمويل مناخي بنسبة 48% “، وفي نيبال تسبب مشروع الطاقة الكهرومائية (Upper Trishuli-1  )، وهو ثالث أكبر مشروع من نوعه في نيبال، في تهميش السكان الأصليين المحليين وتهجيرهم، وكانت النساء من أكبر المُتَضَرِّرات من هذا المشروع، واعتبر البنك العالمي والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية وبنك التنمية الآسيوي الاستثمار المالي هذا الإستثمار بمثابة “تمويل للمناخ وتعزيز الفرص الاقتصادية للنساء”، وفي بنغلادش – وهي إحدى أكثر الدّوَل عُرْضَةً لتغيير المناخ – يُمَوِّلُ البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية محطة الطاقة التي تعمل بالغاز في ميغناغت، والتي من المقرر أن تعمل لمدة 22 عامًا على الأقل، ويعتبر هذا الإستثمار “تمويلاً لتنقية المناخ” بينما تُسبّب هذه المَحَطّة احتجاز الكربون طويل الأمد في بلد مُعرّض للعواصف والأمطار الموسمية الغزيرة، وفي منغوليا تم تصنيف مشروع “التعدين الذكي مناخيًا من أجل اقتصاد مناخي جديد” واستثمر بنك التنمية الآسيوي نصف مليون دولارا ك”تمويل مناخي بنسبة 100%“، بينما اعتبرت أكثر من 60 منظمة مجتمع مدني “إن هذا المشروع محفوف بالمخاطر بسبب التأثيرات الصحية المحتملة والخسائر الاقتصادية المحلية وتلوث المياه والاستيلاء على الأراضي وانتهاكات حقوق السكان الأصليين”

نشرت المنظمات المحلية في هذه البلدان وغيرها بيانات ناقِدَة لتمويل مصارف التنمية متعددة مشاريع تعدين وتجميع النفايات وغيرها لأنها لا تتسم بالشفافية وتسبب أضرارًا جسيمة للبيئة وتدمير حياة السكان المَحَلِّيِّين، وتُساهم هذه التّمويلات في تفاقم ديون العديد من البلدان، ولا يجوز لمصارف التنمية أن تتَبَجّحَ باستثمارات الطاقة النظيفة في حين تواصل دعم المشاريع التي تضر بالناس ومُحيطهم، ووجب في المقابل مُطالبة هذه المصارف بدفع التعويضات المستحقة للمجتمعات المتضررة من استثماراتها في المشاريع الضّارّة بالإنسان وبالمناخ، وتوجيه الإستثمارات نحو الفُرص مشاريع تُساعدُ على معالجة عدم المساواة، وخاصة بالنسبة للنساء في المناطق الأكثر تضررا من تأثيرات المناخ.

نشرت العديد من منظمات التنمية المستدامة، بمناسبة مؤتمر “كوب 29” للمناخ أو المؤتمرات السابقة، بُحوثًا تُؤَكِّدُ بالأرقام والحُجَج تزوير مصارف التنمية الأرقام والأهداف وَمُخَاَدعَة الرأي العام حول التّأثير الإقتصادي والإنساني لهذه المشاريع، وتفاقم ضائقة الدُّيُون، وانتهاك حقوق البشر… 

عن بحث نَشَرته منظمة ( Recourse ) الدّولية، بمناسبة قمة المناخ – كوب 29 ( 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2024  )

 

