المفكرة الأردنية ديانا فاخوري تكتب: من نزار قباني الى فلاديمير بوتين وبالعكس: الدهر يبدأ من دمشق وعندها / وبأرضها تتشكل الأحقاب .. نعم، تنبثق قواعد النظام العالمي الجديد من سوريا بالتحديد .. سوريا / روسيا: تجمعهما الأبجدية العربية، ويلتقيان في الأمن الأستراتيجي!
ديانا فاخوري ( الأردن ) – السبت 21/12/2024 م …
* من المحرر: نعيد نشر هذا المقال للكاتبة والمفكرة الأردنية الراحلة ديانا فاخوري.
المقال، كنا قد نشرناه في ” مدارات عربية ” بتاريخ 29/5/22021 م، ونرى أن إعادة نشره مفيدة جدا لكل من هو مهتم لما آلت إليه الأوضاع في الشقيقة سورية.
وكما يقال: ” دائما أو غالبا في الإعادة إفادة “.
ها هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرسل برقية تهنئة إلى الرئيس السوري بشار الأسد بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية في سوريا مضيفاً ان “نتائج التصويت أكدت تماماً سلطتكم السياسية العُليا، وثقة مواطنيكم في الاستمرار تحت قيادتكم لتثبيت الوضع في سوريا في أسرع وقت ممكن وتعزيز مؤسسات الدولة فيها” .. كما شدد بوتين على أن “الجانب الروسي يعتزم مواصلة تقديم الدعم الشامل للشركاء السوريين في محاربة قوى الإرهاب والتطرف، وكذلك في دفع عملية التسوية السياسية وإعادة إعمار البلاد بعد انتهاء الصراع” .. وقالت الخارجية الروسية ان الانتخابات الرئاسية في سوريا “خطوة مهمة نحو تعزيز استقرارها الداخلي”، مشيرةً إلى أن “تصريحات عددٍ من الدول الغربية حول عدم شرعية الانتخابات في سوريا ضغط صارخ على دمشق، ولا يحق لأحد أن يملي على السوريين متى وتحت أي ظروف ينبغي أن ينتخبوا رئيس دولتهم”.
مع استدعاء قاذفات روسية بـ”قدرات نووية” الى قاعدة حميميم عشية الانتخابات الرئاسية، لا بد ان نستدعي بعضا من تصريحات القادة الروس في بدايات وإبّان الأزمة السورية ..
فلاديمير بوتين: النظام الدولي الجديد يخرج من سوريا.
لافروف: لا تفرشوا السجادة الحمراء أمام مولاكم الخليفة، فلن يكون في دمشق لا زهران علوش ولا أبو بكر البغدادي ولا أبو بكر الجولاني.
بريماكوف: تفجير سوريا يستتبع تلقائيآ تفجير الشرق الأوسط.
إقرأ برقيات التهنئة ورسائل الخارجية الروسية باسناد من قاذفات “تو ـ 22 ام 3″، تقرأ فيها رسائل لكلٍ من واشنطن وأنقرة، بأن النظام الحالي في دمشق هو الركن الأساسي للأمن الاستراتيجي وخارطة القوة في الشرق الأوسط .. ثم تمعّن ب”صدفة” تزامن ذلك مع اعلان عقد قمة أميركية ـ روسية في جنيف يوم 16 حزيران القادم يتضمن جدول أعمالها – الى جانب النووي الإيراني – الوجود الأميركي على الأرض السورية الذي يوفر، بدوره، تغطيةً مدروسةً للوضع التركي في ادلب، وللحركة الكردية الانفصالية الى جانب الغارات الاسرائيلية التي تستهدف زعزعة الأمن الداخلي السوري.
اما أردوغان فما فتئ، ومنذ بداية العدوان على سوريا، يحاول “تتريك” الشمال السوري تارة بالرهان على “الإخوان المسلمين” و طورا على تنظيم “داعش”، و”جبهة النصرة” وفصائل أخرى كـ “الجيش الحر”، ودائما بحجة مواجهة خطر “الأكراد” وابعاده عن الحدود حيث يُعتبر “المشروع الكردي” خطراً على الداخل التركي .. كما يتوخى الأتراك إنشاء منطقة آمنة داخل الأراضي السورية في محاولة لاستيعاب حوالي مليونَيْ لاجئ سوري تستضيفهم في الوقت الحالي الى جانب سرقة النفط السوري والاستثمار برعاية داعش!
وهنا أعود لتقاطع المصالح، والرؤى، بين جون فوستر دالاس وعدنان مندريس .. فمنذ مؤتمر لوزان (1923) والعين العثمانية على سوريا. وهذا اردوغان – الرجل الذي يسكنه عمى الايديولوجيا، مثلما تسكنه اللوثة العثمانية حيناً واللوثة السلجوقية حيناً اخر – ليس بمقدوره تخيُّل حلب او الموصل خارج حدود السلطنة.
