أحداث سوريا ومشروع الشرق الأوسط الجديد؟ / ابراهيم ابراش
ابراهيم ابراش ( فلسطين ) – الإثنين 9/12/2024 م …
ما يجري في سوريا ومع سوريا ليس وليد اللحظة حتى وإن كان البعض ربطه بهزيمة حزب الله في جنوب لبنان والمواجهة مع إيران وتفكيك حلفائها بل له جذور أعمق من ذلك وحتى سابق على ظهور ما يسمى التهديد الإيراني ومحور المقاومة.
منذ بداية ما يسمى الربيع العربي بل قبل ذلك عند سقوط نظام صدام حسين ونحن نحذر مما يجري وأن الأمر ليس ثورة شعبية من أجل الديمقراطية واسقاط أنظمة مستبدة بل مؤامرة متعددة الأطراف لتفكيك العام العربي كأمة لها الحق بالوحدة والتحكم بثرواتها وخيراتها وتقرير مصيرها بنفسها أو كدول بحدودها القائمة لصالح صناعة شرق اوسط جديد قائم على القوميات والطوائف والمذاهب المتطاحنة والمتصارعة، الأمر الذي يعطي لإسرائيل ميزة التفوق وللغرب وخصوصا واشنطن فرصة العمل المريح لاستغلال خيرات المنطقة وبيع الأسلحة وتعزيز نفوذها في سياق صراعها الاستراتيجي مع روسيا والصين.
لا شك أن كل الأنظمة العربية التي شهدت ثورات أو ما يسمى (ربيع عربي) مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن وتونس ومصر لم تكن ديمقراطية وفيها انتهاكات لحقوق الإنسان ولحقوق المواطنين من غير طائفة او قومية الحاكم، كما أن الدكتاتورية تستجلب التدخلات الخارجية كما أن الشعب لا يصبر طوال الوقت وإن صبر قهرا بعض الوقت.
ولكن هل الجماعات المسلحة التي ركبت موجة الثورة كانت تؤمن بالديمقراطية وتسعى لها؟ وهل الغرب وبعض الدول الخليجية ودول الجوار الذين دعموا ومدوا بالمال والسلاح جماعات المعارضة المسلحة كانوا بالفعل يسعون لدمقرطة هذه الدول وكانت حريصة على الدفاع عن حقوق الإنسان في هذه البلدان؟ وهل أصبحت الأوضاع في الدول التي شهدت ما يُسمى الربيع العربي أفضل حالا الآن مما كانت قبله؟
لا ننتقص من حق الشعوب بالسعي للحرية والانتقال نحو الديمقراطية ومواجهة كل أشكال الدكتاتورية والاستبداد، والأنظمة العربية كلها مستبدة، ولكن الذي جرى لم يكن كله في سياق الانتقال الديمقراطية بل في سياق صناعة (الفوضى الخلاقة) كما تريدها واشنطن كإحدى أدوات صناعة الشرق الأوسط الجديد والكبير، وقد رأينا كيف تم تهميش واستبعاد القوى الشبابية والديمقراطية من المشهد في بداية الثورة وركب موجة الثورة قوى في غالبيتها اسلاموية ظلامية مأجورة للغرب ولدول الجوار.
الآن ومع سقوط نظام الأسد فإن مشروع الشرق الأوسط الجديد ومنذ بداية الاشتغال عليه عام 2004 حقق تقدما ملموسا اعتمادا على المؤشرات التالية:
– تفرد واشنطن في منطقة الشرق الأوسط وتراجع النفوذ الروسي والصيني، حتى إن روسيا لم تحاول حماية نظام الأسد في الهجوم الأخير وتركته لمصيره المحتوم.
– غياب أي موقف عربي موحد تجاه ما يجري في سوريا وعموم المنطقة حتى على مستوى الدول الكبيرة والمؤثرة مثل مصر والعربية السعودية بالرغم من خطر الفوضى والجماعات المتطرفة يهددها أيضا.
– تمدد ونجاح المشاريع المنافسة والمعادية للأمة العربية تاريخيا، المشروع التركي الطوراني والمشروع الصهيوني، حتى المشروع الفارسي الإيراني استفاد من حالة الانهيار والفوضى في العالم العربي.
– استفادة اسرائيل من كل ما يجري حيث تفردت بالشعب الفلسطيني قتلا واستيطانيا كما جرى في حرب الابادة والتطهير العرقي في غزة، ثم تفردها بحزب الله الذي قال إنه سيساند أهالي غزة.
-تسارع التطبيع العربي مع اسرائيل في زمن الرئيس ترامب.
-تراجع الفكر القومي العربي والحركات القومية العربية وحتى غاب المفكرون والمنظرون للعروبة وانتشار. تفكير وثقافة اسلاموية متخلفة تتعارض مع قيم العصر وحتى مع الدين الإسلامي الصحيح.
ولكن ذلك لا يعني النجاح الكلي لهذا المخطط وللجماعات المشاركة فيه لأن انهيار الأنظمة التي تم الثورة عليها أسس لحالة فوضى وفقر وانتشار الفكر الظلامي والمتخلف والأنظمة البديلة التي قامت ليست ديمقراطية، الأمر الذي سيعجل بثورة جديدة ستكون هذه المرة ثورة ديمقراطية حقيقية.
بعد سقوط نظام الأسد فإن الأمر في سوريا مرشح لمزيد من التدهور والفوضى لأن جماعات المعارضة متباينة عرقيا وطائفيا ومذهبيا ومن حيث ارتباطاتها الخارجية، وستستمر حالة الفوضى لسنوات، وهذا النجاح السريع للجماعات المسلحة سيشجع الجماعات الأخرى كالقاعدة وداعش وغيرها لإعادة تنظيم وترتيب أوضاعها بتوجيه وتنسيق مع واشنطن والغرب وتركيا لتتحرك في أماكن أخرى.، وللأسف تحولت الجماعات الجهادية المسلحة إلى أهم جماعات المرتزقة في العالم ومستعدون لتأجير أنفسهم لمن يدفع المال.
انتهى نظام الأسد في سوريا وقلة فقط من سيأسفون عليه. ولكن بسبب طبيعة الجماعات المسلحة التي أسقطت النظام وتعدد انتماءاتها الطائفية والمذهبية والعرقية وتعدد مرجعياتها الإقليمية والدولية، فإن ما جرى ليس ثورة شعبية خالصة تندرج في سياق الانتقال الديمقراطي.
لذا نتمنى ألا يكون مستقبل سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد نفسه مصير العراق بعد صدام حسين ومصير ليبيا بعد معمر القذافي ومصير اليمن بعد سقوط علي عبد الله صالح، وحمى الله سوريا من الفوضى والحرب الأهلية، وحمى فلسطين وشعبها مما يجري في العالم العربي.