الكعكة الصفراء الأردنية .. أغلى من الذهب .. وأبخس من الوهم! / محمود الدباس – ابو الليث
منذ تأسيس هيئة الطاقة الذرية الأردنية عام 2008.. كان الأردنيون يتطلعون إلى حلم كبير.. طاقة نووية رخيصة.. توفر لأجيالهم طاقة مستدامة.. وتمدهم بحلول للتحديات الاقتصادية المستمرة.. كانت الآمال.. أن تصبح الهيئة العامل المساعد في رفد الخزينة الأردنية بملايين الدنانير.. بل ربما مليارات.. وكانت الأحاديث حول الكعكة الصفراء.. التي تحتوي على اليورانيوم الأردني.. تمثل الوعد الكبير.. ولكن، أين نحن الآن؟!
سأطرح الموضوع بشكلٍ مُغايِر.. على شكل تساؤلات.. تدور في خَلد الكثير من المواطنين.. الذين تحدثوا معي في هذا الأمر.. واحاول التعليق عليها.. بشكل قد يثير الفضول.. او يلفت الانتباه.. لعلنا نجد ضالتنا..
من الكعكة الصفراء.. إلى الخزينة الصفراء.. أين ذهبت الملايين؟!..
على مدار 16 عاماً.. وُعِدَ الأردنيون بحلول غير تقليدية.. مئات الملايين من الدنانير التي أُنفِقت.. ولا تزال الهيئة تتحدث عن “المستقبل”.. موازنة الهيئة.. التي تراوحت بين 6 و9 ملايين دينار سنوياً.. كانت تُنفق لتمويل مشاريع.. لا يُرى لها أثر ملموس.. بل تظل نتائجها مخيبة.. في النهاية.. وجدنا أن ما تم تحقيقه من إنتاج اليورانيوم.. لا يتجاوز الـ 20 كيلو غراماً.. أي بنسبة تصل الى 0.0125% بينما النسب المجدية تتراوح بين 0.1% الى 1%.. وتُقدر قيمة ما تم الإعلان عنه بـ 6 آلاف دولار على أعلى تقدير.. وهو 300 دولار للكيلو غرام.. بيننا الآن يتراوح سعر الكيلو غرام بين 41 – 60 دولار.. حسب العرض والطلب.. في وقت كان من المفترض.. أن تُصبح فيه الهيئة ركيزة أساسية.. لتحسين الاقتصاد الوطني..
اليورانيوم الأردني.. كنز مخفي.. أم كذبة مكشوفة؟!..
هل كان من الممكن تحقيق نجاحات أكبر؟!.. الإجابة هي نعم.. ولكن كيف يمكن أن ننجح في شيء.. لم نكن مستعدين له من البداية؟!.. الفشل في استثمار اليورانيوم الأردني.. يعود إلى عدم وجود رؤية استراتيجية واضحة.. كانت الهيئة تهدف إلى استغلال اليورانيوم المحلي.. لكن هذا الاستثمار.. يحتاج إلى بنية تحتية متكاملة.. وشراكات دولية قوية.. لم تُتوفر في أية مرحلة.. في الوقت الذي كانت فيه مصر.. على سبيل المثال.. وهي الأقرب لواقعنا الاقتصادي والاجتماعي من بين الدول التي أخذت على عاتقها هكذا ملف.. تُوقع اتفاقات مع شركات عالمية ضخمة.. لبناء مفاعلات نووية ضخمة.. بلغت قيمتها مليارات الدولارات.. كان الأردن لا يزال يقتصر على الحديث عن مشاريع لا تكاد تذكر.. واليوم.. نحن نملك فقط 20 كيلو غراماً من اليورانيوم.. بينما كانت مصر قد بدأت في الاستفادة الفعلية من مشاريعها..