وهكذا كان لا بد من تطابق الموقف الروسي مع الموقف السوري ولن يبقى الوضع السوري على ما هو عليه في الشمال كما في الشرق .. فهل ننتظر تطورات ما على الأرض السورية خاصة مع القيام بتعديل مدرجات قاعدة حميميم لتغدو صالحة لاستقبال القاذفات الاستراتيجية؟ وهل هذا إنذار لمن يهمهم الامر سيما وان “سيف القدس” مازالت أمامهم ماثلةً بوقائعها ومفاعيلها والنتائج!؟ وماذا عن الدور الروسي في تقريب المسافة بين الرياض ودمشق، وبين الرياض وطهران؟
كما لوحظ في الفترة الاخيرة بعض التوازن في التعليقات الأميركية ضمن مقاربة المشهد الشرق أوسطي اذ تبدو الحرب مستحيلة ضد ايران، واذ تيقّن بايدن ان نتنياهو كاد ان يذهب بكيان الاحتلال الى الانتحار بحرب برية تستدعي إقامة جسر جوي أميركي لإنقاذ الكيان في الوقت الذي يسحب فيه بايدن القوات الأميركية من افغانستان رغم الاشتباكات العنيفة بين طالبان وحكومة افغانستان “الاميركية”! هذا وتاكد لبايدن أن الأمور تتغير حتى داخل الكونغرس عداك عن المظاهرات الحاشدة التي خرجت وتخرج (اليوم السبت، مثلاً) تأييداً للفلسطينيين، وتنديداً باسرائيل .. تأملوا تصريح بايدن بإن “لا سلام في المنطقة” دون الاعتراف بحق الوجود للكيان المحتل من خلال “حل الدولتين”! أفلا ينسف بايدن بتصريحه هذا اتفاقيات كامب دافيد، واتفاقية أوسلو، واتفاقية وادي عربة، والاتفاقات الابراهيمية التي سبق ان اعترفت للكيان الغاصب بحق الوجود!؟ الا تعني مطالبة بايدن هذه اعلاناً بعدم صلاحية او كفاية تلك الاتفاقيات مُظَهٍراً المأزق الوجودي للكيان المحتل كما بيّنتُ في مقالاتي السابقة!؟
واليوم أيضاً لا بد ان أكرر انه كما على الأرض كذلك في السماء: سوريا تعيد كتابة التاريخ وتعيد توجيه البوصلة طبيعيا نحو فلسطين!
تحررت دمشق، ولم تسقط مجرد طائرات او صواريخ العدو في المحور “الصهيواعروبيكي”.. أسقطت سوريا ثقافة “النعجة” عربيا و ثقافة “الرامبو” اسرائيليا! سوريا: أنا أقاوم، اذن أنا هنا!
إنها سوريا المقاومة .. سوريا العربية العلمانية الموحدة .. مثوى ألف نبي .. فكرة خمسة عشر الها خرافيا .. أم لستة من أباطرة روما .. لؤلؤة العرب و جوهرتهم .. “الله غناها فجن لها الورى” كما كتب ايليا أ بي ماضي!
سوريا .. صاحبة عبقرية الأزل محكومة بالمقاومة و الممانعة منذ الأزل .. قاومت الإغريق و الرومان و المماليك و العثمانيين و ما زالت تقاوم قوى الشر الصهيوأعروبيكية .. و لعل هذا ما يمثل جوهر وجودها التاريخي و علة كونها الاستراتيجي! وبهذا يشهد احمد شوقي:لولا دمشق لما كانت طليطلة .. ولا زهت ببني العباس بغدانيا فتية الشام شكرا لا انقضاء له .. لو أن إحسانكم يجزيه شكران
سوريا هذه لن تنحني للأشد كفرا ونفاقا من شيوخ القبائل أو شيوخ الطرق التائهين بين براميل النفط والكازينوهات و تجارة السلاح ليبدأ هؤلاء رحلة البحث عن “تطبيع” بديل مع سوريا وإيران ..وكان ديفيد شيلد – نائب مدير الاستخبارات في البنتاغون – قد أحصى وجود أكثر من 1200 فصيل مسلح من مختلف الولاءات والأهواء على الارض السورية!
فهل تطل شمس غرناطةَ علينا .. بعد يأس وهل تزغرد ميسلون كما بشّرنا نزار قباني مضيفاً:
نحنُ عكا ونحنُ كرمل حيفا .. وجبال الجليل واللطرونُ
كل ليمونة ستنجب طفلاً .. ومحالٌ أن ينتهي الليمونُ
فلا غرو اذن ان يكلم الله الشعب العربي في سوريا من على قمة قاسيون مبشرا بالنصر (جامعا البشارة والنصر): أنتم قلعة العرب، و انكم انتم الغالبون!
وبعد، هل جاءكم خبر: شتراوس يطلب اللجوء السياسي في سوريا .. و دمشق ترحب؟ وها هو اليوم يعكف على اعادة صياغة سمفونيته المعروفة “الدانوب الأزرق” لتصبح “بردى العائد” .. يصر شتراوس على المجيء الى دمشق ليرى “بردى” يصب في الجنة فيدعو آدم وحواء الى ليلة عرس على ضفاف النهر ليتطهرا من الخطيئة!
الله لا يخلع سوريا أبدآ، وقد أودعها الشمس والأبدية ..عاشر الله الشام وعرفها و خبرها، ولذا فالله لا يخلع الشام أبدآ!
فاخلع نعليك وكل لبوس القدم وانزع عقالك وكل غطاء الرأس – انها بلاد الشام!
تحيا سوريا، لتحيا فلسطين والأمة!
سوريا اليوم أقوى، وفلسطين اليوم اقرب .. وها هي بضعة أيام فلسطينية تهز العالمين بسيف القدس!
الدائم هو الله، ودائمة هي فلسطين ..
نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..
ديانا فاخوري
كاتبة عربية أردنية