سوريا تُهدم .. والفرحون يراهنون على مستقبلً لن يجدوه! / أحمد ويحمان

أحمد ويحمان ( السودان ) – الخميس 19/12/2024 م …




كلمات….
.. في هبل الدعوة للفرح وسط الخراب…..

في مشهدٍ لا يخلو من العبث، نجد بعض الأحزاب والحركات يدعون إلى الفرح وسط الخراب الذي ينهش سوريا، وكأن ما يحدث اليوم ليس سوى احتفالٍ عابر، وليس إعلانًا جديدًا لمخططات التقسيم والاحتلال. فبينما يُعلن نتنياهو سيادة الكيان الصهيوني على الجولان المحتل من مرتفعات جبل الشيخ، وتُنفذ الطائرات الصهيونية 500 غارة على المطارات العسكرية، وموانئ اللاذقية، ومستودعات الأسلحة، ومراكز القيادة، لا يُسمع صوت سوى صيحات الفرح الزائفة، وكأن الاحتلال نصرٌ يُحتفى به !

الفرح على حساب الوطن

لنتذكر ماذا يحدث فعليًا: المنطقة العازلة، الممتدة على مساحة 230 كيلومترًا مربعًا، باتت تحت الاحتلال الصهيوني. مرصد جبل الشيخ، والقسم الأكبر من مدينة القنيطرة، في قبضة العدو. فرق وعصابات متخصصة تنهب الآثار والأرشيف وتهربه بتنسيق مع ثلة من العملاءالمحليين . وعصابات متخصصة أخرى تقتنص وتذبح العلماء . المنشآت الدفاعية السورية تُدمر واحدة تلو الأخرى، وسط صمت عربي مريب وتواطؤ دولي. بل والأسوأ، أن الأيادي التي تُصفق للفرح تُساهم بشكلٍ غير مباشر في تمزيق سوريا، وتحويلها إلى كانتونات طائفية وإثنية، كما تُخطط واشنطن منذ عقود.

ضياع بوصلة الأجداد

في هكذا فتن، وفي حالة سوريا بالذات، يحضر التاريخ بقوة وسط تيه الحاضر ومخاطر ضياع المستقبل .
ولنتأمل يا دعاة الفرح !

1 – فارس الخوري .. شهادة الوحدة في وجه الطائفية

ألا يستحق، يا دعاة الفرح، أن نستدعي، لخيبتنا، يوم حاول الجنرال الفرنسي غورو أن يزرع الفتنة في سوريا، مدعيًا أن فرنسا جاءت لحماية مسيحيي الشرق من المسلمين؟ يومها، إذا نسيتم، وقف فارس بك الخوري، المسيحي، في وجه هذا الادعاء.. لما قصد الجامع الأموي، يوم الجمعة، وصعد المنبر وقال مخاطبًا المصلين: إذا كانت فرنسا تدعي أنها احتلت سوريا لحمايتنا نحن المسيحيين من المسلمين، فأنا كمسيحي أطلب الحماية من شعبي السوري، وأنا كمسيحي من هذا المنبر أقول : أشهد أن لا إله إلا الله يومها أقبل عليه المصلون وحملوه على الأكتاف وخرجوا به في مظاهرةٍ تطوف أحياء دمشق، وخرج المسيحيون من أهل دمشق يومها في مظاهرات حاشدة ملأت دمشق وهم يهتفون “لا إله إلا الله”.، في رسالة واضحة أن سوريا واحدة لا تُقسم. وهي الرسالة التي جسدها، قبل ذلك، نائب الطائفة السنية الشيخ عبد الحميد الطباع حين خرج ليرد على المعترضين لما أوكلت حقيبة الأوقاف في الحكومة لفارس الخوري فقال : ” إننا نأمن على أوقافنا عند فارس بك أكثر مما نأمن عليها من أنفسنا”!

