ما أوسع الثورة، وما أصغَر الدولة! وتبقى فلسطين هي البوصلة! / الياس فاخوري
الياس فاخوري ( الأردن ) – الأربعاء 11/12/2024 م …
ما أوسع الثورة، وما أصغَر الدولة! وتبقى فلسطين هي البوصلة!
سواء تحدث البعض عن بدء زلزال الشرق الأوسط الجديد او عن تسويات ذات سقوف، تبقى فلسطين هي البوصلة!
في رسالته للسوريين، انتقد السفير السوري لدى موسكو (بشار الجعفري) “منظومة الفساد التي عاثت بالبلاد خرابا .. وخلص الى ان المرحلة الجديدة تقتضي الأمل بالتغيير السلمي بعيدا عن ايلام سوريا والسوريين لان سوريا ولادة لا ينضب الخير من أرضها.”
نعم سوريا ولّادة .. رغم الحرب الكونية الشاملة لمدة 15 عاما، وكان ديفيد شيلد (نائب مدير الاستخبارات في البنتاغون) قد أحصى وجود أكثر من 1200 فصيل مسلح من مختلف الولاءات والأهواء على الارض السورية .. وهنا تحضر ديانا فاخوري بمقالها مطلع العام 2018: “هنا دمشق .. لو حدث هذا لمدينة مثل نيويورك لوقعت أرضاً!”
وكانت سوريا دائماً محط استقطاب وبالتالي مواجهة مع قوى الاستعمار والامبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة التي دبّرت أول انقلاب عسكري في سوريا عام 1949، بقيادة حسني الزعيم الذي مرّر، أثناء حكمه الذي دام لبضعة أشهر، عدة مشاريع للغرب كخطوط أنابيب التابلاين، مثلاً!
ورغم الواقع المستجد، ما زلت أُصِرُّ انها سوريا العلمانية القومية الموحدة والجولان في وسطها – لا على حدودها – وحبل السرة يضمها جميعا بما في ذلك الرقة ودير الزور والحسكة والاسكندرون بعد عودته .. وستشرق الشمس لتستمتع برؤية سوريا تحنو علی فلسطين محررة والهلال الخصيب موحداً .. محكومة بالمقاومة تتصدى لقوى الشر الصهيوأوروبيكية، ولعل هذا ما يمثل جوهر وجودها التاريخي وعلة كونها الاستراتيجي.
وهنا تجدرالإشارة للموقف الرسمي الأردني كما عبر عنه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني: “وقوف الأردن إلى جانب الأشقاء في سوريا ووحدة أراضيها وسيادتها واستقرارها”.
وسواء تحدث البعض عن بدء زلزال الشرق الأوسط الجديد وهزّاته الارتدادية او عن تسويات ذات سقوف، تبقى فلسطين هي البوصلة!
منذ عام 1893 ف 1897 الى 1907 ف 1948 وحتى يومنا هذا، مرَّت بلداننا وبلدان العالم بتغييرات هائلة لكن ما بقي ثابتاً، وبقوة، هو الطغيان الصهيوأوروبيكي (الأميركي اليوم، وذراعه الشريرة إسرائيل). ورغم كل ما أصابنا، فإن فكرة وفعل المقاومة ضد الاحتلال والهيمنة استمرّا في حالة نمو مطّرد. ونتائج المواجهة المندلعة منذ ساعة السابع من اكتوبر (بدء طوفان الأقصى)، تؤكد ألّا خيار إلّا المقاومة في مواجهة آلة القتل الجاثمة علينا.
وما سر هذه العلاقة الدياليكتيكية بين النفي الاول لشريف مكة الحسين بن علي إلى إسطنبول (منذ عام 1893 حتى عام 1908) والمؤتمر الصهيوني الاول ورائحة النفط من ناحية، ومؤتمر كامبل بنرمان (وهو المؤتمر الإمبريالي الذي انبثقت وثيقته السرية عام 1907) وسايكس بيكو، ووعد بلفور، ومؤتمر فرساي، ومؤتمر سان ريمو، ومعاهدة سيفر، ومعاهدة لوزان واكتشاف النفط في المنطقة من الناحية الاخرى؟! وهنا لا بد من الوزير الفرنسي هنري بيرانجيه الذي وصف النفط بـ”دم الأرض” في مؤتمر الطاقة الذي عقد في لندن عام 1918.