وما يزيد من الغرابة.. أن موازنة هيئة الطاقة الذرية المصرية.. كانت خلال السنوات الماضية قبل رفعها قريباً.. تقارب الـ 6 ملايين دينار سنوياً.. أي أقل من الموازنة التي خُصصت للهيئة الأردنية والتي وصلت إلى 9 ملايين دينار في بعض السنوات.. ومع ذلك.. استطاعت مصر أن تقطع أشواطاً كبيرة في مشاريعها النووية.. بينما لا تزال الهيئة الأردنية.. تدور في نفس الحلقة المفرغة.. والأكثر أهمية.. أن مصر لم تكتفِ بتخصيص ميزانية تشغيلية لمؤسستها.. بل استطاعت توقيع استثمارات نووية ضخمة.. بلغت قيمتها لمحطة الضبعة النووية في مصر حوالي 28.5 مليار دولار.. وهي في مراحلها النهائية.. في حين لم تستطع الهيئة الأردنية جذب استثمار يذكر.. رغم التصريحات المتكررة.. عن وجود اهتمام دولي باليورانيوم الأردني..
هل ننتظر أحفاد أحفادنا؟!..
وها نحن اليوم.. بعد مرور 16 عاماً من الحلم النووي.. نجد أنفسنا نسأل.. هل سننتظر أجيالاً قادمة.. لرؤية ثمار ما بدأناه؟!.. هل سنظل نراهن على الرؤى القديمة.. التي لم تُؤتِ ثمارها؟!.. إذا كانت موازنة الهيئة.. قد استنفدت حوالي 125 مليون دينار خلال السنوات الماضية.. فهل حقاً نستطيع القول.. إنها قدمت شيئاً ذا قيمة؟!.. 20 كيلو غراماً من اليورانيوم.. مقابل 125 مليون دينار.. هل هذا يُعتبر استثماراً حكيماً؟!.. وهل سنظل على نفس النهج في المستقبل.. أم أن هناك ضرورة ملحة.. لإعادة التفكير في استراتيجيات الطاقة في الأردن؟!..
هل تعكس هذه التجربة.. رؤية واضحة للمستقبل؟!..
ما يثير التساؤل أكثر.. هو غياب الإرادة الجادة من القائمين على الهيئة.. لماذا لم تُبذل أي جهود حقيقية.. لإقناع المستثمرين الدوليين؟!.. لماذا لم تُعقد أية شراكات مثمرة.. تُسهم في تحقيق العوائد المنتظرة؟!.. وفي المقابل.. تواصل مصر استثماراتها الضخمة في المجال النووي.. مع شركات دولية.. وبمليارات الدولارات.. بل ونجحت في توقيع اتفاقات استراتيجية.. تضمن لها مركزاً متميزاُ في منطقة الشرق الأوسط.. بينما نحن.. نبحث عن جواب.. يجيب عن تساؤلاتنا التي تبدو بلا نهاية..
هل سيظل الأردنيون ينتظرون المعجزة؟!..
السؤال الذي يجب أن يُطرح اليوم.. هل يمكننا الاستمرار على نفس النهج.. أم أن الوقت قد حان.. لتقييم حقيقي لما تم إنجازه؟!.. هل سنظل نبني أحلاماً على أمجاد الماضي.. أم أن هنالك فرصة جديدة.. يمكن أن تستفيد منها الهيئة.. لتدعيم مستقبل الطاقة النووية في الأردن؟!..
فإذا كانت هذه الهيئة قد تأخرت في تقديم ما وعدت به.. هل يمكننا أن نثق في أن الأجيال القادمة.. ستكون قادرة على تحقيق ما لم نتمكن من تحقيقه حتى الآن؟!.. وهل بإمكاننا الانتظار لثلاثين عاماً أخرى؟!.. أم أن الحقيقة الصادمة.. هي أن هذه الهيئة.. رغم الإمكانيات المبدئية.. التي كانت أمامها.. قد أخفقت في تطوير رؤية استراتيجية حقيقية.. تسهم في تحسين وضع الأردن الاقتصادي؟!..