2 صلاح الدين وسلطان باشا والقسام .. وحدة المصير

وكيف تُنسى أيام صلاح الدين الأيوبي، الكردي ، الذي قاد العرب وغير العرب، المسلمين وغير المسلمين، في معركة واحدة لتحرير القدس؟ أو أيام الثورة السورية الكبرى، حين اصطف الجميع خلف سلطان باشا الأطرش، الدرزي ، لمقاومة الاحتلال الفرنسي؟
كيف ينسى اسطفاف الجميع وراء الشيخ القائد الشهيد عز الدين القسام، السوري في الجهاد من أجل تحرير فلسطين ؟
هذه القصص عن انتفاء الحدود الدينية والمذهبية والطائفية في مواجهة دسائس ومخططات الاستعمار، و ليست حكايات ماضٍ فقط، بل دروس تُذكرنا بأن الوحدة هي السلاح الأقوى في مواجهة العدوان. أما اليوم، فالفرح بالخراب هو ما يفتح الأبواب واسعة أمام العدو ليفرض تقسيمه ويُكمل احتلاله.

الخيبة القادمة للفرحين

لكل هذا نتوجه ل “الفرحين” ونقول لهم أن يتذكروا جيدًا، عندما ينقشع غبار الحرب؛ أيها ” الفرحون” إنكم عندما ستعودون من نشوة فرحكم الأهبل لبناء سوريا ومستقبلها لن تجدوها ..وإنكم عند عودتكم للواقع المرير لتثبيت سوريا في موقعها الطبيعي لدعم شعب فلسطين ومقاومته ستكتشفون أن الطريق إلى فلسطين بات يمر عبر تل أبيب.. لن تجدوا سوريا دولةً واحدة، بل مجموعة دويلات مفككة، تحتاجون إذنًا للانتقال بينها .. من تل أبيب !.
لقد سبقت فرحة الفرحين بسقوط بغداد، ثم رأينا منهم من يبكون على صدام حسين وكانوا من أشرس معارضيه . وكذلك فرحة سقوط القذافي، ثم شاهدنا دموع البكاء عليه عندما أصبحت ليبيا فريسة تُمزقها الميليشيات، بعد أن أسقطها لهم الناتو. عمت فرحة إسقاط البشير، وها نحن نرى السودان يتهاوى بعد تقسيمه لدولتين ويسار إلى إعادة تقسيمه إلى خمس ( ما يسمى المسارات الخمس المنبثقة عما يسمى مؤتمر جوبا للسلام ) . زد على ذلك فرحة إسقاط مبارك و صعود مرسي وإسقاطه … الخ
كل هذا التذكير وغيره ليس دفاعًا عن الطغاة، ونحن في مواجهة الطغيان وممن أدوا ويؤدون الثمن منذ عقود على ثغر الجبهة الحقوقية، بل هي دعوة لقراءة المشهد بعينٍ أعمق، وأخذ العبرة من التجارب، بدلًا من تكرار ذات الأخطاء التي تجعلنا أمة ” تُلدغ من الجحر مرة تلو أخرى” ولا نتعظ .

خلاصة القول

إن القصة كلها في سوريا وموقعها في معركة الأمة .
سوريا اليوم ليست مجرد وطن تحت العدوان، بل هي خط الدفاع الأخير عن الأمة. تدميرها ليس معركةً معزولة، بل خطوة ضمن مخطط أكبر يستهدف الأمة كلها. فإن ضاعت سوريا، ضاع موقعها الطبيعي كركيزة للمقاومة، وضاعت معها كل آمال التحرر من الهيمنة الصهيونية والاستعمار الجديد.
هذه ليست دعوةً للتراجع أو التخاذل، بل هي دعوة للوعي. فالفرح اليوم قد يتحول إلى بكاء مرير غدًا، عندما تُصبح الأمة بلا حاضر ولا مستقبل، وعندما لا نجد حتى الطريق إلى فلسطين .

آخر الكلام
هي معادلة مقلوبة في أمة “اقرأ”… وأمة الجهل !
كيف نكون أمة أول ما أُمر به نبيها هو ” اقرأ “! ، ومع ذلك نصر أن نبقى أسرى الجهل والفتنة؟ رحم الله الشاعر حين قال فينا عن حق :
(…)
يا أمةً ضحكت من جهلها الأمم !
وصدق الله العظيم حين قال :
فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا…”
ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم !

مناضل ضد التطبيع .. باحث في علم الاجتماع السياسي

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

واحد + 9 =