بوينغ تسريح العمال

قَرّرَ 59% من عُمَّالُ شركة صناعة الطائرات الأميركية بوينغ إنهاء الإضراب الذي شنة 33 ألف عامل منذ 12 أيلول/سبتمبر 2024، واستَمَرَّ أكثر من سبعة أسابيع ( 53 يومًا)، من خلال اقتراع نقابي مساء الاثنين 04 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 – قبل يوم واحد من الإقتراع لانتخاب نواب البرلمان والرئيس الأمريكي – بعد تقديم إدارة الشركة عقد العمل الجديد الذي يَتَضَمَّنُ زيادة الأجور بنسبة 38% على مدى 4 سنوات – بدل زيادة 40% التي طالب بها العمال، مع عودة نظام التقاعد- وهو العَرْض الرّابع الذي قَدَّمَتْهُ شركة “بوينغ” التي أعلنت خسارة عشرة مليارات دولارا بسبب الإضراب، ولم يتضمّن العَرْضُ مطلب العمال باستعادة نظام التقاعد الذي جَمّدته الشركة منذ حوالي عَشْر سنوات كما ظَلّت زيادة الرواتب أقَلّ من مستوى التّضخّم طيلة عِقْدٍ كامل، ولذلك رفض 41% عَرْضَ إدارة الشركة، وأدّى الإضراب إلى تَوَقُّفِ إنتاج طائرة بوينغ 737 ماكس، وإلى عَرْقَلَةِ هدف الشركة إنتاج 38 طائرة شَهْرِيًّا، ولذلك أعلنت الشركة، خلال الأسبوع الأخير من شهر تشرين الأول/اكتوبر 2024، إصدار أسهم بقيمة 24 مليار دولار لدعم ماليتها، وفق وكالة رويترز بتاريخ الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر 2024…

بعد حوالي أُسْبُوعَيْن من توقيع عقد إنهاء الإضراب، بدأت شركة بوينغ تسريح 2200 عامل ( يَفْقِدُون حُقُوق التّأمين الصّحّي بعد ثلاثة أشهر من تسريحهم) في ولاية واشنطن وحدها، ومئات العُمّال والمُهندسين والفَنِّيِّين في ولايات أخرى، في أوريغون و كولورادو و كارولاينا الجنوبية و ميسوري وكاليفورنيا  وتكساس، وأعلنت الشركة عزمها خفض عدد العُمّال بنسبة 10% خلال السنوات المقبلة، اعتبارًا من 31 كانون الأول/ديسمبر 2024، من إجمالي 170.688 عاملاً، وفق وكالة رويترز بتاريخ 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2024

 

فرنسا – حكومة رأس المال

تظهر دراسة أجراها المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية ( 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2024) انخفاض مستوى معيشة أغلبية السّكان وارتفاع مستوى معيشة أغنى 30% من المواطنين، وبنهاية سنة 2022، بلغ متوسط مستوى المعيشة لأدنى 10% من السكان 9570 يورو سنويًا، ومتوسط مستوى المعيشة لأغنى 10% من السّكّان هو 68560 يورو، وخلال سنة 2023، وَلَّدَ التضخم إنفاقً إضافيا للفقراء (أدنى 10% من ذوي الدّخل المنخفض) زيادة في الإنفاق قدرها 730 يورو للشخص الواحد، واتّسمت السياسة الاقتصادية للحكومة “بمعاداة المجتمع”، حيث خفضت الحكومة ميزانية دعم الأُسَر الضعيفة بمقدار 2,2 مليار يورو سنة 2023، وانخفض مستوى معيشة الفئة الأشد فقرًا (10% من السّكّان ) بنسبة 2,7% سنة 2023، أو ما يُعادل 290 يورو للفرد، فيما ارتفع دخل أغْنى 10% ما بين 280 و 870 يورو للفرد، وفق بيانات التقرير الصّادر عن المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية (Insee – 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2024)، وأكّد التّقرير “إن إجراءات الحكومة تُساهم في زيادة عدم المُساواة”، أي بعبارة أَوْضَح إن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة جعلت الأغنياء أكثر ثراء، والفُقَراء أشد فقرا، وأظْهَرت بيانات المؤسسة الأوروبية للإحصاء ( يوروستات) إن فرنسا هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي شهدت ارتفاع معدل الفقر بشكل حاد، من 13,6% سنة 2015 إلى 15,4% من العدد الإجمالي للسكان سنة 2023 بسبب خفض الإنفاق الإجتماعي وإعفاء الأثرياء من العديد من الرُّسُوم، وخفض الضريبة بمقدار عشرين مليار يورو إضافية على الثروات وعلى أرباح الشركات…

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

19 − إحدى عشر =