من باع سوريا… من باع بشار الأسد؟ / نبيه البرجي
نبيه البرجي ( لبنان ) – الثلاثاء 17/12/2024 م …
أجل، من باع سوريا، اذا ما علمنا أن أبرز وجوه الثورة لا يزال يتقاضى، ومن سنوات، مبلغاً شهرياً (5000 دولار) من اسرائيل؟ الاجابة مستحيلة الآن، وقد تستدعي أشهراً، وربما سنوات. ولكن هل حقاً أن بشار الأسد من باع بشار الأسد؟
يفترض أن أوضح أنني لم أكن يوماً مع أي نظام عربي. الأنظمة التي لولا العديد منها لما كنا في قاع الأمم، وفي قاع الأزمنة. كنت، ولا أزال، مع سوريا الدولة التي بارادة شعبها رفضت أن ترفرف نجمة داود على ضفاف بردى، والتي مدت اليد الى المقاومة في لبنان باجتثاثها الأقدام الهمجية من أرضنا.
ولكن كيف لنا القبول بثقافة التشبيح، وحيث الأجهزة الأمنية التي تخلت كلياً عن دورها في حماية الدولة، لتتفرغ لحماية النظام، ولقتل الدولة، ولقتل النظام، حين كنت ترى رجال هذه الأجهزة في الملاهي الليلية (المزابل الليلية)، فيما الحدود، وفيما الحواضر، مشرعة اما أمام الجماعات الآتية، للتو، من العصر الحجري، أو أمام من يبغي تفجير البلاد من الداخل.
في البدء كان الخطأ. انتقال الرئاسة. الأب، كلاعب استراتيجي، يدرك بدقة خفايا التركيبة السورية، والذي قلت له ذايت يوم ان الكثيرين يتهمونك بالانحياز الى الطائفة العلوية، فكان رده “أنا سوريا لا تتسع لي فكيف الحال بالطائفة؟”. المهم انه كان يعتبر أن القبضة الحديدية ضرورية لوقف الانقلابات التي كانت تحاك في السفارات العربية والأجنبية، وتزيد في هشاشة البلاد كذلك في تفككها.
الابن الذي لا يشبه أباه في حال من الأحوال. كان يصلح لادارة عيادة لطب العيون، وحيث لا نقطة دم هناك، لا لادارة دولة تحيط بها الاحتمالات من كل حدب وصوب.
كان عليّ، وسط تلك الضبابية المروعة، أن أحادث، ليلة أول أمس، عدداً من الشخصيات المعارضة السلمية، والتي فرضت عليها الاقامة في الظل. أحدهم كان من أبرز رجال الأسد الأب. قال لي “كنت قد قدمت لبشار، وكان طارئاً على السياسة، ورقة عمل تتيح الدخول في الحداثة السياسية باشراك قوى جديدة، وفاعلة، في السلطة. أتصور أنه ألقى بها في سلة المهملات، وقد آل على نفسه الاً يصغي الا للأغبياء، ليصبح رهين أجهزة الاستخبارات بالعيون الخشبية وبالأدمغة الخشبية”.
رداً على سؤالي “من باع بشار الأسد؟”، قال “هو من باع نفسه قبل أن يبيعه الآخرون”، ليلاحظ أن صفقة ما عقدت بعدما بلغ الوضع الداخلي حدود الانفجار، و”الا لماذا أمر تلك القوة الضاربة التي كانت في طريقها الى حماه لكسر أي قوة معادية، بالعودة قبل أن تصل الى المدينة بنحو 20 كيلومتراً؟”. قال، بمرارة، “لقد كان ضائعاً بين مهنة الاستاذ التي لا يتقنها ومهنة الديكتاتورالتي لا يتقنها. أنظر الى حركة يديه وهو يتكلم”!