زينبي المنبت والهوى، لم يكن شريف مكة ليرى الا جميلا بمرارة، بل شرف، النفي مرتين .. أراد الشريف الحسين للعرب الاستقلال والحرية منذ نهاية القرن التاسع عشر، فكان مصيره النفي إلى إسطنبول منذ عام 1893 حتى عام 1908.. ثم جاء النفي الثاني اثر اعتراضه على مفرزات سايكس / بيكو واستنكاره لتأسيس “اخوان من طاع الله” كجمعية سياسية ترتدي العباءة الدينية، وتدعو للهجرة في سبيل الله، والحشد باسم الدين، والجهاد ضد الاخر والاغيار .. كم قالت وكتبت “ديانا” أنهم عملوا ويعملون علی ادغام العروبة بالاسلام بحجج التماثل والتقارب والتجانس في محاولة دؤوبة لاسكان العروبة وادراجها فلجمها منذ “اخوان من طاع الله” التي قامت في سياق تنفيذ اتفاقية سايكس/ بيكو لاجهاض “حلم الثورة العربية الكبری”؛ ذلك المشروع القومي العربي في الحجاز الذي استقطب مجموعة من الثوار العرب المناضلين ضد الصهيونية والاستعمار نحو دولة قومية عربية .. وعندما رفض الشريف حسين التخلي عن “حلم الثورة العربية الكبری” وابى الانصياع لرغبة الإنجليز الاكتفاء بمملكة الحجاز، قام الإنجليز بالإيعاز لبعض القبائل ومساعدتهم بإحتلال الحجاز .. وفي عام 1925 تم النفي الثاني للشريف حسين الى قبرص حتى مرضه الأخير قبل ان يُنقل الى عمان، لتُعلن وفاته هناك، فالقدس ليوارى ثراها الطاهر!
وهكذا، جاء اختراع “الاسلام التكفيري” منذ “اخوان من طاع الله”، و”قبلة حسن البنا .. “، والاجتماع مع “روزفيلت” علی متن الباخرة “كوينزي” وماكتب بخط اليد الرديء مرورا “بالهجانا والاريغون والبيلماخ” فالاخوين “دالاس” (ابان عهد الرئيس”ايزينهاور” الذي عمل لانشاء حلف اسلامي ضد العروبة والناصرية والاشتراكية بما في ذلك شن حملات دعائية بلبوس اسلاموي) وصولا الی القاعدة وداعش والنصرة وهيئة تحرير الشام واخواتهم وكافة المشتقات والملاحق الاخری .. قاموا بتصنيع هذه الأدوات واستخدموها في تفكيك العراق (3000 سيارة مفخخة في العام) وفي تحطيم اليمن (أكثر من 20 ضعف ما ألقي على هيروشيما) وفي تدمير سوريا حيث تجاوزت فيها كلفة الأسلحة و المرتزقة مئات مليارات الدولارات!
منذ عام 1893 ف 1897 الى 1907 ف 1948 وحتى يومنا هذا، وساعة السابع من اكتوبر (بدء طوفان الأقصى)، تؤكد ألّا خيار إلّا المقاومة في مواجهة آلة القتل الجاثمة علينا. دقّت ساعة السابع من أكتوبر/تشرين الاول 2023 استمراراً تراكمياً لانتصار تموز 2006 حيث تختزل “غزة” اللحظة الضرورية وتعيد تأهيل التاريخ ليكون تاريخ الانسانية .. نعم، من معركة الكرامة في آذار 1968 الى معركة الغوطة في آذار 2018، الى الانتصارات الاستراتيجية للجيش العربي السوري في الجنوب مرورا بالانتفاضة الفلسطينية الاولى عام 1987 (انتفاضة الحجارة)، فتحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي عام 2000، فالانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2001، وتحرير غزة عام 2005، ثم حرب تموز عام 2006 الى”حسان” بصحبة “ذو الفقار”، و“سيف القدس المسلول”، و”ثأر الاحرار”، و”كتائب أحرار الجليل” و”كتيبة الرضوان”، و“قسماً قادرون وسنعبر”، و”جنينغراد” ف”جنيبلسغراد”، وفلسطين بحطّينها وعين جَالُوت، ووحدة الساحات، ووحدة الجبهات بعريسها بطل معبر الكرامة ماهر الجازي ومحمد الحنيطي من قبل .. نعم، بعصا السنوار ورصاصات ماهر وعامر وحسام، اليوم التالي لكم اهل الميدان – مقاومين، حسينيين، مستمرين! ا — ”يميناً، بعد هذا اليوم لن نبكي”، وباسم الله نقرأ “الصف – 13″، وَالبشارة للْمُؤْمِنِينَ: “نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ” ..
فهل منح زلزال سوريا بنيامين نتنياهو خشبة خلاص بعد اعترافه بالهزيمة اثر زلزال السابع من اكتوبر لدى توقيعه الاتفاق مع حزب الله .. وهل تقوى سياسة “الأرض المحروقة” على كسر المقاومة؟
وهل تدوم النشوة الإسرائيلية بعدما فُتح صندوق باندورا في سوريا!؟
– الا يؤرّقهم “المجهول” السوري!؟
– الا يتذكرون عملية “إسقاط سلامة أمن الجليل” قبل 42 عاماً!؟ تلك العملية التي نفّذها البطلان القوميان سمير خفاجة وفيصل الحلبي ردّاً على تصريحات رئيس وزراء العدو آنذاك مناحيم بيغن “لا صواريخ بعد اليوم على الجليل” عندما كانت دباباته تدخل مدن الجنوب وتصل إلى العاصمة بيروت!
– الا يسمعون صدى صراخ الاسرائيليين يدوي في كل أحياء بيروت: “يا أهل بيروت لا تطلقوا النار، نحن – جيش الدفاع الإسرائيلي – راحلون” وذلك اثر تمكُّن الشهيد خالد علوان من تنفيذ عملية الويمبي في 24 أيلول 1982 من المسافة صفر بالمسدس الخاص بالأمين الراحل عبد الله سعادة!
تزخر مقالات “ديانا فاخوري” ومقالاتي السابقة بالشواهد والقرائن والشهود تصديقاً لنبوءة “ديانا” المنقوشة على ظهر الدهر، النبوءة الوشمٌ في الذاكرة: “اسرائيل” الى زوال مهما توحشت وأراقت من دماء .. فلم يكن هذا الوشم مجرد رؤية او نبؤة .. بل هو، في الواقع، استراتيجية وقرار يطوف سماءً وبحراً و”اقصى فيؤكد ان نهاية “اسرائيل” قد كُتبت وان دمارها يدنو وان حتفها قد اقترب لتُمحى من الوجود على ساعة السابع من أكتوبر/تشرين الاول 2023: “بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ”(القمر – 46) .. نعم، “وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا” (يوسف – 26) و”مِنْ فَمِكَ أَدِينُكَ” (لوقا – 19) .. لن اكرر اليوم ما تعجًُّ به المقالات السابقة من شواهد وشهود من اَهلها!
وها هم:
– النتن ميلكوفسكي (نتنياهو): الى الانتحار او الاحتراق ..
– إيهود أولمرت: في وضعٍ بائسٍ متردٍ وصل إليه بفعل السجن والمرض.
– آرييل شارون: الغيبوبة الأبدية.
– مناحيم بيغن: بطانية الصوف.
– اسحق رابين: رصاصة في الرأس.
لكن سارة، زوجة النتن، ترى ان “نهايته تعني نهاية “اسرائيل” لأنه يمثل روح اسرائيل” وهو آخر نجوم السياسة وافوله يعني أفول نجمة داود! ولعلها تشير بذلك لقلق نتنياهو وارتياب القادة الإسرائيليين من ان اسرائيل قد لا تعمر الى المئة ففي أثناء التحضيرات للاحتفالات التي جرت بالذكرى السبعين للنكبة، عبّر رئيس الوزراء الإسرائيلي علناً عن مخاوفه وأقصى آماله. وكان قد أعلن، في تشرين الأول ٢٠١٧ خلال انعقاد احدى جلسات دراسة التوراة، بأنه: “ينبغي على إسرائيل الآن أن تجهّز نفسها لتهديدات مستقبلية لوجودها إن كانت تصبو للاحتفال بعيد ميلادها المئة” .. وأضاف، بحسب صحيفة «هآرتس»، “لقد امتد عمر المملكة [اليهودية] الحشمونائية [القديمة] ثمانين عاماً فقط”، وبأنه “يعمل على ضمان تخطي إسرائيل هذه المدة وأن تعمِّرَ كي تحتفل بعيد ميلادها المئة”.
واختم بالاشارة الى ما يصدر من دراسات لباحثين “يهود” في المعاهد الأميركية والأوروبية المتخصصة حيث يتم التعبير عن مخاوف حقيقية على مصير الدولة العبرية. هؤلاء تابعوا بدقة كثافة الامدادات العسكرية التي بعثت بها الولايات المتحدة الى “اسرائيل” ابان الحرب. لولا هذه الامدادات لانحصرت مهمة الائتلاف الحاكم في دفن قتلاه ، الذين كان يفترض أن يسقطوا أمام الأداء الخارق لمن دعوهم بالأشباح على أرض غزة، كما على أرض الجنوب اللبناني.
وبثوب مشغولٍ بماء الورد ورائحة الياسَمين، تمشي “ديانا” بتؤدة بين ذاكرة الماضي الجميل فتسأل عن الحرف الأول والثقافات البكر .. وتتوجه إلى إيبلا وماري وأوغاريت وراميتا وأفاميا بالسؤال: أين نحن الآن؟ نحن في كلّ مكان .. في الكتاب .. في القصيدة .. في العمارة .. في الشهداء .. وفي التلاميذ يتوجهون إلى مدارسهم كلّ صباح غير عابئين برسائل الموت وأصوات الانفجارات.
الدائم هو الله، ودائمة هي فلسطين ..
نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..
الياس فاخوري
كاتب عربي أردني