استعاد مراحل حكم بشار الأسد. “أنت صحافي وتعلم أن بعض وزراء الاعلام الذين اختارهم كانوا بمواصفات القردة. تصور أن أحدهم ـ وباح لي باسمه ـ كان حقاً بمواصفات الشمبانزي. ادار وزارة الاعلام، بأهميتها للدولة السورية، كما لو أنه يدير مزرعة للأبقار، حتى اذا ما خرج من الوزارة، تصور أن يعين رجل مثله سفيراً في المملكة العربية السعودية، ما يفترض الكثير من الحنكة، ومن الخبرة، ومن الفهم الدقيق للسياسة وللديبلوماسية في المملكة. وحين انتهت مهمته بأكثر من فضيحة، أودع القيادة المركزية لحزب البعث، وكانت أقرب ما تكون، مع استثناءات محدودة، مستودعاً لا للأحصنة الهرمة، وانما مستودعاً للقردة الهرمة”.
المعارض اياه توقف عن حال الحزب الذي قال ضاحكاً أنه عبارة عن “ميليشيا من الهياكل العظمية”، ليضيف “أنا، كما تعلم كنت مسؤولاً فيه، ولقد نقدمت بسلسلة من المقترحات لاطلاق ديناميكية ايديولوجية، وسياسية، تتفاعل مع الأجيال. ولكن يبدو وجود اصرار على بقائه ظاهرة فولكلورية، ولعلكم في لبنان تلاحظون ذلك”.
وقال “سوريا لا تستطيع الا أن تحافظ على علاقاتها مع المحيط العربي، وهو مدانا القومي والحيوي. تصور أن يصف القادة العرب، حتى لو كان هناك خلاف معهم، بأنصاف الرجال، وهو الذي كان بعيداً عن استيعاب ما تعنيه المعادلات، والعلاقات، الاقليمية، والدولية، في بلد يتسم بالحساسية الجيوستراتيجية الشديدة”.
أعطى مثالاً موقف الأسد من قرار مجلس الأمن رقم 1559 حول لبنان، والذي اعقب لقاء الرئيسين الأميركي جورج دبليو بوش والفرنسي جاك شيراك في النورماندي، عام 2004. القرار الذي قضى بانسحاب القوات السورية من لبنان، واجراء انتخابات رئاسية فيه، دون أي تدخل أجنبي (سوري). “ولا ندري على ماذا استند آنذاك لخرق القرار والتمديد للرئيس اميل لحود، لنخرج، بعد أقل من عام، على ذلك النحو المذل من لبنان”. “حقاً كنا أمام أوكسترا الأغبياء. مرشده السياسي كان ضابطأً عرف بعقده الفرويدية القاتلة (هاجمني شخصياً في مقال له)”.
وأنا اتابع مشهد اليوم الأول من “التغيير” الذي هلل له الكثيرون، دون أن يتنبهوا الى ما ينتظر سوريا، وانعكاسات ذلك على لبنان، لاحظنا كيف يتم تفريغ القصر الرئاسي من الأطباق، وحتى من الأحذية، كان لا بد من التساؤل “كيف يمكن أن يحصل التفاهم بين من هم بالملابس، واللحى، الأفغانية، ومن هم بربطات العنق الفاخرة”؟
في اليوم الأول أيضاً، وقد شاهدنا فرح السوريين بذلك، دمرت القاذفات الاسرائيلية مركز البحوث العلمية في دمشق (لتكريس ثقافة العصر الحجري)، كما دمرت أبنية الأجهزة الأمنية. الأهم أنها استولت على الجزء السوري من جبل حرمون، وخلعت خط فك الاشتباك لتقيم منطقة عازلة، دون أن يكون سراً أن ضباطاً من الموساد انتقلوا الى بعض المناطق القريبة من الحدود للبحث في اقامة دول طائفية على غرار ما فعله الجنرال هنري غورو في بداية الانتداب الفرنسي.
اذا كان هذا النظام البديل. أي سوريا الآن، وغداً؟ سوريا التركية أم سوريا الاسرائيلية، أم سوريا التي كانت؟
هذا أول دعاء في حياتي: اللهم احفظ سوريا. بالدرجة الأولى من… السوريين!!